إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وَا أُوبَاماه! وا سَركُوزاه! مدارات يكتبها: الساعروالمفكر أدونيس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وَا أُوبَاماه! وا سَركُوزاه! مدارات يكتبها: الساعروالمفكر أدونيس

    - وَا أُوبَاماه! وا سَركُوزاه!مدارات يكتبها أدونيس
    الخميس, 14 أبريل 2011
    - 1 -
    قليلةٌ جداً، في حدود علمي، إن لم تكن منعدمة، تلك الدراسات التي تعالج، فلسفياً وحقوقياً، مفهوم السلطةِ عندنا نحن العرب، ومكانَ الإنسان فيها، ومعناها، ثقافياً واجتماعياً وحضارياً (السلطة شيء، والسياسة شيء آخر). الأبحاث التي قام بها خبراؤنا في علوم السياسة والدولة، لا تتعدى وصف الممارسات، وسَرْدَ الأشكال، وكيفيات تداول الحكم: بقيت في حدود الظاهر المباشر، ولم تتجاوزها الى الخوض في الأسس والدلالات.
    اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبدو الحاجة مُلِحّةً الى أن نعرف لماذا تتغيّر أشكال الحكم عند العرب، ويتغير رجالُه، لكن السلطة تبقى هي هيَ: واحديّةً، وطغيانيّة؟ ولماذا لم نَنجحْ، نحن العرب، منذ خمسة عشر قرناً حتى الآن، في إقامة دولةٍ مدنيّة، بالمعنى الحقوقي الإنساني المعروف، والمتَّفق عليه، كونياً؟
    - 2 -
    استغلال سلطة الدّين وتحويرها الى «دينٍ» للسلطة: تلك هي مسيرة الحكم في البلدان العربية، منذ خمسينات القرن الماضي. وهي بدايات المرحلة التي دَشَّنتها الانقلابات العسكرية، باسم التحرر من الاستعمار، والقضاء على الرجعيات التابعة، سياسياً وثقافياً، اجتماعياً واقتصادياً، وباسم السيادة والحرية والتقدّم. وها نحن، في ضوء التجربة، نرى أن الحكم في هذه المرحلة، حكم «التقدميين، الأحرار»، لم يكن إلا استئنافاً لحكم «الخلفاء». وها نحن نكتشف، موضوعياً، كم كان هذا الاستئناف رهيباً وفادحاً ومدمّراً، على جميع الأصعدة.
    كانت «فلسفة» هذا الحكم تقوم على أن السلطة هي «الشجرة - الأمّ»، وعلى أنّ الأفرادَ المحكومين، نباتاتٌ تعرّش عليها، مجرَّدُ توابع ومُلحقات كمثل الأشياء. وعلى أنّ رأسَ السلطة يجيء في مرتبةٍ أولى قبل المجتمع نفسه: كلّ شيءٍ يدور حوله، هو، لا حولَ المجتمع، أو حول التحرّر والحرية، أو حول التقدم.
    هنا موضع الخَلل. هنا تكمن عناصر التزعزع الدائم، والانهيار المتواصل.
    - 3 -
    يمثّل القذافي ذُروةَ هذا الخلَل. وصل «جنونُ» السُّلطة عنده الى أن «يذيبَها» في شخصه: تجرَّد» منها، شكلياً، واضِعاً نفسه فوقها، وفوقَ مصدرها - الشعب الليبي، لكي يُماهِيها به. فهو «أسمى» من أن يُوصفَ بالسلطة. هو السلطة، وليست هيَ هُوَ. إنه «المُفْرَدْ» الذي يصدر عنه كل شيءٍ، ويعودُ إليه كل شيء. وهكذا يُصبح هو نفسُه الشعب كلّه.
    ليس هذا مجرّد «جنون». إنّه مَرضٌ مركَّبٌ نفسيّ - عقليٌّ يجدرُ بعلماء النفس أن يجدوا له اسماً خاصّاً.
    - 4 -
    يبدو اليومَ، في ضوء التمرّدات العربيّة التحررية، أنّ الفردَ العربيّ يعيش في مأزق: لا يستطيعُ أن ينخرطَ في تظاهرةٍ سياسيةٍ تخرج من الجامع، ولا يستطيعُ، بالمقابل، أن ينضمّ الى سُلطةٍ تعجز عن مواجهة هذه التظاهرة، إلاّ بالعنف والقَتْل. توصله كذلك التجربةُ الى أن يُدرك أنّ المشكلةَ الأكثرَ مفارقةً في الحياة السياسيّة العربية، اليوم، ليست أن نسألَ، صارخين أو هامسين: من أين للحاكم العربي، الحق في أن يُعطيَ أو يأخذ حقّاً للمواطن؟ وإنما هي أن نسأل: هل للمواطن، أساساً، حقٌّ في نظر حُكّامه؟
    - 5 -
    كيف تكوّنت «هويّة» السلطةِ عندنا، نحن العرب؟ كيف تكوّنَ «فِقهُها»؟ ولماذا ترتبط، عضوياً، بالطغيان؟ والناس، عندها، اثنان: تابعٌ، أوخاضع. والصّمت عنها كذبٌ عليها. والرغبة فيها رهبةٌ منها.
    وما هذه السلطة التي يتجرّأ صاحبها على قتل مواطنيه، وهَدْم قُراهم ومُدنهم، لكي يظلّ جالساً على كرسيّها؟ وها هو الواقع العربيّ في ظل هذه السلطة: غابَةٌ لِصَيْدِ الإنسان. وها هي الحياة العربية تحت ألوية هذه السلطة: مِرْجَلٌ ضخمٌ بحجم الفضاء، يمتلئ بحساءٍ تتقلّب فيه أجسامُ العرب.
    وليس هناك وجودٌ مشترك للعرب، في ظل هذه السلطة، وإنّما هناك موتٌ مُشتَرك.
    أهيَ تقاليدُنا التي أسَّس لها قابيلُ وهابيل:
    - لم تكن المعرفة، في البدء، للإنسان بل للغراب.
    - في البدء، لم تكن الكلمة، بل كان القتل.
    - وليس الإنسان هو الذي يصنع السلطة، بل السلطة هي التي تَصنع الإنسان.
    تبّاً لهذا الغُرابِ، وتبّاً لهذه التقاليد.
    - 6 -
    بفعلِ هذه السلطة، لا يمكن أن نتحدّث، مثلاً، عن الثقافة العربية، اليوم، إلا إذا بدأنا حديثنا بالمُضمَر والمكبوت، بالمحرّم والممنوع، بالرقابة والرقيب، بالعميل والكافر، بالعسكري والاعتقال، بالسجن والمنفى. وما يكون تاريخُ ثقافةٍ هذا أَمْرُها؟ وما قيمتُها؟ وما معناها - بوصفِها «وطنيّةً» أو «قوميّة»، أو «إنسانية»؟ وبفعل هذه السلطة، يُجْبر المواطِنُ على امتداح الحرية التي يتمتّع بها أشخاصٌ لا يجدون ما يأكلون. وعلى سعة الثقافة عند أشخاصٍ لا يجدون ما يقرأون. وعلى المستقبل الزاهر لأشخاصٍ لا يجدون ما يَعملون. وبفعل هذه السلطة، يستنجدُ العربيّ بحكّام الخارج - المُسْتعمِر، لكي يَحموهُ من عدوانها، ولكي يدافعوا عنه. وبدلاً من أن ينادي: وامعتصماه! ينادي، على العكس:
    وا أُوبَامَاه! وا سَرْكُوزَاه! هل تشعر هذه السلطة، بهذه الإهانة الضخمة؟ بهذا الخزي؟ بهذا الخزي؟ بهذا الازدراء الهائل - ليس لها وحدَها، وإنّما للواقع العربيّ ولِتاريخ هذا الواقع برّمته؟
    - 7 -
    أعترفُ عالياً:
    التاريخ العربيّ، هذا التاريخ السُّلطويّ، كرةٌ من النار تتدحرجُ في أحشائي.
    لكن، فيما أعترفُ، يُخيّل إليّ كأنني أسمع الشبّان والشابات العرب، يعترفون هم كذلك عالياً:
    الظلام الذي يهجمُ علينا، يزيدنا تلألؤاً،
    الوحش نفسُه يتحوّل تحت أقدامِنا الى سُلَّمٍ نَصعد عليه صوبَ المَزيد من النُّور
يعمل...
X