إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكاتب التونسي ( رياض خليف ) في رواية علاّلة الزّيني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكاتب التونسي ( رياض خليف ) في رواية علاّلة الزّيني

    واقعية رمزية
    "سيدي بوزيد" وكتابة المعنى في رواية "علاّلة الزّيني"




    حاتم النقاطي

    لم يجد صديقنا الكاتب التونسي "رياض خليف" في هذه الدعوة الموجهة لي كقارئ علم خبايا نفسه وخيباته الجميلة و طموحاته المتخيلة غير جرّي لعالمه لأدخل معه روايته الجديدة "علالة الزيني"1 مذكرا عذاب نفسي بأمكنة كنت صاحبته فيها وجالسته عندها مستمتعا بوقائعها وآفاقها. كأنه يشركني لذة نصه ويذكرني بمدينة جمعني بأهلها حب الفن وعشق الخروج عن المألوف والانكباب على إحصاء الآلام ولكن إلى حين.

    وأي هذا الحين أقرب من هزّ عرش "بن علي " سالب الرزق وهاتك الكرامات وراعي عصابات النهب: "اختلط الناس في سيدي بوزيد مواطنون قادمون إلى السوق وتلاميذ يغادرون معاهدهم بمناسبة عطلة الشتاء... ساروا واحتجوا وتصادموا مع رجال الأمن... وصارت سيدي بوزيد ثكنة مغلقة"2.

    أهمية السرد في استفهام الزمان والمكان

    هكذا هي مدينة "سيدي بوزيد" التونسية أو"بوزيد" كما يحلو لخليف تسميتها مكان يأخذنا السرد عنده لآفاق تشتعل الأحداث بها و تتوهج داخلها وقائع تاريخ تونس الحديث: فتح النادل جهاز التلفزة ...إنهم يبثون نبذة عن تاريخ الزعيم صوره وهو يصعد وينزل أمام الناس ويصيح ويضرب الطاولة ...وهو يعود في يوم النصر ... وهو يلتحم بالناس ... وهو يخطب في مؤتمرات الحزب ...ثم صوره وهو يهرم وقد أحاطت به جوقة من حاشيته الشهيرة... ونبذة عن تونس السابع من نوفمبر... وكرروا تلك الاسطوانة المعروفة...موت بورقيبة خسارة كبيرة للبلاد... هو الذي حررها وبناها وشيدها وأعلاها وأعطاها رايتها ووجهها بين الأمم"3 لعلها أيضا شهادة على جملة من الأحداث العربية كوقائع دخول جيوش "صدام" للكويت : "ذات قيلولة حارة توجهت إلى بيت الأخوال كعادتي في أغلب قيلولات و أمسيات ذلك الزمن... وجدت الخال متكوما على مذياعه الكبير صاحب "الانتاتان" المربع الذي اقتناه من طرابلس حيث كان يعمل منذ أعوام ...فهو الوحيد الذي يقدر بسهولة على العثور على إذاعة لندن وإذاعة موننتي كارلو وصوت العرب والقاهرة وغيرها من الإذاعات ....بادرني الخال بالقول " لقد أصبح العراق في الكويت" "4 فهل كانت المدينة رواية للأحداث أم هي رواية الأسماء أم هي لغة الأمكنة في إحالة على الذاكرة حيث ألم الأمكنة والأزمنة والتاريخ وسخف حياة الأعلام وفضاءات الوجود؟

    هي "بوزيد" تكتب ذاتها عبر تأمل تاريخ المكان فمنه قامت ثورة الكرامة ومنه اشتعلت باقي مدن تونس لتنتقل العدوى الجميلة إلى الأوطان القريبة والبعيدة:
    "أخبار الصباح تتصاعد...الحشود تكثر... نظام منهار... حزبيون يرتعدون من المحاسبة التي أعلنت البارحة ...الهدوء لم يرجع ...الداخلية محاصرة بالشعب الغاضب الذي التاع منك طويلا ...تواصلت المسيرات واحتشد الناس غاضبين أمام الداخلية وتكررت المواجهات... كان النظام وحشيا لكن الغروب حمل مفاجأة ثقيلة... أعلن التلفزيون بالخط العريض قرب بث خبر هام جاد. جاء محمد الغنوشي مرتعدا أعلن أن منصب الرئيس صار شاغرا الآن... انفجرنا فرحا... هرب بن علي... سقط السابع ..." 5هنا يذكرنا السرد بأصل الأشياء إذ الأسماء تحيل على الموضوعات ذاتها وهنا كذلك يشدنا الحدث إلى استفهام الرمز فلا يبقى من المكان غير إحالاته الرمزية أو ما يوحي به الخيال: "لا ينبغي فقط أن نأخذ مأخذ الجد هذه المقاربة الأولية للمشكل، بل كذلك أن نحصن معضلة التاريخ والحقيقة هذه ضد كل الحلول السابقة لأوانها.

    وأكثر الحلول رداءة هنا هو التلفيقية و أشدها إغراء هو "الاعتقاد ب" منطق محايث للتاريخ "6. ولأن المكان إحالة ضرورية على الزمان كان السرد يحيل القارئ إلى علاقة بين طرفيه الآن والماضي فإذ بالمتابع للأحداث يجد نفسه بين زمانين يجمع بينهما التوتر واليأس ومرارة الوجود، فكأنّ الحاضر لا يختلف عن ذاك الماضي إلا بفعل موضوعية الانتماء .

    القارئ وكتابة المعنى

    هي لعبة أراد بها صاحب العمل جرّنا إلى الاعتراف بما يريده إذ لديه تتساوي كل الأزمنة بحكم السواد المنتشر في لحظات الزمان و مساحات المكان معا. هي مدينة "سيدي بوزيد" أو "بوزيد" إحالة على ملحمة الخلاص أو هي نقيض ذلك فهي إشارة إلى وجه "علالة الزيني" الذي يشبه واقع هذه المدينة المبهم. إن فتوحات الآن لم تغير حقيقة المكان فكأن رمزية الأسماء" البوعزيزي - سمرقند - سيدي بوزيد..." تغوص في فراغ الحاضر وضياع الأهالي بين شعارات الأمس والآن. لعلها تبحث عن معناها في ذهنية متلقيها بحثا عن ذاك الجميل الفني في سحره للقارئ: "لئن كانت كلمة
    ""Rezeptionasthetik الألمانية توحي للأسف بسوء فهم محتوم، فإن كلمة "Réception "الفرنسية أو "Réception " الإنجليزية لا تستعمل إلا في لغة الصناعة الفندقية. بيد أنّ كثرة تداول هذا المبتكر المعنوي في النظرية الجمالية العالمية تستدعي التدقيق في استعمالها. فالتلقي بمفهومه الجمالي، ينطوي على بعدين: منفعل وفاعل في آن واحد. إنه عملية ذات وجهين أحدهما الأثر الذي ينتجه العمل في القارئ والآخر كيفية استقبال القارئ لهذا العمل "أو "استجابته" له".

    فباستطاعة الجمهور "أو المرسل إليه" أن يستجيب للعمل الأدبي بطرق مختلفة، حيث يمكنه الاكتفاء باستهلاكه أو نقده أو الإعجاب به أو رفضه أو الالتذاذ بشكله أو تأويل مضمونه أو تكرار تفسير له مسلم به أو محاولة تفسير جديد له.

    كما يمكنه أن يستجيب للعمل بأن ينتج بنفسه عملا جديدا. هكذا إذن تستنفذ السيرورة التواصلية للتاريخ الأدبي: فالمنتج هو أيضا ودائما "متلق" حين يشرع في الكتابة. فبواسطة كافة هذه الطرق المختلفة يتشكل معنى العمل على نحو جديد باستمرار، نتيجة تضافر عنصرين: أفق التوقع "أو السنن الأولى" الذي يفترضه العمل، وأفق التجربة "أو السنن الثاني" الذي يكمله المتلقي"7.


    هو النص جدل مع قارئ يؤمن بكتابة تتأسس على إعادة التكوين ليصبح للقراءة سيادتها الأولى على ذاك الموضوع الملقى. إن القارئ باحث قبل كل شيء يتعامل مع نص وفق عقلية نقدية حيث توجد رؤية تنظيرية توجه العين وتكشف لها المختفي.. لعله خطاب المعاصرة في تحديثه لبنية النص بما هي لعبة تأويل للمعنى خارج كل المتعاليات اللغوية والإسمية.إنه البحث عن سلطة القارئ لا سلطة ذات النص:"تعلمنا منذ مقتبل العمر كيف نرى إلى النص كلعبة أسلوبية.

    لا يتركب النص إلا من أدلة، أدلة فقط، ومع ذلك فإن كل أصولية أسلوبية تظل فعلا برانيا. إن الكتابة بحث عن أسلوب، ولكنها ليست حنينا أسلوبيا.. حروف تنتقي حروفا، أدلة تعضد أدلة، والبلاغة صناعة أيضا. تغيير الأدلة من مواقعها داخل الأنساق اللغوية، وتفجير مدلولاتها المنسية والمكبوتة بعيدان عن الصدفة، فهما مغامرة تشتهي استنطاق رؤية وتدمير سيادة.استنطاق رؤية بمعنى أن النص يتحول إلى مجال إشاري، يختطف الحال ويمحو المعنى، يغوي الاستعارة والمجاز وينسى التنميق، يفسخ العلائق الوهمية بين الأشياء والأسماء، يخفي ويضمر قبل أن يبوح ويصرح، وما هذا الاستنطاق إلا تدمير لسيادة المعنى وأسبقيته داخل النص"8.

    لعلنا أمام عمل يحيل عنوانه القارئ على متابعة مسيرة الرجل " علالة الزيني " هذا الجمع في صيغة مفرد9 هذا الحامل لوجه آخر من ذاكرة المدينة ومن وقع تسارع نبض أحداثها ونسج السرد في حكاياتها: "سارع علالة بالتوقيع على مناشدة الزين لانتخابات 2014 فهي فرصته الأخيرة ليضمن المنصب الذي يتمناه خصوصا وهو يسمع أن الزين إذا ربح فسيغير الوجوه القديمة و يصعد وجوها جديدة وهو يعتبر نفسه من الوجوه الجديرة بمناصب كبرى ...يحلم بفرصة جديدة وفوز أكبر ... ويسعى إلى أن تعين زوجته أيضا فهي أستاذة وقادرة على خدمة الجهة وهم يرغبون في تعيين النساء في المناصب ...أنت يا علالة الدمية الكبيرة التي علت سيدي بوزيد و أهلها ...أنت من بعت الجهة ...أنت من هربت المشاريع و أفسدت البرامج ..."10.

    الرواية بنية "العتبات" وتأجيج المتخيل

    إنّ القارئ يخاتله عنوان العمل فيسعى لمتابعة مسيرة "علاّلة" ولكن هيهات إنه لن يعثر من خلالها على ما يشفي فضوله ذلك أنّ حداثة تشكيل البنية السردية تخاتله فإذ هو في فضاء أسماء جديدة لها وقعها الخاص على الواقع والذاكرة معا. هي أسماء سياسية وإعلامية وشعبية أسطورية يتداخل فيها الواقعي والمعلوم" -صالح جغام -الحبيب بورقيبة - محمد مزالي - -الزين –... "بالخيالي المجهول" -عثمان الشرقي - -خالي عبد السلام- -عبد الله المسرحي- ..." وهي أيضا فضاء إدراك المتلقي لذاك البعد الإسمي الحامل للأسطوري والعجيب " لقمان – علالة الزيني- ... هي كلّ رمزي يحملنا إلى دلالات ثرية الأبعاد والمعاني تلح على ذواتنا وتدعوها إلى الانتباه لجدلها مع الموضوع لتأكيد سؤال المعنى بحثا عن ذاك النص الجديد واللذيذ في آن.

    أ فنحن مع رواية يحكمها زمن موضوعي يكره الحلم ويتوحد بالخبر في تقريرية المباشر والعيني أم نحن بصدد العودة إلى تاريخ الكتابة بتتبع وقع جدلية الذاكرة والمكان وفق متخيل فني جيد الرهانات؟

    "سواء أكان الفن رسما أو نحتا أو شعرا أو موسيقى ... فليس من هدف له إلاّ استبعاد الرموز المفيدة عمليا والعموميات المقبولة اصطلاحا واجتماعيا وأخيرا استبعاد كل ما يحجب عنا الحقيقة والواقع لنكون وجها لوجه مع الواقع ذاته."11

    إن ما يجعل لهذا العمل وجودا فنيا جادا هو هذا التوجه نحو الرمز والدخول إلى عالم المتخيل إذ أن المدينة الموضوع "بوزيد" هي مدينة أخرى فهي ليست فعل الثورة وشرارتها فحسب بل هي مدينة "علالة الزيني" بعفنه القيمي وعمالته السياسية للتجمع حزب "بن علي" الحاكم الدكتاتور السارق الهارب.

    هكذا يراوغ المجهول المعلوم في بنية سردية تعمدت اعتماد العتبات والعناوين، إنه يوظف عتبة الإهداء وعتبات الأبواب معتمدة أيضا على رمزية العناوين الداخلية التي تحف بالعمل.


    هي محاولة للاشتغال الفني على بنية العمل ليكون من رهاناتها الخفية هذه المحاولة لكسر رتابة زمانية السرد وذلك بتقديم تبويب آخر يتجاوز التراتب االزماني المعلوم للأحداث فإذ بالزمن يتحول إلى لعبة للمتخيل يشكله القارئ كيف شاء ومن أي عتبة يريد. لعل الكاتب يراهن على هذه البنية ليكون تقديم العناوين أو تأخير تراتبها في ذهنية القارئ غايته كسر موضوعية الأحداث مما يكسب القص روعة التلقي والبناء في آن.

    لقد استطاع "رياض خليف" في هذا العمل أن يبين للقارئ قدرة الكتابة الواقعية على تجاوز التأريخ والدخول بها إلى فضاءات متخيلة تعلن أنّ عهد الفن البعيد عن مشاغل الناس قد ولى بلا رجعة. هي الثورة التونسية في محاولتها تغيير السائد الفني مبشرة بكتابات تحفر في الموجود الشعبي وتقربه لذاك القارئ ليبني حدث الكتابة الجديدة للنص حيث الذات والحرية والإنسان: "وفن الرواية في جملته تجريبي في الثقافة العربية على وجه الخصوص لأنه كان يتداخل مع أنواع السرد التاريخي والشعبي الديني والعجائبي ويشبع شهوة القص في المجتمعات الشفاهية في رواية الأخبار والآثار من ناحية واختلاق الأكاذيب المتخيلة من ناحية أخرى".

    الهوامش
    1-رياض خليف "علاّلة الزيني أو المطلوب عدد 1 في سيدي بوزيد "- رواية - مطبعة دنيا برانت سيدي بوزيد 2011
    2 مصدر العمل ص 138
    3 مصدر العمل ص52
    4 مصدر العمل ص26
    5- مصدر العمل ص 150
    6- Paul Ricouer Histoire et Vérité Seuil p 46
    7- هانس روبيرت ياوس : جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي – ترجمة رشيد بنحدّو – الفصل الثالث : جمالية التلقي والتواصل الأدبي. المجلس الأعلى للثقافة مصر 2004 – ص101.
    8- محمد بنيس : بيان الكتابة البيانات ص 111.
    9-يراجع مصدر العمل باب " علالة الزيني ...جمع في صيغة مفرد " بدء من صفحة 85 وينتبه للعنوان الفرعي " دمي علالة" ص89
    10- المصدر ص 88
    11- H .BERGSON Le rire P .U.F 1962 p 116

يعمل...
X