إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عصر ابن رشد وعقيدة الموحدين واتجاهها العقلاني 2 - الدكتور : محمود خضرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عصر ابن رشد وعقيدة الموحدين واتجاهها العقلاني 2 - الدكتور : محمود خضرة

    عصر ابن رشد وعقيدة الموحدين واتجاهها العقلاني - 2 -
    الدكتور : محمود خضرة

    نظر ابن تومرت 1078-1130 في واقع المجتمع العربي الإسلامي فوجد أنه مجتمع يُمزقه تناحر الفرق والمذاهب الإسلامية. وبعد عودته من المشرق 1116‏
    حاول أن يضع صياغة نظرية لعقيدة دينية إسلامية جديدة ويبني على أساسها دولة. فقام بمحاولة اجتهادية وبتوليفة اعتقادية جديدة. ضمت عناصر اعتزالية وأشعرية وظاهرية وشيعية والعناصر الأساسية في عقيدة ابن تومرت كما نراها واضحة في كتابه "أعز مايطلب" هي أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مبدأ جوهري في الإسلام وعلى أساسه سيناضل ضد الدولة المرابطية وفقهائها الموالك. وثانياً: رفض الصوفيه، ثم الأخذ بالكلام وفيه يقف موقفاً وسطاً بين الأشاعرة والمعتزلة، ورابعاً: الاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى الذي يخرج عن منهج العقل، وخامساً الأخذ بالنص الديني قرآناً وسنة فقط ودون العودة إلى أية نصوص أخرى.‏
    ورأى ابن تومرت وهو يقوم من أجل نجاح عقيدته أنه يعمل في مجتمع شكل عقليته وصاغها منذ القرن الثاني الهجري وحتى نهاية القرن الخامس الهجري فقهاء المالكية. ولهذا توخى أن تكون عقيدته بسيطة وعميقة تتبناها كثرة غالبة تدافع عنها بالسيف واللسان(7). ورأى أهم عوامل تهديم الدولة المرابطية هو تهديم عقيدة فقهاء المالكية، ورأى أن نقطة الضعف لدى فقهاء المالكية هو أخذهم فقط بعلم الفروع، وإنهم بتخليهم عن علم الأصول الذي يشكل جوهر الإسلام قد انقادوا أولاً: إلى إفراغ الإسلام من نظريته الأخلاقية العامة وحولوه إلى شكليات وجزئيات. وثانياً: إلى تشبيه الذات الإلهية وتجسيمها، وهي في انحرافهم هذا قد لجؤوا إلى قياسات فقهية غير صحيحة وبنوا عليها أحكاماً ظنية. ويقول ابن تومرت [لا يثبت حكم في الشريعة بالظن، ولا يثبت إلا بالعلم، والتماس المعاني بالتخمين دون الإلتفات إلى الأصول التي تبنى عليها يزل عن منهاج الحق.">(8)وعقيدة التجسيم والتشبيه عند المرابطين وفقهائهم المنظر‏ين لهم إنما قامت على قياس خاطئ هو المشابهة بين الله والإنسان، وهذا لا يجوز لأنه لايمكن قياس أحدهما على الآخر، [فالله هو الموجود المطلق المختص بمطلق الوجود من غير تقييد ولا تخصيص.">(9)، ولا يجوز قياس الغائب على الشاهد إذ لا جامع بينما...">.(10)‏
    وقد نجح ابن تومرت في تشكيل مايمكن أن يسمى بلغة العصر -حزب سياسي له تكتيكه واستراتيجيته وله نظرية وتطبيقها. وكون جماعة مقاتلة تؤمن بفكره وتتخذ قراراتها بعد حوار ديموقراطي.‏
    وعلى الرغم من أن ابن تومرت بعقيدته الجديدة كان يريد تحرير المغرب والأندلس من الدوغمائية إلا أن عقيدته لم تخل من الدوغمائية، ولعل السبب في هذا هو أنه كان يريد بناء دولة، فكان بحاجة إلى جماعة متماسكة تدعمه سياسياً وتتبنى عقيدته.‏
    ونلاحظ لدى الخلفاء الموحدين بعد ابن تومرت على الرغم من تشددهم المذهبي لعقيدة ابن تومرت، نلاحظ ميلهم العميق إلى الأخذ بالعقل والعمل من أجل التحرير من جمود الفقهاء. ومن هنا فتحوا الباب على مصراعيه للفلاسفة، ولرجال الدين الأصوليين المتنورين.‏
    فعبد المؤمن بن علي الكومي (1046-1162) يحاول إصلاح التعليم وتأسيسه على العقل والنقد ويسند هذه المهمة عام 1153 إلى ابن رشد الفيلسوف الشاب ولما يبلغ من العمر الثلاثين، وهذا له دلالته إذ لم يسند هذه المهمة إلى فقيه عجوز متزمت. والموحدون كانوا يرون أن تجديد التعليم وتأسيسه على العقل والنقد والخروج عن الأطر التقليدية حفظ المتون إنما يعني خلق أجيال من رجال الدين والفكر المتنورين الذين سيحررون العقل كليًّا من جمود الفقهاء وتعصبهم.‏
    كما نجد أبا يعقوب يوسف (1162-1184) يسند إلى ابن رشد مهمة ثانية هي شرح كتب أرسطو حتى يفيد منها الدارسون.‏
    وإذا عرفنا أن القرارات الخطيرة في الدولة الموحدية كانت تتخذ بعد مناقشتها في مجلس الأشياخ، أدركنا أن تحديث التعليم وضرورة شرح فلسفة أرسطو وتعميمها إنما كانا ينسجمان مع عقيدة الدولة المرابطية وسياستها العقلانية. فضمن هذا الإطار الفكري المتحرر الذي تحميه السلطة، كتب ابن رشد شروحه على أرسطو وتآليفه الخاصة بمنهج عقلي، ووجد نفسه كفيلسوف عقلاني وكقاض وفقيه مسلم ومربي، أنه مفروض عليه أن يفهم الإسلام على نحو عقلي.‏
    وأن يضع للعقل وللفلسفة قدماً في مجتمع لا يعترف ولا يريد أن يعترف معهما بأي نصيب من الوجود ومن هنا كانت محاولة ابن رشد في تأويل النص الديني المقدس بمنهج عقلي أولاً: من أجل البرهان على أنه تعارض بين الشريعة والحكمة، وثانياً: من أجل إيجاد ثابت يتوحد المسلمون على أساسه، وهذا الثابت هو وحدة الحقيقة في الوحي والعقل.‏
    أي إن ابن رشد اتبع منهجاً عقلياً في التأويل. وإن هذا التأويل كانت له ضرورته ومشروعيته التاريخية والاجتماعية.‏
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
يعمل...
X