إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لعمار علي حسن الرواية الكونية ( شجرة العابد )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لعمار علي حسن الرواية الكونية ( شجرة العابد )


    تاريخيتها لم تؤثر سلبا على غرائبيتها"
    "شجرة العابد" واقعية سحرية خلقتها الصوفية الشرقية

    القاهرة - مصطفى سليمان
    في روايته الأخيرة "شجرة العابد" زاوج : عمارعلي حسن بين التصوف الخالص والواقعية السحرية، مستعملا ما لدى الصوفية، فكرا وذائقة ومسلكا وطرقا ولغة، في بناء أسطورته التي حاول خلالها أن ينسج شيئا مختلفا نسبيا، عما ورد في الأساطير العربية الشهيرة.

    وقد أطلقت "دار نفرو للنشر والتوزيع" التي نشرت الرواية عليها صفة رواية "كونية" وربما رأى من أطلق هذا الوصف أن الرواية تنطوي على رؤية معينة للحياة، أو أنها أسطورة يمكن أن تقرأ بكل اللغات، ويفهمها الناس في كل مكان، وتكون جذابة ومحببة إليهم. وربما أطلق لأن أبطال الرواية يسبحون في الكون الفسيح، حيث تجري وقائعها في البر والبحر والفضاء.
    ورغم أن الرواية تدور في نهاية العصر المملوكي فإن تاريخيتها لم تؤثر سلبا على غرائبيتها، بل ربما أعطتها مزاجا خاصا.
    وتجري وقائع الرواية في لحظة فارقة من الصراع بين الشرق والغرب في أواخر القرن الخامس عشر وهو عصر المماليك، أما مكانها فيصل صعيد مصر وصحاريها بالقاهرة في أيامها الزاهرة.
    زمن الرواية هو نهاية العصر المملوكي، لكنها ليست رواية تاريخية بحتة، رغم أن مؤلفها استفاد في صياغة الأجواء والأحوال ورسم ملامح الأماكن وطقوس الحياة من كتب التاريخ والاجتماع التي تناولت هذه الفترة.
    ومحرك أحداث الرواية طالب علم أزهرِيّ كان يسعى في شبابه إلى الثورة على السلطان المملوكي الجائر فانتهى إلى درب التصوف هارباً من العسس والسجن والتعذيب والشنق الذي الذي كان مهددا به بعد أن اختفى حين عجز أن يحقق للسلطان المستبد حلمه بالوصول إلى الشجرة التي كان يعتقد هذا السلطان أنها كنز ثمين.
    وفي الرواية نقف بعناية على بعض ما تنطوي عليه الحياة من فلسفة عميقة، ويعرف بعض طرائق العيش وأشكال العمران وألوان الفنون والثقافة السائدة في مصر المملوكية عند المسلمين والمسيحيين واليهود، من أهل الريف والحضر والبدو.
    لكن الحكاية الأساسية للرواية هي "أسطورة الشجرة المقدسة" أكثر من سلاطين العصر المملوكي أو بعض جوانب الصراع بين الشرق والغرب الذي شهدته هذه الفترة.
    ولا يمكننا أن نفهم البعد الصوفي في الرواية هذا بعيدا عن جوهر الحكاية التي تضمنتها ، فالصوفية فيها كانت وسيلة لاكتشاف بطلها قوته الكامنة، وقدراته الروحية الخارقة، التي مكنته في النهاية من أن يصل إلى الشجرة العجيبة، التي اختلف الناس حولها فيوجد من يراها تعبير عن الذات الإلهية في صورة غير مسبوقة، وهناك من يعتقد أنها جنة الفردوس.
    ويوجد من يتصور أن الشجرة هي الحقيقة المطلقة التي تعجز غالبية البشر عن بلوغها ولا يصل إليها إلا من يكتشف الطاقة الفياضة الكامنة في نفسه، أو يصل إلى أعلى مدى في معرفة كنه الحقيقة الإلهية وأسرار الكون، وهناك من يعتقد أن هذه الشجرة كنز ثمين من الجواهر النادرة عليه أن يقتنصه، مثلما أراد السلطان المملوكي الذي جاء بالسحرة والدراويش ليساعدوه على بلوغ الشجرة، وكذلك شيوخ القبائل البدوية الذين توارثوا أسطورة الشجرة أبا عن جد.
    ويوجد من اعتقد أن في الشجرة ترياق يشفي الأمراض المستعصية، مثلما اعتقد حاكم منفلوط، الذي بذل كل جهد مستطاع في الوصول إلى الشجرة لينقذ ابنته من مرض مزمن خطير.
    في الرواية يعجز بطلها عاكف عن الوصول إلى "الشجرة الغريبة المقدسة" بمساعدة جنية عشقته، وأخذته إلى عالم الجن، ويعجز السلطان الغشوم من الوصول إليها من خلال السحرة المهرة الذين استجلب بعضهم من بلاد المغرب، ويعجز كل من وصله نبأ الشجرة الغريبة من الوصول إليها بقدراته وحيله المباشرة وإمكاناته المستهلكة والتي يرضي منها بما هو متاح.
    لكن البطل يصل إلى الشجرة بعد أن انقطع للعبادة سنين لا عدد لها في زاوية بناها إلى جانب أحد الأديرة في صحراء مصر الشرقية، ولم يأخذ فيها معه سوى "المصحف الشريف" وكتاب "طوق الحمامة في الألفة والألاف" لابن حزم الأندلسي.
    وعلى مدار قرون عديدة مثلت الصوفية رافدا من روافد الواقعية السحرية العربية، ليس فقط من زاوية طرحها لقضية "كرامات الأولياء" بشكل مبالغ أحيانا، والخلط فيها بين ما له ظل من واقع وبين ما ينسجه الخيال، لكن أيضا من لغة الصوفية الساحرة، التي أنتجت نصا جذب انتباه العالم بأسره، علاوة على ما فيه من مضمون إنساني.
    وقد حفلت "الصوفية" الشرقية بأساطير غريبة نتجت عن المبالغة في "كرامات الأولياء". بالطبع يمكن لإنسان أن تكون لديه طاقة روحية أوسع وأعمق من كثيرين، لكن بعض المتصوفة لم يقفوا عند هذا الحد المقبول، بل بالغوا فيه إلى حد أن بات جزءا من أساطيرنا العربية، لكنها مطمورة.
    ولم يهمل عمار في روايته نصا ساحرا وطقسا غرائبيا في إنتاج واقعية سحرية عربية، ليعزز لفت انتباه غيره من الكتاب والمبدعين إلى إمكانية أن يضيفوا فصولا جديدة إلى أساطيرنا الشرقية الخالدة، حيث استفاد "شجرة العابد" من التصوف في لغته وأجوائه الروحانية الخالصة، ومن "الطرقية" في طقوسها، ولذا فإن روايته هي بنت الصوفية في جانب واسع منها.
    ويبدو أن الرواية تطرح التصوف كحل وجودي لكنه التصوف القائم على الإغراق في المحبة والإيمان بالحدس إلى جانب البرهان والتسامح الذي لا ينزلق إلى التساهل، والزهد الذي يغني الإنسان عما بيد الآخرين، فلا يجد أحد سبيلا إلى شرائه أو إغرائه. وليس بالطبع التصوف القائم على الانسحاب التام من الحياة، أو الدروشة أو الاتجار بالدين.
    واللغة في الرواية شاعرية في أغلب الأحيان، وبنيتها دائرية، كالزمن تماما، لأنها تبدأ من حيث تنتهي. وتقتطف الرواية بعض الأوراد الصوفية وتنطوي على معلومات عن ثلاثة من كبار الزاهدين وأبو الرهبنة المصرية الأنبا أنطونيوس، وفيها من العلامات والشفرات الصوفية الكثير.
    وقد نهل الشعراء من لغة الصوفية وأذواقها الكثير، واهتم كتاب القصة والرواية بطقوس الصوفية وأحوالهم وعلى رأسهم نجيب محفوظ الذي ظهرت الصوفية في روايته "رحلة ابن فطومة" و"اللص والكلاب" ومجموعته "حكاية بلا بداية ولا نهاية" وغيرها، وكتب عبد الحكيم قاسم رائعته "أيام الإنسان السبعة" عن طريقة صوفية.

    يشار إلى أن "شجرة العابد" هي الرواية الرابعة لعمار علي حسن بعد "حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف" علاوة على مجموعتين قصصيتين هما "عرب العطيات" و"أحلام منسية" وقد حصلت الأخيرة على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، فيما حصل كتابه "التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر" على جائزة الشيخ زايد في فرع التنمية وبناء الدولة.
    وله كتب أخرى على رأسها "النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية" و"الفريضة الواجبة: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان المسلمين".
يعمل...
X