إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يحاور الشاعر الدكتور هاشم ميرغني الشاعر محمد سبيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يحاور الشاعر الدكتور هاشم ميرغني الشاعر محمد سبيل

    الشاعر الدكتور هاشم ميرغني حاور الشاعر محمد سبيل
    في جريدة الصحافة وهذا هو الحوار

    ------------
    لست سعيداً بالتنوع الثقافي في مجتمعنا السوداني

    الشاعر محمد عبد القادر سبيل بدأ صوته يبرز واضحا وسط كوكبة من الشعراء منذ المنتدى الأدبي لجامعة القاهرة الفرع حيث كانت القصيدة تقيم فوريا عبر أكف جمهور متحمس ، ثم ما لبث أن التهمته منافي سودان الثمانينات .. من هناك فاجأنا بمجموعته الشعرية الأولى " عاليا عاليا مثل شهيق الحسرة " التي بدت وكأنها قطيعة مع تراثه الشعرىالسابق ، حينها بدأ بدأب ينحت صوته الخاص غير المستنسخ من أسلافه ، مجاهدا لخلق قصيدة لا تشبه سوى ذاتها ، و( محلقا حول صورته التي لن يلتقي أبدا بها ) .
    ولد محمد عبد القادر سبيل بالكرمك بالنيل الأزرق في الخامس والعشرين من يوليو سنة 1962، وبعد سنوات من الكتابة التي يصف أنها كانت (مستلبة) من قبل أصوات شعرية كانت تعج بها الساحة الأدبية أصدر ( عاليا عاليا مثل شهيق الحسرة ) سنة 1994 ، ثم مجموعته الثانية (الهدر ) 1996 ، ثم ( وحده الجبل ) 2000 ، ليتوج كل ذلك بمجموعته الرابعة (درب الأربعين ) الصادرة في أخريات العام الماضي عن الجمعية الثقافية السودانية بأبي ظبي .
    حاز سبيل جوائز أدبية عديدة داخل وخارج السودان من بينها جائزة الشعر الأولى في مسابقة اتحاد كتاب الإمارات سنة 1992 .
    ويعد من الوجوه السودانية الثقافية الفاعلة في الخليج مع بقية العقد : د. يوسف عيدابي ، ، عبد القدوس الخاتم، عبد القادر الكتيابي ، أمير تاج السر ، محمد الربيع ، إلى آخر النجوم التي تضيء سماء الخليج .
    وقد أسهم سبيل بشكل فاعل في الصحافة الثقافية بالإمارات عبر رئاسته للقسم الثقافي بجريدة " أخبار العرب " بأبي ظبي .
    في هذا الحوار الذي أجرته معه الصحافة إثر حضوره إلى البلاد في إجازته السنوية يكشف سبيل عن بعض ملامح مشروعه الشعري ، وطبيعة علاقته باللغة ،وعلاقته بمجايليه وأسلافه الشعريين ، ويثير العديد من الأسئلة عن الواقع السوداني عبر أطروحته عن المجتمع الرعوي الذي يرى أنها عظم ظهر الهوية السودانية ..

    عبد القادر سبيل في حواره مع «الصحافة» 1-2
    حاوره : د. هاشم ميرغني
    واقعنا الاجتماعي يتسم بنوع من الانفراط المضاد للمؤسسية
    لست سعيدا بالتنوع الثقافي في مجتمعنا السوداني
    * بدأت تفعيليا ثم ما لبث أن تحولت إلى قصيدة النثر .. ما السر وراء هذه التحولات .. ألم تعد التفعيلة متناغمة مع إيقاع الروح ؟
    يهمني أن أشير هنا إلى طرح صديق موريتاني هو محمد ولد عبدي الذي سألني بشكل مباشر في قراءة تتعلق بأعمالي الخاصة بقصيدة النثر ، قال لي : إذا كانت قصيدة النثر نتاجا لفعل اجتماعي وثقافي حدث داخل المجتمع الفرنسي في مرحلة من مراحل تطوره ، فكيف يمكن أن نتبنى نفس الشكل في مجتمع عربي وتحديدا في مجتمع سوداني .. هل ترى أن ذلك يتناغم مع معطيات المجتمع وشروطه التاريخية ؟ " .
    في معرض إجابتي عن هذا السؤال استحسنت في البداية هذه الالتفاتة الذكية وبدأت أبرر بأن واقعي الاجتماعي السوداني اتسم بنوع من الانفراط المضاد للنظام والمؤسسية، وهو انفراط سياسي /اجتماعي / اقتصادي .. وفوق ذلك فإن التنوع الثقافي هو نوع الانفراط .. ولعل ذلك من أهم القضايا المسؤولة عن واقعنا المأزوم .
    ودعني أعلن لك : إنني لست سعيدا بهذا التنوع الثقافي في المجتمع السوداني .
    * هذا يعني الدعوة الضمنية لسيادة ثقافة واحدة .. وإقصاء كل الثقافات الأخرى ؟
    أبدا . أنا لم أقل ذلك لأن مثل هذه الدعوة ليس شيئا تفعله من ذاتك ، فهو نتاج تراكم تاريخي وتفاعل ثقافي يأتي بقرار .
    * إذن ماذا يعني ذلك ؟
    حسنا إذا نظرنا إلى العالم حولنا نجد أن الدولة قد تشكلت كمؤسسة بناء على محورية ثقافة واحدة ، في أمريكا مثلا يجب أن تخضع لثقافة واحدة ابتداء من اللغة الأمريكية وانتهاء بطريقة الحياة الأمريكية .. هنا صيغة ثقافية واحدة ، وهذا قد لا يكون معلنا ، ولكن للمجتمع ميكانيزم تسعى أمريكا لتعميمه في كل العالم ، في بريطانيا وغيرها هناك ثقافة واحدة يمكن أن تساهم فيها من الداخل دون أن تخرج على إطارها النظري ..
    أقول لك أيضا :كل دولة فيها أكثر من محور ثقافي مؤثر اشتعلت فيها نيران الحرب .. وقد اشتعلت الحرب في لبنان وغيرها بسبب هذا التنوع .. فليس صحيحا أن التنوع الثقافي يقود للوحدة .. بالعكس فهو يقود للحرب ..
    * والحل ؟
    لا يوجد حل في هذه الحالة .
    * نعود إلى سؤالنا الأساس الذي ابتعدنا عنه .. لماذا قصيدة النثر أيضا ؟
    إجابتي للموريتاني كانت : إننا مجتمع متناثر ومنفرط ، وهي نفس الإجابة التي أتمسك بها الآن ، إن تأرجح المجتمع بين المؤسسية والانفراط ينعكس على القصيدة .. أضف إلى ذلك مقولة الطيب صالح أن كل موضوع يستدعي شكله .
    * نعود للوراء قليلا….. قرأت ما كتبه عنك الأستاذ مجذوب عيدروس في مجلة الخرطوم ؟
    نعم .
    * هو يرى أنك كنت أفضل في بداياتك مما أنت عليه في ديوانك

    ( عاليا عاليا مثل شهيق الحسرة ؟
    أستاذنا عيدروس يطلب منا أن نبعث الشعر العربي من تراثه ربما دون تماس مع المشهد الثقافي الغربي وتفاعلاته ومعطياته خوفا على الهوية الثقافية العربية وهذا من حقه بحكم الخيارات الفكرية .. ولكن للشاعر خياراته أيضا ..وقد أشار عيدروس في مقاله إلى أن المجموعة خلت من الشعر الموزون وهذا غير صحيح فبعض قصائد المجموعة كتبت ببحر المحدث ( المتدارك ) الذي تداركه الأخفش على الخليل بن أحمد … وهذا البحر ليس دارجا في الحركة الشعرية السودانية منذ هيمنة (مصطفى سند) على المشهد الشعري السوداني بصدور ( البحر القديم ) الذي عود الأذن السودانية ـ مع غيره من الدواوين ـ على إيقاع معين .
    * برغم البساطة الغنائية الظاهرية التي تكتب بها إلا أنك تفاجئ القارئ أحيانا بمفردة قادمة من غور القواميس .. أو من المحكي الشعبي لماذا : انسياقا وراء سحر اللغة وأبوابها السرية ؟ إدهاشا لكسل القارئ .. أم ماذا ؟
    لهجتنا العامية هي لهجة فصيحة في معظم الأحيان ولكن الاستخدام الدارج اليومي لها جعل البعض يعتقد أنها شيء واللغة الرسمية شيء آخر .. ولذا يبدو لك أحيانا عندما أقول " كي أشوف " أو " جمل الشيل " أنها عامية ولكن الواقع أنها فصيحة .. أنا لم ألتزم برسمية اللغة .. بل بصحتها .. حتى المفردة العامية فإنني لا أتردد في استخدامها في نص فصيح متى كانت هناك ضرورة فنية .
    * الجملة الشعرية عندك بسيطة وغنائية ولكنها تحتشد بالمعاني .. هل تنتمي إلى مدرسة كتاب مثل إبراهيم أصلان وهمنجواي الذين يضفرون من بضع كلمات بسيطة عقدا بالغ الثراء ؟
    ببساطة ، لقد اكتشفت أن الشعر أبسط مما أتصور وذلك بعد اطلاعي على تجربة (جاك بريفير) .. وأخذت أسال : كيف يمكنني أن أقول قولا كبيرا بلسان طفل ؟ ولعل هذه خلاصة ما توصلت إليه تجربة بيكاسو الذي قال إن أمنيته أن يرسم كما الأطفال .. وهذه مسألة شاقة للغاية . وقد بدأت ذلك منذ قصيدة ( الراعي ) في مجموعة ( وحده الجبل ) التي كتبتها على طريقة الراعي .. راع يتكلم ويرى العالم .. لماذا تعقيد الشعر إذن ؟.. دعني أفاجئ القارئ بلغته اليومية في سياقات وصياغات شعرية سادرا في لغة الطفولة والتفكير البرئ .. وتشبيهاتهم الغريبة ..
    * تعقيد العالم وتناقضاته التي لا تكاد تنتهي ألا يتطلب لغة معقدة ؟
    العلاقة ليست طردية بالضرورة .والفنان يجب ألا يخضع للواقع .. والفن الحقيقي هو بشكل من الأشكال ( تزييف للواقع ) ، ولأن كلمة ( تزييف ) كلمة ملتبسة وسيئة السمعة فلابد من التوضيح ..
    إذا كنا نسمح بالقول أن الفن هو تخييل للواقع وسمو بمعطياته .. وإعادة تركيب لهذا الواقع وفق رؤية إبداعية فنحن نتحدث عن واقع خضع للتزييف .. على الأقل على مستوى الشكل .. على أنه تزييف يشبه إضافة الذهب إلى الحديد ، فالواقع حديدي وبإضافة ذهب الفن إليه نكون قد زيفنا الحديد ولكنه تزييف أدعو إليه وأطالب به .
    * في ديوانك الأخير ( درب الأربعين ) وهت علاقتك كثيرا بغيرك وشققت طريقا مغايرا لا يكاد يشبه أحدا .. هل يمكن القول أن قصيدة عبد القادر سبيل قصيدة لا تحاور أحدا من مجايليها أو أسلافها ..ولا تلتفت سوى لذاتها ..بمعنى آخر : نص سبيل لا يخوض علاقة تناص مع غيره من النصوص؟
    دعني أوضح لك علاقتي مع من أسميتهم أسلافا شعريين ..لقد كان أول من أخذ بخطواتي الشعرية هو التجاني سعيد في منتدى جامعة القاهرة الفرع ، وقد تتلمذت على يد مصطفى سند الذي كان أول من أكد لي أنني شاعر وحثني كثيرا .. وكانت أعمالي الشعرية الأولى مستلبة من جانب هؤلاء الأسلاف الشعريين وغيرهم .. ولهذا السبب تخلصت من أعمالي الأولى ولم أضمنها أيا من مجموعاتي الشعرية ، ومن بينها دواوين كاملة منها : ( صهيل الخيول العابرة) الذي كتب مقدمته البروفسير علي المك ، وأجيز للنشر من قبل دار نشر جامعة الخرطوم ولكني عدلت عن فكرة إصداره ، وقبله كانت مجموعة ( العبور إلى الشاطئ الآخر ) ، ومجموعة ثالثة هي ( تفاح هذا الوقت خائن ) .. كل هذه المجموعات تخلصت منها بسبب أنني كنت أرى فيها أصوات الآخرين لا صوتي .. لم أجد صوتي الخاص حتى مجموعتي ( عاليا عاليا مثل شهيق الحسرة ) … حينها أحسست بأنني أصبحت متحررا من سلطة ( مصطفى سند ) التي كانت عارمة على الجميع .

يعمل...
X