Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأديب ( محمد عبد الله مصطفى طمليه ) روائي أردني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأديب ( محمد عبد الله مصطفى طمليه ) روائي أردني

    محمد طمليه

    ولد في قرية ابو ترابة، قرب الكرك عام 1957، ويمتد جذر اسرته الى قرية عنابة بقضاء الرملة، حصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية عام 1985، عمل بعد تخرجه سكرتيراً تنفيذياً لرابطة الكتاب الأردنيين، ومديراًُ ثقافياً لغاليري الفينيق للثقافة والفنون، ورئيساً لتحرير جريدة (قف) وكاتباً لعمود يومي في عدد من الصحف الأردنية منها: الشعب، الدستور، العرب اليوم، البلاد، الرصيف، كما كان عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، وهو عضو في الرابطة، وفي اتحاد الأدباء والكتاب العرب، حصل على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين في مجال القصة القصيرة عام 1986.

    مؤلفاته:
    1. جولة العرق (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1980.
    2. الخيبة (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1981.
    3. ملاحظات حول قضية أساسية (قصص) الزرقاء: مطبعة الزرقاء الحديثة، 1981.
    4. المتحمسون الأوغاد (قصص) عمان: رابطة الكتاب الأردنيين، 1986.
    5. يحدث لي دون سائر الناس)، كتاب مشترك مع رسام الكاركاتير حجاج، منشورات شركة ابو محجوب، عمان، 2004.
    قصة:
    الكابوس
    *محمد طمليه

    ما إن وضعت رأسي على الوسادة، وكلّي ثقة إنني سأغفو في الحال، حتى سمعت صوت قطرات ماء تتساقط من حنفية في المطبخ أو الحمّام. نهضت وشددت الحنفيات بأقصى ما أستطيع. خيل إلي إنني عالجت الأمر. فعدت إلى فراشي.
    كنت متعباً، وفي أمس الحاجة لقسط من الراحة. وحين أوشكت على الإمساك بطرف الخيط، ذلك الخيط الذي يسحب المرء رويداً رويداً إلى عالم الغياب، سمعت ثانية صوت تساقط القطرات. ذوت رتيب، كأنه يرتطم بسقف جمجمتي. حاولت إشغال ذهني بأمر آخر، التفكير بالغد مثلاً، في محاولة لعدم الرضوخ لصوت الماء. ولكن عبثاً. لقد تملكني صوت القطرات المتساقطة حتى خلت أن الضجيج الناجم عنها يكاد يصمّ أذنيّ. أيّ حنفية تلك التي يرشح منها الماء؟ وبكثير من الغيظ، نهضت للبحث عن الحنفية المشاغبة.
    شددت الحنفيات مرة ثانية وعدت إلى فراشي. أظن أن الساعة كانت قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل. أغمضت عينيّ، وإذا بقطرات الماء تعاود السقوط. كدت أجن. إن شعوري بالعجز إزاء شيء تافه – مجرد قطرات ماء- جعلني أتميز غيظاً. لو كان الوقت نهاراً لخرجت من فوري لشراء جلدة للحنفية، تلك الجلدة الصغيرة التي توضع في مكان ما داخل عنق الحنفية، ويرشح الماء من الحنفية إذا تلفت. أو حتى لشراء حنفيات جديدة. ولكن أي قوّاد يبيع جلد الحنفيات في هذا الوقت؟.
    للمرة الأولى في حياتي، أجد أن الأشياء الصغيرة، التافهة، التي لا يمكن تذكرها، تغدو ضرورية أحياناً. وفي غمرة إحساسي بالحنق الشديد، قررت شراء دستة كاملة من جلد الحنفيات، كي لا أكون مضطراً لقضاء ليلة مشابهة في المستقبل، وبقيت جالساً في فراشي منتظراً طلوع الفجر.
    في الصباح الباكر، خرجت لتحقيق رغبتي بشراء الجلد. كنت أعرف أن هذه الأشياء تباع في محلات مواد البناء. ولكني فوجئت بجمهور غفير من الناس يقفون في طابور طويل أمام محل مواد البناء القريب من منزلي. خطر لي أن غايتهم شراء الإسمنت. كثيراً ما سمعت عن أزمة الإسمنت. ولأنه لا يليق بي الوقوف في طابور طويل لمجرد الحصول على شيء أقل أهمية من الإسمنت، قررت الذهاب إلى محل آخر.
    كان الناس يتجمهرون هناك أيضاً. أناس من مختلف الأعمار. رجال ونساء وأطفال. بعضهم يجلس مستنداً إلى الجدار وقد أرخى رأسه إلى أسفل. وكان الأطفال والنساء والشيوخ يبالغون في التثاؤب، وقد ران عليهم جو كئيب. أما الشباب فقد وقف الواحد منهم محاولاً إظهار أقصى فحولته لإيحاء بأنه قادر على حماية موقعه في الطابور.
    اقتربت من الجمهور مدفوعاً بفضول لمعرفة ما يجري. استمعت لحوار جرى بين اثنين كانا في المؤخرة. قال أحدهما:
    - "تخيل، لقد مات أحد أطفالي من جرّاء السهر. منذ فترة لم يتمكن أحدنا من النوم. إنها تلك القطرات كما تعرفها وأخيراً نصحني الأصدقاء بتغيير جلد الحنفيات. لا أدري إن كان هذا حلاً ناجحاً".
    قال الرجل الثاني:
    - "لقد أرسلت زوجتي للوقوف في طابور أمام محل آخر، ربما تمكن أحدنا من الحصول على جلدة واحدة على الأقل".
    قال الأول:
    - "بالكاد أستطيع الوقوف على قدمي، لو أنك تحرس مكاني لنمت قليلاً".
    نشب شجار بين رجلين في المقدمة. أحدهما شجّ رأس الآخر بحجر. تعالى زعيق النساء. وطار فوق الرؤوس حذاء كان في طريقه للارتطام برأس رجل في المؤخرة. ومن اليمين إلى اليسار تقاذف الناس الحجارة والأحذية والحنفيات. داس المتعاركون على الأطفال، وصاح صاحب المحل:
    - "إن لم تحافظوا على الهدوء والنظام، فلن أبيع أحداً".
    أدهشني الأمر. واعتقدت أن ما أراه أمامي مجرد كابوس. وريثما ينتهي هذا الكابوس، رحت أتجول في الشوارع. صادفني أناس متعبون، وأناس نائمون على الأرصفة، وأناس يتفجر الدم من عروق أعينهم لفرط ما سهروا، وأناس ذابلون يرفعون أيديهم إلى السماء طلباً للمغفرة. ورايت لوحات صغيرة مثبتة على أبواب الدكاكين، مكتوب عليها: "لا يوجد لدينا جلد للحنفيات، نرجو عدم الإحراج".

    *من مجموعة "المتحمّسون الأوغاد".
Working...
X