إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بقلم: ظبية خميس - الغراب وصناعة التاريخ ( أيها الخوف من فينا هزم الآخر؟ )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم: ظبية خميس - الغراب وصناعة التاريخ ( أيها الخوف من فينا هزم الآخر؟ )


    أيها الخوف من فينا هزم الآخر؟
    الغراب وصناعة التاريخ
    وثَّق الشعراء والمبدعون للظلام العربي عبر الأزمان، وسقطت رقاب الكثير منهم ثمنا لذلك وستظل تسقط.
    ميدل ايست أونلاين
    بقلم: ظبية خميس

    كأننا في لحظة قابيل وهابيل، وأحدنا ينتظر الغراب ليلقنه كيف يدفن أخيه!
    جثث ومطالب ودماء تنزف وآلهة لا ترتضي غير التحطم والتحطيم. زمن أول لا شك - بربري وبدائي يقتنص لحظته - نعود لشريعة الغاب بعد سقوط أصنام ظنت أنها مختلطة. من أراد يأخذ دم الآخر بيديه وتدك المدن ويسرى قانون الإستقواء: دم مباح وأعراض وبيوت وأوطان.
    كل شيء يفوق الخيال ذلك الذي فشل في رؤية دماء الحضارة والحروب الأولى، وكأن الحجاج وهتلر ونيرون والمسيح وهولاكو والإسكندر ورمسيس وموسى وقريش والمهاجرين والإخدود والفيل اجتمعوا تحت سماء زمن واحد.
    وجوه تنتصر بوحشية كأن الدماء تسيل من أنيابها، وطغاة يفرون إلى جحورهم مسلطين جيوشهم وعسسهم على الشعوب، ومحاربون بعضهم يهبط من السماء، وآخرون يبدون كزبانية جهنم. من يقتل من؟ ومن أجل ماذا بعد كرسي العرش؟
    والمؤكد أنه سقط النظام. ربما لدينا فقط، ولكن بعضا من أعمدته تسقط من بقية العالم أيضا.
    لا حصانة لدولة، فليس الشعب أو بعضه يسقط النظام بل روؤساء دول آخرين -ليسوا بأفضل بكثير - وقوى أممية غربية ومرتزقة وقتلة مأجورين ويكون التبرير شعار إنساني كبير لا تترجمه جثث الضحايا ولا دك المدن ولا الحرائق المشتعلة، وتختلط علينا الشهور فلم يعد هناك أشهر حرم، وتختلط علينا لغة الأصدقاء والأعداء وتبرر الوسيلة الغاية بحسب ميكافيلية ترجح فيها أهمية الصفقات على مفاهيم الحرية والكرامة والنخوة الوطنية.
    من نحن اليوم؟ من كنا منذ شهور، وإلى أين تؤول بنا السنين؟
    أيها الخوف من فينا هزم الآخر، أم أنك تتحول فينا من شكل لآخر؟
    ما الذي سقط منا وفينا، وما الذي يتركه ذلك الفراغ المخيف، وهل للطواغيت جلود حيايا تتبدل بوجه جديد. أرى فيما يرى الرائي غابات معتمة تشرب من ماء أحمر يسكنها الضباع وبنات آوى. أرى الخراب مدويا ومقاصل ثأر وكراهية. أرى أنخاب دماء وسلاسل تقيد جموعا، وأرى قمعا وحشيا قادما في سر الليل. لم تشبع الأرض بعد من دماء العرب والشرق، وسيقتتل من يقتتل، وتخرج النار بجحيمها إلى أطراف الأرض.
    انتهى زمن ما بعد الإستقلال بخرابه وإنجازه ولكن حتى هذا الإنجاز القليل لا يجد من سيحفظه. الكراهية والغضب والغل تجعل الإنتقام واجهة لكل شيء، والمشهد مفتوح والجميع يتفرج حتى من يشارك يتفرج واللعاب يسيل في كل الجهات رغبة في السلطة كما هو في كل زمان. أتلفت فلا أجد القدوة ولا الحكيم ولا القادة. أرى الغضب مشتعلا والخيانة والتخوين والإستعداد لحرائق نيرون التي تأكل الأخضر واليابس. أرى صغارا يكبرون وكبارا يصمتون ونفاقا يتمدد. الكل خائف: بعض على عمره، وبعض على حصته ونصيبه في القادم من وراء الخراب.
    من ماذا نحن نتحرر؟ وما هي الحرية التي نريد؟ وهل إسقاط حاكم يكفي لذلك فيما يختلط الحابل بالنابل ويقف من يحمل المصحف مع حامل التوراة والملحد والمأجور والفيلسوف وحامل المباخر السابق والمبدع واليساري واليميني على منصة واحدة؟
    في ظني ضاق العرب مما هم فيه. ضاقوا بمن هم وبتاريخهم وماضيهم وحاضرهم -وأي حاضر كان ويكون هو!- الحروب التي لم تتوقف والهزائم كذلك. ماذا فعلنا بأنفسنا منذ قررنا أن نكون أمة ودولا مستقلة وذات سيادة وولدت معنا إسرائيل والصهيونية العالمية؟ ماذا أنجزنا سوى تكرار نموذج السمع والطاعة وعبادة اللامخلدين؟ ذيولا أصبحنا وتابعين يتحكم فينا من يملك قوة النار والمال. ما من شك أن أولي أمرنا خدموهم ولا يزالون، ولم نستطع خلق نموذج واحد يخرج من ذلك النمط. وكان سهلا أن يسقط الغرب من يشاء وقت يشاء حين تنتهي صلاحيته وبأيادي تابعيه ومواطنيه أو تمثيليات تؤدي إلى دراما حروب ومآسٍ وانقلابات.
    وثَّق الشعراء والمبدعون للظلام العربي عبر الأزمان، وسقطت رقاب الكثير منهم ثمنا لذلك وستظل تسقط.
    والسؤال هو هل من ضمن أحلامنا القادمة أن نكون أمة من العرب، وهل سنستطيع، وتحت أية شروط يكون ذلك؟ ما مساحة الحرية الفكرية والحضارية والسياسية القادمة ونحن محاطون بمن يطلب منا العودة للخلافة والنموذج الدينى الإسلامى في الحكم وقبول القواعد العسكرية الأجنبية من ناحية أخرى؟ وهل هناك من دولة نموذج ممن لم يسقط بعد من أنظمة العرب يصلح أن يكون نموذج المستقبل للعالم العربي، وما هناك غير مملكات ومشايخ ودول تخلط الدين بالحق الإلهي في الحكم أو دول طوائف تتصارع أو نموذج الديموقراطية البائس والمحصن بالجيش الأميركي في العراق؟
    ها أن الحمى العاتية تسري في العالم أيضا، ويصرخ الفقراء، ويحرقون مدنا في الغرب، ويستيقظ النازيون أيضا. ها إن الهند ترتج ضد الفساد والصين تبحث عن ما يحمى بقاءها وأميركا ترقص على جمر إقتصادها المنهار وغضب الطبيعة.
    وها نحن نحاول ارتداء العمامة والقبعة على نفس الرأس، ونهتف للمنتصرين، ونرجم المهزومين، وحلوقنا تطارد أبصارنا وراء مشهد الموت والسقوط والأمل والغضب والمستقبل الغامض علَّنا نعيد ابتكار ذاتنا الحضارية الكبرى أو نعود لنقطة البداية ونقف مع قابيل وهابيل فى انتظار الغراب.
    ظبية خميس ـ أبوظبي ـ 28/8/2011
يعمل...
X