إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الراحل الشاعر( علي محمود طه ) من فلسطين إلى العام الهجري والعالم الآخر - دراسة في شعره

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الراحل الشاعر( علي محمود طه ) من فلسطين إلى العام الهجري والعالم الآخر - دراسة في شعره

    علي محمود طه

    من فلسطين إلى العام الهجري
    مضى الملاح علي محمود طه يجوب البحار ويصارع أمواج الحياة حتى اهتدى في نهاية الرحلة إلى بر الأمان، وصور في قصائده ودواوينه حيرة الشاعر بين نوازعه وأحلامه وبين المثل العليا والقيم النبيلة.
    وفي آخر المطاف بدا وكأن لسان حاله يردد الآية الكريمة “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”. كتب معظم قصائده عن الدنيا، وقليل منها كتبه عن الدين، منها 3 قصائد الأولى عن فلسطين، والثانية عن العام الهجري الجديد، والثالثة تحت عنوان (الله والشاعر) يسجل فيها حيرة الشاعر في هذه الحياة ويطلب من الله سبحانه وتعالى في الختام أن يشمله بعفوه ورحمته ويطلب الصفح والمغفرة.
    القاهرة “الخليج”
    شاعرنا من مواليد مدينة المنصورة ،1902 تعلم في الكُتّاب ودخل المدرسة الابتدائية والتحق بمدرسة الفنون التطبيقية ودرس فيها الهندسة، تخرج سنة 1924 وعمل موظفا بهندسة المباني بمدينته، وبدأ في نشر قصائده في الصحف ونشرت أول قصيدة له في مجلة “السفور” سنة 1918 وكان عمره وقتها 16 عاماً.
    وقّع قصائده في البداية باسم (علي محمود المهندس)

    وظهر هذا الاسم على دواوينه الأولى.
    صدرت له 8 دواوين منها: الملاح التائه، ليالي الملاح التائه، أرواح وأشباح، أشواق عائد، شرق وغرب، أرواح شاردة. نشرت قصائده بانتظام في جريدة “السياسة” الأسبوعية التي أصدرها الدكتور محمد حسين هيكل.
    المثل الأعلى
    اصبح علي محمود طه علماً من أعلام مدرسة “ابوللو” التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي، ومن أعلامها احمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي. لكنه كان في الوقت نفسه يحقق المثل الأعلى الذي كان ينادي به شعراء مدرسة الديوان ومن فرسانها العقاد وشكري والمازني.
    كتب عنه الأستاذ احمد حسن الزيات افتتاحية أحد أعداد مجلة “الرسالة” وأستاذه طه حسين في حديث الأربعاء.
    ظهرت معظم دواوينه في فترة الحرب العالمية الثانية ورغم ذلك لم يظهر أي اثر لهذه الحرب في قصائده، بل تحدث عن الجمال والحرية والسلام، وقال عنه الناقد الكبير الدكتور محمد مندور إن حاسته الجمالية هي التي وفرت له الحماية من الابتذال.
    47 عاما

    عمل موظفا بوزارة التجارة ومديرا لمكتب الوزير فسكرتارية مجلس النواب ثم وكيلا لدار الكتب.
    تعددت أسفاره إلى الخارج وأتقن عدة لغات أجنبية، وقرر أن يتفرغ للشعر سنة 1949 لكن الأجل وافاه في العام ذاته ولقي وجه ربه في 17/11/1949 عن 47 عاما.
    ولد الشاعر لأسرة ميسورة الحال وهادنته صروف الدهر والفاقة، وترجم عددا من القصائد لسفراء أوروبا منها قصائد للشاعر الإنجليزي “شلي ماد” والشاعر الفرنسي “لامارتين”.
    ورغم توقف مجلة “ابوللو” عن الصدور سنة ،1935 استمر الشاعر يؤكد الاتجاه نفسه ويحافظ عليه في قصائده ودواوينه المتتالية.
    قال عنه طه حسين: “في شخصيته خفة الروح، وعذوبة النفس، وفيها هذه الحيرة العميقة الطويلة العريضة التي لا حدود لها كأنها محيط لم يوجد على الأرض”.
    قصيدة فلسطين
    وقصيدة فلسطين من اعظم ما كتب الشاعر ولو لم يكتب سواها لكفته ووضعته ضمن قائمة الشعراء الذين ساندوا العروبة والإسلام:
    أخي جاوز الظالمون المدى
    فحق الجهاد وحق الفدا
    أنتركهم يغصبون العروبة
    مجد الأبوة والسؤددا
    ويحدد الشاعر الطريق إلى استعادة الحق الضائع بقوله:
    وليسوا بغير صليل السيوف
    يجيبون صوتا لنا أو صدى
    فجرد حسامك من غمده
    فليس له بعد أن يغمدا
    ويمضي الشاعر في قصيدته التي جاءت قوية البناء، محكمة الصياغة، جياشة العاطفة:
    أخي أقبل الشرق في أمة
    ترد الضلال وتحيي الهدى
    أخي إن في القدس أختا لنا
    أعد لها الذابحون المدى
    ويؤكد الشاعر أن الدفاع عن فلسطين دين في أعناقنا جميعا:
    أخي قم إلى قبلة المشرقين
    لنحمي الكنيسة والمسجدا
    وقبّل شهيدا على أرضها
    دعا باسمها الله واستشهدا
    فلسطين يفدي حماك الشباب
    وجل الفدائي والمفتدى
    فلسطين تحميك منا الصدور
    فإما الحياة وإما الردى
    دروس الهجرة

    عندما هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه تغير وجه التاريخ وانطلق الإسلام يبني عزه ومجده في كل اتجاه حتى ساد اعظم دولة في التاريخ.
    كتب علي محمود طه عن العام الهجري الجديد يقول:
    غنّ بالهجرة عاما بعد عام
    وادع للحق وبشر بالسلام
    وترسّل يا قصيدي نغما
    وتنقل بين موج وغمام
    هذه حرب حياة أو حمام
    وصراع الخير والشر العقام
    خاضها الإسلام فردا وهدى
    بيراع وتحدى بحسام
    هجرة كانت إلى الله وفي
    خطوها مولد أحداث جسام
    ويواصل الشاعر حديثه عن الدروس المستفادة من الهجرة في جهاد النفس، إلى دعوة الحق والحرية والعدالة والمساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    أخطأ الشيطان مسراها فيا
    ضلة الشيطان في تلك الموامي
    آب بالخيبة من غايته
    وهو فوق الأرض ملعون المقام
    ويضيف الشاعر:
    صفحات في صراع خالد
    ضمنت كل فخار ووسام
    لم تتح يوما لجبار طغى
    أو لباغ فاتك السيف عرام
    بل لداع أعزل في زهده
    مستباح الدم مهدور الذمام
    زلزل العالم من أقطاره
    بقوى الروح على القوم الطغام
    وبنى أول دنيا حرة
    برئت من كل ظلم وآثام
    تسعُ الناس على ألوانهم
    لم تفرق بين آري وسام
    وتحدث الشاعر في ختام قصيدته عن عز الأمة في ماضيها المجيد، وقال انه لم يبن بالتمني والكلام ولكن بالإيمان والعمل:
    حاطم الأصنام هل منك يد
    تذر الظلم صديعا من حطام؟
    لم تطقها حجرا أو خشبا
    ويطاق اليوم أصنام الأنام
    قل لها يا عام لا منت ولا كنت
    إلا مهد أحرار كرام
    ذاك مجد لم ينله أهله
    بالتمني والتغني والكلام
    بل بآلام وصبر وضنى
    ودموع ودم حر سجام
    قل لها إن الرحى دائرة
    والليالي بين كرٍ وصدام
    فاستعدي لغد إن غداً
    نهزه السباق في هذا الزحام
    واجمعي أمرك لليوم الذي
    يحمل البشري لعشاق السلام
    حيرة الشاعر

    وفي قصيدته (الله والشاعر) يصور علي محمود طه حيرة الشعراء بين نداء الدنيا، وحدود الدين، بين نوازع النفس وبين المثل الأعلى:
    لا تفزعي يا ارض لا تفرقي
    من شبح تحت الدجى عابر
    ما هو إلا آدمي شقي
    سموه بين الناس بالشاعر
    حنانك الآن فلا تنكري
    سبيله في ليلك العابس
    ولا تضليه ولا تنفري
    من ذلك المستصرخ البائس
    أنت له يا ارض أم رؤوم
    فأشهدي الكون على شقوته
    ورددي شكواه بين النجوم
    فهو ابنك الإنسان في حيرته
    حنانك اللهم لا تغضب
    أنت الجميل والصفح جم الحنان
    ما كنت من شكواي بالمذنب
    ومنك يا رب أخذت الأمان
    تمردت روحي على هيكلي
    وهيكل الجسم كما تعلم
    ذاك الضعيف الرأي لم يفعل
    إلا بما يوحي إليه الدم
    من عبراتي صغت هذا المقال
    ومن لهيب الروح هذا القلم
    ملأت من صفحات الليالي
    فضُمنت كل معاني الألم
    يا رب ما أشقيتني في الوجود
    الا بقلبي ليته لم يكن
    في المثل الأعلى وحب الخلود
    حملته العبء الذي لم يهن
    خلقته قلبا رقيق الشغاف
    يهيم بالنور ويهوى الجمال
    حلت له النجوى ولذ الطواف
    بعالم الحسن ودنيا الخيال
    وتبددت حيرة الشاعر واهتدى إلى الطريق القويم، وطلب من الله العفو والمغفرة:
    إلام تطوين عباب السنين
    شوقا إلى فردوسك الضائع؟
    غررت يا ارض بما تحملين
    فاستيقظي من حلمك الخادع
    فابتهلي لله واستغفري
    وكفري عنك بنار الألم
    وقدمي التوبة واستمطري
    بين يديه عبرات الندم.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    منقول من جريدة الخليج - الإمارات - 10-2- 2006

يعمل...
X