إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإبداع و الواقع و الأوهام - سلمان إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإبداع و الواقع و الأوهام - سلمان إسماعيل

    الإبداع و الواقع و الأوهام

    إذا لم يكن الناقد كشّافاً وهادياً للقارئ، ومبشرا ودافعا للكاتب ... فأي مهمة سرية يضطلع بها ازاءهما؟!
    أما إذا صح أن كان للنقد مثل هذه الوظيفة التي نرغبها له، أفلا يحق لنا أن نتساءل: ما الظاهرة الأدبية التي استطاع النقد، خلال السنوات العشر الأخيرة، مثلا، أن يكتشفها للقراء، في هذا القطر أو ذاك، أم إن الحياة الأدبية، تعانى محلا مستمرا لا تقدر أي باصرة نقدية أن تلمح فيه، مهما أوتيت من حدة الرؤية، ما يمكن أن يدخل في اهتمامات القراء؟
    . ومع الاعتراف بترابط الظاهرتين: النقدية والإبداعية، فإننا نرى أن هذه العلاقة الترابطية تحتاج إلى تفصيلات ليست، دائما، في مصلحة الواقع النقدي على كل حال. وعندما يكون للنقد وظيفة أخرى خارج ما قدرنا أن نرى له ( الكشف والهداية للقارئ، والبشارة والدفع للمبدع )، ألا يمكن، عندئذ، أن ينظر إليه في إطار المهمة التعطيلية أو الابهاظية للإبداع ا وكأنه نوع من التطفيل الذي يداور العمل ويبلبل قابلية المتلقي العادي ، لأنه، وقد عجز أن يقدم المعادل النقدي للعمل الإبداعي، فلابد أن يخسر إمكانية إضافة أي شيء على قناعة المبدع (صاحب الأثر) ولهذا الأخير أن يهمله ويراه (كذبابة تولستوى) التي لم يرها ضرورية، باستمرار، لحصان العربة!
    وللقارئ ، هو الآخر أن يتجاوزه- أي الناقد- ويقفز فوق المساحات التي شغلها في صفحات الدوريات الأسبوعية والشهرية، أو السيارات (الصحف) اليومية، أو حتى في أحشاء تلك الكتب- السمينة غالبا المنضدة والموسومة (بالنقدية) والتي احتلت بمساع مختلفة مكانا لها في التصنيفات المدرسية.
    . وفى الحق أن النقد عندنا لا يستطيع أن يعتذر بتوقف الولادات الأدبية، حيث الواقع يثبت، كل يوم تقريبا، مثل هذه الولادة، سرية وعلنية، في هذا العالم الممتد في الجغرافيا، والذي لا ينقصه العدد المتكفل مؤهبات الإبداع بخصبه وتنوعه.
    . الإبداعات تتسمى كل يوم، وليس ذنبها أن النقد لم يعلن البشارة أو يحفظ الأسماء، فضلا عن تحديد القسمات وقراءة المستقبل.. ولعل غياب النقد أو حضوره الهزيل لا يفهم إلا في ضوء الواقع العريض بكل تشابكاته واختلاطاته وتداخل تفاصيله وإذا أمكن، للتبسيط، حصر الصراعات الاختلافية في تيارين متمايزين، مع التسامح في بعض التفصيلات والخصوصيات داخل التيار الواحد، فان ما يوازى مثل هذين التيارين له وجود، بشكل ما، في حقل الإبداع نفسه، ولعل لمثل هذا الوجود، انعكاسا لكثير من مظاهر أزمة النقد وأخلاقية النقاد !
    ذلك لان العمل الأدبي يولد، وفى عنقه بطاقة نقشت عليها هويته وزمرته الدموية، والتعامل معه يدخل من بوابة معرفة مسبقة ومحددة بشخصية مبدعه وانتمائه وعلاقاته مع (الشلل) الثقافية والنقدية التابعة لتيار محدد ومصنف بوضوح.
    والعمل يغدو معرضا إما (لبروجكتورات) الموالين الذين يحولون الظاهرة الأدبية إلى تظاهرة (ايديولوجية) يصبح داخلها العمل الأدبي (قزما) متواريا وقد تعدته المساحات الضوئية إلى عالم الايديولوجيا والاقتصاد والسياسة، وإما من طرف آخر، يتناوله المناوئون حيث يتحول- هنا- إلى شبح يتعرض حتى للشك في انتمائه لجنسه، ويتعرض أحيانا للتشكيك في نسبته لمصنفه ومن كابد في إعداده وتشكيله.
    . لكن في جو من احترام حقوق الآخرين والإيمان بحق الاختلاف والراحة للتنوع، يمكن للقارئ العادي- وهو المستهلك الفعلي للإبداع- على ضوء تقاليدنا المتوازنة، أن يميز بعض ملامح العمل، بعيدا عن ظاهرتي (التقديس) و (التـ...)، إلا أن الأمر يختلف عندما يوشك تيار أن يمسك بدفة توجيه الثقافة الرسمية فيصدر قرارات المنع أو الحظر أو المقاطعة أو المطاردة لأعمال التيار الآخر، وبفعل ظروف (لا أدبته بالطبع)، يتوارى أنصار مثل هذه الأعمال، وينسحبون أو يسحبون من الفاعلية المؤقتة في الثقافة، فتتعرض أعمالهم إما للتجريح المهاتر الظالم، أو السكوت المتخابث اللئيم.
    ولقد عوملت روايات ومجموعات شعرية وأبحاث اجتماعية وفلسفية، في هذا القطر أو ذاك، بهذين الأسلوبين معا، وكانت اقل خسارة لحقت بالواقع، من جراء ذلك، إن مثل هذه الأعمال لم يتح لها أن تسهم بقسطها الممكن في تنوير الواقع ونقده وتحريكه. ومن توابع الظاهرة أن الأعمال التي حظيت باهتمام غير عادى. كانت من ذلك النوع الذي يمكن أن يطلق عليه بالأدب (الساكن) الذي انبرى له (كتبه) تعهدوه لأنه يشغل فراغا شكليا، ويدع الأشياء في مطارحها، فلقد وجد فيه الكتبة (السكونيون المتكسبون) ضامنا لاستمرار ممارستهم عادات الكتابة والنشر برتابة وسلامة.
    لكن سؤالا يمكن أن يبنى على اثر هذه المطارحة هو: أليس في موقف بعض القادرين على النقد (بموضوعية) أوهام مبالغ فيها حول الممكن والمحرم والمحظور، إلا يتحمل الواقع أكثر مما يخيل إليهم انه غير ممكن..؟!

    سلمان إسماعيل
يعمل...
X