إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث ( الدكتور محمد صالح الشنطي ) أديب وقاص ومؤرخ أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحث ( الدكتور محمد صالح الشنطي ) أديب وقاص ومؤرخ أردني

    محمد الشنطي

    ولد الدكتور محمد صالح الشنطي في فجة/يافا عام 1945، هاجر مع أسرته الى الخليل ودرس فيها نال شهادة الليسانس من كلية الآداب جامعة القاهرة، ومنها حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في النقد الأدبي الحديث ، عمل في سلك التعليم الثانوي في السعودية 14 سنة، ويعمل رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية المعلمين في حائل/السعودية، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

    مؤلفاته:
    1. القصيدة المهاجرة
    2. رحلة في آفاق الكلمة
    3. القصة السعودية القصيرة المعاصرة
    4. فن الرواية في الأدب العربي السعودي
    5. فن التحرير العربي
    6. متابعات أدبية
    7. المهارات اللغوية
    8. آفاق الرؤيا وجماليات التشكيل
    9. سلسلة الأدب العربي عصوره وفنونه وقضاياه ومختارات مدروسة
    10. نصوص: الأدب العربي القديم المجلد الأول
    11. نصوص: الأدب العربي القديم المجلد الثاني
    12. في الأدب الحديث
    13. في الأدب العربي السعودي
    14. في الأدب الإسلامي
    15. في أدب الأطفال
    16. ظواهر جديدة في شعر المقاومة بالإشتراك مع لدكتور أحمد الخطيب
    17. النقد سلسلة النقد الأدبي في النقد الأدبي الحديث (1)
    18. في النقد الأدبي السعودي(2)
    19. في النقد الأدبي الحديث (دراسات نقدية تطبيقية) دار الأندلس، حائل، 1999
    20. آفاق ارؤية وجماليات التشكيل (نقد) النادي الأدبي، حائل، 2000


      فصل من كتاب:
      *د.محمد صالح الشّنطي
      تمهيد
      ليس من شك في أن المحاولات الأولى التي شهدها الفن الروائي في المملكة العربية السعودية تعبر إرهاصات التحوّل الذي كانت تباشيره الأولى تتسلل على استيحاء لتغزو مختلف المجالات، ومن الطبيعي أن يصاحب هذا الهاجس شيء من الحذر والتحفظ، بل والتوُّجس أيضاً، فقد كان المد الثقافي الزاحف يأتي من الغرب ويحمل بصمات حضارة ناصبت العرب والإسلام العداء، ولم تكتف بذلك بل وشنت عليهما حرباً ضروساً، ووطئت بسنابك جيوشها ديار العرب والإسلام غازية مستعمرة قاهرة، لذا لم يكن من اليسير تقبل ثقافتها ومعطيات حضارتها مهما تبدو ضرورة ملحّة للتطوير والتحديث والفم، وقد كانت الحساسية إزاء الثقافة الغربية في هذه الديار شديدة لأسباب كثيرة منها: أن الإسلام أُعلن شعاراً ودستوراً للحكم، وهو في نظر الغرب أيديولوجياً معادية يحرص كل الحرص على منع انتشارها، ومنها أن هذه البلاد تضم أقدس بقعة على وجه الأرض لدى المسلمين، إليها تهفو أفئدتهم وتشد الرحال وفودُهم حجّاجاً ومعتمرين، ومنها أن المجتمع العربي في الجزيرة العربية متمسك بتقاليده وعاداته فهو مجتمع بدوي السمات، وليس من السهل أن يتخلى البدوي عن تراثه الذي يعتد به، وعن نمط حياته التي نشأ عليها، فهو صعب المراس عصيّ على الترويض خصوصاً فيما يتعلق بأمور العقيدة والتراث، فضلاً أن هذا المجتمع لم يكن طبقياً بالمفهوم الشائع.
      من هنا كان لا بد لفن الرواية أن يسجل في بداياته الأولى ما خامر النفوس من خشية، وما اعتورها من تحفظ إزاء الثقافة الوافدة وأنماط الحياة المستجدة، وقد سجلت ذلك الأعمال الروائية المبكرة "كالتوأمان" لعبد القدوس الأنصاري التي عالجت موضوع المعاهد الأجنبية وأضرارها، ورواية "البعث" التي سجلت فشل التجربة التي تمثلت في الاحتكاك بعناصر حضارية غريبة عن المجتمع، كما أشارت إلى انتصار الأصالة والانتماء.
      ولم تكن الأعمال اللاحقة بعيدة عن هذا المجال فإننا سنلتقي بنماذج عديدة تسجل أصداء الصدمة الحضارية في مستويات متعددة، كما تسجل انتصار النزعة إلى الانتماء والتمسك بروح المجتمع المتماسك. وإذا كانت "فكرة" لأحمد السباعي تشير إلى الخروج على مواصفات المجتمع وتقاليده فإنها ما تلبث أن تنتصر لها في صورة "ما" بعد أن عادت "فكرة" إلى أهلها والتقت بأخيها. ولسوف نشهد في مرحلة تالية الانتقال من إرهاصات التحوّل إلى معالجة مشكلاته والتعبير عن متغيراته، فقد صورت أعمال حامد الدمنهوري – على نحو ما سنرى فيما بعد التحوّلات الاجتماعية، والعمرانية الجديدة إذ انشغل الكاتب بالحديث عن بروز قوى اجتماعية مؤثرة لها دورها، وبداية تحول شرائح جديدة منها إلى العمل. وهذه القوى تتمثل في طائفة التجار والمطوفين التي تشكل العمود الفقري للطبقة المتوسطة، حيث بدأت تفرز قطاعات جديدة من الموظفين والمثقفين، فجاءت الرواية لتعبر عن هموم هذه الفئة الصاعدة من المجتمع، وكانت قضايا الزواج والوظيفة والتعليم هي الشغل الشاغل لهذه الطائفة، وليس من قبيل المصادفة أن تتجه العديد من الروايات إلى المجتمع الذي تعرّض لرياح التحوّل والتغير أكثره من غيره مكة المكرمة مقصد الحجاج الذين يأتون من كل بقاع الأرض، الأمر الذي أدى إلى تبلور شريحة المطوفين والتجار ليقوموا على شأن هذا المد البشري الزاحف من كل الفجاج، وكان لاحتكاك المجتمع المكي بهذه الجموع المتباينة في ثقافتها وأمزجتها دور في تسريع حركة التحول الاجتماعي، وليس بين أيدينا دراسة علمية دقيقة حول هذا الموضوع فإن مثل هذه الدراسة تعين الباحث في هذا المجال.
      وقد ترسخت لهذه المدينة المقدسة العريقة جملة من التقاليد والعادات والعلاقات على مدى السنين لم يكن من السهل المساس بها أو تحويل وجهتها، ولهذا اندفع عدد من الروائيين المكيين "كما الشعراء" إلى توثيق ملامح هذه المدينة ورصد وجيب الحياة فيها، وكان الارتباط بالمكان والانتماء إليه واضحاً في كتاباتهم، وخصوصاً في "سقيفة الصفا" التي اتخذت من أحد أحياء مكة ميداناً لأحداثها ومن اسمه عنواناً لها.
      ولو حاولنا الرجوع إلى الأعمال الرائدة في مجال الرواية العربية لوجدنا أن التشبث بالأصالة ومعالجة مشكلات التحول والارتباط بالبيئة المكانية كانت من الملامح الأساسية لهذه الأعمال.
      وإذا كان تصوير البيئة في أعمال محمود تيمور وعيسى عبيد وغيرهما وليد الحماس والاندفاع القومي كما يقول الدكتور عبد المحسن بدر في كتابه "تطور الرواية العربية الحديثة في مصر"([1]) فإن الانتماء إلى الوطن والتشبث به لم يكن غائباً عن الروائيين المحليين الذين انهمكوا في تصوير البيئة المحلية، فمن الطبيعي أن ينشغل الكاتب بتصوير ما حوله خصوصاً في المراحل الأولى من نشأة هذا الفن، يقول محمود تيمور بعد أن تحدث عن مراحل حياته والأماكن التي عاش فيها: وهذه الحيوات المختلفة من تلك البيئات الشعبية والوطنية والريفية كانت ينبوعاً ترويت منه ما استطعت، ولا ريب في أن كثيراً من صور تلك الحيوات والأحداث والشخوص قد ترسبت في وجداني، وأنها كانت مدداً لي أستعينه فيما أكتب من أقاصيص وما أرسم من مناظر وأبطال"([2])، وقد كان إحساس الكتّاب ببيئاتهم لا يتعدى المظاهر السطحية حيث لا يتجاوز التعلق بالأماكن وتصويرها، والعادات والتعبير عنها، فتبدو الرواية مجرد معرض لتضاريس الحياة والبيئة دون رؤية عميقة، وإن وجدت هذه الرؤية فإنها تبقى متشبثة بتأكيد بعض القيم والدعوة إلى التمسك بها، ويظل التفاعل بين الشخصيات ومحيطها الروائي محدوداً., وهذا ما نشهده في عدد غير قليل من الروايات التي ظهرت، فقد طغت النزعة إلى التأصيل والتوثيق والتسجيل على ما عداها، لهذا نحس أن أهم ما يشغل بال الروائي هو الإمساك باللحظة التاريخية قبل أفولها.
      ثمة ظاهرة أخرى برزت في الرواية العربية في الأقطار الأخرى وخصوصاً مصر، وهي نشوء الرواية الفنية في رحم الترجمة الذاتية والامتياح منها حيث الإِحساس المفرط بالذات وخصوصاً لدى قطاع من المثقفين الذين أحسوا بتميزهم وتفوقهم على من سواهم، ليس هذا فحسب بل إن الارتباط بالترجمة الذاتية جاء نتيجة ضعف الخبرة في مجتمع محافظ تبدو فيه العلاقات الاجتماعية مقننة.
      ومثل هذا التضييق لا يسمح باكتساب خبرة واسعة وثراءٍ عريض في مجال العلاقات التي تعتبر المصدر الأساسي والمادة الخام لفن الرواية، ولكن لا ينبغي أن يفهم من إشارتنا إلى منهج الترجمة الذاتية في الرواية لجوء الكاتب إلى تفسير تاريخ حياته في مرحلة محددة، والوقوف منها موقف الباحث المحلل، ولا الاهتمام بالتجارب الشخصية من حيث كونها تجارب فردية ذاتية، وإنما نعني بذلك اقتراب الرواية من الترجمة الذاتية من حيث استفادة الكاتب من مراحل حياته وتجاربه الخاصة.
      كذلك فإن مظاهر التعلُّق بالمنهج الذي يعتمد على السيرة الذاتية وتوظيف أفكار الأفراد المثقفين تبدو أكثر من غيرها بحيث يمكن الخلط في الروايات التي تعتمد على "الترجمة الذاتية" بين الكاتب والبطل، والمنهج السيري في الرواية يؤكد المظهر الفردي، فهو علامة على انعتاق الفرد من كثير من القيود، لذا صاحَبَ بزوغ هذا المنهج في الرواية الإحساس بتضخم الذات، وفي مراحل التحول يبدو هذا أمراً طبيعياً، كما أن التركيز على الأزمة الذاتية أحد هذه المظاهر.
      ولسوف نلتقي بالعديد من الأعمال الروائية التي تنتهج أسلوب الترجمة الذاتية، ليس بالمعنى الاصطلاحي الدقيق، وكن بما يقاربه من توظيف للتجارب الحياتية المؤثرة، واصطناع للخط الأفقي المتتابع للأحداث، والوقوف عندها وقفات تحليلية تفسيرية، بالإضافة إلى النزوع نحو التوثيق والوصف، ولسوف نلاحظ تشبثاً ملحوظاً بالحوار الذي ينم عما يضطرب في أعماق المجتمع من مخاضات التحول والانطلاق إلى آفاق جديدة، ومسارات تفضي إلى انعطافات ملحوظة ومصيرية.
      *من كتاب "فن الرواية في الأدب العربي السعودي المعاصر".
    ([1]) صدر عن دار المعارف بمصر، القاهرة، ص234.
    [2]المرجع السابق، ص235.
يعمل...
X