إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محطم القيود في المجتمع ( طاغور ) روح العصر إعداد - كريم المالكي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محطم القيود في المجتمع ( طاغور ) روح العصر إعداد - كريم المالكي

    * طاغور «روح العصر»
    • أصبح معلماً بارزاً في عصره، بينما كان أحد أشهر المتسربين من التعليم
    • رغم أسفاره ومقابلاته مع عظماء الغرب ، كانوا يعتبرونه ،خطأ، نموذجاً للشرق
    • كمصلح مضى نحو تحطيم القيود في المجتمع وكان يحض على إحداث التغيير
    • أدرك طاغور أنه لن يكون قائداً سياسياً كغاندي لذا أمتدحه كثيراً على ما قدمه لأمته

    إعداد - كريم المالكي :
    امتدت حياة رابندراناث طاغور إلى أكثر من ثمانية عقود. بدأ طاغور حياته العملية كشاعر ثم ظهرت مواهبه المتعددة كأديب ومعلم ورسام ومصلح اجتماعي وفيلسوف إبان عصره.

    قال رابندراناث طاغور يوماً عن نفسه: «أنا شخص خجول نشأت في جو من العزلة منذ صغري. ولكن القدر يتحين الفرصة ليضعني في دائرة الضوء بين الجماهير. كثيراً ما تمنيت أن أنتمي إلى تلك العصور الهادئة عندما كان الفنانون يجدون السعادة في عملهم وينسون ذكر أسمائهم. أشعر بالحماقة والألم عندما يتكالب على عامة الناس الذين في احتفائهم بي ينخرطون في شكل ما من أشكال الطقوس الجماعية التي لا تمثل في معظمها الحقيقة».
    كانت حياة رابندراناث طاغور مفعمة بالأحداث وكانت ثرية ومدهشة بقدر ثراء أعماله الابداعية المتنوعة. فلم يكن طاغور شاعراً وروائياً وكاتباً مسرحياً ومؤلفاً للأغاني ورساماً فحسب، ولكنه أصبح أيضاً معلماً بارزاً في عصره، بينما كان هو نفسه أحد أشهر المتسربين من التعليم. وفي إطار تجاربه التعليمية المناهضة للاستعمار، قام رابندراناث بتأسيس مدرستين متميزتين هما «باثا بهافانا» و«سيكشا ساترا» هذا بالاضافة إلى الجامعة الدولية «فيسفا- بهاراتي» في سانتينيكيتان.
    طاغور: من منظور القرن الحادي والعشرين
    خلال العصر الذي عاش فيه، نادى طاغور بالوحدة والعالمية، وأكد على دور كل من اللاوعي والعقل الباطن. لم يكن طاغور بحاجة إلي المرور بأطوار بناء العلم الحديث كي يبشر بالحقائق العظيمة التي كان يستقيها طوال الوقت من القيم الأساسية لتقاليده الخاصة.
    وبانتهاء عام ٢٠٠٠، هل علينا قرن جديد. وبحلول الألفية الجديدة، طوينا صفحة من التاريخ مضت وفتحنا صفحة جديدة أتت بتغيرات جذرية في سبل العيش، بل وأحدثت ثورة، بشكل غير واع، في رؤيتنا للعالم وإحساسنا بالحياة والطريقة التي نرى بها المستقبل. وهو ما حدا بنا، دون وعي منا، إلى تغيير طرق تفكيرنا، إن لم يكن وعينا. وإذا عدنا بالزمن إلى الماضي لوجدنا أن طاغور، بقامته الرفيعة في مجال الشعر والأدب والإبداع، كان متأصلاً- ولو بغير وعي منه- في »روح العصر« أي المبدأ الأساسي للعصر الذي أدى إلى ثورة حقيقية ما زالت آثارها واضحة في حياتنا اليومية حتى اليوم.
    كان رابندراناث طاغور بمثابة صوت صارخ في الصحراء، ورغم أسفاره ومقابلاته مع الكثير من العظماء في الغرب وفي العالم كله، كانوا ينظرون إليه خطأ، كنموذج للشرق. وفي وطنه الهند أيضاً كان يدعو إلى ضرورة التغيير والتطور في الإطار الثقافي والديني والسياسي الخاص به.
    وبعد أن ذاع صيته سريعاً عقب فوزه بجائزة نوبل عام ١٩١٣، سرعان ما طواه النسيان. وهو ما حدث أيضاً مع يوهان سيباستيان باخ (١٦٨٥-١٧٥٠)، على سبيل المثال، وكانت هناك حاجة إلى إعادة اكتشافه. ويبدو الأمر غير مفهوم إلى حد ما ولكنه في نفس الوقت وارد، فهذا هو ما يحدث غالباً للمبدعين الذين تتميز أفكارهم بالحداثة والأصالة لدرجة تجعل عقول المحيطين بهم في زمن معين غير قادرة على استيعابها دون طرح التساؤلات الجوهرية حول قيمتها.
    وكمصلح، كان طاغور يهدف إلى تحطيم القيود الموجودة في المجتمع وكان يحض على إحداث التغيير الذي كان يصعب تصوره في ذلك العصر.
    ولكن ما هي الثورات الأساسية التي شهدها عصر طاغور والتي أدت إلى تغيير رؤى العالم الذي نيعش فيه؟
    وما هو دور طاغور في هذه التغيرت التي ما زالت آثارها تمتد حتى الآن؟
    لا يمكننا تحديد هذا الأمر بدقة ولكننا سوف نعطي لمحة بسيطة للإجابة عن هذه الأسئلة.

    لقد أطلق على الحرب التي دارت رحاها خلال الفترة ١٩١٤-١٩١٨ اسم »الحرب العالمية الأولى«، وترجع تسميتها بهذا الاسم إلى أن العالم لم يشهد من قبل حربا بهذا الاتساع. كانت حالة التمزق والتغيرات الناجمة عن هذه الحرب على المستويين الاجتماعي والإنساني غير مسبوقة.
    ومن الآثار السلبية لهذه الحرب أيضاً، أنها كانت نذيرة بما نسميه اليوم، بعد مرور مائة عام ، العولمة التي تمثل شكلاً آخر من أشكال الاعتداء.

    وكالبركان، أدت هذه الحرب إلى إحداث دمار هائل. وفي الوقت ذاته، تأثرت قطاعات العلم المختلفة تأثراً بالغاً بتلك الحرب، كما أضرت بالفلسفة أيضاً. ولتوضيح الأمر، لنستعرض بعض أسماء من أسهموا في إحداث تغيرات جوهرية: داروين (١٨٠٩-١٨٨٢)، أينشتاين (١٨٧٩-١٩٥٥)، ماركس (١٨١٨-١٨٨٣)، فرويد (١٨٥٦-١٩٣٩)، والثورة التي أحدثوها كل في مجاله قلبت الأوضاع القائمة رأساً على عقب منذ نحو قرن مضى. ثم جاءت عاصفة التغيير الكبرى مع ظهور «فيزياء الكم».
    أثيرت آنذاك تساؤلات بشأن المعارف الموجودة. ويمكن النظر إلى ما حدث على أنه تخلى عن المنطق المعتاد استخدامه في الحياة اليومية، أي منطق أرسطو أو »منطق الماهية«. كنا بالفعل نعرف آنذاك أن الشمس عندما تشرق جهة الشرق وتغرب جهة الغرب، فإن هذا لا يعني أنها تدور حولنا. ومن ذلك الوقت، لم نعد ندرك أي شيء وفقاً لما يظهر عليه، ولكن كان هناك اعتقاد بأن الأشياء لها »ماهية« مزدوجة.
    »الجسم« و»الموجة«. فاختفى »المفرد«، وأصبح »الجمع« هو سيد الموقف.
    هنا نرى ثورة في معرفتنا البشرية. إذ شهد إدراكنا للحقيقة نقلة نوعية واضطرنا ذلك إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا وسلوكنا، وباختصار، إلي مراجعة »مبادئنا«، بل في النهاية إلى وضع مبادئ جديدة تلائمنا جميعاً.

    وهنا يظهر الدور الذي لعبه رابندراناث طاغور. لعب طاغور دور المبشر والنذير، وهو دور يتم إغفاله غالباً. من بين العلاقات التي كانت تربط بين طاغور وبين الشخصيات البارزة في عصره، كانت هناك علاقته بأينشتاين. وفي ضوء هذه العلاقة، يمكننا أن نقارن بين طاغور وبين دانتي (١٢٦٥-١٣٢١) الذي كان مطلعاً على تطورات العلم في أيامه. ولكن أينشتاين ظل يحارب طوال حياته ضد فيزياء الكم لأنه لم يستطع أن يعترف بالبطولات الفلسفية لاكتشافاتها. وعلى العكس من ذلك، لم يذكر لنا طاغور أي شيء يفيد صدمته من المواجهة مع فلسفة فيزياء الكم.ومع ذلك، إذا رجعنا إلى مجموعة الأسماء التي ذكرناها سلفاً، لن تواجهنا أدنى مشكلة في أن نتصوره معتنقاً للمفاهيم الجديدة.
    خلال العصر الذي عاش فيه، نادى طاغور بالوحدة والعالمية، وأكد على دور كل من اللاوعي والعقل الباطن. لم يكن طاغور بحاجة إلى المرور بأطوار بناء العلم الحديث كي يبشر بالحقائق العظيمة التي كان يستقيها طوال الوقت من القيم الأساسية لتقاليده الخاصة.
    »أمامنا مشكلة أمة واحدة، فالأرض يعيش عليها مختلف الأجناس، كما الأفراد حيث لديهم فرصة للازدهار وفي نفس الوقت إظهار تضامنهم مع سائر البشر مجتمعين.
    المهم هو خلق وحدة ذات قوة أكبر وآراء أوسع ومشاعر أعمق... يخبرنا علم المناخ بالحقيقة عندما يقول إن طقس الأرض هو طقس واحد، رغم أنه يؤثر على الأجزاء المختلفة للكون بطرق مختلفة. وبالمثل يجب أن نعلم أن روح الإنسان هو روح واحد، يحيا من خلال الاختلافات اللازمة لإثراء وحدته الأصلية. وعندما ندرك هذه الحقيقة بنزاهة تامة، سوف يساعدنا ذلك على احترام كافة الاختلافات الحقيقية بين البشر، بينما نبقى على وعي بشخصيتنا، وندرك حقيقة أن كمال الوحدة لا يكمن في التزام والتبعية ولكن في التناغم«.- (الكلمات المنضدة بحروف مائلة هي للكاتب). (طاغور معلماً: دعوة لجامعة دولية، مايو ١٩٢١، ص ١٤٤.١٤٣ ديلاشو ايه نيستل اس. اه، نوشاتيل ايه باري، ١٩٢٢).
    هناك الكثير من الموضوعات والقضايا المرتبطة بطاغور والتي لها ما يناظرها أو يتصل بها في عصرنا الحاضر- حتى يبدو الأمر كما لو أننا قد بلغنا تلك المرحلة التي نضجت فيها عقولنا بما يكفي لتتناول بجدية المشكلات والمسائل التي لفت طاغور، بأفكاره وأفعاله، أنظارنا إلى أهميتها وإلى الحلول الحتمية لها.
    ولعل الأفكار القليلة التي نوردها فيما يلي كأمثلة تفتح الباب للمزيد منها في المستقبل. في كتابه »نحو إنسان عالمي« (جاليمار، باريس، ١٩٦٤، فيسفا بهاراتي، سانتينيكيتان، ١٩٦١) نجد طاغور يؤكد مراراً على فكرة »الوحدة في التنوع، والواحد في مجموع الأفراد« ويعتقد طاغور أن هذا هو ما يجب أن تقدمه الهند، كمثال، للعالم. وهو ما تسعى أوروبا اليوم للوصول إليه وربما يسعى العالم كله إليه غداً. إن عوامل تغير المناخ قد تؤثر علينا سلباً وذلك إذا لم يلتزم كل منا سبيل الحكمة ويتخلى عن أنانيته.
    ولنستمع مرة أخرى إلى طاغور:
    »... علينا أن نعلم أن أي أمة هي جزء من البشرية وعلى كل إنسان أن يجيب عن هذا السؤال: ماذا لديك لتقدمه للبشرية؟ ماذا اكتشفت من سبل لتحقيق السعادة؟ بمجرد أن تفقد أي أمة القوة الحيوية التي تحركها للوصول إلى هذا الاكتشاف، فإنها تصبح عبئاً ثقيلاً وعضواً عاجزاً في جسد البشرية. فالوجود وحده أمر لا يستلزم الثناء.
    »من سنن الحياة التخلص مما هو ميت... فالحياة لا تسمح بالسكون... مما يحدوني إلى القول بأن الحقيقة الأساسية في عصرنا هي تيارات الحياة الجديدة التي تدفعنا إلى الفعل.... ولكن هناك ميل كامن في النفس للرغبة في إسباغ السمات لافردية للنفس على البشرية.

    »عندما يتوقف الإنسان عن التصرف طبقاً لإرادته الشخصية ويتحرك وفقاً للعادة فقط، فإنه يصبح كائناً طفيلياً، لأنه يفقد الوسائل التي تمكنه من تحقيق المهمة المنوطة به، أي أن يجعل ما يبدو مستحيلاً أمراً ممكناً، ويسير في طريق التقدم، وهو الهدف الحقيقي للإنسان.
    »إن هؤلاء الذين لم يستطيعوا الوصول إلى الاستقلال داخل ذواتهم سيخسرونه حتماً في العالم الخارجي، إنهم غير مدركين لمهمة الإنسان الحقيقية، أي تحويل غير الممكن إلى ممكن من خلال قدرتهم الخاصة على صنع المعجزات وعدم التقيد بما كان، وإنما التقدم نحو ما يجب أن يكون«.
    إن ما أوردناه سلفاً من أقوال طاغور يحثنا على أن نبحث في رؤية طاغور عما يتصل بنا اليوم. وكتابه »سادهانا« (١٩١٣) ينبغي أن يوضع بين كتبنا المقدسة. وتوضح الكلمات التالية السبيل إلى فهم طاور:

    من المدهش أن طاغور قد أكد على جميع المفاهيم الحية في عصرنا والتي تدعونا قائلة: »نعم نحن نستطيع« ومنها: التفرد والتلقائية والإبداع والاستقلال والتعاون والقدرة على الابتكار وقوة الروح العالمية والتطور (حتى في الدين).
    يود ستيفان هيسيل (١٩١٧-)، الذي شارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨، أن يرى إلى جانب »إعلان استقلال« الأمم إعلان آخر مكمل هو »إعلان الاعتماد المتبادل« بينها. وهو ما نادى به طاغور إبان عصره. والأمر منوط بنا لتحقيق ذلك.
    غاندي وطاغور
    لقد ادرك طاغور أنه لا يمكنه أن يكون قائداً سياسياً للهند مثل غاندي لذا لم يبخل بالإطراء على ما قدمه غاندي لأمته ومع ذلك ظل كل منهما ينتقد الكثير من الأشياء التي آمن بها الآخر.
    لأن رابندراناث طاغور وموهنداس غاندي اثنين من المفكرين الهنود البارزين في القرن العشرين، فقد حاول العديد من المعلقين المقارنة بين أفكارهما. وعندما علم جواهر لال نهرو وهو في محبسه في أحد السجون البريطانية في الهند بأمر وفاة رابندراناث كتب في مذكاته في يوم ٧ أغسطس ١٩٤١ قائلاً:
    »غاندي وطاغور هما شخصيتان مختلفتان تماماً عن بعضهما البعض ومع ذلك فإنهما يمتلكان شخصيتين هنديتين انحدرتا من نسل عظماء الهند... وعند النظر إلى عظماء العالم اليوم أجد أن غاندي وطاغور يمتلك كل منهما بداخله إنساناً عظيماً وذلك ليس لخصلة فردية يتمع بها كل منهما ولكن بسبب مجمل ما يتمتعان به من خصال. إنني محظوظ لأنني على صلة وثيقة بهما«.
    لقد أعجب رومين رولاند (١٨٦٦-١٩٤٤) أيما إعجاب بالمقارنة بينهما وعندما استكمل كتابه الذي ألفه عن غاندي، كتب خطاباً إلى أحد الأكاديميين الهنود في مارس ١٩٢٣ قائلاً »لقد انتهيت لتوي من تأليف كتاب غاندي والذي امتدحت فيه روحين عظيمين يشبهان الأنهار العظيمة التي تتدفق منها روحين مقدستين، وهما طاغور وغاندي«.
    وفي الشهر التالي، سجل في مذكراته حكاية عن بعض الخلافات بين غاندي وطاغور والتي سجلها سي. إف. أندروز (١٨٧١-١٩٤٠)، رجل الكنيسة الإنجليزي والنشط الشعبي الذي كان صديقاً مقرباً للرجلين (والذي تم تجسيد الدور الهام الذي لعبه في حياة غاندي في جنوب أفريقيا وفي حياة الهند في فيلم غاندي لريتشارد اتينبارا) (١٩٨٢). وقد وصف أندروز لرولاند أحد الحوارات بين طاغور وغاندي والتي كان حاضراً فيها حول موضوعات اختلفا بشأنها:
    »موضوع المناقشة الأول كان الأصنام. لقد دافع غاندي عنها لأنه اعتقد أن العامة لن تستطيع النهوض بنفسها فوراً والإيمان بالأفكار المجردة. ولم يتحمل طاغور أن يرى الناس وهم يتم التعامل معهم كأطفال إلى ما لا نهاية.

    ولكن غاندي ذكر الأشياء العظيمة التي تم إنجازها في أوروبا تحت ظل العلم والذي كان بمثابة صنم. ولكن طاغور وجد أنه أمر من السهل الاعتراض عليه لكن غاندي احتفظ بموقفه وعقد مقارنة بين الأعلام الأوروبية التي تحمل صور نسور وأشياء أخرى ورايته التي وضع عليها مغزل. وكانت النقطة الثانية في المناقشة في النزعة القومية والتي دافع عنها غاندي. وقال ان المرء يجب أن يمر بمرحلة المغالاة في النزعة القومية حتى يصل إلى الإيمان بالمبادئ العالمية بنفس الطريقة التي يجب أن نمر بها خلال الحروب لنصل إلى السلام«.
    وقد كتب نهرو في يومياته في السجن: »ربما يكون من الأفضل لطاغور انه قد مات قبل أن يرى العديد من الأمور المرعبة التي من المحتمل أن تهبط فوق رأس العالم وعلى الهند. لقد رأى ما يكفي وقد كان تعيساً وحزيناً بصورة مستمرة«.
    وعندما أوشكت حياته على نهايتها، بدأ طاغور يشعر باليأس من حال الهند وبخاصة لأن الأعباء التي كانت تمثلها مشكلاتها المعتادة من جوع وفقر قد زاد عليها مشكلات التحريض السياسي المنظم للعنف الطائفي بين الهندوس والمسلمين. وهذا الصراع سوف يؤدي في عام ١٩٤٧، أي بعد وفاة طاغور بستة أعوام، إلى عمليات قتل واسعة أثناء فترة التقسيم لكن كان هناك الكثير من عمليات القتل في آخر أيامه.
    وفي ديسمبر ١٩٣٩ كتب إلى صديقه ليونارد الميريست (١٨٩٣-١٩٧٤) البريطاني محب الخير والمصلح الاجتماعي الذي كان يعمل عن كثب معه في مسألة إعادة بناء المناطق الريفية في الهند (والذي قام بإنشاء اتحاد قاعة دارتينجتون في إنجلترا ومدرسة تقدمية في دارتينجتون والتي روجت صراحة للمثل التي اعتنقها رابندراناث طاغور في مجال التعليم).
    «ليس من الضروري أن يكو المرء انهزامياً ليشعر بالقلق العميق بشأن مستقبل الملايين الذين يعانون بالرغم من ثقافتهم الفطرية وتقاليدهم الداعية إلى السلام في نفس الوقت من الجوع والأمراض والاستغلال من الداخل والخارج، ومن غليان السخط الناجم عن الطائفية».
    كيف كان لطاغور أن يرى الهند اليوم هل كان سيرى التطور الذي حدث؟ أم كان سيرى فرصاً ضائعة؟ أم كان سيرى عدم التزامها بوعودها وقناعتها؟ وكيف كان سيصبح رد فعله تجاه انتشار ثقافة الانفصالية في العالم المعاصر؟
    عن مجلة آفاق الهند

يعمل...
X