The Clouds, by Aristophanes
أريستوفانيس ومسرحية السُّحُبْ
نشرت مسرحية " السحب " لرائد المسرح اليوناني " أريستوفانيس " مترجمة إلى العربية ضمن سلسلة المسرح العالمي الكويتية . و جاءت في جزئين حيث ضم الجزء الأول مقدمتين : المقدمة الأول مقدمة أدبية لمترجم المسرحية د. أحمد عثمان و المقدمة الثانية مقدمة تاريخية لمراجع الترجمة د. عبد اللطيف أحمد علي . أما الجزء الثاني فقد ضم نص المسرحية ، و ضم أيضا معجم الأعلام الأسطورية و التاريخية . و تدور المسرحية حول سقراط الفيلسوف اليوناني الذي يجيء موقف أريستوفانيس منه مفاجئا شديد الغرابة حيث يصوره مهرجا يبيع أفكارا و مبادئ مقابل المال ......
كوميديــا الماضي الخالدة ( أريستوفانيس و السُّحُبْ )
كوميديــا الماضي الخالدة
( أريستوفانيس و السُّحُبْ )
- منقول -
تكلّمت كثيرا عن العصر الإغريقي وتكلّم غيري وما زال هنــاك ما يُقال ، فهو ماض زاخر لا يموت ، وينتقل بين القرون بقوة تزداد كلمّــا ذكره النقّاد وعُشّــاق المسرح ومرتاديه ...
وقد أحببت أن أبدأ مقالي بمقولة ضمنها الكاتب ( بيري ) ص 385 في كتابه ( تاريخ الإغريق ) وقد ذكرهــا في دراسة موسّعة الأستاذ ( أحمد عثمان ) قال بيري [ لا شيء على الإطلاق أكثر دلالة وأوضح برهانا على نقاء الجو الاجتماعي وصفاء الحياة السياسية وازدهار ( أثينا ) في منتصف القرن الخامس ، ومن الحرية المطلقة التي تمتع بها شعراء الكوميديا القديمة ، فقد سخروا من كلِّ شيء على الأرض ، أو حتى في السماء ، هاجموا القوانين ، انتقدوا سياسة الدَّولة وحملوا على زعمائها ، لم ينج من لسانهم شيء ، حتى الآلهة ــ ولا يسمح الناس في العادة لشعرائهم بمثل هذه الحرية إلا إذا كانت الثقة تملأ قلوبهم ، الثقة بفضائلهم ، واستقامة أخلاقهم ، وسلامة قوانينهم ، وعظمة دولتهم ، عندئذ يستطيعون ــ في اطمئنان أن يسخروا من بعضهم ، ويتهكموا على أنفسهم ، أو أن يجلسوا أيامـاً يشاهدون أنفسهم موضع سخرية واستهزاء على المسرح ، ومن هنـــا كانت الكوميديا القديمة هي الدليل الساطع والبرهان القاطع على عظمة أثينا ] انتهى .
وحسب المراجع المتاحة ـ كما ذكرت سابقا ـ فقد وصل إلينا من رائد الكوميديا الأثينية القديمة بلا منازع ( أريستوفانيس 444 ــ 380 ق.م ) ( إحدى عشرة مسرحية ) من ضمنها هذه المسرحية ( السُّحُب ْ ) و قـد ( وصل النص المعدّل من الشاعر خلال عامي 418و416ق.م )
فكرة مسرحية السُّحُبْ ....
تدور أحداث المسرحية حول هذا الرجل العجوز ( ستربسياديس ) ويعني هذا الاسم ( المراوغ ) أثقلته الدُّيون بسبب زواجه من امرأة ارستقراطية من نسل ( ميجاكليس ) ، وبسبب ابنه الذي يعشق الخيول ولا يفكِّر إلا في اللهو والفروسية ، وقد أطلق شَعْرَهُ وجعله يسترسل على كتفه ، ولا يجد العجوز مخرجا من مأزق ديونه سوى أن يعلِّم ابنه فن الجدل ومنطق الباطل لدى سقراط ، ولكن الابن يرفض الذِّهاب إلى مدرسة سقراط ــ أو دُكّانة الأفكار بلغة أريستوفانيس ــ فيذهب بنفسه ولكنَّه يفشل في الاختبارات الأولية التي يجريها عليه سقراط لكبر سنِّه ووهن عقله ، فيلجأ إلى ابنه مرة أخرى ويقنعه بالذِّهاب ، ويذهب الابن ويتخرَّج الابن من مدرسة سقراط سفسطائيا كاملا ، ويُسـرّ الأب أينما سرور ، ويطرد دائنيه ولا يدفع لهم مليمـا واحــداً ، فلقد تعلّم ابنه فن الجدل ومنطق الباطل ويستطيع أن يدافع عنه أمام المحاكم ويدفع عنه أفظع التهم ، ولكن هيهات أن ينعم الأب بذلك ، فلقد كان من نتيجة تشرُّب الابن لتعاليم السفسطائيين وسقراط أنّـه بدأ يضرب أباه !!!
بل ويثبت ـ بالمنطق ـ أنّـه على حق في ذلك ، وأن ما يفعله هو عين الصّواب والواجب ، فيندم العجوز ( ستربسياديس ) على ما فعل ويرجع إلى رشده ويصمم على حرق مدرسة ( سقراط ) حيث تنتهي المسرحية مع حرق مدرسة سقراط أو ( دُكانه ) كما كان ينعته ( أريستوفانيس )
ويلاحظ في هذه المسرحية أن أنها كلّها هجوم على السفسطائيين وعلى رأسهم ــ كما رأى الشاعر ــ سقراط ، الذي يقدِّمه لنا دارسا ومعلِّماً للعلوم والطبيعة والفلك ، ويتقاضى أجوراً باهظة من تلاميذه ، كما أنَّه يكفر بالآلهة المزعومة آن ذاك ..
وكما ورد في الدِّراسة سالفة الذِّكر فإن هذه المسرحية ، ما هي إلا دراسة مستفيضة للفلسفة الطبيعية ، وللسفسطائيين ، ولسقراط ، فهي تعرض الآراء وتناقشها وإن كانت في الغالب تسخر منها ، كما أنها تتعرَّض لبعض الساسة ، وفي الواقع ، إن كل كلمة في هذه الامسرحية ذات معنى مقصود ، ولهل هدف مرسوم ، بل هي قطعة من الفن الإنساني العالمي الأصيل ، فهي تحكي قصة الصراع بين القديم والجديد ، القصة التي لم تنتهي بعد !!
ففي كل يوم من الأيام نحلِّق في فصل من فصولها بين سُحُبِ أريستوفانيس ونعيش الجوانب التاريخية والسياسية التي تحفل بها ، والخلفية الفكرية التي تحيط بها ...
أريستوفانيس ومسرحية السُّحُبْ
نشرت مسرحية " السحب " لرائد المسرح اليوناني " أريستوفانيس " مترجمة إلى العربية ضمن سلسلة المسرح العالمي الكويتية . و جاءت في جزئين حيث ضم الجزء الأول مقدمتين : المقدمة الأول مقدمة أدبية لمترجم المسرحية د. أحمد عثمان و المقدمة الثانية مقدمة تاريخية لمراجع الترجمة د. عبد اللطيف أحمد علي . أما الجزء الثاني فقد ضم نص المسرحية ، و ضم أيضا معجم الأعلام الأسطورية و التاريخية . و تدور المسرحية حول سقراط الفيلسوف اليوناني الذي يجيء موقف أريستوفانيس منه مفاجئا شديد الغرابة حيث يصوره مهرجا يبيع أفكارا و مبادئ مقابل المال ......
كوميديــا الماضي الخالدة ( أريستوفانيس و السُّحُبْ )
كوميديــا الماضي الخالدة
( أريستوفانيس و السُّحُبْ )
- منقول -
تكلّمت كثيرا عن العصر الإغريقي وتكلّم غيري وما زال هنــاك ما يُقال ، فهو ماض زاخر لا يموت ، وينتقل بين القرون بقوة تزداد كلمّــا ذكره النقّاد وعُشّــاق المسرح ومرتاديه ...
وقد أحببت أن أبدأ مقالي بمقولة ضمنها الكاتب ( بيري ) ص 385 في كتابه ( تاريخ الإغريق ) وقد ذكرهــا في دراسة موسّعة الأستاذ ( أحمد عثمان ) قال بيري [ لا شيء على الإطلاق أكثر دلالة وأوضح برهانا على نقاء الجو الاجتماعي وصفاء الحياة السياسية وازدهار ( أثينا ) في منتصف القرن الخامس ، ومن الحرية المطلقة التي تمتع بها شعراء الكوميديا القديمة ، فقد سخروا من كلِّ شيء على الأرض ، أو حتى في السماء ، هاجموا القوانين ، انتقدوا سياسة الدَّولة وحملوا على زعمائها ، لم ينج من لسانهم شيء ، حتى الآلهة ــ ولا يسمح الناس في العادة لشعرائهم بمثل هذه الحرية إلا إذا كانت الثقة تملأ قلوبهم ، الثقة بفضائلهم ، واستقامة أخلاقهم ، وسلامة قوانينهم ، وعظمة دولتهم ، عندئذ يستطيعون ــ في اطمئنان أن يسخروا من بعضهم ، ويتهكموا على أنفسهم ، أو أن يجلسوا أيامـاً يشاهدون أنفسهم موضع سخرية واستهزاء على المسرح ، ومن هنـــا كانت الكوميديا القديمة هي الدليل الساطع والبرهان القاطع على عظمة أثينا ] انتهى .
وحسب المراجع المتاحة ـ كما ذكرت سابقا ـ فقد وصل إلينا من رائد الكوميديا الأثينية القديمة بلا منازع ( أريستوفانيس 444 ــ 380 ق.م ) ( إحدى عشرة مسرحية ) من ضمنها هذه المسرحية ( السُّحُب ْ ) و قـد ( وصل النص المعدّل من الشاعر خلال عامي 418و416ق.م )
فكرة مسرحية السُّحُبْ ....
تدور أحداث المسرحية حول هذا الرجل العجوز ( ستربسياديس ) ويعني هذا الاسم ( المراوغ ) أثقلته الدُّيون بسبب زواجه من امرأة ارستقراطية من نسل ( ميجاكليس ) ، وبسبب ابنه الذي يعشق الخيول ولا يفكِّر إلا في اللهو والفروسية ، وقد أطلق شَعْرَهُ وجعله يسترسل على كتفه ، ولا يجد العجوز مخرجا من مأزق ديونه سوى أن يعلِّم ابنه فن الجدل ومنطق الباطل لدى سقراط ، ولكن الابن يرفض الذِّهاب إلى مدرسة سقراط ــ أو دُكّانة الأفكار بلغة أريستوفانيس ــ فيذهب بنفسه ولكنَّه يفشل في الاختبارات الأولية التي يجريها عليه سقراط لكبر سنِّه ووهن عقله ، فيلجأ إلى ابنه مرة أخرى ويقنعه بالذِّهاب ، ويذهب الابن ويتخرَّج الابن من مدرسة سقراط سفسطائيا كاملا ، ويُسـرّ الأب أينما سرور ، ويطرد دائنيه ولا يدفع لهم مليمـا واحــداً ، فلقد تعلّم ابنه فن الجدل ومنطق الباطل ويستطيع أن يدافع عنه أمام المحاكم ويدفع عنه أفظع التهم ، ولكن هيهات أن ينعم الأب بذلك ، فلقد كان من نتيجة تشرُّب الابن لتعاليم السفسطائيين وسقراط أنّـه بدأ يضرب أباه !!!
بل ويثبت ـ بالمنطق ـ أنّـه على حق في ذلك ، وأن ما يفعله هو عين الصّواب والواجب ، فيندم العجوز ( ستربسياديس ) على ما فعل ويرجع إلى رشده ويصمم على حرق مدرسة ( سقراط ) حيث تنتهي المسرحية مع حرق مدرسة سقراط أو ( دُكانه ) كما كان ينعته ( أريستوفانيس )
ويلاحظ في هذه المسرحية أن أنها كلّها هجوم على السفسطائيين وعلى رأسهم ــ كما رأى الشاعر ــ سقراط ، الذي يقدِّمه لنا دارسا ومعلِّماً للعلوم والطبيعة والفلك ، ويتقاضى أجوراً باهظة من تلاميذه ، كما أنَّه يكفر بالآلهة المزعومة آن ذاك ..
وكما ورد في الدِّراسة سالفة الذِّكر فإن هذه المسرحية ، ما هي إلا دراسة مستفيضة للفلسفة الطبيعية ، وللسفسطائيين ، ولسقراط ، فهي تعرض الآراء وتناقشها وإن كانت في الغالب تسخر منها ، كما أنها تتعرَّض لبعض الساسة ، وفي الواقع ، إن كل كلمة في هذه الامسرحية ذات معنى مقصود ، ولهل هدف مرسوم ، بل هي قطعة من الفن الإنساني العالمي الأصيل ، فهي تحكي قصة الصراع بين القديم والجديد ، القصة التي لم تنتهي بعد !!
ففي كل يوم من الأيام نحلِّق في فصل من فصولها بين سُحُبِ أريستوفانيس ونعيش الجوانب التاريخية والسياسية التي تحفل بها ، والخلفية الفكرية التي تحيط بها ...