إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنّان ( ميشيل كرشة ) الفنان لا يموت ويبقى خالداً بأعماله - مهاة فرح الخوري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنّان ( ميشيل كرشة ) الفنان لا يموت ويبقى خالداً بأعماله - مهاة فرح الخوري

    الفنان لا يموت.. ويبقى خالداً في أعماله


    مهاة فرح الخوري
    الفنّان الموهوب المبدع ميشيل كرشة، فنّان أصيل.. لم أكن لأتعرّف به إلّا في عام 1970، إذ كانت له ثلاثة معارض في دمشق: في معهد الحرية، في ثانوية جودت الهاشمي، وفي نقابة المعلّمين. أمّا ما دفعني في هذا اليوم لإحياء ذكرى الفنّان «كرشة» هو خلوده في أعماله، ومنها ما تعرّفت عليها وهي، على ما أظن، القلّة القليلة من إنتاجه الغزير. والأهم هو تعليق أثار فضولي من فنّان مبدع أصيل كان لأستاذه «ميشيل كرشة» أثر على فنه، إنه الأستاذ الفنّان «الياس زيّات» الذي تثقّف شعراً وأدباً عربياً وعالميّاً، واستوحى من كبار الشّعراء والكتّاب، ومنهم الأديب الشاعر المهجري، الفيلسوف «جبران خليل جبران»، كما استوحى من المعتقدات الإيمانية المتنوّعة، من جمالها وترفعها عن المادّة.‏‏
    هي ذي لوحة بديعة للفنّان كرشة..يعلوها لوحة للزيّات..يتأملها بإعجاب..ويقول: أليست من وحي كرشة أو من مدرسته؟..الألوان والأداء..والخطوط..«اللوحة العليا وليدة السّفلى».. لفتني تعليق «الزيّات» ووفاؤه للمعلّم الأول..وتقصيري في معرفة أبيه الرّوحي. ولجأت إلى قريبة له، فعرّفتني بابنه المهنّدس الفنّان «فريدي كرشة» فزوّدني شاكراً بما رغبت.‏‏
    ميشيل كرشة عشق بلده، وخصّ بأقواله ولوحاته دمشق وأحياءها القديمة، «القيمرية» خاصّة حيث ولد، ومدرسة البطريركيّة، حيث تعلّم ودرس. كما كرّس الكثير للأشخاص الذين تعرّف بهم وعاشرهم، فأنشد، ومنها:‏‏
    - بلادنا لها نورها الخاص وإشعاعاتها... - أين رسمت اللوحة؟ مُشاهدها لا يعرف بالضرورة مكانها: في سورية؟ في دمشق؟ أم في فرنسا؟ أم... إلخ؟‏‏
    - الإبداع حسّ ومعاناة... ومن أقواله: «لا يمكنني أن أرسم أو أصوّر الجوع من دون أن أعانيه..». «ما يخرج من القلب ينفذ لا محالة إلى القلب..». «أحاسيس الفنّان ومشاعره تنعكس على إنتاجه...فيكون انطباعياً..‏‏
    وإذ أذكر بعضاً من أقوال الفنّان كرشة، فلأنها تعبير صادق لما ينبع عن قلبه وفكره وأحاسيسه، وهي في خلفيّة إبداعه وجمال أعماله.‏‏
    من هو ميشيل كرشة؟‏‏
    إنه دمشقي، ولد في حيّ القيمريّة مع ولادة القرن العشرين، وفي المدرسة البطريركية حيث تابع دراسته، نسخ آنئذ صورة السياسي «وانكاريه» من معجم «لاروس»، وكان جزاؤه «علقة» لم يتمكّن من نسيانها طالما أنه على قيد الحياة، وكانت هذه خطوته الأولى في ميدان الفن، وحين سافر إلى باريس حيث تابع دراسته في مدرسة الفنون العليا، اضطرّ آنذاك أن يشارك زملاءه وأن يجالسهم ويجاريهم في الحياة «البوهيميّة» التي يعيشونها بين مدرسة الفنون الجميلة العليا وبين مراسم «مون بارناس» و «مونمارتر». ومع أن «كرشة» تحرّر بعض الشيء في حياته الاجتماعيّة إلّا أنه احتذى الخطّة التقليديّة في فنّه، فبقي محافظاً عليها، وعني بالمذاهب التقليديّة التي كانت متجذّرة في المعاهد الرسميّة، ومنها معهد الفنون الجميلة العليا في باريس. بقي «الكرشة» مخلصاّ لتعاليم أستاذه «لوسيان سيمون» وتتلخّص هذه بدعوة طلّابه إلى الاقتباس من كلّ المدارس الفنيّة، دون التأثّر بإحداها، وأن يجهد الفنّان أن يكون شخصيّاً في ابتكاراته، هكذا أحبّ «كرشة» الانطباعيّة فأصبح فنّاناً انطباعيّاً وتأثّر بـ «مانة»، «رونو»، كما أعجب بألوان «ماتيس» كلّ الإعجاب.‏‏
    «الطبيعة» ينبوع «كرشة» الفني، بيد أنه لا يرى جمالها كاملا، ويعتقد أن الجمال الفنّي يفوق الجمال الطبيعي..أحبّ الألوان كلّها واستخدمها في لوحاته العديدة والمتنوّعة، لكنّه لم يستخدم قط اللون الأسود. بينما فسح مجالات واسعة للون الأصفر المائل للاحمرار، إذ إنه لون النور الطبيعي الذي يجب أن يضيء كلّ الأشياء المرسومة.‏‏
    متى يرسم «كرشة»؟‏‏
    حين يشعر بحاجة ماسّة للرسم، كما شعوره بإحساس للجوع..كان تأثير المرأة عليه شديداً جدّاً..إنها، لم لا؟، المثل الأعلى في كل شيء، وجد فيها غذاءً لقلبه ولفكره..كل لوحة يرسمها قصيدة مهداة لها.‏‏
    في عام 1925 في معرض الفنّانين الفرنسيين في باريس شارك «كرشة» في لوحتين: «نوفرة دمشق» و«منظر بلودان»، وفي عام 1926، وبمناسبة أول معرض نظم في دمشق، فاز بالجائزة الأولى على الفنّانين المبدعين «توفيق طارق» و«فايز العظم». وفي عام 1930 شارك في معرض «آرت ديكوراتيف» «Art Decoratif» الباريزي بلوحتين: «مأذنة عيسى» و«مناظر ألف ليلة وليلة»، ابتاعتهما مجلّة «إيللوستراسيون» «Illustration»، وكتب عنهما الناقد الفنّي «بول بوشيه» قائلاً: لوحتا «محمّد كرشة» أضاءتا المعرض.‏‏
    أما مجموعة الطّوابع السوريّة التي صنعها ميشيل كرشة حازت على الجائزة الأولى على مجموعات اثنين وخمسين دولة في معرض (فلوريدا) فقلّد على أثرها وسام الاستحقاق السوري.‏‏
    ميشيل كرشة، بعد دراسته للمدارس الفنيّة دون التأثّر بإحداها، أحبّ الانطباعيّة، وأصبح فنّانا انطباعيا متأثراً بالفنّانين الفرنسيين ذوي شهرة عالميّة «مانّه»، «رينوار» و«ماتيس»، ونالوا كل الإعجاب من الفنّان السوري.‏‏
    الطبيعة ينبوع «كرشة» الفنّي، ينبوع لا ينضب، إذ يعتقد أن الجمال الفنّي يفوق الجمال الطبيعي.‏‏
    وما أن يحطّ الرحال في باريس حتى يرحب به من قبل الصحافة والتلفزيون والفنّانين، تارة في «فانسين» «Vincenne» وتارة في العاصمة الفرنسيّة، متسلّحاً بلوحاته المتميّزة التي يحملها الضيف المتميّز «كرشة». أما الكاتب الفرنسي الشهير «آندره جيجير» فقد خصّص في «مجلّة لبنان» «La Revue du Liban» مقالاً مشرّفاً جدّاً للفنّان «ميشيل كرشة» ومما قال: «في مراحل شتّى، تميّز الفنّانون السّوريون في الرسم والتصوير والتزيين، ها هم يعرضون في «مونبارناس» مثل اليابانيين، صالة العرض العربيّة المدهشة نقلت من شواطئ بردى إلى شواطئ النيل بالعناية الذكيّة للأمير عبد العزيز من سلالة عبد القادر، تُذكر بالفن التزييني لمنمنمات سورية قديمة. من هذا الإطار البديع لرؤية إسلاميّة، لحلم إسلامي، أبدع كرشة لوحة مدهشة لوناّ، وتخيّلا وزينة «لألف ليلة وليلة» «أما في دمشق فلم أتعرّف لبضع سنوات خلت إلا على توفيق بك طارق». «على عكس ما يعتقد الغربيون، فإن القرآن الكريم لم يمنع قط تصوير الوجه الإنساني بالدهان..وها نحن نشاهد بزوغ مدرستين للتصوير والرسم بالألوان في بيروت ودمشق».‏‏
    الكاتب الفرنسي والنّاقد الفنّي «جيجير» يضيف: «إن لوحات كرشة هي (دعوة ربّانية أو نداء ربّاني) أو موهبة، بل بعث لمدينته التي ولد فيها إحدى أجمل المدن في العالم». ويضيف: «تعرّفت على الأعمال الكاملة للفنّان الموهوب كرشة، فهو مدهش ومتميّز بحق...إلخ»‏‏
    أما «عبد الله أبو راشد» فمما قال في معرض الفنّان السوري «كرشة» الاستعادي: «إنه لافته حضاريّة كريمة ونقلة نوعية في مساحة الوفاء والوجدان لعائلته التي حفظت هذه الثروة الوطنيّة والقوميّة من الضياع وقدّمتها في صورة جماليّة راقية تليق بمقامه ودوره التاريخي في ولادة الفن التشكيل السوري..أما من تخرّجوا من واحة فنّه وخبرته ورعايته، وهم كثر، فقد شكّلوا نخبة مميّزة من الفنّانين التشكيليين السوريين الذين حملوا لواء الحداثة التعبيريّة في مدارسها الفنّية المختلفة». ومما قال أيضا عن كرشة: «إننا أمام فنّان تشكيلي عملاق يمتلك كل مقوّمات إنتاج الفن التشكيلي الخالد، ولا يقل موهبة وخبرة ومكانة عن سائر الفنّانين العظام في العالم، في عصر النهضة الإيطالية وما أعقبها من مدارس فنيّة واتجاهات وتيّارات.‏‏
    وأخيراً وليس آخراً...‏‏
    في ندوة معرض ميشيل كرشة الاستعادي، المنعقدة في 2 آذار 2006، ومن حسن الحظ أن أقرأ كلمة الوفاء التي ألقاها التلميذ الوفي والفنّان الموهوب الياس زيّات، فأرى من واجبي أن لا أحرم القارئ من وفاء التلميذ وإخلاصه لأستاذه. يصف «الزيّات» «كرشة» بما يلي: «كان لطيفاً وصاحب ظرف، أما ريشته فمرجوحة للضوء..عرفته وتتلمذت على يده منذ عام 1952..ورافقته في بلودان وفي دمشق..كان ثوريّاً بالنسبة لما سبقه في دمشق كتوفيق طارق». وسار الزيّات في تحليل إنتاج معلّمه بدءاً بالموضوعات ويقول «عالج كرشة المناظر الطبيعية بنوعيها المعماري والخلوي، كما عالج اللقطات الاجتماعيّة بين الصور الشخصيّة والمشاهد داخل المنزل، إلى المقهى والمتنزه والريف. كما عالج الموضوعات الاجتماعية والسياسيّة: «ثلاثية ميسلون» ولوحة «حرب السويس». واهتم كرشة في الوضع الاجتماعي والسياسي في زمنه.‏‏
    كما عدد الزيّات الأعمال والمنشآت التي شارك في تأسيسها وهي متنوّعة، ثقافيّة واجتماعيّة، وهي عديدة، وركّز الاستاذ الفنّان الياس زيّات على أهميّة التظاهرة ألا وهي معرض ميشيل كرشة الاستعادي في بناء الذاكرة التشكيلية لدى جيل الشباب الحالي من الفنّانين، ودعا الزيّات بكلمته على التفتيش عن كتابات ميشيل كرشة في وثائق مديرية الآثار ووزارة التربية (المعارف) والمعهد الفرنسي في دمشق وبيروت، ولدى ورثة الروّاد، وخاصة على محاضرة الكرشة بعنوان «كيف تفهم الفنّ».‏‏
    كثر كتبوا تحليلاً ومدحاً وتقديراً لميشيل كرشة يصعب الإلمام بكل ما كتب، وأنا أنهي مقالي هذا وقعت على مقال الفنّانة المبدعة مها عاقل بعنوان ميشيل كرشة (شيخ الفنّانين) (دمشق 1900 نيويورك 1974)، تصف مها فيه الفنّان كالتالي «مصوّر مبدع، ورسام محترف بالفطرة، اقتحم القرن العشرين بقوّة إرادته ومثابرته للوصول إلى هدفه، ألا وهو التجديد في الفنّ»، تُعدّد المعارض التي أقامها وشارك فيها والأوسمة والمكافآت التي حصل عليها.‏‏
    أما أنا، فبقراءتي لما كتب وبإصغائي لما سمعت، أعتبر أن مقالي هذا، بمثابة نداء لعائلة كرشة ولأنسبائه وللمراجع الثقافيّة: وزارة الثقافة وكليّة الفنون الجميلة ومديريّة المتاحف لإصدار كتاب: ميشيل كرشة..تاريخه وأعماله. تكون بمثابة تكريم وتخليد لعملاق الفن.‏‏
    المصادر‏‏
    - مجلّة الإذاعة السوريّة العدد الأول 16 آذار 1954 مع الفنان ميشيل كرشة، بقلم الدكتور سليم عادل عبد الحق.‏‏
    - المجلّة الفرنسية 1931.‏‏
    - ندوة معرض ميشيل كرشة الاستعادي 6 أذار 1931.‏‏
    - كلمة الأستاذ الياس زيّات.‏‏
يعمل...
X