إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأديب ( هاني أمين الحاج حسن أبو نعيم ) روائي وقاص أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأديب ( هاني أمين الحاج حسن أبو نعيم ) روائي وقاص أردني


    هاني أبو نعيم

    ولد هاني أمين الحاج حسن أبو نعيم في مسليه/ جنين عام 1951، حصل على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بيروت العربية عام 1080، عمل موظفاً في مؤسسة الضمان الاجتماعي، ومن ثم رئيس قسم ومساعد مدير دائرة ومدير فرع ماركا وهو عمله الحالي، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، وعضو مجلس إدارة شركة الأردن الدولية للصناعات.

    مؤلفاته:


    1. رسل السلام (رواية) دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان 1988.
    2. إشطيو (رواية) دار غسان للنشر والتوزيع، عمان 1990.
    3. ذبيحة (مجموعة قصصية) دار أزمنة، عمان 2002.

    قصة:
    هاني أبو انعيم
    ذبيحة...

    كانت الشمس قد توسدت خاصرة الأفق للحظات، ثم بدأت انحدارها رويداً رويداً إلى ألجهة الوحيدة ألمتاحة غرباً، عندما دلفت جدتي ورهط من عماتي إلى باب بيتنا، الغرفة الوحيدة المغلقة على أمي وآلامها والقابلة القانونية. وتكومنا كزغب القطا بنات صغيرات أربع، كبيرتهن أنا لم أتجاوز العاشرة، وإن كان نحولي يشير إلى عمر أقل بين شجيرات صغيرات تأبى النهوض من مكانها في ساحة البيت. وانزوى والدي على مقربة ينفث دخان سيجارته، ويتحرك جيئة وذهاباً في دائرة لا يتجاوز محيطها طول هامته، يتمتم بكلمات غير مفهومة قبل أن يتوقف بين الحين والآخر باسطاً كفيه تجاه السماء ثم يعود إلى مراوحته وسيجارته، إلى أن أطلت جدتي تسبقها زغرودة وتلحق بها زغاريد. استحوذت على بصري، كما هو حال سمعي، ووصلتني حشرجة أبي ألمخنوقة بالدمع، استدرت بنظراتي، فوجدته يحاول كتم بكائه وتجفيف دموعه بكوفيته دون جدوى، جاريته في البكاء وكذلك فعلت شقيقاتي بمن فيهن الصغيرة التي لم تبلغ العامين بعد دون أن نجد سبباً للبكاء. اقتربت جدتي وأمرته أن يكف عن نحيبه كالنساء، ويذهب إلى ألبقّال المجاور ليشتري الحلوى ويوزعها على الماره وينثر بعضها على جمهرة الأطفال الأشقياء، الذين يتخذون الأزقة المحيطة والقريبة من البيت مرتعاً لألعابهم المختلفة ومشاكساتهم، ويوصي الجزار على الكثير من العظم وبعض اللحم لترمرم أمي جسدها الذي انهك في الحمل والولاده وتكون قادرة على إرضاع الصبي وإشباعه.
    لم تكن جدتي تحب أمي أبداً وكانت تنعتها دوماً بأم البنات وتهددها بأنها ستزوج أبي امرأة تنجب له ذكراً، تستسلم أمي وتستكين، أسمعها وأعي أنها تدعو جهراً وتمتمة في صلواتها وبدون صلاة، أن يرزقها الله ذكراً ولا يخرب بيتها، وتجول بعينيها أرجاء بيتنا. الغرفة الوحيدة، وعيوننا ترافق نظراتها التجوال على شقوق الجدران التي عبثا حاولت إخفاءها بالطين تارة، وأخرى بالإسمنت، وإلى السقف الذي حوّله دلف الشتاء إلى لوحة رديئة صدئة الألوان.
    أطل أخي وقبل أن ترى عيناه النور بدأنا نلمس التغيير الذي هبت رياحه على حياتنا، وتتابعت، فعدّل أبي من وضع عقاله على رأسه، وبدأت الحظ نبرة تحدي في صوت أمي وهي ترد على تعليمات جدتي كلما أتت لزيارتنا للاطمئنان على الصغير.
    استمتعت بالمهام الكثيرة التي أوكلت إلي، وما يخص خدمة أخي تحديداً، وأصبحت سيرته وحركاته وكل فعل يبدو منه مجالاً لحديثي بين زميلاتي في المدرسة، ابتسم... رمش.. نام.. رضع، رغم لفت انتباهي من بعض زميلاتي.
    ألا يوجد لديك موضوع آخر للحديث فيه؟
    لا يوجد لي فعلاً فهو محور حديثنا واهتمامنا وحياتنا جميعاً في البيت، وهو ما تتحدث به أمي كثيراً للجارات والزائرات وخاصة أمهات الذكور من بينهن، وما يتحدث به إلى أبي قليلاً مع ضيوفه القلائل، أما جدتي فاعتبرته سوطاً تلوح أمامنا به دوماً وتهددنا كلما اقترفت أحدانا خطأ، وكانت كل حركاتنا خاطئة برأيها. رغم ذلك اعتبرت نفسي محظوظة مهما قيل عن رأسي الذي بقي مجالاً للتندر وفال شؤم وتلحق به العبارة المشؤومة بأن دار البنات خراب، مقارنة برأس شقيقتي الذي أطل الصبي عليه، فقد عُهد إليّ بالكثير من الواجبات المتعلقة بخدمته ورعايته، فأنا المسؤولة عن حمايته من الصغيرة الغيوره، إلى جانب تحضير الحليب وحمله وتنظيفه وهدهدته حتى ينام، ثم أصبحت أصحبه إلى الدكان لأشتري له ما يرغب عدا عما أحضره عند عودتي من المدرسة فقد كنت أشتري له بمصروفي القليل، الأمر الذي كانت تفعله شقيقاتي دون اتفاق بيننا، تقف الواحدة منا، أقف بين جمهرة البنات وأتدافع معهن على الشراء من مقصف المدرسة وأخفي ما أشتريه بحقيبتي أو جيبي لأدفه به إلى كفي أخي، الذي يندفع إلى حضني فاحمله وأدور به قليلاً قبل أن يسكن ويبدأ مداعبة حبات الحلوى وألواح الشكولاتة.
    ****
    حصلت على الثانوية العامة بنجاح باهر أتاح لي تحقيق حلمي بالحصول على مقعد جامعي في حقل الرياضيات، على نفقة الدولة، لا أكلف والدي مصروفاً أو عناء، ولم يطل المقام بي حيث تخرجت بتفوق من جديد، فتح لي أبواب التعيين دون انتظار طويل في مدرسة حكومية، في واحدة من القرى القريبة، براتب يضاهي راتب والدي أو يزيد من عمله الشاق في المنجم القريب.
    وكنت منحماً، بل أصبحت منجماً دون أن أدري في عيون أبناء الحمولة والخؤولة ألدين تعرفوا على عتبة الدار رغم قدمها. ولم يقتصر الأمر عليهم، فقد اكتشفني الشبان من أبناء الجيران والصيدلي الشاب والبقال الشايب وسائق الحافلة والمعاون وقائمة طويلة غيرهم لا تتسع لها دفاتري المدرسية.
    ورأيي لا يشق له غبار:
    أريد أن أتفرغ لعملي وعلمي وأخي
    نقلته إلى مدرسة خاصة مشهورة في العاصمة، تستولي رسومها على جزء كبير من راتبي لا أشعر بخسارته، وكذلك أسرتي، كيف لا وهو يدرس إلى جانب أبناء الأثرايء والمسؤولين، وهذا ما دفع والدي أن يلوذ بالصمت أمام رأيي وإصراري، وإن تحدث فبالفرض والسنة وحق المرأة بالتعلم والعمل وعدم إكراهها على الزواج.
    عزمت فعلاً أن أكون قديسة في محراب أخي، أكرس جل حياتي ووقتي لتنشئته، وتعليمه، والنهوض بحاله، ترفعت عن احتياجاتي وابتعدت عن وساوس القلب والعقل، ملأت وقتي وشعرت بحاجتي لساعات ونهارات أكثر تكفي لعملي وتعليمي العالي حيث التحقت من جديد ببرنامج مسائي للدراسات العليا الجامعية لا تكلفني عناءاً بل حزءاً آخر مما تبقى من راتبي.
    ملّ أبناء العمومة والخؤولة ترفعي عن الزواج، ولم يكن ترفعاً، ولم يملوا الإلحاح على أمي وأبي ووجد أحدهم أن حجتي في مواصلة التعليم واهية:
    كيف وأنت حصلت من التعليم ما لم يحصل عليه أحد من شباب العائلة ورجالاتها؟
    وذكر غيره اسم عالم وسألني:
    إلى أين تريدين أن تصلي؟؟ هل ستصبحين أرخميدس؟
    تحول الإعجاب والحب في عيني الصيدلي إلى حقد دفين وبائن، وأخذ يرمقني بنظرات كاوية كلما وقعت عيناه علي وأنا في طريقي إلى البيت، راجعة من رحلة نهار شاقة، أصعب محطاتها انتظار الباصات الهرمة واستعمالها، والتعامل مع السواقين والمعاونين ألنابتين من لعنة شيطان رجيم، يقودون الحافلات وتقودهم الرذالة، ولا مفر لي أو مناص من التعامل معهم، ومد يدي بقطعة النقود التي عبثا يهتم بها المعاون قدر اهتمامه بملامسة يدي، ولا يكف عن تعليقات سمحة تليق بصاحبها عقب هبوطي من الحافلة، وحرصه أن أسمع بعضها، ولا يتورع البقال عن البصاق تجاهي، كلما رآني أمر من أمام دكانه بعد غروب الشمس، أتأبط كتبي ودفاتري وأحمل بعض الأكياس، بعد أن أوقفت التعامل معه كتاجر، أثر مشادة كلامية من جانب واحد، اقتصر دوري بها على تذكيره بحق الجيرة وزمالتي في المدرسة الابتدائية لابنته الصغيرة المطلقة القابعة مع أبنائها في بيته. وعندما أصل البيت متعبة منهكة مكلومة ويندفع أخي إلى أحضاني يتبدل حالي وتتلاشى متاعبي، رغم اكتظاظ صالة البيت بضيوف المساء الدائمين. حيث يبدأ المتنافسون عرض مواهبهم من جديد.
    مسد ابن العم شنبه الكثيف، وقطب حاجبيه، وذكّر بأنه قادر أن ينزلني عن الحصان، عاهدته أو أفر عليه هذا العناء، وأنني لن أمتط قط ظهر ركوب أو ذلول طيلة حياتي.
    ونفض ابنالخال يديه وكأنه ينفض غبار الزمن عن نفسه قبل جسده وحك كفه ببعض وبسطهما أمامي، وقال بكفي هذين أطعمها لوزاً وسكر، ولم يكن كفيه يقويان على فعل شي، فلم يداعبا أبداً قلماً أو دواة، أو يتعرفا على شاكوش أو منجل.
    كدت أقول رأيي بعد أن ساد صمت دعاني أن أقول شيئاً ما... وفعلاً كدت أقول، شحذت إصراري وامتشقت حراب عنادي وامتطيت صهوة كبريائي ونجاحاتي إلى أن سمعت تمتمات وهمس من أعماقي، فتوجست خيفة، أرهفت أذني وأصخت السمع، فتيقنت أن داخلي مسكون وكنت أعرف أن خارجي مرهون، ضمانة لدين أئن تحت وطأته منذ سنين، عدت تماسكت وعزمت أن أعقد حلفاً مع دائني وساكني.
    قلت بصوت مسموع، أن تربة جسدي صحراء قاحلة وماحلة مواسم أنوثتي وفصول حياتي خريف يتلوه خريف، لا نفع بي لغيري أو رجاء.... قرأت رسائلكم جميعاً ولي رسالتي أيضاً التي تعرفون، سنوات قليلة وينهي أخي دراسته ألثانوية، جسره إلى الحياة، أريد أن يعبره بعربتي، وتكون رسالتي قد وصلت، أبدأ كتابة غيرها إن بقي في العمر فسحة لأمر جديد، وستكون رسالتي هذه المرة لي أنا، لن أعد أياً منكم بأنه سيكون طابعها أو ظرفها.
    ****
    تحاشيت نظراتهم، هجرت مجالسهم، خلعتهم من هوامش حياتي ولم يكونوا في صلبها من قبل، شعرت من جديد أن ساعات النهر لا تكفي بعد أن أضفت أعباء جديدة على كاهلي، دروس خصوصية مدفوعة الأجر أدرجتها ضمن نشاطاتي بعد أن وجدت طلباً عليها لدى طالباتي في المدرسة التي نقلت إليها في العاصمة قبل عام دراسي مضى. عدا عن التزامات أسرية أخرى اقتصر القيام بها عليّ أنا بحكم القدرة والشباب.
    فقد تم الاستغناء عن خدمات والدي لأسباب صحية، عزاها الأطباء إلى تراكم الغبار في جهازه التنفسي ورئتيه طيلة سنين، وأقعده المرض في البيت والحارة، وأخذ يقضي معظم وقته جالساً أمام أبواب المحلات والدكاكين الخاوية في حينا الفقير، بعد أن حصل على مبلغ زهيد كراتب تقاعدي شهري.
    طُلب إليّ متابعة الدوائر التي تقاسم الناس أرزاقها، المياه.. والكهرباء.. والاتصالات.... والمسقفات. والمدرسة الخاصة، والتسوق، والتكفل بجميع الاحتياجات والمتطلبات، وبقيت كما هو عهدي بنفسي دون أن أشكو أو أتذمر، إلا من نضوب الوقت، وهروب الساعات التي بت أبحث عنها بين أجزاء الثواني كلاعب أولمبي، دون أن أجد مكاناً لاحتياجاتي الخاصة في قاموس حقوقي، بينما أَتُخمت أجندة واجباتي، حيث كنت أشرب الماء نشحاً وآكل من الطعام نذره اليسير، وأحمل ما لذّ منه وطاب لأضعه على مائدة أخي، مستعطفةً إياه أن لا يتعفف أو يتمنع عن قبول هداياي أو اُعطياتي، ثم أنان قليل الساعات، قريرة العين، أصحو بعدها لأُتابع بفرح طفولي، فأرى زهور أيامي متفتحة يانعة وسنابل حياتي حساسين وادعة، بعد أن كفّت الأحصن الجامحة عن دكِ دروب قلبي بسنابكها، وعفّت الحلوق الجافة عن التزود بشربة ماء من يدي في رحلة الصيد الصحراوية، وتوقف طنين الدبابير أمام خلية النحل زهداً باستمالة قلب الملكة، فقد تجنبني شباب الحمولة والحي، وتوقفوا عن خطب ودي ويدي، وتعمدوا أن لا ألتقيهم في مكان ما، أو على جُنبات الأزقة والطرق، فدائماً يستأذنون بالانصراف بحجة أشغال حانَ وقتها أو مواعيد تذكروها فجأة كلما وصلت دون أن يردوا تحيتي أو يلتفتوا إليّ. إلا إنني شعرت بأنهم يحرصون على اسماعي رغبتهم حضور حفل عيد ميلاد أخي الذي سيبلغ فيه السادسة عشرة، رغم احتفائي به كل عام مع باقي أفراد أسرتي دون مشاركة قريب أو اهتمامه. وقد أصبحت كل شقيقة تتخلف عن الحضور حال زواجها، وهذا ما افترضته في الصغيرة التي تم تزويجها قبل أشهر.
    أكسبني شعوري بحصرهم الحضور، حراصً من جانبي أن يكون الحفل مميزاً، فعزمت أن أستعد له بصورة لائقة، وأوفر أصنافاً عديدة وكثيرة، محلية ومستوردة، من الحلوى والمأكولات المعدة في مطعم راق يتكفّل بإيصالها إلى البيت، في الوقت الذي أسعى فيه حال انتهاء محاضرتي الجامعية إلى السوق لاختيار هدية مختلفة تليق بلحظات ولوجه عتبات سن الشباب والرجولة المنتظرة منذ ولادته.
    ****
    هبطتُ من الحافلة، وصلتُ الحي، سرت في طريقي إلى البيت، ترمقني العيون، تتمتم الشفاه، تشيح الوجوه، تستنفر فئران الأزقة، تنتشر جرذان المواخير، تطالني الألسن، تعلكني الأسنان، أتشبث بدربي المرصوف بنظرات حارقة وأخرى صاخبة، أعرف أن عيونهم منايا ترصد حركاتي، تعد أنفاسي تحسب عليّ همسي وآهاتي، تلاطمت نظراتهم الصاخبة في بحر حقد دفين، أودعني البحر ذراعي مده المتآمر فتكفل بي وجرجرني على شاطئه.
    اقتربت من بوابة البيت، دفعتها بيد مرتعشة، هدأت أنفاسي، انفرجت أساريري وركدت خواطري بعد أن عبرت برّ الأمان، انكشفتِ الساحة التي احتشد فيها أفراد الأسرة والأصهار وأبناء الحمولة والخؤولة، فارتسمت على شفتيّ ابتسامة ود ومصالحة.
    اندفع أخي كعادته، فَردتُ له ذراعيّ جناحين أحيطه بهما كعادتي، احتضنته، تلامس جسدانا، تطابقا، تنحّى للخلف قليلاً، أفلت يمناه عن خصري، استل كلمح البصر خنجراً قدّ به صدري وما كان من قُبل أو دُبر قدّ قميصي.
    انغرس بين ضلوعي، تراخت يمناي عن ظهره واحتضنت يسراه، تحسستها، ضغطت عليها والخنجر المعقوف عالق بين ضلوعي.
    زغردت أمي ورددت الكلمات المغناة التي سمعتها منها طهوره وهو في شهره الأول، بعد أن أحضروا لها قطعة اللحم الآدمية الصغيرة التي ادخرتها ذخراً، واحتفظت بها كتعوذية تقيه شرّ العين.
    نهض والدي وعيناي قادرتان على الرؤية، تحسس وسطه بيده، ثم شرع ذراعه إلى الأعلى فسمعت صوت طلقات نارية، ولم يكن يحمل سلاحاً طيلة حياته.
    تفرّستُ الوجوه العابيسة التي تتبوأ طقم الكراسي الجديد الذي اشتريته لغايات تجمع الجالسين، حول والدي.
    رأيبتهم يمَجّون سجائرهم بشراهة وينفثون دخانها من أنوفهم وأفواههم فتتشكل دوائر وتتجمع سحباً تسبح في فضاء عيني، ويتنافخون شرفاً، وترتسم بسماتهم أشواك صبّارٍ تنبت من صحراء وجوههم الصفراء.
    تتموّجُ الصورة التي تلفظتها عيناي، فأرى دماء قلبي المنذورة لحبه وحده تتجمع بعد أن نثرها خنجره فتخطُّ بحروف قانية اسمَهُ، وتشكل لوحة جميلة لرسمِهِ.
    تراخت قبضة يميني عن يسراه الوادعة في أحضان كفي وخنجره عالق كسنّارة ظفرت بصيد ثمين، نظرت إليه وقد تلاشت ابتسامته بعد أن داهمت غمامة داكنة سماء وجهه الوضّاء، قبل أن يخذلني جسدي، يتداعى، ويقع على الأرض كذبيحة عيدٍ سقطت من كُلاّبها وسط صبيان الحي مُهللين ومُكبرين.
    رأيت دموعاً قليلة تترقرق في مآقيه وتعلق على رموشه، تتساقط بتؤدة على خديه رقيقة كحبات الندى، فتوقظ ألمي وتحفز لساني الملجوم.
    صارعت الكلمة الحرفين، عملت جهدي على وأدها في مهدها، في موطنها الضارب في أعماق منبع الألم والحب والدم. غلبتني وانبثقت من بين شفتيّ مستنجدة، وفاضحة ضعفي
    ...أخ...
    -سامحني فأنا أُدافع عن شرفي
    -لست غاضبة منك، ولكني حزينة وقلقة، أخشى عليك، أتساءل، من سيتكفل بك.. ومن سيوصي السجّان ويحضر لك الهدايا... ويغزل لك شالاً تتدثر به من البرد وأنت تق.. ض..ي. ال..ش..هو..ر.. أل.. س.. تة في أ..ل..س..ج..ن.



يعمل...
X