إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ليس من علم كمن لا يعلم - من كتاب الاسلام في رسالتيه - انطون سعاده

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليس من علم كمن لا يعلم - من كتاب الاسلام في رسالتيه - انطون سعاده





    المفكرالكبير: أنطون سعادة ( 1904-1949 )


    كتاب الاسلام في رسالتيه - انطون سعاده
    الإسلام في رسالتيه : المسيحية والمحمدية
    الكاتب الكبير: أنطون سعادة ( 1904-1949 )

    1- الضلال البعيد
    2 - الجهل المُطبق
    3 - الفهم المغلق
    4 - ما لم يعط للجهّال
    5 - ولم يتمكن منه المنافقون
    6 - خرقاء ذات نيفة
    7 - ليس من علم كمن لا يعلم
    8 - تأويل الجاهلين
    9 - ضعف الإدراك من نقص العقل
    10- بين الجمود والارتقاء
    11- بين الهوس والتديّن
    12- أغراض الدين واختلاف المذاهب
    13- مدار الخلاف بين المحمدية والمسيحية
    14- مدار الخلاف بين المسيحية والمحمدية
    15- بين الدين والدّولة
    16- الدين والفلسفة الاجتماعية
    17- نصوص المحمديّة كدولة
    18- في الدولة والحرب الدينية
    19- الدين والدولة
    20- العُروبة الزائفة والعروبة الصحيحة
    21- العُروبة الدّينية والدّعاوات الأجنبيّة
    22- العُروبة كقوّة إذاعيَّة للمطامع السّيَاسية الفردية
    23- التعنتات المسيحية
    24- الخلاصة
    ليس من علم كمن لا يعلم
    من كتاب الاسلام في رسالتيه انطون سعاده
    ليس من علم كمن لا يعلم قلنا، في ما تقدم، أن المسيح جاء حاملاً رسالة مناقبية للقضاء على مثالب المجتمع الذي تشبَّث بقوانين صارت جامدة وأجاز أفراده لأنفسهم الخمول وارتكاب جميع أنواع الموبقات التي لم تنصَّ الشريعة على كيفية معاقبتها. وهذا أيضاً شأن محمد. إلاّ أن الفرق بين المسيح ومحمد أن المسيح لم يكن محتاجاً لأن تكون رسالته تشريعية لأن المجتمع الذي نشأ فيه كان ذا شرائع سبكتها الموسوية في شكل إلهيّ، وأن محمداً وجد أشد ما تحتاج إليه جماعات بيئته هو التشريع فأدَّى هذه الرسالة، وأضاف إليها تعاليم مناقبية من النوع المسيحي عينه، إلاّ أنه تناول بها أيضاً أموراً كثيرة مختصة بأهل بيئته فضلاً عن الأمور العامة. وقد وجدنا الكلام الإلهي في القرآن يوافق كل الموافقة تعليم المسيح المناقبي الذي جاء جاهل يدَّعي العلم يقول إنه يخالفه. بل إننا حين التمعُّن في النصوص نجد أن القرآن كان أشدّ تأكيداً من الإنجيل بوجوب الاستغناء عن كل مال وعقار في سبيل السماء. ففي الإنجيل كله لا يوجد حكم كحكم الآية القرآنية: {إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} } (التوبة: 111). ولا وعيد الآية: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربَّصوا حتّى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة: 24). فالمسيح لم ينذر الأغنياء ومفضِّلي أموالهم على محبة الله واتّباع المسيح, هذا الإنذار الشديد، وقوله لتلاميذه، مستخرجاً لهم العبرة من رفض الغني بيع أملاكه وتوزيعها على الفقراء: " ما أعسر على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوت الله. إنه لأسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غنيّ ملكوت الله" (لوقا: 18 ـ 24 و25) ليس حكماً عليهم بالرفض والهلاك من أجل غناهم، بل تعييناً لحقيقة حالهم التي اختاروها لأنفسهم، إذ فضلوا أموالهم على عمل مشيئة الله. وهذا التعليم ليس ضد الغني عينه، كما أوهم رشيد الخوري جهله، بل ضد جعل المال معبود الإنسان من دون الله أو الفضائل العليا. وإذا تابع الدارس ذيول هذا الحادث والتعليم المسيحي المستخرج منه ظهر له عظم تدجيل رشيد الخوري بادّعائه فهم تعليم المسيح والشريعة الإسلامية وتعليم محمد. فالآيات التالية هذا نصها: "فقال السامعون: فمن يستطيع إذاً أن يخلص. فقال: ما لا يستطاع عند الناس مُستطاع عند الله. فقال بطرس: هو ذا نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فقال لهم الحق أقول لكم إنه ما من أحد ترك بيتاً أو والدين أو اخوة أو امرأة أو بنين لأجل ملكوت الله إلاّ ينال في هذا الزمان أضعافاً كثيرة، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (لوقا: 18 ـ من 26 إلى 30). فإذاً القصد الواضح من نص التعليم أن يُثاب الإنسان في هذه الدنيا أيضاً فضلاً عن ثواب الآخرة، فيزداد غناه الدنيوي أيضاً إذا عمل بهذا التعليم، فكيف يكون هذا القول موجباً للفقر، كما يدجِّل رشيد سليم الخوري؟ ومن مقابلة آيات القرآن، التي أثبتناها، على هذه الآيات الإنجيلية يتَّضح أن المطابقة بين التعليمين المسيحي والمحمدي هي كليّة، وفي بعض الآيات المطابقة ليست أساسية فقط بل شكلية أيضاً كما في تعداد الآباء والأبناء والإخوان والأزواج الذي يكاد يكون حرفياً في الإنجيل والقرآن. ننتقل إلى أخطر الأقوال التي فاه بها رشيد الخوري في حارضته الهجائية التي لم يرم من ورائها إلى غير إثارة الفتنة الدينية واستدرار جيوب الذين ما يزال يأخذهم هوس التعصب الديني. ونحن لا يهمنا من تناول هذا القول الدفاع عن الدين المسيحي أو إثبات صحته وصحيحه. لسنا مبشري أديان. وإذا كان رشيد الخوري أراد أن يكون مبشراً دينياً لقضاء لبانة في نفسه فذلك شأنه هو الذي لا ندخل فيه ولا في شأن الذين أغروه بركوب هذا المركب الخشن. نحن نسوق هذا الدرس من أجل محاربة التدجيل العلمي والتدجيل الديني والاستهزاء بالتعاليم على الإطلاق، سواء أكانت دينية أم غير دينية. ومن أجل إيضاح الحقائق التي تساعد على التخفيف من غلواء التعصب الديني المبنيّ على تشويه هذه الحقائق ونشوء اعتقادات في صددها لا يمكن أن يذهب التعصب الأعمى بدون ذهابها. أثبتنا، في ما تقدم، فقرة من حارضة رشيد الخوري جمعت النتيجة الكلية الكاملة لما سماه صاحب الحارضة "بحثاً دينياً اسماً واجتماعياً فعلاً" في ما يتعلق بالدين المسيحي أو الإنجيل. وهي الفقرة القائلة إن الإنجيل كتاب "لا يعلِّم غير الزهد وقهر الجسد وحبس العقل في قفص من غباوة الاستسلام لما وراء المنظور، وهو يقتل المواهب ويُهيض الأجنحة ويعصب على العيون" وإنه "لا بأس في شريعته أن تعيش عبداً رقيقاً مدى الحياة تُسام الخسف والهوان والجلد بالسياط ما دمت تعتقد بأن بعد الموت حياة ثانية تُثاب فيها على خنوعك واستسلامك وصبرك على الظلم". وقلنا إننا سنعود إليها بعد بحث قوله إن المسيحية "شريعة توجب الفقر شرطاً لدخول السماء" فلنبحث في هذا الكلام. إن هذا القول هو الذي عنيناه قبلاً، ونجعله هنا شاهداً على قولنا هناك أنه سفسطة سهلة الشيوع عند العامة وعند الخاصة الناقصة الثقافة، وإيضاحنا أن سبب هذه السهولة هو كمال سطحية هذه السفسطة وإغفالها الحقائق الاجتماعية والتاريخية، وهو الإغفال الذي رأينا أوجه في تفضيل الدين الإسلامي المحمدي على الدين الإسلامي المسيحي لسبب أن محمداً "أشاد بذكر العلم وفضل العلماء، وأنه لا يوجد في الإنجيل آية واحدة تذكر العلم بخير أو بشرّ". لا يذكر صاحب الحارضة النصوص الإنجيلية التي استند إليها وحلَّلها وحقق فيها ليخرج بهذه السفسطة الباهرة في "بحثه الاجتماعي فعلاً" القائلة إنّ الإنجيل كتاب لا يعلِّم غير الدروشة والزهد وحبس العقل والاستسلام للعبودية والصبر على الظلم. فهذا الكلام المرسل جزافاً على عواهنه من غير ضابط من النصوص ولا شواهد كاملة من التعاليم التي يتناولها هو آخر بدعة من بدع الواغلين على العلم في ما يمكن أو يحتمل أن يُسمَّى بحثاً علمياً "اجتماعياً"، مهما يكن من شأن هذا النعت غير المضبوط. فهؤلاء الشياطين أو السعادين لا يرون ضرورة لبحث التعاليم أو المبادئ أو الأقوال التي يعطون حكمهم عليها بصورة نهائية جازمة. فعقلية عظيمة السخافة كعقلية رشيد الخوري لا تجد حاجة لدرس نصوص المحمدية ونصوص المسيحية حين النظر فيهما والبت في طبيعة كل منهما وخصائصه وإظهار كيفية توصلها إلى النتيجة الأخيرة التي تصل إليها. إن هذه العقلية السفسطائية التي لا تعلو عن عقلية الأميين ترى أن التعاليم شائعة بين الناس ومعروفة،وأن إقرار النتيجة شيء بديهي لا يستدعي إعادة نظر، بل يكفي تقديم آية واحدة مفصولة عن موضوعها كآية طلب المسيح من الغني أن يبيع أملاكه ويوزعها على الفقراء ليمتحن صدق إيمانه، واتخاذها شاهداً يغني عن الباقي في عرف هذه العقلية الفقيرة الثقافة الطامعة بالخلود والمال. وقد رأينا في ما سبق مقدار إساءة فهم الآية وموضوعها وإساءة الاستشهاد بها. إن التعاليم المسيحية شائعة، وكذلك التعاليم المحمدية، ولكن شيوع هذه التعاليم لا يعني دائماً أن الشائعة عندهم درسوها ومحّصوها وفهموها فهماً كلياً أو مستوفًى، بل قد يعني، وهو الأصحّ، أن من الجهالة الاستناد إلى هذا الشيوع غير المضبوط، خصوصاً في مجتمع ما يزال فيه بقية كبيرة من انحطاط الثقافة ونقص العلم اللذين هما من نتائج فقده رابطته وسيادته القوميتين. ولولا شيوع هذه التعاليم شيوعاً يولِّد كثيراً من الأغاليط في محيط من الثقافة المنحطة والعلم الناقص لما وجدنا بنا حاجة لتناول هذه السفسطة ودرسها وتحليلها بصورة جدية، بل لكنا فضَّلنا خوض الموضوع من نقطة ابتدائية غير هذه النقطة ومن وجه غير الوجه الذي تحملُنا عليه هذه السفسطة. قد رأينا، في ما تقدم، مقدار ما يعرف أو ما يجهل رشيد الخوري من الرسالة القرآنية وبعض مقدار ما يعرف أو ما يجهل من الرسالة المسيحية، فلنر مقداراً آخر من علمه وجهله مبتدئين بقوله إن الإنجيل "لا يعلِّم في هذه الدنيا غير الدروشة والزهد". من أين استمد الخوري هذا الحكم؟ من خبط العامة في التعاليم ذات الصبغة الفلسفية في المناقب. من منَّا لم يسمع كثيراً من العامة والخاصة الناقصة الثقافة تتحدث عن المسيحية والمحمدية بصورة بعيدة عن الفهم؟ من منّا لم تطرق أذنه مثل هذه العبارة الحقيرة: "تقبر الإنجيل أيش بيعلّم غير الكسل. شو بيستفيد الإنسان من قول المسيح: "لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون. ولا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس"."؟ أليس من هذا القبيل تماماً ما يقوله رشيد الخوري في حارضته مدَّعياً أن الإنجيل "لا يعلِّم غير الدروشة والزهد؟" بلى. بلا زيادة ولا نقصان ولكن ما أبعد هذه النظرة الانحطاطية عن مقصود هذا التعليم المسيحي. المسيح لم يقل هذين القولين اللذين تستشهد بهما العامة المبلبلة والخاصة المستمدة ثقافتها من الأفكار الشائعة، الخطرة، وحدهما كتعليم كامل تام في نفسه، بل قالهما في عرض موعظة كاملة تعالج حالة عامة وتتجه نحو نتيجة كلية هي محاربة الإغراق في المادية الفردية والانحطاط إلى أسفل دركاتها حيث يصبح قلب الإنسان مع كنزه المادي المفضَّل عنده على جميع الفضائل العليا المنسوبة إلى "مشيئة الله" والانتصار على الأنانية الفردية لقيام مجتمع أفضل. فالمسيح لم يقل آية واحدة ليعبِّر بها عما أراد أن يرسخه في الأذهان، بل قال سلسلة عبارات في موعظته على الجبل، كلّها مرتبطة بهذا المعنى الواحد المتعلق بوجوب تفضيل محبة المناقب والفضائل الباقية على محبة المال، فهو لم يكد يُتمّ عبارته القائلة: "فلا تطلبوا ما تأكلون أو ما تشربون ولا تقلقوا" حتى أردفها بآيتين "وأبوكم (الله) يعلم أنكم تحتاجون إلى هذا، بل اطلبوا ملكوت الله وهذا كله يزاد لكم" (لوقا: 12 ـ 29 و30 و31). فهل وقف رشيد الخوري ومن حذا حذوه عند الجزء الثاني من الآية الأخيرة المذكورة آنفاً وتأمل معناها ووجد أنها لا تعني شيئاً غير الدروشة والزهد والفقر؟ هل وقفوا عند هذه الآية المذكورة آخراً وتمعنَّوا في معناها الذي جمع المقصود من الآيات السابقة والغرض الكامل الذي رمى إليه المسيح منها ووجدوا أن هذا الغرض هو الدروشة والزهد والفقر، لا أكثر ولا أقل؟ شتان بين غرض هذا التعليم وما فهمه ويفهمه رجل يتكلَّم في الدين ولا يعرف ما هو الدين، ويدَّعي العلم وهو ليس سوى خرقاء ذات نيفة. إن درس موعظة المسيح والآيات المتعلقة بموضوع الغنى يوصل إلى نتيجة واحدة هي: إنه إذا اتجه أبناء المجتمع الواحد نحو طلب حالة السعادة التي تولدها الفضائل السامية فإن المجتمع يخسر الأنانية الفردية المنحطة القتالة، ولكنه لا يخسر أسباب العيش والرفاه، لأن التعاون في المجتمع يولِّد المحبة، والمحبة تزيد التعاون، ومن هذا التفاعل بين المحبة والتعاضد يتولَّد فلاح المجتمع؛ فأيّ عقل غير سخيف يقول إن فلاح المجتمع يعني الدروشة والزهد والفقر؟ وهل يقول الإسلام المحمدي بغير هذه النتيجة؟ أتُعارض الآيات القرآنية والأحاديث النبويَّة هذا التعليم؟ كلاَّ، بل هي تؤيَّده وتتجه معه في اتجاه واحد؛ ولا يحاول نفي ذلك غير جاهل مغرور يدَّعي أنه أخبر بالإسلام المحمدي من القرآن ومن محمد نفسه. انظر كيف يعلِّم القرآن هذا التعليم الإنجيلي عينه: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} (الشورى: 20) فهذه الآية توافق كل الموافقة آيات الإنجيل في تعسير دخول السماء على الذين يفضلون حرث الدنيا على حرث الآخرة. وإليك آية أخرى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} (البقرة: 261) وأخرى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالّتي تقرّبكم عندنا زلفى إلاّ من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضّعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} (سبأ: 37) وغيرها: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا والله عنده حسن المآب} (آل عمران: 14) وغيرها: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدّنيا وما عند الله خير وأبقى للّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} (الشورى: 36). ألا يرى رشيد سليم الخوري، الواضع على عينيه نظارتين ذهبيتي الحتار والوهج، أن الإسلام المحمدي يشترك مع الإسلام المسيحي في تعليم "الدروشة والزهد والفقر والاستسلام لما وراء المنظور والخضوع الأعمى للتعاليم السماوية"؟. أليس هكذا يفهم المير شكيب ارسلان الإسلام حتى قال عن رشيد الخوري إنه يفوق كثيراً من أقحاح المسلمين المدافعين عن شريعة محمد وخلفائه في الأرض؟
يعمل...
X