إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النهر الخالد الثاني عند الشاعر الراحل محمد الفراتي وأبجدية الفرات التي لا تنضب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النهر الخالد الثاني عند الشاعر الراحل محمد الفراتي وأبجدية الفرات التي لا تنضب

    محمد الفراتي
    النهر الخالد الثاني وأبجدية الفرات التي لا تنضب

    دمشق - سانا
    لم يرتبط اسم الشاعر الراحل محمد الفراتي باسم النهر ككناية عن انتمائه لبيئة الفرات فحسب بل لوجود قواسم مشتركة بين هذا النهر الذي يحيي المنطقة الشرقية من سورية ويبعث فيها الخضار وبين هذا الشاعر الذي كان نموذجاً لإحياء الحياة الثقافية والشعرية وبعث الفكر والأدب على ضفاف النهر.
    ويبلغ أثر الفراتي محمد بن عطا الله الكبير من كونه لخص التجربة الشعرية المحكية في دير الزور وانتقل من العتابا والاشعار المغناة إلى نظم قصيدة متزنة باللغة العربية الفصحى تقدر على تجسيد البيئة وتقديم التجربة الشعرية الفراتية بصيغة أوضح واشمل وأكثر حضوراً خارج نطاق المنطقة.
    وكانت ولادة الفراتي حسب التقديرات عام 1880 في مدينة دير الزور الصغيرة التي لم يكن يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة والتي تركها الشاعر الشاب متجهاً إلى القاهرة ليصبح الشعر هو شغله الشاغل ويتعلم الفكر والأدب على أيدي أساتذة كبار في الأزهر أمثال سيد علي المرصفي ومحمد القاياتي وسليم البشري إلى جانب زملائه الذي أصبحوا من كبار المفكرين والأدباء فيما بعد مثل عبد القادر المازني وطه حسين وزكي مبارك وفي تلك الأثناء حمل الشاعر الشاب لقب الفراتي ليكون بالفعل شاعر الفرات.
    كان وعي الفراتي سابقاً لأبناء جيله وخاصة فيما يخص الجانب الوطني والسياسي فقد ترك القاهرة ليلتحق بركب الثورة العربية الكبرى إيماناً منه بأهمية استقلال أمته وادراكا من جانبه لدور المثقف في هذا المجال.
    كانت شهرة الفراتي في بلده حاضرة قبل عودته إليها من خلال مراسلاته مع أهله وأصدقائه ومن خلال الأشعار التي كان يرسلها إلى الفرات الذي أخذ منه اسمه ليعطيه حضوراً في القصيدة والنفس وما إن عاد حتى بدأ يلعب دوراً هاماً على الصعيد الثقافي والاجتماعي في دير الزور في محاولة منه لنشر التعليم وبناء المدارس ونشر الفكر الوطني ليصبح زعيماً وطنياً إلا أن ذلك جعل منه ملاحقاً وأورثه حياة المنافي بين العراق والبحرين وإيران.
    غادر الفراتي سورية منفياً تاركاً فيها بلده الذي يولد من جديد وأصدقاءه الكتاب أمثال بدوي الجبل وعمر أبو ريشة وأنور العطار وبدر الدين الحامد الا ان دجلة العراق لم يضن عليه بأمثالهم فكان له في الزهاوي والرصافي ما تركه في الشام.
    غلبت على أشعار الفراتي في تلك المرحلة النفحة الوطنية السياسية والارتباط بالأرض فدفء المنافي لم ينسه أرضه وأهله فكان أهم ما كتبه في المنفى هو شعر الثورة والحنين إلى الوطن الذي أراده نظيفاً بالكامل وبعيداً عن ايدي الغرب إذ كان يشكك دائماً بفرنسا وبريطانيا ومفاوضاتهما وعلاقتهما مع الشرق وهذا ما كتب عنه ملياً فوعيه العميق وارتباطه بالوطن جسد الفكرة القومية لديه قبل أن تظهر بشكل واضح في تلك المرحلة هذا الفكر الذي استمر يلاحقه حتى احتفاله بالوحدة بين سورية ومصر.
    لم يقف الفراتي في أشعاره عند موضوع واحد فكان للمجتمع بمشكلاته حضوره في نصوصه وكان للطبيعة والحب والتأمل مكان رحب بين حروفه حتى ان أشهر قصائده كانت النهر الخالد التي تمثل علاقة حب خالدة بين الإنسان والطبيعة.
    وفي سني حياته الأخيرة عكف الفراتي على ترجمة الشعر الفارسي الذي كان هائماً به ولاسيما سعدي وحافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي والرودكي الأعمى فقد كان يعدهم من أعظم الشعراء الذين أنجبتهم الإنسانية.
    وفي مدينته التي كلما رحل عنها طالباً للعلم أو منفياً عاد إليها وتوفي في السابع عشر من حزيران عام 1978 فخلده أبناؤها بتمثال له أمام بوابة المركز الثقافي العربي في دير الزور.
    ثمانية وتسعون عاماً بين البلدان العربية لم يترك فيها ابن الفرات نوعاً من أنواع الثقافة الا وخاضه فتناول بأشعاره كل قضايا المجتمع والوطن والحب والطبيعة ودرس اللغة العربية في عدة بلدان وعمل في الترجمة والنقد ليكون موسوعة الفرات يستقي من مائه الانتماء ويترك على ضفافه الأبجدية الشعرية.
يعمل...
X