إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السيرةالذاتية لعزيز علي _نادر أصفهاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيرةالذاتية لعزيز علي _نادر أصفهاني

    الطريق إلى كتابة السيرةالذاتية لعزيز علي
    نادر أصفهاني
    مابين مسقط رأسه والبحر بضعة أمتار ومابين البحر وقلبه مسافة صغيرة لا ترى ومابين صفاء البحر تطابق تام .
    انتسابه الأول لجبل كريم ، ومع هذا الانتساب جاء الفقر ، هو الفقر الذي يصلب العود . وانتسابه الثاني لوجع الوطن ، ومنهما كانت رسومه ، حاملة الغضب ، والدعوة إلى التفكير ، وأحياناً كثيرة الألم.
    ما معنى أن أكتب سيرتك الذاتية ؟
    ما معنى أن تغادرنا هكذا سريعاً ، ودون أن يتركوك لتتابع الرحلة ؟
    ما معنى أن أحاول تسجيل ولو جزء من تلك الحيوية التي كانت تتدفق منك ؟
    ما معنى أن أبحث بين أصدقائك عن ذكرى مسجلة على ورق ، وعن ذكريات لانهاية لها مسجلة في عقولهم ؟
    عزيز علي ، يا شهيدنا ...عذراً ، لابد من التسجيل . ليس من النهاية ولا من البداية . وهل بين بدايتك ونهايتك فسحة كبيرة ؟ أم هي ومضة إشعاع إنساني لم تستمر طويلاً .
    ما كنت أحسب أنه قد أودع كل تلك الذكريات بين أصدقائه ، ولا خلته إنساناً له كل هذا الحب في قلوب القريبين منه .
    هو عزيز علي ، في طرطوس الغافية قطرة ندى على الشاطئ ، كانت ولادته عام 1947 ، وفي ردهات مدرسة المتنبي ، أمسك القلم وراح يرسم قليلاً مما شاهده ، وفي إعدادية بنين طرطوس قاد الابتسامة إلى وجه أستاذه في مادة الرسم ، عندما رسم شريط مصباح كهربائي وبدلاً من اللمبة الكهربائية وضع مصباح كاز ، وكان أن استمر في تثبيت اللحظات على الورق ، وكانت بداية إمساكه بلحظات الجمال الحياتي .
    على البحر القريب من منزله ومعه صديقه غسان جديد ، ورقة وقلم ، رسماً ، جزيرة أرواد الطفلة المستنجدة بالشاطئ دائماً ، و الصيادين في مراكبهم ينقلون الاستغاثة منها ، ويعيدون الكلمات إليها ، و تموجات اللون الأزرق فوق سطح الماء ، وغروب وشروق ، البحر كانا يجذبانه ، أول مرة دخل القلق إلى قلب أمه ، أين هو ؟ بعدها عرفوا مكانه المختار ، تريدونه !! هو فوق الصخرة القريبة ومعه غسان ، يرسمان ، وهذا ما كانت تقوله الأم . ويستمر عزيز علي في الرسم ، هو الرابع بين أخواته – فريد وسهيلة وسهيل وعزيز وعادل وندى ، والأب في دكانه يبيع الحاجيات الصغيرة ، وفي عقل عزيز يكبر الحلم في امتلاك أسرار مهنة الرسم ، والأيام تمضي .
    عالم الخط العربي كان الأول بالنسبة له ، الحرف وكيف يرسم ويتحول إلى كلمات على لوحات كبيرة تتوزع هنا وهناك في مدينته طرطوس ، والتوقيع هو عزيز شقرا ، هذا هو اسمه ، إذا مررت من هناك وتطلعت إلى واحدة من اللوحات التي تحمل أسماء المحال والأماكن العامة ، فستجد اسمه هناك ن وإن كان هو غائباً .
    إلى جاني عمله خطاطاً ، استمر في محاولاته لرسم اللوحات الفنية ، لا يوجد الكثير منها الآن ، إذ إنها موزعة في الأماكن التي تعمل فيها ، وبين أصدقائه ، والقليل منها مازال في بيت أهله القديم .
    مبنى المركز الثقافي العربي بطرطوس ، القديم جداً ، استقبل معرضه الأول للرسوم الزيتية ، وهو المعرض الوحيد إذ إنه قد أتجه إلى فن الكاريكاتير بعدها ، في هذا المعرض سعى لتقديم معالجات فنية لمشاهداته في الطبيعة ، البحر الذي جلب الكثيرين قبله ، والحقل ومفردات حياة الفلاحين اليومية .
    في الكلية الجوية ابتدأ دراسته الفنية ، لكن ليس الفن التشكيلي وإنما في الفن الإلكتروني ، عالم الكهرباء والالكترونيات عالم إبداعي يحتاج إلى إحساس فنان كي يتفوق فيه ، وقد أبدع عزيز علي في هذا المجال أيضاً ، وشهد له مدربوه على إنه كان متفوقاً فعلاً .
    الأيام العادية لا يحكى عنها ، لكن غير العادي هو تلك الابتسامة المشرقة التي عرفناها لا تفارق وجهه كثيراً وعبرها يقبل على أيامه العادية ، بعينه الناقدة ، وريشته الساخرة .
    البداية ( استكشات ) سريعة مارس فيها ( المحاكاة ) لمدارس معرفة في فن الكاريكاتور العالمي ، تابع المدرسة الفرنسية التي تعتمد الخطوط البسيطة جداً دون تفاصيل تذكر ، وتعاطف معها ، وتابع المدرستين الأمريكية والإنكليزية اللتين تعتمدان التعليقات الطويلة والاهتمام بالتفاصيل ، لكنه لم يقلدها .
    هو لم يدخل عالم الكاريكاتور الصعب والمعقد والمليء بالألغاز ، دون أن يتسلح بزاد فني غني ، لاحق مجلات الكاريكاتير العالمية ، وابتدأت شخصيته المتميزة في الرسوم الكاريكاتور تتكون ، مداعباته لزملائه بالرسم كانت خبزه اليومي ، وشهدت القطعات العسكرية التي قضى فيها أوقات طويلة أثناء خدمته ، الكثير من مداعباته عبر الرسوم المعلقة هنا وهناك ، حينها يتحول الكاريكاتير إلى منشور ذي لغة مكثفة تشير إلى نقاط الضعف في العلاقات الإنسانية اليومية ، كانت مداعباته ساخنة و مليئة بالحيوية .

    في سلاح الدفاع الجوي قضى أغلب سنوات حياته أثر تخرجه من الكلية الجوية ، رسومه عرفت طريقها إلى مجلة جيش الشعب وإلى بعض المجلات العسكرية الأخرى ، ونشرت رسومه على أغلفة العديد من المطبوعات والمصنفات الموجودة على مكاتب زملائه ومرؤوسيه في السلاح .
    وأثناء دورة تدريبية دراسية في الاتحاد السوفيتي عام 1975 ، ظهرت انطلاقته المتميزة في معرض للكاريكاتير السياسي أقامه في مدينة ( أوديسا ) وربما كان لجولته هناك أثر كبير في تعميق معارفه الفنية ، وكان معرضه الثالث في دمشق أثر عودته ، والرابع في حمص عام 1977 .
    مجلة ( بالمرصاد ) التي أصدرها فرع التوجيه السياسي في الدفاع الجوي كان له فيها تجربة متميزة ، استضافة الغلاف رسوماته أكثر من مرة ، وكانت له صفحتان داخليتان بشكل مستمر ، وساهم في عملية تطوير تلك المجلة ، وشاركنا في حماية هذا الجنين الصحفي الذي أعطيناه كل طاقاتنا ، وكانت النتيجة تجربة متميزة باعتراف كثيرين .
    أسرة تحرير بالمرصاد...تألفت من ستة أشخاص ، عزيز لم يكن يعيش معنا ، وإن كنا نشعر دائماً بأنه معنا يحمل رسومه ويأتي إلينا ، نتناقش ونتبادل الأفكار ، يقترح فكرة هنا و فكرة هناك ، وكثيراً ما دخل في حوارات حامية مع المخرج الفني للمجلة . كان معنا في محاولة تجنب النغمات الشاذة في تجربتنا الصحفية ، وكان دوره واضحاً ، وكنا نسعد بإشاراته إلى النقص في تحرير بالمرصاد .
    أسرة التحرير أيضاً كانت تحاوره في إمكانية أستخدام الريشة ورم الكاريكاتور بشكل أفضل في تحرير بالمرصاد .
    وقد نجح عزيز فعلاً بعد فترةً أن يشارك برسومه في توضيح أفكار بعض المقالات ، التي اعتقدنا أنه من الصعب تقديمها بشكلها الأكاديمي الجاف ، في الوقت الذي سعينا فيه أن نجعل مجلاتنا مقروءة من كل المستويات الثقافية ، أحياناً كنا نأخذ عليه سرعاً تنفيذه للرسوم التي كان يقدمها ، وتلك ملاحظة تكررت أكثر من مرة ، لكن سرعان ما كنا نكتشف أن بساطة الفكرة والتنفيذ وما سر العمق الذي تتحلى به .
    هموم الإبداع الفني كانت تأخذ من وقته الكثير ، وكانت مسألة حل لغز الإبداع الفني من الهموم بالنسبة له لكن ذكائه المرهف كان يخفي تلك الهموم ، كثيراً ما لاحظنا معاناته الفنية المستمرة ، وهذا - ربما – السبب الذي جعل فنه يتطور بشكل مستمر .
    إشارته المسلية الذكية لم تكن مقتصرة على ما يعده للنشر ، بل إنه كثيراً نما يقدم رسوماً ليست للنشر ، يداعب هذا المحرر أو ذاك ناشراً جواً من المرح ، وبنفس سرعة انتشار الجو المرح كانت رسومه تنتقل بين مكاتب الجلة . رسوماته أثارت في بعض الأحيان تعليقات حول الفسحة المتاحة لرسام الكاريكاتور كي يتجول ضمنها ، أهمية رسومه أنها لم تكن تؤطر نفسها داخل الفسح الضيقة ، رحباً كان المجال الذي تحرك ضمنه ، تسلح بالتزام عميق كونه بعثي ، والتزام بمواطنتيه التي لا يساوم عليها ، رافق جريدة تشرين منذ بداياتها ، في مكان آخر روى الأستاذ عادل أبو شنب شيئاً عن نشاط عزيز علي في جريدة تشرين ، ما لم يروه أننا زملاؤه - كنا سعداء بخروج فنان من سلاح الدفاع الجوي إلى مجالات الصحافة الواسعة ، وكنا نتابع أعماله التي نشرت ونتناقش معه طويلاً حول ما نشره المسألة الأساسية المطروحة عبر رسومه هي علاقة الفقير بالغني ، ساعده في هذا أن طفولته لم تكن ميسورة ، وبالتالي فقد كان مرتبطاً جداً مع الحياة التي يحيياها الناس الكادحين والساعيين لتحقيق حياة كريمة لهم ولأبنائهم .
    عبر رسوماته سجل موقفاً منحازاً - حتماً – لصالح الفقراء ضد كل أشكال السيطرة الاقتصادية والاجتماعية ولهذا واجه الأغنياء بإسلوب ساخر جداً ولاذع جداً .
    انحيازه الكامل للفقراء وهو منهم وصل إلى مرحلة الإيمان العميق بحتمية انتصارهم ، وعزز إيمانه بالعمل الفني لهذا يمكن اعتبار ما قدمه من رسومات الكاريكاتور ما هو إلا دعاوة ثورية تقدمية ساهم في جعلها واضحة وضوح رسومه التي اعتبرت الخطوط البسيطة ، والفكرة الساخرة دون أية إضافات لا تقيد .
    كان أمراً محتوماً كما يبد أن يلتقي عزيز مع مجموعة أسماء هامة في فن الكاريكاتير العربي السوري ليشكلوا معاً لوحة متنوعة الجوانب وكان أن علق رسام الكاريكاتور البلغاري الشهير ( كارانداش ) بقوله : بالنسبة للفنانين اللذين يرسمون اللوحة الكاريكاتورية في سوريا فأنا معجب بهم وبإنتاجهم الفني الذي يمتاز بالقطة الجيدة والمعبرة ، ولقد نشرت الصحافة البلغارية عدداً من لوحات الكاريكاتور للفنانين السوريين علي فرزات وعزيز علي ، وارغب في التعرف على المزيد من أعمال الفنانين لتعزيز الصلات وتعميق التجربة .
    عزيز ابتدأ رومانسياً ، يتعامل مع الطروحات الفنية والفكرية بروح حالمة لكنه مع تراكم وعيه وتجربته خاصةً في مرحلة مجلة بالمرصاد ، وما تلها في معرضه عن كامب - ديفيد أصبح ثورياً مخلصاً لقضايا الطبقات الكادحة فكراً وفنناً .
    محطات صغيرة لكن لها دلالات كبيرة أثناء مسيرته الفنية ، في معرض الكاريكاتور الغربي الأول عام 1979م لفت الأنظار بالأعمال التي شارك بها ، ونال جائزة تقديرية ، مجلة ( ستيرشل ) البلغارية نشرت مجموعة من رسومه نقلاً عن الصحف السورية ، وكانت له لوحات كاريكاتيرية في المهرجان الحادي عشر للشبيبة في كوبا الذي أقيم عام 1978 ،جائزة تقديرية في معرض الكاريكاتير العربي الثاني عام 1980 في دمشق ، ونال وساماً من اتحاد الصحفيين العرب . وفي نعرض الكاريكاتور العربي الثالث عام 1981 كانت له لوحات حاضرة لكنه هو الذي كان غائباً .
    أثناء عمله في مجلة بالمرصاد حدثني عن رغبته في جمع رسومه ضمن كتاب وكان معجباً بالكتاب الذي أصدره رسام الكاريكاتير اللبناني ( الفلسطيني ) ناجي العلي أعجبتني الفكرة ، بعد أيام ناقشنا أن تتبنى المجلة إصدار الكتاب ، وتشجع الجميع وكان أن باشرنا في إعداد الدراسة عن إمكانية إصدار الكتاب .
    بعدها توقف العمل بالمجلة (...) وكان أن افترقنا وأصبحت اللقاءات محكومة بالصدفة ، نلتقي على باب نادي الضباط فيحكي لي بسرعة عن مشاريعه وكيف أنه منصرف لإعداد معرض جديد ، وأيضاً يستعد لإعلان خطوبته ، وإنه استأجر بيتاً ، أتعجب كيف وجدت بيتاً للإيجار في هذه الأيام ، يبتسم ، ويقول : إنك لم تعلم بعد كم هو الإيجار إنه مبلغ ضخم ، يئن منه راتبي ، ونفترق .
    اسمع أخباره من أصدقاء مشتركين لي وله ، كثيراً ما نتناقش في رسوماته ومضمونها ، رسومه التي طافت في المحافظات وتناولت اتفاقيات ( كامب - ديفيد ) عندما شاهدتها شعرت أنه حقق قفزة جيدة في إمتلاك مفردات فن الكاريكاتور .
    أفكاره أصبحت واضحاً ، الخط الذي يستخدمه صار أكثر ليونة وقوة ، ما قدمه في هذا المعرض تجاوز الرسومات اليومية السريعة ليصل إلى اللوحة الكاريكاتورية ،ـ وقد يبدو هذا التعبير غريباً بل إنها تستوقفك , وتتأملها بهدوء وتصل إليك أكثر من فكرة .
    بعد أيام من مشاركته في معرض الكاريكاتور العربي الثاني ، استشهد عزيز علي .
    هكذا دون مقدمات ، وقع ضحية إحدى جرائم عصابة الغدر والخيانة ، وهو عائد من عمله ، اخترقت رصاصات غادرة جسم الفنان الذي قاتل بالكلمة والريشة .
    في هذا الزمن الصعب ليس غريباً أن يموت فنان برصاصات غادرة ، ربما الغريب أن يموت المناضلون بطريقة عادية .
    قدره أن يمت واقفاً ر، هي الأشجار دائماً تغتال واقفة .
    بعدها -
    مدينته الغافية على شاطئ المتوسط استقبلته شهيداً ، بعد أن ودعته شاباً مليئاً بالحيوية ، لم يتح له الوقت كي يحقق رغبته في الزواج ، بقي المنزل الذي حدثني عنه دون ساكن ، أصدقائه فجعلوا ، ضمه تراب الجبل الكريم الذي خرج منه ، وحدها أمه مازالت تعتقد أنه سيعود ، تريدونه ، إنه فوق الصخرة القريبة يرسم .
    هو عزيز علي فنان قاتل بسلاحي الفن والعلم وقتل بسلاح جبان .
    لم احط إلا بجزأ بسيط من حياته ، ألم أقل في البداية أنها الطريق لكتابة السيرة الذاتية لعزيز علي
يعمل...
X