إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية لـ مريم آل سعد ( تداعي الفصول ) ح 8

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية لـ مريم آل سعد ( تداعي الفصول ) ح 8

    رواية لـ مريم آل سعد ( تداعي الفصول ) ح 8

    رواية للكاتبة : مريم آل سعد


    تداعي الفصول :للكاتبة: مريم آل سعد :(الحلقة الثامنة )
    الخامس و العشرون
    عبدالرحمن وفاطمة
    لم يمض شهر علي عودتهم من العمرة مزهوين بحلتهم النفسية الجديدة وبالدعم الروحي الذي جدد خواءهم الداخلي، وانبت براعم مزهرة في حياتهم المنهارة حتي شهد المنزل شجارا بين عبدالرحمن وزوجه فاطمة ومغادرتها البيت بعيون دامعة مع اصغر طفلين لها بينما لم تستطع فاطمة قول شيء مفيد للأربعة الكبار الآخرين الذين كانوا ينظرون اليها بذهول وخوف فقد كانت عبراتها تخنقها وهي تضم الصغيرين وتطلب من الخادمة ان يجهز السائق السيارة لأخذها لبيت اهلها. كانت سارة تدور بالصالة بكرسيها المتحرك قلقة وهي تسمع صدي صراخ عبدالرحمن في الطابق الأول ولا تجد حولها سوي الخدم الذين طردتهم لئلا يتنصتوا علي ما يقال بينما تعالي بكاء الأطفال الأصغر سنا. في النهاية نزلت فاطمة تجرجر حقيبة ملأتها بشكل عشوائي بما تبادر لها وهي تنادي بعصبية الخادمات ليساعدنها بتوصيل الأغراض السيارة، قالت لها سارة بعطف وحنو:
    ما هذا يا فاطمة، حقائب ومغادرة ودموع، خير إن شاء الله. بمرارة وبمداراة لئلا تسمع الخادمات اللاتي يجرجرن الأغراض من حولها، قالت فاطمة بضياع :لقد طردني يا سارة..!! هكذا بكل بساطة..!! ام اولاده ويطردني. هانت عليه العشرة. كأنها غير مصدقة ما تسمع، سألت سارة بتشكك :اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما هذا الكلام..!! ماذا حدث حتي يطردك يا فاطمة.. أنها قصة طويلة.. اسأليه عنها ولا استطيع روايتها الآن، ارجوك خذي بالك من الأولاد. وعادت تجهش بالبكاء وتحمل احد الطفلين بيد وبالأخري تجذب الآخر. كانت سارة مندهشة وهي تضرب اخماسا بأسداسا، ما الذي يفعله عبدالرحمن وكيف يطردها من بيتها.. ماذا حدث بينهما.. يا ليتها تستطيع الهرولة لأسرعت لتري اخاها وتعرف ما به. وفكرت بالأتصال بوضحة وتمتمت: نعم يجب أن نعرف ماذا حدث. لا يمكن الصبر علي ذلك. كانت البنتان تبكيان والولدان جالسين دون حراك في وجوم. توجهت اليهم سارة ونادت البنتين وضمتهما بحنو وقالت لهما: سيكونان بخير. يتشاجر الوالدان ويقولان كلاما قد يندمان عليه بعد ذلك لكن يسامحان بعضهما البعض. مثلكم عندما تتشاجرون يضرب الواحد منكم اخاه بوحشية بل يقول له اتمني ان تموت اليس كذلك ولكن بعد لحظات يصفو الجو وتعودوا متحابين وعندما تذهبون الي الشارع ويحاول احدهم ايذاء شقيقك تتعارك معه وتدافع عنه وتحميه. أتعرفون السبب لأن الشيطان يدخل بين الأخ وأخيه لحظة الغضب فيعميه ويدفعه ليقول اشياء لا يعنيها ولا تعبر عنه. انه يقولها للتنفيس عن ضيقه ولأن ابليس يشجعه عليها. هذا فقط.. سيهدأ والدكم بعد قليل وسيذهب بنفسه ليعتذر من امكم وإن لم يفعل عمتكم سارة وعمتكم وضحة ستجبرانه علي ذلك. والآن ابتسموا واتركوا التجهم واذهبوا الي بيت عمتكم وضحة للعب هناك واحسنوا التصرف ودعوني معها نعيد الأمور الي نصابها. هيا انهضوا اغسلوا وجوهكم وغيروا ملابسكم ولا تدعوا احدا يري دموعكم. ستعود الأمور الي وضعها الطبيعي وربما افضل لأننا نتعلم دائما من كل خطأ. ثقوا بي. هيا يا شطار. هاتفت سارة شقيقتها علي عجل وبدأت تفكر. كانت الأفكار والتخرصات تأخذها والخيال يضع لها احتمالات عديدة للخلاف بين الزوجين حتي إنها اعتقدت إنه ربما بسببها وربما غير وجودها في البيت حياة ساكنيه وربما احتاجوا الي غرفتها، وربما طلبت منه أن تعيش عند اخوته الآخرين حيث إنهم عائلة كبيرة بينما حسن مثلا ليس لديه إلا طفلين وبيته كبير. وصلت وضحة بعد مكالمتها بساعة واحدة وقد اتت مهرولة لا تلوي علي شيء. كان قلبها مرواعا لا يحدثها بخير واحساسها المرهف بعد الحادثة وترقبها بكل لحظة عن خبر ما عن خالد سواء خيرا بأنه افاق من الغيبوبة اوشرا بأن حاله قد تدهور ومات يجعلها حساسة لدي رنين التليفون وايضا تعيش في توتر مسبق لا يجعلها تهدأ وتستقر. وبعد مخابرة شقيقتها لم تنتظر قدوم ابناء اخيها بل خالفتهم بالمجيء بعد أن اوصت اولادها بالرفق بهم وتسليتهم دون الإشارة الي ما حدث وعدم تذكيرهم بأي جوانب محزنة. وبدخول وضحة انتقلت الأنظار الي اعلي الدرج.. الي الطابق الأول حيث عبدالرحمن. قالت سارة بتوتر: لا اطيق صبرا عليك بالصعود اليه ودعوته لتوضيح ما حدث لنا.. - الا تعتقدين بأنه تسرع منا وعلينا انتظار قدومه.
    - وضحة اعصابي تلفت والأفكار تأخذني يمنة ويسرة.. علي الأقل نساعده فلعله محتاج الي احد معه، ومن اجل اولاده ايضا يجب ان نتدخل.. بالخير طبعا. بنزول عبدالرحمن من السلم انتهي نقاش الشقيقتين وظلت انظارهما معلقة به تقيسان التغيرات عليه.. حزين او محطم، غاضب او حانق، عصبي أو متوتر ولكن عبدالرحمن بلا انعكاسات مختلفة، بل إنه خمن سبب وقوف شقيقتيه بوجوم وهما تتطلعان اليه فأخذ ينزل السلم الهويني دون ان يطبع اية انفعالات علي وجهه حتي لا يقرأن ما يودن أن يعرفن. و هتفن بلهفة في وقت واحد ماذا حصل.. ما بالكم.. ببرود جلس عبدالرحمن ونادي علي الخادمة التي جاءت مهرولة في خوف وطلب منها احضار شايه المعتاد، والتفت اليهن وقال بدعابة :اجتماع مجلس الأمن انعقد. تطلعت الأختان الي بعضهما البعض ثم عادتا الي النظر اليه لا تلعب بأعصابنا، ما بالك معها ماذا يحدث بينكما.. قال عبدالرحمن بأعصاب باردة لا تحمل ما توقعتاه من غضب وحنق : تواطأت مع شقيقتها حصة وشجعتها علي الإعلان عن نفسها لدي احدي الخاطبات علي شكل سيرة ذاتية تتكلم فيها عن نفسها وعن مواصفات التي تريد الزواج به. وسكت وشقيقتاه ما زالتا تنتظران البقية :هه.. وبعد ذلك رفع لهما عبدالرحمن عينين متسائلتين وردد : وهل فيها بعد ذلك.. هل هناك بنت محترمة تقدم علي هذا التصرف. طولي كذا ووزني كذا وهواياتي كذا واريد زوجا كذا وكذا. وأين أهلها أليس وراءها ولي.. بدون وعي صرخت وضحة في أخيها:وأنت، ما دخلك فيها.. لقد بالغت وكبرت الموضوع وهو لا يستاهل. ثم هي ليست اختك ولا ابنتك حتي يفور دمك وتظهر احتجاجك وتحس بالعار..
    - يا سلام إنها اخت زوجتي.. نسيبتي وخالة اولادي، وإذا زوجتي كانت تعلم وتشجعها وتدافع عنها فهي مثلها ولا اريد لبناتي ان يتربوا علي يدها. تبادلت وضحة وسارة نظرات التعجب، وقالت وضحة وهي لا تصدق ما تسمع :تعوذ من الشيطان يا اخي، كيف تقول عن زوجتك هذا الكلام وهي الله من فضله سيدة متدينة وخلوقة وكذلك الشهادة لله حصة مثال البنت العالية الأخلاق والتهذيب. والذي نقل لك كلام أوحرضك عليهم لا يخاف الله وعليك ان تحكم عقلك ولا تتهور وتندفع مع الشعارات المتخلفة التي تهدم البيوت المستورة.
    - لو كنت في المجلس معي تتكلمين مثلي منفوخ الصدر واثق الخطي عن الأصول والأسر المحافظة ثم يعترضك شخص لا يسوي شيئا بين الرجال ويقول بأسلوب فيه من الهمز واللمز الكثير وهل بنات العائلات يعرضن أنفسهن للذي يسوي ولا يسوي ويستعرضن سيرة حياتهن. ثم اخذ يتابع كلامه المسموم بينما كنت اصغر واصغر في مكاني واتضاءل من العرق والإحراج والخجل قالت وضحة باستهجان توقفه عن هجومه : حصة اولا ليست صغيرة وجاهلة ومتخلفة حتي تتكلم عنها بهذا الأسلوب، لقد تعدت الثلاثين بمراحل، وتعمل كمدرسة نشأ علي يدها جيل صالح منهم ابني محمد وهي علي كلامك لم تكن لتقبل ايا كان، الم تقل إنها وضعت مواصفات معينة لمن تريد الاقتران به..
    تمسك عبدالرحمن باتجاهه :
    ولكنها عرضت نفسها للجميع وكان هذا الصعلوك احدهم.
    اكملت سارة :
    ولما رفضته حقد عليها واراد تشويه سمعتها وانت اعطيته ما اراد وجاريته فيما يفعل ولم تضع اصبعك في عينيه وتخرس لسانه.
    بتململ قال عبدالرحمن :
    انا كنت مقتولا ومطعونا بخنجر من خديعة زوجتي وإخفائها الأمر عني لأسمعه من حثالة الأرض.
    - لم تكن لتخفيه لو لمست فيك تفهما واحتراما لخصوصيات اختها.
    - وأنا الم تضعني في اعتبارها، الم تكن تفكر في موقفي..
    قالت سارة بلوم :
    لو كنت تحبها لآمنت بها ودافعت عنها مع غضبك عليها ورفضك لتصرفها. لما تركت هذا الحقير يتقول علي اختها ولا حتي يسمح لنفسه بالإشارة اليها ولأفهمته إنه إذا كان من حقه ان يتخير بين البنات وهو صعلوك فهي من حقها ان تتخير بين الشباب وفي كل الظروف لن تختار إلا افضلهم ولن يكون هو مطلقا بينهم..!!
    كان الهاتف يرن بإزعاج شديد وعندما انطلقت سارة بمقعدها للرد كانت علي الهاتف فاطمة الابنة الكبري لوضحة ذات الثالثة عشرة من العمر تخبر والدتها بأن عليها الحضور للمنزل لأن فاطمة زوجة شقيقها عبدالرحمن لديهم.
    باستغراب شديد ودون تعليق اعطت سارة اختها السماعة التي استغربت هي الأخري ولم تستطع استيضاح الأمور من ابنتها بسبب وجود عبدالرحمن وطلبت منها ان تستبقيها فستحضر حالا.
    وقالت وهي ترمق سارة وقد فهمت الأخيرة :
    هناك امر عاجل في المنزل وسأعود قريبا.
    وبخروجها ساد الصمت حيث اخذ عبدالرحمن يتجرع شايه بينما كانت سارة ترمقه باستغراب.. كيف تحول عبدالرحمن الهاديء الي شخص يسهل استفزازه ودفعه الي اتخاذ قرار غبي كهذا. وماذا تريد فاطمة من وضحة.. لا بد إنها تريد شرح الموضوع لها وتطلب تدخلها للمصالحة مع هذا الغاضب المتهور الذي يتحكم به مجلس الموتورين والحاقدين..!!

    السادس والعشرون

    الكيان والتابع
    لم تكن حصة تدرك إنها قد خالفت نواميس المجتمع عندما تركت الخاطبة تأخذ صورتها ومواصفاتها وطباعها وشروطها بشريك حياتها وتزاول عملها بعرضها علي الخاطبين المحتملين. إنها مجرد صورة عادية كالتي لجواز السفر ومعلومات تشرف كل عائلة إن ابنتها تحوزها. ولم تخبر عائلتها سوي شقيقتها فاطمة لأن لا احد يتفهم الموضوع من جهة كوالدتها أو لا يهتم كبقية اشقائها. لقد وازنت الموضوع بحكمتها وهي يتيمة الأب وقد تعدت سن النضوج واصبحت في السابعة والثلاثين ومن حقها ان تجد شريك حياتها المأمول وأن تفرح بأبنائها، ولم تعرض نفسها في سوق النخاسة، ولم تقابل احدا أو حتي تكلمه شخصيا، إنها الي الآن رفضت خمسة ممن اتت بهم الخاطبة دون ان تراهم فقط بناء علي تاريخهم الشخصي أو بسؤالها عنهم وسط محيطها وقد وجدتهم غير مناسبين. ها هي اول الضحايا فاطمة وقد استثنت نفسها رغم إن امها اشعلت نارا لا تخمد ببيتهم وقد نعتتها بصفات كثيرة وطلبت منها ان تلازم غرفتها ولا تكلمها. سكتت حصة علي مضض فهي ليست طفلة صغيرة لتقفل علي نفسها غرفتها عقابا لها بل هي تقريبا ربة البيت التي تدير اموره رغم عملها صباحا ولكنها مسئولة عن كل شيء ولا تفهم امها سوي أن تأمر وتشترط وتطلب دون ان تكلف نفسها بجهد مجرد التفكير بكيفية تحقيق كل طلباتها..!! علي عجل اسرعت وضحة الي بيتها لتري فاطمة وقد كانت تكن لها معزة خاصة لطيبتها وحنانها وتواصلها الدائم معهم. التقت وضحة بفاطمة عند باب الصالة، حيث قامت اليها تعانقها لتجهش الأخري بالبكاء. تعوذي من الشيطان يا فاطمة واتركي فرصة لعبدالرحمن وسوف يأتيك بنفسه معتذرا
    - أين يأتيني يا وضحة وقد طردتني امي
    ماذا..!! امك طردتك.. ولماذا..
    - لأنها لم تعلم بما اقدمت عليه حصة ولما علمته مني بعد ما حدث مع اخيك طردتني غير آبهة بأنني اصلا مطرودة من بيتي. لم تتمالك وضحة نفسها.. هل تضحك ام تغضب من هذا الموقف ولكن يا فاطمة.. كيف تبرر امك ذلك.. ما ذنبك انت في شيء اقدمت عليه اختك وهي في بيتها وأنت في بيتك.
    - لأنني كنت اعلم وتكتمت طيلة هذا الوقت ولم أخبرها. أنت لا تعرفين امي.. لم تقبل سلام أخي لمدة سنتين لأنه تأخر في العيد ولم يأت للسلام عليها اولا وتغدي في بيت حماته ثم اتاها مسلما. لقد طردته وحرقت قلبه واهانته امام جميع اخوته وتركته كالذليل امام بابها كلما جاء معتذرا طالبا السماح اشاحت بوجهها وظلت تطرده.
    اقشعر جسد وضحة اشمئزازا من هذا الأسلوب المجرد من الرحمة
    لا يجوز ان تتلاعب امكم بعواطفكم وبالقوة الإلهية الممنوحة لها كأم.. هذا حرام
    قالت فاطمة بوجع واحباط : انا في نارين الآن.. بين غضبها والأهم اين اذهب بهذين الطفلين وانا اعلم ان اشقائي وشقيقاتي ان تقبلوني فأنهم لن يتقبلوا اطفالي.
    - عودي لبيتك يا فاطمة واخزي الشيطان
    - لقد طردني اخوك يا وضحة اين كرامتي
    - قد يطردك اخي من بيته وليس من بيتك وبيت اولادك.. ان جزءا منه لك ولأطفالك، وستعودين للذي يخصك، وهو اتركيه حتي يعتدل مزاجه.
    - لا ادري يا وضحة لم اتصور ابدا ان امي بهذه الوحشية والقسوة، كيف تطردني وقد جئتها مطرودة.. الم تشفق علي حالي.. الم تأخذها النخوة وتجيرني وقد احتميت بها.. كيف يهون عليها ان تسبب الألم والقهر لأبنائها.. انني لا اصدق هذا الموقف منها.
    - اسمعي مسألة امك لا تفكري بها ولا تدعيها تحطمك.. سامحها الله انها تريدك ان تشعري بالذنب وتنتقم منك في نفس الوقت لتجاهلها.. انت لم تخطئي وهذا امر بينها وبين ابنتها الأخري ولست سكرتيرة او جاسوسة لتنقلي اخبارها. وبعد الذي عرفته عن امك لن الوم اختك في البحث عن مستقبلها فلابد ان معاشرة مثل هذه المرأة واسمحيلي علي قول ذلك... يعتبر جحيما.. اختك لم تخطيء وفعلت ما شعرت بأنه الصواب.. وعلينا الا نضع كلام الناس مقياسا لما هو حق او باطل، الانسان عليه ان يحكم ضميره.. اما كان عليها ان تقف الي جانب ابنتها وتؤازرها بدلا من ان تجرحها هي الأخري وتكسر قلبها المكسور اصلا..!!
    تنهدت فاطمة من اعماق قلبها ورددت :
    انا ضائعة ومنقبضة القلب ولا ادري اي باب من اخوتي واخواتي الذي سأطرقه وآمل ان اجد الترحاب.
    اسمعي يا فاطمة بيتي مفتوح لك وهؤلاء اولادنا.. اولاد اخي ولكن في المقابل سارة هناك في بيتك وحدها مع اولادك الآخرين وانت تعلمين ظروفها ولا تستطيع وحدها الإشراف عليهم ومتابعتهم وهم خارجين داخلين.. لديك اولاد في سن المراهقة يحتاجون امهم.. دوسي علي كبريائك وسأذهب معك الي بيتك وسأكلم عبدالرحمن وافهمه بأنني التي أقنعتك بالمجيء وجئت من اجل الأولاد. أما أمك فاتركيها.. نعم للوالدين حق.. ولكنك لم تذنبي وهي التي طردتك.. اتركيها فترة لتهدأ الأمور مع ابنتها الأخري وتراجع نفسها اذا الله اراد لها خيرا وبعد ذلك عاودي زيارتها.. لعل وعسي
    كانت فاطمة تغطي وجهها بطرحتها وتجهش بالبكاء بينما الطفلان يلهوان حولها وعندما سمعا دموعها تشبثا بها بينما شاركها ابن الثالثة نحيبها وقد علاه الضيق والخوف.
    انطلقت وضحة الي المطبخ وامرت الشغالة بإعداد العصير وبعض السندويتشات السريعة للطفلين ثم تفقدت ابناءها حيث انتهز الأولاد وجود فاطمة فاعتبروا انه لابد إنه حدث الصلح وانتهي الموضوع
    فطلب محمد من امه السماح لهم بالخروج :
    الخروج وعرفناه ولكن الي اين ستأخذ ابن خالك ونحن في ايام المدرسة وعليكم الدراسة والنوم مبكرا.
    - وهل المدرسة يعني حرماننا من كل شيء.. المدرسة معظم شهور السنة، هل ندفن انفسنا احياء.
    - لا.. يا حكيم العائلة و لكن لم تخبرني الي اين..
    - سنذهب الي صديقي فهد وسنفكر ما نفعل.
    اسمع لا اريد وجع رأس. أنا مشغولة مع خالتك فاطمة وايضا لدي زيارة خالد.
    تململ محمد وقال بضيق :
    اوه.. آذيتينا مع خالد.. ونحن ليس لنا مكان، متي ستعترفين بأنه مات خلاص.
    انقبض قلب وضحة وتغيرت سحنة وجهها بينما لان قلب محمد واحس بالخوف ولكنه تماسك نفسه ولم يظهر ضعفه وعندما رآها تحاول النهوض من جديد غادر المطبخ.
    كانت مفاجأة مفرحة للخدم عندما وطئت فاطمة عتبة بيتها فقد كانوا في هم عظيم من اسلوب التصرف مع اولادها وزوجها.
    فهو لا يعرف شيئا في البيت ويريد منهم ادارته بنفس الطريقة والنظام الذي يتقيد به الجميع عندما كانت ربته موجوده. ولا يدري بأن اولاده غيروا القواعد وفرضوا اسلوبهم وهم لا يستطيعون سوي الشكوي لسارة التي ضاعت بينهم ولا تدري كيف تتصرف هي الأخري.
    اما سارة فلم يدهشها دخول فاطمة اليهم بقدر ما ازاح ثقلا عن كاهلها. وصرخت منفعلة
    هو يوم واحد منذ غادرت ولكنني احسه كأنه دهر.. الحمد لله علي رجوعك واستلمي عهدتك
    قالت فاطمة شاكية :
    ولكنني لا اعرف ردة فعل اخيك.. ربما لا يعجبه قدومي.
    - لا يعجبه.. في هذه الحالة يأخذ شنطته ويغادر.. لا يا عزيزتي.. لا احد يدبر هذا البيت الا انت. واولادك يحتاجون الي حزمك. ان المسألة ليست عنادا او استعراضاً.
    عادت فاطمة الي الشكوي من موقف امها. انها لا تستطيع ان تستحمل غضب احد والديها عليها. هذا يحملها عبئا لا تستطيع تحمله وفي هذه الظروف ايضا. وتابعت :
    اشعر بأنني حزت علي كراهية الجميع.. اليس هذا فألا سيئا. الا يعني ان الله غاضب علي ولن يوفقني..
    - لا تكدري نفسك بهذه الأفكار. ولا تخلطي المشاكل مع بعضها البعض. ما دمت لم تفعلي الا ما اقتنعت به فلا تتضايقي.
    - اليس حراما ان اغضب زوجي وامي.
    صاحت بها سارة : هل معني ذلك ان تتخلي عن قناعاتك وتصبحي ألعوبة في ايديهم فقط لتنالي رضاهم..
    - انا ابحث عن رضي الله وهو مع رضي الوالدين.
    -انت لم تتحدي امك ولم تفرضي عليها شيئا.. انت احترمت خصوصية اختك وسانديها بصمتك هل هذه جريمة..
    - انا اتعذب ولن ارتاح حتي ترضي امي
    - غدا يوم آخر.. اذهبي لها واطلبي السماح واعتذري لها لعلها تشفق عليك عندما طردتك مع طفليك و انت مقهورة من زوجك
    زالت فرحة سارة من قدوم فاطمة و قد غصتها الهموم التي سمعتها.. هل يعقل ان تمحي المرأة وجودها وشخصيتها وتبطل مفعول معتقداتها وتختبيء بعباءة زوجها وامها وابوها طيلة حياتها وإلا اتهمت بالعقوق والنشوز والعصيان. وهددت بالغضب الإلهي الذي هو اعلي درجات العقاب. هل تخرس ضميرها وتخمد انفعالاتها الطبيعية لأنها لا تنسجم مع رغبات وتطلعات ومزاج اولياء امورها. هل هي انسان كامل ام مجرد تابع.. تابع.. تابع..!!
    هل مشكلة فاطمة يفاقمها إنها كوضحة لم تكمل تعليمها ولم تعمل يوما ما لذلك فهي تحت رحمة زوجها أواهلها ولن يضمها أي طرف إلا تحت شروطه وينتزع منها اهليتها كإنسان له كرامة ورأي وموقف.
    وبكت سارة وهي تشعر بموقف حصة الفتاة ذات السابعة والثلاثين التي تشهد ابناء اخوتها واخوانها يترعرعون امامها وهي ترقب النصيب الذي لم يأت. بل إن ابنتي شقيقتها الكبري تزوجتا وأنجبتا ولاعبت أحفاد شقيقتها، ولم تتمتع قط بأمومتها. ولقد ربت أبناء شقيقها الذي كانوا يسكنون معه هي وامها وشاركتهم افراحهم واحزانهم ومشاكلهم قبل ان ينتقلوا مؤخرا الي بيت خاص بهم وكم تمنت ان تعيش افراحها في بيتها ومع اولادها.
    ما هذه الأنانية التي تتحكم بالبشر وبأقرب الناس اليهم ولم يستكثروا عليها التفكير بوسيلة لبدء حياتها قبل ان يفوتها قطار الأمومة وتكبر أكثر وأكثر ولا تستطيع الأنجاب. هل اذنبت.. هل ارتكبت المحرمات.. فقط لأنها لم تجعل كبرياءهم ورياءهم الإجتماعي عقبة في طريقها.. لأنها لم تتظاهر بأنه لا يهمها ان يهدر عمرها بين عينيها ولم تقتل احلامها ولم تجهض املها بأن تكون لها اسرة ما..
    السابع والعشرون
    المرأة والزواج
    لم يكن زواج وضحة المبكر ليمنعها من الإحساس بوضع غيرها من الفتيات اللاتي مر عنهن قطار الزواج دون انذار..!! كانت تنظر الي حياتها الصاخبة كأم وزوجة ومسؤولة عن عائلة وتقارنها بحياة الأخريات وخصوصا من جيلها اللاتي لم يتزوجن..!! بعضهن يعمل والبعض الآخر جليسات البيوت وكانت تحاول ان تستشعر حياتهن الخاوية علي عروشها ومشاعرهن وهن ينظرن الي ساعة العمر وهي تمضي بسرعة، ويرقبن الصغار من اطفال العائلة الذين يكبرون بين اعينهن وهن يلطمن امومتهن العقيمة، بينما بين فترة واخري يحضرن زفاف احد هؤلاء الصغار الذين كبروا بينما ظللن واقفات محلهن وتحفر ليالي الفرح اخدودا من التذكير بنسيان الزمن وتجاهله وعبوره المجحف عن طريقهن، وبعد اعوام يكرر هؤلاء من كانوا اطفالا دورة التناسل والولادة بينما تبقي هؤلاء مكانهن كأنهن شجيرات يابسة وارواح بلا صدي..!! كانت تنظر الي الجفاف الذي لا يشعر به احد في حياته، روتين الحياة الذي لا يحمل مفاجآت وانفعالات وادوار ومراحل، يختزلن الحياة كلها في مرحلة الابنة التي تظل ابنة حتي تشيخ ولا تصبح امرأة وزوجة وأماً وحماة وجدة. لا تعيش تجارب الحياة بكل حقبة من مراياها المتعددة الانعكاسات بكل ما تحمل من معاناة وآلام وفرحة وترقب وخوف ومتابعة وفخر وانتظار. كذلك يلفت انتباهها ذلك التناقض المريع بين رموز الحياة وواقعها. بين الفطرة التي تجبر الانسان علي عيش حياته بأدوارها المختلفة وإلا عاني من الحرمان والضغوط والأمراض النفسية وبين المجتمع الذي لا ينتبه الي وضع حلول لهذه الحالات ويتركها تتابع حياتها كأن شيئا لا ينقصها ولا ينغص عيشها. فالزواج نصف الدين ليس كما يفهم البعض بأنه حماية الناس من الانحراف فحسب واشباع حاجاتهم الطبيعية بغطاء شرعي يحميهم ويحمي المجتمع من التفسخ والانحلال ولكنه يلبي ايضا حاجة الانسان الطبيعية الي تكوين حياة ووضع لبناتها، فمن امرأة ورجل تمتد عائلة كبيرة لها جذور وفروع وما يمثل ذلك من اغناء لنفسية المرأة خصوصا واشباع امكانياتها وقدراتها الفائضة ومخزون حنانها المتدفق. فالمرأة بحكم طبيعتها طاقة متفجرة بالعواطف والمشاعر الي متي تعيش علي الهامش الي متي تنام وتأكل وتجامل الآخرين وتواظب علي اداء الواجبات الإجتماعية، وتري اطفال غيرها يكبرون امامها.. الي متي ترقب افول العمر وهي صامتة تشهد جذوة انسانية تموت وتخمد داخلها.. وهل من السهل عليها ترقب انتهاء قدرتها البيولوجية وصلاحياتها لتكون اما الي الأبد.. هل يدركون انها تري حياتها علي الهامش تمضي الأحداث وكأنها فرد زائد في العائلة ولا مكان لها بصنع الأحداث أو تذوق طعم الأحاسيس البشرية المختلفة.. عندما قالوا لها ان احدي معارفهم تم طلاقها وقد تزوجت زواجا غير متكافيء أنتج ولدين. وانها الآن تعاني مشاكل مع طليقها واحتمال تشتت اطفالهما بينهما، لم تعتبر ذلك تجربة فاشلة وقالت لها : يجب الا تندمي علي زواجك من البداية ولو كان من الشخص غير المناسب. انه افضل الا تعيشي تجربة الزواج علي الأطلاق، ولولا هذا الزواج لم تكوني لتبتهجي برؤية هذين الملاكين في حياتك، وكنت لن تعيشي تجربة الأمومة ابدا، وايضا بزواجك تغيرت شخصية تلك الفتاة التي كنتها بلا مسئولية ولاتفكير وفهمت الحياة اكثر واصبحت لحياتك هدف ومعني. كانت وضحة تقارن بين شخصيتها قبل الزواج وبعده ووجدت انها تغيرت تماما بعد اشهر قليلة من الزواج، تعلمت اشياء كثيرة من شخصية احمد ومن طباعه وعلمت ان الفتاة تتربي في بيت اهلها ولكن تهذيبها وصقلها ونضجها لا يتم الا في بيت زوجها. فعند اهلها ستظل مدللة نوعا ما وابنة في نظر والديها ولكن في بيت رجل يعاملها كامرأة مسئولة ويطالبها بالظهور والتصرف بطريقة معينة يساعد علي اكتمال نموها وصقل شخصيتها بالإضافة الي التعامل مع اهله والدخول في اجواء حياة عائلة اخري مختلفة عنهم في بعض الرؤية والتجارب، ومحاولة كسب ودهم والتطبع بعاداتهم للتقرب منهم ونيل رضاهم. لذلك يعتبر الزواج حياة مليئة بالخبرات الأنسانية والتدفق الذي يجعل للحياة معني وقيمة، يكفي انه مسئولية وشجاعة لتأسيس اسرة وتحمل متطلباتها وجموح أبنائها ومتاعبهم. لذلك تعتبر وضحة المرأة اكثر مسئولية وشجاعة من الرجل لأنها تحلم بالزواج منذ طفولتها عندما تحمل العرائس وتؤدي دور الأم رغم ما يحمل معني الأمومة من مخاوف وآلام الحمل والولادة المروعة. وتعتبر الرجال الذين يضربون عن الزواج رغم تعديهم الثلاثين يعانون من متاعب نفسية وذلك لأنهم يخافون خوض التجربة لعدم استعدادهم لأداء دور فاعل وحقيقي والمشاركة في تحمل اعباء ومسئولية اسرة كاملة، وهم لا يريدون التورط في عملية المسئولية وتحمل تبعاتها والقلق من اجل حماية افراد آخرين وتوفير العيش الكريم لهم . والزواج لا يشبع غريزة الأمومة فقط لدي المرأة بل يجعلها تعيش عمرا آخر متجددا عندما تصبح جدة وتعيش مشاعر خلابة وعارمة لا تقل عن كونها اما، بل تكون ويا مفاجأة القدر اما من جديد لأجيال اخري يحملون الفرح والروعة لحياتها ولا اعز من الولد الا ولد الولد..!! كأن الزمن يعيد دورته المبهجة لها، فهي تنبت مزهرة في اوراقها من جديد، وتعيش تجارب ومخاوف الولادة مع عملية انجاب أبنائها وتربية احفادها برؤية ومعالجة جديدة. كانت وضحة تشعر بأن الجدات افضل حظا من جيلها لأنهن عشن حياتهن وتركن بصماتهن وكانت لهن لمساتهن الواضحة والجليلة علي حياة اولادهن واحفادهن من بعدهم. بل انها تعرف بعض النساء من كن متزوجات اكثر من مرة وابناءهن من هؤلاء الأزواج المختلفين رغم نموهم في اسر مختلفة في مراحل حياتهم اللاحقة الا انهم اكثر ارتباطا بأخوتهم من الأم عن اخوتهم من الأب..!! كانت هناك سلاسة وعفوية في امور الزواج والارتباط ولم يكن يعرفن العواطف واغاني الحب وافلام ومسلسلات الغرام ومع ذلك كانوا يعيشون حياتهم العاطفية بدون تعقيد، يتزوجن ويتطلقن ويتزوجن من جديد بلا حساسية وافكار ومواقف..!! وحينما ظهرت هذه الأشياء وبات الحب مفروضا علي المفاهيم العامة ومختوما في دفاتر المدارس وبين طيات احلام المراهقين، ظهرت القوالب الجامدة التي غلفت مفهوم الزواج واصبح صعبا وثقيلا خاليا من البساطة والفطرة. بل ان الحضارة كلما امتدت ونمت زادت من وحدة وانعزال الشخص فأصبح متطلبا لا يرتاح الا لنوعية معينة لا يمكن أن يجدها الا في خياله، وكلما كبر في السن محتفظا برغبته بالاختيار والتمييز بين من يرشحون للارتباط به، فقد اتصاله بالآخرين وقد زادته الوحدة امعانا في الغوص بعالمه وزاد تشوش اتصاله مع الغير لذلك فإن الكثير من الشباب الذين يتأخرون بالزواج يجدونه اصعب بعد ذلك بينما يمكن للشاب الصغير المتزوج مبكرا من خوض تجربة الزواج عدة مرات غير هيابا ولا مترددا ولا مفكرا بالنتائج..!! كذلك كلما قلت ثقافة الشخص وكان مستوي تعليمه بسيطا كلما اخذ الأمور ببساطة ودون تعقيد ولم ينسحب علي نفسه بل يكون اجتماعيا واكثر انفتاحا وكلما تعمق الشاب اوالفتاة في التفكير وحصد الشهادات كان انتقاؤه ملموسا ورفضه واردا لقبول أية حياة تعرض عليه دون اقتناع كبير.
    الثامن والعشرون
    غرور الرجال
    بعد يومين قامت فاطمة بزيارة الي امها وقد زاد وجيب قلبها وهي تقترب من بوابة بيتهم. يا تري كيف ستستقبلها امها.. يكفي هجران زوجها ونبذه وشماتته فيها بعد ان علم بعودتها الي المنزل. لقد أخذ يرغي لكي يسمعها وهي صامتة في الطرف الآخر من الصالة.. كان يعيرها بأنه مادام ليس لها الا هذا البيت وان لا احد من اسرتها يريدها فعليها ان تحمد النعمة ولا ترفع رأسها وتخالف اوامره وتعتقد بأنها تستطيع فرض رأيها عليه..!! ياللإذلال والمهانة التي تشعر بهما وهي تحت رحمته..!! اين تذهب وتترك اطفالها وبالفعل من سيتحملهم من اسرتها وهي لا تملك المال لكي تعيش مستقلة ووظيفتها خدمته واولاده... حتي الخادمة تحتفظ بكرامتها واستقلالها وشخصيتها وتحصل علي راتبها بعرق جبينها الذي لا يعايرها احد عليه.. وها هو يعايرها وهي تعمل بوظيفة مدتها اربعة وعشرون ساعة وتنجب له اولاده ايضا وتدفع من صحتها وشبابها واعصابها وحياتها لهم انهمرت دموعها وقد احست بوحدتها وضعفها. ما ان رأتها والدتها حتي اشاحت بوجهها ونهرتها ساخطة، الم اقل لك لا تدخلي هذا البيت مادمت حية موجودة فيه.. هيا اخرجي ولا تريني وجهك. حاولت فاطمة الانكباب علي رأسها باكية طالبة السماح منها.. الا انها نفضتها واخذت تبعدها بذراعيها بهيستيريا منحتها قوة مخيفة استغربت لها فاطمة واثارت فزعها بالفعل. وما كان منها الا ان غادرت لئلا تثير امها اكثر وتسمح لها بالسباب والصراخ وقد جاء الخدم يتفرجون علي المشهد وهم يتساءلون بفضول عن التفاصيل. كانت سارة ترقب لوعة زوجة شقيقها وانفعالها لأتفه الأسباب علي اولادها حينما يكثرون الشغب والصراخ متابعين حياتهم الطبيعية ولا يشعرون باحباطات امهم، وترقب خيلاء شقيقها الذي صور له غروره بأن عودتها المكسورة الي البيت بينت كم انها مهيضة الجناح وكم إنه يملك مصيرها وكيف إنها تحت رحمته. وقد فوجئت من كلام شقيقها الأوسط غانم بأنه سمع بعض الأقاويل غير المؤكدة بأن عبدالرحمن يبحث له عن عروس هل معقول وقد اصبح اولاده في سن الجامعة سيتزوج من جديد.. يا لغروره و قلة مشاعره..!! والذي اصابها بالغثيان والغضب عندما قالت لها فاطمة وقد شحب وجهها كالطيف:اتدرين كيف علمت امي بعرض حصة طلب الزواج.. لقد اخفينا الأمر عنها وعن اخوتنا وبالطبع عن عبدالرحمن ايضا علما منا بأنهم حساسون ازاء هذا الوضع وسيضخمونه وسيصدعوننا بدعواهم ولغطهم حتي قبل أن نتخذ اية خطوة. وكنا لا نري بأسا من البحث عن الزوج المناسب ما دام بإمكان الرجل البحث عن الزوجة المناسبة وذلك في إطار العادات والتقاليد ولم نر بأسا من وجود صورة حصة لدي الخاطبة وهي صورة محتشمة بالحجاب والعباءة ولا تخرج عن اطار الحشمة والوقار ونتحدي أيا كان ان يتعرض بالسوء لأي كلمة كتبتها حصة عن نفسها اوبأسلوب عرض الصورة. ولا استطيع ان ارقب اختي تذبل مكانها وتربي اولادي معي وتربي اولاد اشقائها وتحرم هي من رؤية اولادها بينما يمكن ان يكون بالخارج شخصا مناسبا لها بل لقد تبين ان هناك من هو محتاج اليها بالفعل بعدما لمس عطفها وحنانها من خلال مساهمتها بتربية ابناء اختها وأشقائها. كانت الخاطبة تتصل بحصة بين فترة واخري لتعلمها بنتيجة العرض الذي قدمته وكان معظمهم شبه عاطلين طامعين براتبها او ذوي ظروف رفضتها جميع الأسر التي تقدموا لها لدرجة انها ندمت بالفعل علي تصرفها واحست بأن والدتي محقة برفضها هذا الأسلوب وان الجميع كانوا بعيدين النظر باعتراضهم.. الي ان اخبرتها عن مدرس يسكن في الشمال توفيت زوجته منذ عشر سنوات وتركت له ثلاثة أطفال تفرغ لتربيتهم مع والدته وتأمين مستقبلهم. لديه فيللا من كبار الموظفين راتبه جيد وقد فكر بالزواج بعد وفاة والدته منذ اشهر وكان يبحث عن الفتاة المناسبة التي تشاركه تربية الأيتام وعن طريق احد الأشقياء الذي يقرب لزوج شقيقته من الذين التقوا بالخاطبة ورفضتهم حصة سمع بها وعرف قصتها واحترم اسلوبها الجريء. وايضا وجدت فيه ضالتها بعدما ارفق سيرته الذاتية مع الخاطبة ووافقت علي العرض وبقي زف النبأ للوالدة لعلها تبارك الزواج وتصفح بهذه النهاية السعيدة عن كل المعاناة والترقب والقلق التي عشناها منذ وضعت حصة اعلانها لدي الخاطبة. منذ علمت امي إن الخاطب جاء بهذا الأسلوب استيقظت وحشيتها ولا ندري ما الذي اثارها اكثر.. تخطيطنا دون علمها.. رفضها زواج ابنتها عن طريق عرض طلب للزواج.. كون العريس يقطن في الشمال وهي تعودت علي حصة ورعايتها لها واستيقظ فيها حب الامتلاك.. لا أدري سوي إنها ارغت وازبدت ورفضت هذا العريس وحرقت قلب ابنتها بالفعل وانتقمت منها بوحشية علي تصرفها. إن ما فعلته بي لا يساوي شيئا وأنا اري حصة منطفئة وحزينة ومحطمة بعدما كانت متوهجة وطموحة ومتفائلة. وسقطت دموع صامتة منها ولم تكن وحدها فقد كانت الدموع والحرقة تخنق سارة، وهي تتمتم
    لك الله يا حصة..!!

    وللأحداث بقية


يعمل...
X