Announcement

Collapse
No announcement yet.

د. جميل حمداوي ( آليـــة التدليــــل )

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • د. جميل حمداوي ( آليـــة التدليــــل )

    د. جميل حمداوي ( آليـــة التدليــــل )

    آليـــة التدليــــل:
    تصور الرواية بشاعة العالم السفلي في مقابل العالم العلوي، وتجسد قبح الكائن البشري في هذا العالم المنحط، الذي افتقد فيه الإنسان قيمه الأصيلة، وأصبحت القيم الكمية هي الأساس بالمقارنة مع القيم الاستعمالية أوالقيم الكيفية والمعنوية. بمعنى أن الرواية هي مسرحية تراجيدية تجسد سيمفونية الرعب والقهر والخوف والموت، كما أنها قصيدة السقوط، والانهيار، والخيبة، والفشل، والتضعضع البشري، وضآلة الإنسان أمام القوى الخارقة الشريرة التي تطوقه بالحتميات العدمية والضرورات الجبرية. كما أن الرواية بمثابة لقطات شذرية "هيتشكوكية"، تثير التقزز والاشمئزاز من عوالم فانطازية غريبة مرعبة، قائمة على الخسة والدناءة والوضاعة من جهة، وعلى الدنس والتعفن والنجاسة من جهة أخرى:
    " أنا خنساسا العظيم!
    هكذا صفعت المدى أول مرة،
    وشققت لنفسي اسما من قاموس الدنس.....
    وانبثقت ككل الآلهة من حيرة الإنسان،
    وخيبته وانكساره،
    انبثقت من فحيح المأزق الإنساني المقنع بالرفاه،
    وتربعت على رئة الأرض في رمشة قرن،
    ونفخت في جوارح الكون من لهاثي الأول الأول،
    كي تطيعني الكائنات،
    وتسعى مثابرة نحو اختناقها قربانا لي!
    هكذا شرعت بالسليقة أمارس وجودي المتعالي.
    أنا خنساسا الرب المهاب؛
    أنا آخر سلطان على هذا الكويكب الدوار،
    وكل الآلهة ينبغي أن تدخل في طاعتي على الفور،
    وتعلن دون قيد بيعتها لي،
    هي التي لم تعد قادرة على امتلاك أفئدة البشر.
    سأطهرها من كيمياء الخيال الإنساني،
    وألبسها لباسا نوويا قشيبا،
    سأنفض عنها نقع الملاحم وسحر الأساطير،
    وأرشها بكولونيا الإبادة المنذورة للمأساة،
    سأعلمها كيف تقارع الحواسيب،
    وكيف تنفث السم الشهي في خياشيم الكون،
    سألقنها آداب الفتك البهيج،
    وأعلمها كيف تنهش قلب الأرض في بضع سنين،
    وكيف ترفع مخالب الحضارة إلى طبقة الأوزون...
    سأمدنها عن كثب!!
    وأمرن الرحيم الرقيق منها على القسوة والفتكوت،
    أنا إله هذا الفساد المترامي!
    فلتسمع كل الآلهة!؟
    أنا خنساسا العظيم، وكل الآلهة ملزمة من الآن،
    بأن تأتمر بالأمر الذي به أنا...."#
    يتبين لنا بأن الرواية تجسيد ممطط لمخاطر الفساد والحقد والبغي والشر البشري تخييلا وتخطيبا وتحبيكا في قالب فلسفي فانطاستيكي، مع تبيان آثاره الفظيعة على مصير الإنسانية. ومن ثم، فهذا المقطع السردي الشاعري بمثابة إعلان عن نية العدوان والإبادة والقتل والموت، واعتداء على فلسفة الفن والجمال باسم القبح والخسة والدناءة والدمار. وعليه، فرواية:" ألواح خنساسا" لبنسامح درويش هي رواية القبح البشري بامتياز. ومن ثم، فهي رواية شاهدة على انهيار الكائن البشري إنسانيا واجتماعيا، ودليل على تفككه ميتافيزيقيا، وموته وجوديا وأخلاقيا وحضاريا وثقافيا.
Working...
X