إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

د. محمد عبدالله الأحمد : الحل: ثورة مقابلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. محمد عبدالله الأحمد : الحل: ثورة مقابلة

    د. محمد عبدالله الأحمد : الحل: ثورة مقابلة
    المصدر : د. محمد عبدالله الأحمد

    في تسعينات القرن الماضي، عاد رجل أردني إلى عمان من الولايات المتحدة، وقد جمع مالاً يكفي لمشروع وضعه في رأسه، بعد أن صار مهندساً في الاتصالات، وعرف أنّ مصدر الثروة الحقيقي هو المعرفة؛ أي في عقل الإنسان وليس تحت قدميه!.
    بنى صاحبنا في عمان مصنعاً للصناعات الدقيقة (المكروبروتسيسورز) (microprotsesors)، وهي الموجودة الآن في جيبك - أيها القارئ - إذا كنت تحمل هاتفاً نقالاً، وعندك منها العديد، إن كنت تملك حاسوباً أو تلفازاً أو هاتفاً رقمياً في المنزل؛ أي أنّها صناعة مجدية للغاية، وأهم ما فيها أن صناعتها معرفية مهارية بالدرجة الأولى، وبلداننا مثالية لكي تقوم فيها صناعات كهذه، وها هم أولاد غاندي الهنود يحققون سبقاً في التنمية من ورائها.
    ولم تمرّ سنة على بدء المصنع حتى تعرّض إلى حريق أتى على كلّ ما فيه بسبب حالة حبّ (عشق) بين رجل وفتاة في المصنع قام بعدها أهلها بالدفاع عن عرضهم بأن حرقوا «عرض» المصنع.
    كثيراً ما أروي هذه القصة، وقد رويتها لبعض الإخوة الذين يتعاطفون مع شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) سائلاً إيّاهم ما هو الحامل الثقافي الذي تأتون به بديلاً؟ أنا أعلم الكثير من عثرات النظام السياسي عندنا وعيوبه، لكنّه يمتلك مقدرة فذّة على استشعار «الضرورات»، وقد وصل إلى استشعار ضرورة الإصلاح قطعاً بحكم طبيعة الأشياء، ولو كان الإصلاح يشبه عملية جراحية مؤلمة.
    وقد تصبح نارٌ أولعت في بلدنا حارقةً كلّ جميل، تأخذ الصالح بالطالح، إذا لم ننتبه إلى عيارها تحت الوعاء الوطني، وقد يأتي يوم تتحكّم فيه قوانين التخلّف الماضوي المريض بكلّ حياتنا، ليس فقط لحرق مصنع بسبب حالة (عشق)؛ بل لحرق أسباب الحياة الطبيعية بين الناس من دون وجود رادع أساسي وهو (دولة علمانية قوية).
    وإن كان هذا الكلام بحساب المحتجّين، فإنّ كلاماً آخر لا يقلّ إيلاماً يجب أن يقال للدولة، وهي التي مارست علينا بخترة غير مفهومة، ونحن نصيح فيها: أصلحي نفسك يا دولتنا العتيدة! أصلحي القضاء! أصلحي الإدارة! انتبهي من تمركز رأس المال! انظري إلى مستوى معيشة أفراد الشعب!، فاليوم لا بد لنا من أن نقول لها أصلحي البنية السياسية والحقوقية للدولة، ولتكن ثورة من عند الدولة. فما المانع في أن نرى دستوراً سورياً جديداً بكامل قيافته مطروحاً للتداول والنقاش خلال مدة معقولة؟ وما المانع في أن يدلي المعارضون بدلوهم في نقاش بنوده؟ وحتى أن يشاركوا في وضعه، وقد صرّحوا بالكثير ممّا يرونه مناسباً منذ سنوات؟
    نحن نشتهي لبلدنا دستوراً، و«بنية حقوقية سياسية»، تبقيه بلداً منيعاً مقاوماً ومدافعاً عن العدل الاجتماعي وعن قيمة المؤتمر السوري الأول الأهم: الدين لله والوطن للجميع! وهذا يتطلب صمام أمان وطني ضامن للدستور وليس خيرٌ من الجيش العربي السوري ضامناً للدستور.
    هنا يأتي الحديث عن المادة الثامنة، وما يتبعها من مواد، وهي ليست قضية عصيّة على الحلّ وبديلها الواقعي، باعتبار أنه قد صار عندنا قانون للأحزاب، أن يكون الجيش هو الضامن الوطني، وأن تكتب عقيدة الجيش الوطنية مادةً في الدستور. ولأنّ المدرسة التاريخية هي أفضل المدارس التي تُعلّمنا قراءة الحاضر والمستقبل بشكل أكثر دقّة، فكم نشتهي أن نكون أمام دولة فيها حزبان رئيسيان يتعارضان في السياسات الداخلية، ويتنافسان على إبقاء الدور السوري المحوري في الأمة والإقليم والعالم، فلقد ولد الحزب الديموقراطي الأمريكي من رحم الحزب الجمهوري، وكانت البلاد في أزمة، وأبقى الحزبان أمريكا أمريكا ! فهل نعي الثورة الممكنة؟
    إنّ هذا الأمر يتطلّب عملاً مكثفاً وجهداً مضاعفاً على الأرض، وفي الميدان و مفاصل حقوقية لا تسمح للحويزبات الصغيرة بدخول البرلمان القادم، ولتكن نسبة 8 % هي الحدّ الأدنى لدخول البرلمان، وليخرج من السوريين الوطنيين الشرفاء جماعة قادرة ماهرة نزيهة لتشكيل حزب أو جبهة كبرى تنافس البعثيين على قيادة الدولة والمجتمع تحت بند دستوري يقول: الحزب الذي يحصل على النسبة الأكبر في التصويت هو قائد الدولة والمجتمع.
    ولقد جاء قانون الأحزاب مراعياً أهمية ألا يكون الwحزب على أساس ديني، أو عرقي، أو مناطقي، وهذه ضمانة وطنية لأجل مستقبل السوريين، إذاً ما المانع في أن نرى جبهة عريضة من الناصريين والشيوعيين والبعثيين والقوميين السوريين تربح الجولة الأولى من الانتخابات، وتقول: ارتاحوا لسنوات أربع نحن سنحمل الراية عنكم؟
    إنّ البعث، وهو فكر عظيم، بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب نفسه خارج دائرة المصالح والامتيازات، ولا أراه يعود إلا قوياً، وقد تخلّص من «التمصلح» فيه، ومن الاختيار الذي وصلنا إليه، ليس لفقدان الكفاءات؛ بل بسبب إحلال فلسفة (الربت على الكتف) مكان فلسفة اختيار (الرفيق القادر النزيه).
    هي ثورة في التفكير أولاً وهذا ما نحتاجه... و للحديث صلة.
يعمل...
X