إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ديولن ( يُطل على الحواس ) شعر مؤمن سمير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ديولن ( يُطل على الحواس ) شعر مؤمن سمير

    6:48:53
    إنه البحث عن الحب أولا وأخيرا
    البحث عن الحب "في يوميات أنثى"




    د. مجدي أحمد توفيق


    أتاح لنا عقد التسعينات المنصرم أن نضع أيدينا على نوعٍ أدبي جديد، أطلق عليه الكتاب والنقاد مصطلح "النصوص" يريدون بالنص شكلاً من أشكال الكتابة يتعذر تجنبه، فإذا نسبته إلى الشعر تأبّى عليك لأنه سردي، وإذا نسبته إلى القصة واصل تأبيه لأنه غنائي؛ فهو يقف على الأعراف بين القصة والشعر، نوعاً قأئماً برأسه.

    ومنال فاروق مستفيدة من هذا الضرب من التفكير فى كتابها هذا" من يوميات أنثى" بل تضاعف من صعوبة التجنيس حين تستعير جمالياً شكل اليوميات ليكون شكلاً للكتابة فى نصها الحالي.

    قد يبدو أن منال فاروق إذ تستعير شكل اليومية تحسم الحيرة بين الشعري و القصصي اللذين يكتنفان نصها؛ لأن اليوميات و المذكرات شكلان يتفرعان عن أدب السيرة الذاتية، الذي هو من جهة، من فروع القصة، فإذا بشكل اليوميات، على هذا التقدير، يصب في كفة القصصي لا الغنائى.

    ولكن شكل اليوميات، من ناحية أخرى، قد لا يكون منتمياً فى الأساس إلى الأدب، لأن كل إنسان يستطيع أن يدون يومياته، لا يراعي فيها أن تحقق شكلاً من أشكال ألأدب مكتفياً بما تقدمه له من تذكير بأحدثٍ ماضية، ومن فرصة تتيحها له حتى يتأمل أحدث حياته، و يدرك دلالاتها، و يختار لمستقبله ما يراه الأصلح لحياته. وهذا كله معناه أن شكل اليوميات يكتنفه التباسٌ آخر بين الأدبي و غير الأدبي.

    أضف إلى هذا الالتباس أن اليوميات بقدر ما تجد لنفسها مساراً تنتهى فيه إلى حيز القصة، فإنها، بحكم طبيعتها، تغذى الكتابة الغنائية، و النزعة الذاتية، ربما بأكثر مما تغذى السردى و الحكائى؛ فهى تجعل الحدث- أى حدث- منظوراُ إليه من منظور الذات التي تدون يومياتها، ولا تستدعى من الأحداث إلا ما يلمس هذه الذات، وما يكون ذا معنى عندها.

    ومن هنا تغذى اليوميات الغنائي على حساب السردي، فلا تحتاج إلى أن تستوفى معالم الحدث،لأن الذات المدونة تعرف الحدث جيداً و لا تحتاج إلى أن تعرف نفسها به في مدونتها، و ينبغى ألا ننسى أن اليومية إن هي إلا خطاب ذاتي، تخاطب فيه الذات نفسها، ولا تكتب لتعلم الآخرين.

    ولهذا تصبح تقنيات الإيجاز، و الحذف، و الإيماء، تقنيات على درجة كبيرة من الأهمية في هذا الشكل من أشكال الكتابة، سواء أكانت كتابة أدبية أم كانت غير أدبية.

    ومن الطريف أن قصيدة النثر قد عرفت –خصوصا في النصف الأول من عقد التسعينات الماضى- مصطلحا ذا دلالة هو شعر اليومي. ولا يجعلنا مصطلح شعر اليومي نتعجل فنصف كتابة اليوميات بوصفها نوعاً من قصيدة النثر. وإنما يكفى أن نوضح أن هذا التشابه بين شعر اليومي و كتابة اليوميات يعزز إدراكنا لما هو غنائي في كتابة تنظر إلى هموم الكاتب التي تحبرها في حياتها اليومية.

    ذلك أن الحاجة إلى الحب والاحتواء والتوصل هي الهم الرئيسي في هذه اليوميات، وربما تكون هذه الحاجة أصيلة في مفهوم الأنوثة نفسه الذي يظهر في العنوان العام على الكتاب بأكمله.

    ولا مناص من أن نقرأ التمركز حول علاقة المرأة بالرجل، و حول تجربة الحب بخاصة، بوصفة نشداناً لهذه القيم الإنسانية التي تتطلع إليها الذات الراوية، فإن لم نحمل قراءتها على هذا المحمل لم يبق أمامنا إلا علاقات عاطفيه مخفقة، قد تخلو من الخبرة الجمالية،وقد تكون ضرباً من المرهقة يتعالى عليها كثير ممن يشعرون بنضجهم رجالاً ونساءً.

    في ضوء هذه الفكرة نستطيع أن نقرأ الآن نصاً من نصوص الكتاب، أو لنقل يوماً من أيامه. وليكن اليوم الذي نختاره الآن لكى نقراه معه هو اليوم الأول:
    "لماذا أتضايق منك؟. لم تحاول أن تعطى أملاً زائفا.. لكنى ظنت أن بيننا شيئاً. اليوم أعلم أنها محاولة لسد الفراغ."

    ليست هذه رسالة موجة من الرواية لمن تخاطبه، بل هى على الحقيقة تدير خطابها له في فضاء الخيال. و لقد صدرت الكاتبة أيامها بما أسمته " مبدأ هام" و كان نص المبدأ المهم يقول:"مشاعرنا ملك لنا، لهذا نختار من نعطيها له. قد تكون من طرف واحد، لذلك نخرجها على الورق".

    وبقدر ما أشار هذا المبدأ إلى فكرة الحب من طرف واحد- و هي حالة لا تجد فيها المشاعر رداً عليها مساوياً لها في القوة، و مقابلاً لها في الاتجاه- فلقد أشار المبدأ ضمناً إلى أن الكتابة كالمشاعر خطاب من طرف واحد، لا يجد خطاباً مقارباً أو مقابلاً.

    وفي ضوء هذا المبدأ ندرك طبيعة ضمير الخطاب في شبه الجملة" منك"، بوصفها طبيعة مراوغة تستحضرها على الورق بعد أن تكون الأحدث التي تسجلها الكلمات على الورق، أو تعلق عليها، قد انتهت و آلت إلى غياب.

    ولا يوجد في الفقرة المقتبسة حدثٌ واضح مصوَّرُ، ولكننا نستنتج من إيماءاتها كثيراً من الحذف. نستنتج أولاً ضيقها منه. ونستنتج ثانياً أنه كان صريحاً في رفضه لمشاعرها، أو في إعلان أنه لا يجاوبها حباً بحب. ونستنتج ثالثاً أنها توهمت أن حباً قائما بينهما، متبادلاً بين قلبيهما، فدفعها التوهم إلى أن تعلق به مشاعرها.

    ونستنتج رابعاً أن مشاعره لم تكن، على الحقيقة، إلا وهماً، خلقته لنفسها خلقاً، حتى تسد بالوهم فراغ مشاعرها، أو فراغ حياتها. ومن خلال سلسة الاستنتاجات نتعرف قصتها على نحو إجمالي غير مشهدي.

    في محاولتنا المبدئية.. كنت تهرب، أنا حاول .. الآن لن أحاول .. لن تهرب أيقنت سر الابتعاد".

    مرة ثانية نستخدم كلمة المبدأ بمعنى البداية لا بمعنى القيمة الخلقية التي يصدر عنها الإنسان، كما فى قولنا مبادئ الضمير، على سبيل المثال. ومن المحتمل أن هذا الضرب من الاستعمال اللغوي يخفى شعوراً أخلاقيا غير معلن تجاه علاقتهما، ولعله سبب ضيقها السابق منه على الرغم من أنها نفت عنه الكذب الذي يعطى أملاً زائفاً.

    وما يشغل ذهنها الآن هو التحولات التي اعترت العلاقة، وانتقلت بها من نقيضٍ إلى نقيض، فمن هرب إلى انتفاء للهروب، ومن محاولة إلى انتفاء للمحاولة، وفي وقت الهروب كانت المحاولة، وفي وقت انتفاء الهروب تنتفى المحاولة. وتؤدي هذه الصيغ كلها إلى غياب التواصل أو التجاوب؛ فنحن أمام نوع من التفاعل يقوم على التدابر والتباعد لا التوجه والتقارب. وهنا سر الابتعاد.

    "هى لا يرفض لها طلب..
    أعتذر .. سأذهب معهم، عندي عمل كثير قبل السفر .. لهذا لن أستطيع...
    إلى أن نلتقي......"

    هنا يظهر ضمير الغياب، يشير إلى امرأة أخرى، وتكنّى الرواية عن مكنتها الكبيرة عنده بجملة " لا يرفض لها طلب".

    بعدها نسمع صوت مَن تخاطبه يتحدث. و مثلما عرفنا بالمرأة الأخرى من كلمة هي ضمير، عرفنا كذلك أنه مسافر، و أنه تعلل بسفره، و بانشغاله في عمل كثير قبل السفر، حتى لا يلقاها. و تعيننا هذه الفقرة، على هذا النحو، حتى ندرك ما وراء إخفاق العلاقة بينهما من سبب. وهي، أيضاً ، تنشئ تمازجا بين الأصوات، صوت الراوية، وصوت الحبيب. أضف أن الفقرة من فوائدها الجمالية أنها تومئ إلى بعض التفصيلات- مثل تفصيلة السفر- تجعل الحكاية أقل تجريداً، أو هي، على الأقل، تومئ إلى أساس واقعي حي لهذه الحكاية، تجعلها تتجاوز طبيعة الخطاب الغنائي العام إلى أن تكون خطاباً سردياً قد وضع الأحدث على مبعدة منه، و وضع في مقدمته الغنائية التي تجادل فيها الرواية هذا الآخر المسموع.

    " أخيرا أيقنت أن في بحثنا عن الحب، لم نحب.. لن نجد ما نبحث عنه. لهذا نستسلم لليأس الأسود."

    إذا كانت الإشارات السردية تتزيد من فقرة إلى فقرة، وإذا كانت الإشارات السردية قد بلغت قيمتها في الفقرة السابقة التي استحضرت صوت الحبيب، فإن الفقرة الحالية تعود إلى تقرير النتيجة الإدراكية التي استخلصناها من الفقرة الأولى، وهي أن الحب كان وهماً، وهو هنا قد أصبح بحثا عن الحب و ليس حباً حقيقيا، وهذه الحالة التي أدركتها الراوية هي ما عادت لتقرره بكلمة أكثر حدة و ألماً هي عبارة " اليأس الأسود".

    "فى نهاية اليوم أعلنت أنك محب، لن أرفض أو أقبل...
    سأنتظر..
    رفضت الانتظار. قلبى مغلق.
    الوداع.."

    تقبل هذه الفقرة الخاتمة أن تضيف مفاجأةً سرديةً غير متوقعة ، تلك هى اعترافه للراوية بالحب، وحينئذ تتحول جملة " لن تهرب" التي مرت بنا في الفقرة الأولى إلى جملة "تحاول" بمعنى أن هروبه الأول من إقبالها ليه،قد تحول إلى إقبال منه عليها. و هذه اللحظة لحظة مناسبة لكى ينشأ التواصل بين الطرفين بعد طول إخفاق. ولكن كيف استقبلت اعترافه؟

    قالت إنها لن ترفض إعلانه، ولن تقبله. وهذا الموقف السلبي ليس إلا علامة التردد التي عبر عنها ثانيةً الانتظار.

    ولكن الموقف السلبي المتردد سرعان ما حسمته ، وحوله إلى موقف إيجابي قاطع. فلقد أدركت أن المشاعر التي لم تكن إلا وهماً لايصح أن تقيم عليه علاقة تواصل مستمر، لأنها ستكون حينئذ وهماً أكبر وأخطر. ولهذا أصبح قلبها مغلقاً. ونطقت بكلمة الحسم الأخير:"الوداع".

    وهكذا من خلال جمل قصيرة، و فقرات صغير، وإشارات سريعة، وكلمات مرتبه على نح يكاد يشبه شكل الصفحة فى قصيدة الشعر الحر، تكون وسط هذا سردية متكاملة، جدلية، تصور ذاتا باحثة عن الحب، و لكنها تعيش وحدة روحية مستمرة.

    وفي تقديري أن هذه الحكاية- أو السردية الأساس- هي ما يعاد إنتاجه فى اليوميات من يوم إلى يوم.

    "من يوم إلى يوم بمعنى أنها حكاية تلخص ما يقع كل يوم، فى كل مكان، من حالات العجز عن التواصل، وعن إنشاء حب حقيقى، ومن يوم إلى يوم بمعنى من فصل من فصول اليوميات، او من نص من نصوصها إلى نص آخر".

    ويصدق هذا على الفصول التسعة المتوالية فى اليوميات، و صولاً إلى اليوم العاشر الذي أضاف عمقاً سردياً جديداً على الحكاية الأساس: "تفتحت عيناها على أب لا تراه. نائم هي يقظة، يقظ هي نائمة.. العمل حياته، و حياته العمل. سألته عندما اجتمعا مصادفة في الطريق- كانت في السابعة- كان يمسك يدها في حنان: أنت هتتجوز على ماما فعلاً..!؟.

    نظر إليها .. علمت بعد أن كبرت، أنه بقدر ما أرد ضربها في تلك اللحظة بقدر ما تعجب من شجاعتها. بعد أعوام أخبرها كم هي عنيدة."

    يستخدم الخطاب هنا ضمير الغياب لا التكلم، كأن الذات الساردة قررت أن تضع نفسها في مرآة القص، لترى نفسها كما ترى ذاتاً أخرى، و تتأملها كأنها تتأمل شخصاً مختلفاً عنها.

    ومع هذا التحول في ضمير الخطاب يطرأ على الأسلوب بعض التغير؛ فالجملة تطول نوعاً
    ما، والمشهد يتضح قليلاً، و التعويل على الإيماء والحذف يقل بصورة نسبية عما كان عليها الحال في الأيام الأولى.

    هنا نعرف أن إخفاقها له نظير في إخفاق الأم مع الأب. و مثلما كانت طوال الوقت تحاور الرجل، فهي هنا تحاور الأب. ومثلما أخفقت الأم مع الأب فهي ستخفق مع
    الآخرين. ويبدو أن هذا التشابه يجد تجسيداً له في التباس الضمير الماثل في جملة " كم هي عنيدة ".

    الأرجح أن الأب يصف الم بالعناد، وأن يبرر زيجته الثانية بصفة من هذا العناد، ولكن التباس الضمير يظل قائماً. يساعده كونها شجاعة، وشجعتها تقارب عناد الأم.
    فيما بعد ستتوحد الأم بالابنة، وقد أصبحت الابنة عالمها الوحيد بعد أن تحولت علاقتها بالزوج إلى صراعٍ شديد.
    وفى هذه الظروف "فقدت من تحب، لم يستطيع الانتظار، كان صادقا".
    وعند ذكر الحبيب المفقود عاد السرد إلى الإيماء و الحذف ، والإيجاز.

    "دائما.. ما تجلس و حيدة.. تتراءى صورة المحيى الحنون، نظرات العين.. الابتسامة.. مجرد خيالات تحاول الإمساك بها، تفر هاربة، لم تبق الإ ملامح لصورة صغيرة جداً منتزعة من وثيقة سفر قديمة."

    هذه هي حالة الوحدة المكررة فى النصوص. هي وحدة تصاحب فيها صورة متخيلة، تحاورها كأنها حاضرة وليست غائبة، مشيدة و ليشت متخيلة. وإذا حملت فى ذهنك صورة الحبيب المفقود السابقة فسيختلط عليك أمر صاحب الصورة المنتزعة من وثيقة سفر قديمة.

    ستظن أن صاحب هذه الصورة التي تلجأ إليها كثيراً هو الحبيب الذي فقدته، لأنه لم يستطيع الانتظار، مع صدقه. ولكن صاحب الصورة هذه المرة هو، على الحقيقة الأب.

    الأرجح أن البحث المستمر عن الحب هو في حقيقة أمره، بحث مستمر عن الأب الذي فقدته فى صباها، وهي تلتمسه، وتلتمس صورته، وتلتمس ملامحه، فى كل تجربة حب تخوضها وتعاني سكرتها.

    وينتهي اليوم العاشر بها تناجيه، تتشبث به، ترجوه أن يرجع لها، ويعيد لها براءتها، وطفولتها. وهنا نسمع صوتاً يهتف بها، ويختم النص: "استيقظي... أتحلمين به مرة أخرى."

    وتصور الأيام الأربعة التالية تداعيات الانهيار المتواصل الذي عانت منه الذات منذ فقدت الأب، و مرت خلاله بسلسلةٍ من تجارب الحب المخفقة إلى أن تعلن، في اليوم الأخير – الرابع عشر- استقالتها من الحب، استقالة ليست في حقيقتها إلا رفضاً لدور الطريدة الذي يُفرَضُ على أنوثتها فرضاً.

    لتكن الأنثى ابنة وزوجة مرعية.
    لتكن الحبيبة.
    إنه البحث عن الحب أولا وأخيرا.....
يعمل...
X