Announcement

Collapse
No announcement yet.

محمد بن حاضر محامي دفاع اللغة العربية . . وإن غيّبه الموت حاضر في الذاكرة الثقافية الإماراتية

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • محمد بن حاضر محامي دفاع اللغة العربية . . وإن غيّبه الموت حاضر في الذاكرة الثقافية الإماراتية

    محمد بن حاضر . .
    الحاضر في الثقافة الإماراتية

    أكثر ما أعرفه عن محمد بن حاضر الإنسان والشاعر والدبلوماسي والمثقف دفاعه عن اللغة العربية والشعر العربي بتقاليده الأساسية ووجهه الإبداعي الأساسي، وهو من هذه الناحية بالتحديد شاعر قصيدة خليلية شديدة المحافظة على هذا الشكل من الشعر الذي كان رحمه الله يؤكد أنه ديوان العرب، وما بعده من ديوان .
    أما دفاعه عن اللغة العربية، خصوصاً في مقالات نشرها في جريدة الخليج منذ نحو عامين، فقد كان مبعثها طبيعة ابن حاضر نفسه، فهو، وهو الذي لا يحتاج إلى تعريف في هذا المقال، عروبي حتى العظم، وتشهد على ذلك كتاباته ومواقفه وآراؤه المنحازة كلياً إلى اللغة العربية بوصفها شخصية وهوية للإنسان العربي الذي هو مهدد بالذوبان في بحر من الثقافات المتداخلة والقوية خصوصاً في زمن العولمة التي في جانب منها تقلص الشخصية الثقافية وتزج بها إلى الحرمان من كينونتها الاعتبارية .
    محمد بن حاضر، كان مهموماً بهذه المسألة بشكل مركزي، ولذلك كتب شعراً متصلاً بالقضايا الوطنية العربية في أقصى درجات سخونتها وفي أدنى درجات برودتها . . كتب شعراً من أجل فلسطين ومن أجل لبنان ومن أجل كرامة الإنسان العربي باختصار وباختصار لأن مدونته الشعرية وأرشيفه الشعري يقول ذلك بكل وضوح .
    قبل نحو عشرين عاماً، تعرفت إليه للمرة الأولى، أي أنه كان آنذاك في الأربعين من عمره مملوءاً بالحيوية والشباب والطيبة والبساطة . . جمعتنا تلك الليلة جلسة حميمة مع عدد من المثقفين والكتّاب في الشارقة لمناسبة زيارة قام بها رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، وفي تلك الليلة رأيت كم كان محمد بن حاضر فرحاً وطائراً في فلك الحياة وكأنه لم يلتق ناجي العلي، بل أظنه داخلياً التقى فلسطين كلها، فما كان يعنيه هو الفكرة والرمز وليس الفرد الذي هو ناجي العلي .
    كان رحمه الله فرحاً وكريماً وطيب النفس، وهي خصال بقيت معه وفيه، فلم تغيره “الثوابت” التي تغيرت، ولم تأخذه الحياة إلى أي مكان وزمان إلى سوى ثقافة الحياة، فظل مخلصاً للشعر، وهنا يمكن أن يقول من يعرف محمد بن حاضر عن قرب إن صورة الشاعر بقيت هي الصورة الأكثر بروزاً في شخصية هذا الرجل الحقيقي مع نفسه والصادق معها حتى آخر لحظة من حياته .
    في كل مرة ألتقي فيها محمد بن حاضر، وهي مرات قليلة ومتباعدة، لم أشعر للحظة واحدة مثلاً أنه رجل أعمال أو دبلوماسي أو سياسي، بل كانت صورة الشاعر هي الصورة الأولية المعطاة عن شخصيته التي يخرج من قلبها شعاع الصديق والمحب والهادئ، لكنه ذلك الهادئ الذي يحمل قلبه أفكاراً ورؤى، ربما كانت أكبر من حجم القلب .
    كشاعر، لم يدخل محمد بن حاضر في مماحكات واحتكاكات مع أي فصيل من شعراء التفعيلة وقصيدة النثر على سبيل المثال . كتب القصيدة العمودية وأبدع فيها وكتب أحياناً قصيدة التفعيلة ولكنه لم ينصّب من نفسه حكماً على أحد في الشعر، فقد كان يكتب الشعر لأنه كما أرى انبثاق وجداني داخلي لا بد أن يتم تسجيله على الورق .
    لم أشهد أمسية شعرية قرأ فيها محمد بن حاضر ولم أسمع إلقاءه للشعر وليس لديّ كتاب شعري محدد له، وهذا في حد ذاته شكل من عفاف الشاعر ونأيه بنفسه أو نأيه بالكتابة في اللحظة التي تفرض فيها الكتابة سلطتها على الشاعر .
    قبل حوالي عامين طلبت منه مقابلته لحديث في شأن ثقافي صحافي . كان اللقاء في الظهيرة، كان هو في كامل أناقته واستقباليته الجميلة، وهنا خجلت من تواضع الرجل وأريحيته وبساطته . . مرة ثانية، بمعنى آخر، أنا أمام شاعر .
    كان رحمه الله يحثني على تناول الطعام، أنا الملموم في نفسي وقد هيأ مكاناً بالقرب من البحر ليتحدث مرة ثانية وثالثة ورابعة عن اللغة العربية وعن لسان العرب الذي على وشك أن يقصه غير العرب .
    في ذلك اللقاء أصغيت إليه جيداً، وقرأت في ملامح وجهه الطيب لغة شاعر أمين لثقافته العربية وسلوك هذه الثقافة ببساطة، وبلا مبالغات .
    لم يكن محمد بن حاضر يبالغ في كتابة الشعر، ولم يكن يبالغ في طرح أفكاره الشعرية والثقافية . . مستعيناً بذلك في التوازن والموضوعية طيلة سنوات عمره التي أثثها بالشعر الذي كان مركز حياته .
    أحب محمد بن حاضر بلاده وأخلص إليها . أحب الحياة وثقافة الحياة، أحب العرب وقضايا العرب، وقدّم في حياته أنموذجاً مضيئاً لرجل الأعمال الذي لم تأخذه الأعمال من جوهر قلبه الشعري موضحاً بذلك أن الإمارات هي بالفعل بلد ثقافة قبل أن تكون بلد اقتصاد ومال وأعمال .
    خسرت، بالفعل الإمارات، وبشكل مفاجئ، شخصية ثقافية اعتبارية حيوية، وفكرة الحيوية تتمثل في استجابته الدائمة إلى أي سؤال نطرحه عليه، رحمه الله، في أي شأن ثقافي بكل بساطة ومحبة، فلم يكن شاعراً مغلقاً على أي تفاعل ثقافي محلي، ولم يكن معزولاً عن حركة الحياة الثقافية في الإمارات . وقصائده كانت تتوالى دائماً إلى الخليج الثقافي ونستقبلها في منبره الذي يحبه بمحبة مضاعفة .
    محمد بن حاضر . . وإن غيّبه الموت حاضر في الذاكرة الثقافية الإماراتية لأنه واحد من مؤسسيها الجميلين .


Working...
X