إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإبداع و فضاءات النقد الممكنة - سلمان إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإبداع و فضاءات النقد الممكنة - سلمان إسماعيل

    الإبداع و فضاءات النقد الممكنة

    الاتجاه العام في النقد الأدبي الحديث يميل إلى التهوين من قيمة أي نتاج أدبي يدين في ولادته وتخلقه لمناسبة، " وطنية أو اجتماعية أو عقدية أو إخوانية ". ولعل هذا الموقف متولد من تهمة "إفساد الوعي للإبداع " والمرافقة مبنية على محاجة تستند إلى جملة واضحة هي. "أن تبنى على بينة يعنى انك تخطط وتحضر وتعد وتعمل العقل وتحكم القواعد والمقاسات.. وتتبع إجراءات لها تسلكها وتقاليدها.. وهذا يتنافى مع طبيعة الإبداع المنطلق أو المنبثق من منابع إلهامية غامضة في اللاوعي غالباً."
    وعزز مثل هذا الاتجاه الانطباعات النقدية السريعة، وبعض النصوص التنظيرية على قلتها.. وبقى الإبداع "الشعري خاصة " يربط بمسببات مغيبة محجوبة، ألم يسم الأقدمون من أجدادنا لكل شاعر شيطانه ؟ألم يقولوا : لولا هبيد لما كان عبيد "وعبيد المقصود هو عبيد الأبرص الشاعر الجاهلي ".
    ومع أن متذوقي الشعر لم يستثنوا دائما شعر المناسبات من مختاراتهم الأثيرة وبقى هذا الشعر يدرج في هذه الانطولوجيات المختلفة ، فإن شاعراً كأدونيس ، وهو المتشدد في نظرته إلى الشعر وفي ذائقته المتميزة للشعر الصافي ، يبتعد عن شعر المناسبات، ولا يحله أي صفحة من صفحات مختاراته الشعرية "ديوان الشعر الغربي ".
    ورغم الميل إلى هذا الحكم النقدي وتأثر النقد الحديث به في التعامل مع الشعر ، فإنه ليس مطلقاً ولا يستقر بلا اعتراض .
    ولم يستطع مثل هذا الحكم النقدي وتأثر النقد الحديث به، في التعامل مع الشعر، فانه ليس مطلقا ولا يستقر بلا اعتراض.
    ولم يستطع مثل هذا النقد أن يلغى حقيقة، منتجات أدبية تتحلى بفنية عالية رغم اقترانها بحدث أو مناسبة، والشعر ليس وحده من الفنون الذي يتعرض لهذا الموقف فالرسم والموسيقى والمسرح والرواية كذلك.. كذلك..
    ومع أن الفن ذاتي، في المقام الأول، فإن الموضوعية لا تدخل في منطقة التحريم المطلق، بل إن واحدا من مثل " ت. س. اليوت "، يتحدث عن " المعادل الموضوعي "في الشعر و اغلب الأشكال الأدبية الحديثة بدأت تميل التعبير الموضوعي .0.ألن يعترف النقد، وفي إطار الشعر الحديث تحديدا باتجاهات موضوعية مسماة ؟ وإلا فكيف تبنى القصيدة " الدرامية ".. وقصيدة " القناع " وقصيدة " الكولاج "، وقصيدة" المونتاج " ، وقصيدة " المونولوج " و " متعددة الأصوات
    " ... الخ؟
    والثابت إن جمود (الموقف، عامة، والأحكام النقدية معرضة للجمود، توقع في الحياة هدراً. مؤكداً، ومثل ذلك الهدر ممكن، وباستمرار، في الفن والنشاطات الذهنية عامه.
    لأننا إذا بترنا المنتجات الأدبية آلتي وراءها الوعى دائما، فإننا وفي إطار الشعر وحده، سنخسر النقائض و اشعار الحماسة وأشعار الحرب، وسنخسر في الأدب عامة المناظرات الأدبية والمساجلات النقدية، والمراسلات الاخوانية... وهكذا....
    في مطلع هذا القرن استشهد شكيب أرسلان ، وكان نجماً طالعاً في سماء السياسة و الأدب والصحافة، بأبيات للشاعر والسياسي المتقاعد محمود سامي البارودي ، فأثار هذا الموقف شجون الشيخ وهز أريحيته ، و لم يكن بين البارودي وارسلان معرفة شخصية. ولم تترك المناسبة البارودي على حاله فقد انتفض وتدفق ، بعد صمت شعري، بأبيات وجدانية ذات طبيعة اعترافيه ، وفتحت هذه القصيدة مراسلات شعرية طويلة ، وكان للشعر العربي بعدئذ، قصائد ليست لعبا مجانبا ولا رغاء ، وهي بمعايير مدرسة الأحياء ، والبارودي رائد هذه المدرسة غير مدافع ، قصائد رضية قطر فيهما الشاعران تجربتهما وحملاها كثيراً من ايماءات همهما تجاه العصر والمرحلة ، وقد جرت القصائد المتنارية على نمط المعارضات من حيث الشكل الفني ، وتكلفت مجلة الزهور لمنشئها " انطون الجميل " في القاهرة نشر الرسائل فيما بعد خلال سنتين .. مقدمة لقرائها خدمة تتناسب مع دور الصحافة الجادة في بداية القرن الحالي ...
    وهكذا يتأكد أن الفن يتسع لأكثر من نمط ، ولا تستطيع تعسفية النقد أن توحده لأنها بذلك تنمطه وتفقره ...
    وإذا كانت نرجسية المبدع تتحيز لنمطها ، فإن مهمة الناقد ، وهو المزود بأدوات علمية فعالة و خيرة ثقافية وتخصصية غنية ، أن يفتح أمام الإبداع فضاء أرحب ويعيد للتعدية " تعددية الأنماط " أهميتها وشرعيتها ، معززاً ، وهذا هو الأهم ، الشرطية الفنية ، وهذه هي مهمته ......

    سلمان إسماعيل
يعمل...
X