إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حارب الظاهري من القلب ( واحة النخل بالعين )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حارب الظاهري من القلب ( واحة النخل بالعين )


    من القلب

    حارب الظاهري
    واحة النخل بالعين
    مررت بعد حين، فأخذت النخلة تجادلني في سر الغياب الطويل، لم تنس حين باغتها بالرحيل، تركت فيها إطلالة عذبة على السوق القديم، كانت تنشغل بالنظر إلى الجبل، كانت أطرافها نضجة لا تضاهى، ترفل في اخضلال، يسترسل موج ظلالها على فرات الماء، ويسقي الفلج الجميل مداها، ويبشر الأفق بسخائها، كان لها الصيف والضيف، وحفيفاً يرتمي في جوف ظلها الرجل النحيف، يرتقي جذوعها صباحاً مساء، ولا يجزع من نائبات الدهر، ولا يشكو من احتضان خيوط الشمس، ولا يهلع من دبيب يهز السمع، ويقر بأن لك أطراف تمسد الرأس، وحبا توغل في النفس، ولك ذكريات جميلة بالأمس.
    وجوه غابرة لم تعد تباشر الذهاب الى واحة النخل، لم تعد تتحادث منذ زمن، ولم تجادل بأنواع الرطب، تبددت خطواتها على عتبات الليل، ومكثت أمهات النخيل بالنهار بلا نسب، وباتت لها فصول خاوية، ولها ممار كانت الى وقت قريب هي البيوت وهي دفء السكن، ولها أبواب خشبية، ومزلاج تساوى في نسيج النسيان، حواه النظر وخفقان وجوه عابرة، غريبة الطلع لا تعلم سوى أن تدوّن تراثاً أسطورياً مفقوداً، هيمنة غريبة مقتها العصفور الجميل الطرب، ودفعت بها الدروب الضيقة الى مخارجها، تململت في أسرارها وفي بقائها صامتة، تحاول ان تصل حكاياتها القديمة، لا أحد يصغي أيها النفر، تحاول أن تكسو الغياب، وأن تشن أطيافها على الصمت ثورة المدى والندى.
    غابة النخيل لك عيون الاخضرار، ويطيب لك اصفرار الرطب، وطعم التمر بنشوة الخمر، وصفو الهدوء كأن خيالًا يتقمص سر النظر، وطيب الجلوس إن مرت حمامة تنوح، يفضي الأمر بحوارات جميلة نقية، لحبيبة مدارها ترسم مداعبة مع فراشة تنمنم من وحي الفرح، تتقصى أثراً أنثوياً نثر العطر وبيان الجمال الخالد في مسار النخل.
    على عتبات النخل رقصة للوقار الجميل، او إطلالة لضحكات التي تثيرها النسمات، تمرر نبضاتها الشفافة في استحياء، تمرر نواة الرطب في انبهار، تسجيها في كنف التربة، لها طعم آخر لصنوف أخرى، ولها فصول لتداول المدى على مر السنوات، وفي ظل خرير الماء بهجة النخل ورقصة الاشتهاء، فكلما مر فصل كتب حكايات وأثار همسات العشق المتأصلة.
    خلعت النخل رداء جدرانها القديمة وبدأت أجمل حين أخذت تستوحي ذاتها من صيت الماضي، وحين تسكب على تراثها متعة لا تضاهى، واحة النخل بمدينة العين ليست سوى ضرب من الدهشة والانبهار، ولمعالمها رغبة التمتع بذلك الصفو الجميل، كم ستبدو للسياحة خاصية أكبر لو يلفها الاهتمام، ويتقنها الحرص الشديد على الموروث، إنها ساحة للمجد وراحة ربما تستحضر منها سياق ومفاهيم أكبر، ربما تستجلب من الماضي ما كان يتجسد من حياة، ربما تقيم بين متحف العين ومتحف قصر الجاهلي تواصلاً روحياً، لكن هناك ما يمكن تجسيده بالمنظار الأشمل للكيان الأجمل.

يعمل...
X