Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأديب ( يوسف ميخائيل عودة الغيشان ) شاعر وكاتب وقاص أردني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأديب ( يوسف ميخائيل عودة الغيشان ) شاعر وكاتب وقاص أردني

    يوسف غيشان

    ولد يوسف ميخائيل عودة الغيشان عام 1956، حصل على ليسانس فلسفة وعلم نفس من جامعة بيروت العربية عام 1979 وعلى دبلوم في التخصص نفسه ومن الجامعة نفسها عام 1980، عمل صحفياً في جريدتي شيحان والمسيرة للأعوام 1990-1993، ثم عمل مديراً لتحرير المحليات في مجلة الأفق عام 1993، وكاتباً يومياً في صحيفة الشعب عام 1994، ورئيساً لتحريرل صحيفة البلاد عام 1995، ورئيس تحرير الصحيفة عبد ربه الساخرة عام 1996، وكاتباً لمقال يومي في جريدة العرب اليوم عام 1997، ومسؤول صفحة ساخرون بلا حدود على موقع البوابة الإلكتروني، ومنذ عام 2001 وهو يكتب عموداً يومياً في جريدة الدستور الأردنية.

    وهو عضو نقابة الفنانين الأردنيين، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب.

    مؤلفاته:


    1. يوميات زنبقة البدايات (ديوان شعر) مطبعة التوفيق، عمان، 1983.
    2. مرثية الفارس المتناثر (ديوان شعر) دار طبريا للنشر، عمان 1987.
    3. شغب (مساخر في زمن المباخر) المؤلف، عمان 1994.
    4. يا مدارس يا مدارس (كتابات ساخرة) دار بترا للنشر، عمان 1996.
    5. برج التيس (كتابات ساخرة)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 1999.

    ذكريات من بيت الأحياء
    *يوسف غيشان

    يقال أن لكل قاعدة استثناء، وكنت أنا استثناء لتلك القاعدة التي تقول بأن الطفل الذي يأتي، إلى هذه الفانية رزقة (معاه)، فقد جئت من صُلب رجل كهل وأم تحلب الصخر من أجل تدبير لقمة استمرار الحياة. وكان خروجي المظفر تأريخاً للانهيار في أوضاع أسرتنا المالية، وكانت (نصيّة) الحلاوة التي تم توزيعها بكرم مفتعل يوم ولادتي، هي آخر حلويات حقيقية تدخل لبيتنا لربع قرن تلى، لكنهم وقبل انتهاء النصية اختلفوا على تسميتي فهناك من سماني (جريس) وهناك من سماني (يوسف)، وها أنا أحمل الاسمين حتى الآن، وكان هذا أول فصام نفسي تعرض له الطفل.
    الجرعة الثانية من الفصام تلقاها الطفل، حينما أدرك أن الوضع الطبيعي للأتراب أن يحظى الولد بأم واحدة فقط لا غير، بينما كان يتوزع هو بين أُمين (أم بيولوجية، وزوجة أب).
    الجرعة الثالثة اكتشفها الطفل، متأخراً حينما أدرك أنه وخلافاً للمقولات السائدة وللقصص المحكية حول جور وظلم زوجة الأب، فإن زوجة أبيه الأولى تبنته منذ الولادة، وكانت تحميه من هجمات الأم الانفعالية، الغيورة، أحياناً.
    وقصة زوجة الأب هذه (أمي مرثا، كما اسميها) ورغم ما فيها من عادية، إلا أنني أرى فيها ملحمة لانتصار الحياة ضد الموت والعقم والجمود/ تزوجها والدي عام (1922) وكان عمره (22) عاماً، وهي من عشيرة المدانات الكركية، ومنها اكتسبت وأخوتي لهجتنا الكركية التي ما تزال نتحدث ونفكر ونحلم بواسطتها حتى الآن. كما علمت –فقد أصيبت زوجة أبي (أُمي مرثا) بمرض في عان زواجها وتم استئصال الرحم لها، وظلت تعيش مع والدي بلا أمل في الإنجاب حتى عام (1954)، إذ وبعد (مدقرات) عديدة مع بعض القريبات المادبيات اللواتي كن ينتصرن عليها بالقاضية حين يعيرنها بالعقم، وبأنهن سيرثن الدار والأرض المفتلح وبعد وفاتها هي وبعلها شيوخاً بلا والي.
    من رحم "المداقرة" جئت أنا، إذ انتصرت زوجة أبي على كوكبه النسوة والقريبات بالقاضية الفنية أيضاً، حينما قامت بتزويج والدي، وكنت أنا الحصيلة لهذه التراجيوكوميديا، حيث ملأ زعيقي سماء الحارة فجر الأربعاء في 18/1/1956 من أب كهل ثقيل السمع والمشي، يجلس في دكان حبلى بالمطربانات الفارغة، سوى من ملبس الحثان، ونصية حلاوة للبيع بالوقية، وبرميل كاز للبيع بالتر ولـ (نقع) ساعة الوالد يومياً، وهذا ما حافظ عليها منذ سقط من يد أحد جنود نابليون بونابرات أثناء حصار عكا.
    كانت أول (لهاية) أحصل عليها مكونة من (شريطة) مربوطة حول حبة حلقوم، وكان الذباب يلاحقني باستمرار وأنا أزحف في أرض الحوش الطينية المكتظة بالصراصير التي كان تعذبيها تسليتي الشرعية غير الوحيدة. وقد أدمنت من عامي الثالث على جمع أحجار الفسيفاء التي تزخر بها حارتنا ثم توضيبها ودفنها لتصير آثاراً في المستقبل، وهذا ما يشي بنضوج سياحي مبكر (يا ذكر الله).
    كانت أول جرعة بون بون (حلويات) أتعاطاها حين تعرضت لمرض الحصبة الألمانية، حيث أنعم علي الوالد بورقة دفتر مليانة بالملبس الحثان المكسر من قاع مطربانة العتيد، وما زلت ارتعش فرحاً متى الآن عند ذكر الحصبة الألمانية التي كانت رعشات "حمّاها" مثل السمفونية الرائعة لما حصلت عليه من تدليل ولأنها أوقفت الضرب (التدليك) ولو إلى حين.
    فصام آخر تعرضت له في ما يسمى بالطفولة، حيث كان الأولاد يتحدثون حول أكل أفخاذ الدجاج، وكنت أشاركهم الحديث وأزاود عليهم في عدد الأفخاذ التي التهمتها. ثم اكتشفت أن "أفخاذي" غير أفخاذهم، وأنها مجرد أرجل الدجاج التي ترمى بعد ذبح الدجاجة أو ببيعها قتلة الدجاج بالطن.
    المرض الذي كان يصيب الأم أو الأب كان مصدر سعادة وفرحة للجميع، حيث يجيء الزوار أو كراتين البيض، فأنعم بها هنيئاً مريئاً.
    طفل سارح في البرية يملك معدة تجرش كل شيء... هكذا كنت... انتصاراً للحياة على الموت، انتصاراً للإنسان على غول الفقر والجوع والانحراف.
    أيتها الحياة، كم أنت قاسية.. وكم نحبك...!.
Working...
X