إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث عمر فائق الشلبي (1904-1988) قاص وأديب أردني من الرعيل الأول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحث عمر فائق الشلبي (1904-1988) قاص وأديب أردني من الرعيل الأول

    عمر فائق الشلبي (1904-1988)
    ولد عمر فائق الشلبي في دمشق سنة 1904، ودرس في مدارسها، وحصل على الشهادة الجامعية منها· واصل دراساته في فرنسا حيث حصل على درجة الدكتوراه في الصيدلة من جامعة (بوردو) ودرس إلى جانبها علم البكتريولوجي، والكيمياء التحليلية.
    عاد إلى دمشق ثم انتقل إلى شرق الأردن، واستقر في إربد عام 1927. في سنة 1941 فتح في إربد مختبراً "جرثومياً" بالإضافة إلى صيدليته التي افتتحها عام 1927، وكان يمارس مهنة التدريس صباحاً، والعمل الصيدلاني، والبكتريولوجي مساء.
    عمل الشلبي مُعلّماً ومديراً لثانوية إربد، ثم مديراً لثانوية السلط، ثم مفتّشاً أول في المعارف، فمديراً للتربية والتعليم، فمساعدا لوكيل الوزارة للشؤون الثقافية. أنجز عام 1960المعادلات الثقافية بين وزارة التربية ومنظّمة اليونسكو.
    من إنجازاته العلميّة في موضوع الـ (p.h) توصّله إلى كاشف يحدد بواسطته درجة القوة للحوامض والقلويّات، وما زالت الطريقة تدرّس باسمه في جامعات فرنسا، والجامعات السورية.
    حصل على وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثالثة من الملك عبد الله بن الحسين عام 1950. وحصل على وسام التربية من الدرجة الأولى من الملك الحسين بن طلال عام 1971م.
    شارك في وضع المناهج التعليمية لطلبة المرحلتين الإلزامية والثانوية. نشر غالبية قصصه في مجلّة (صوت الجيل) التي كانت تصدر عن مدرسة إربد الثانوية في نهاية الأربعينيات، ونشر في مجلّة أفكار، ورسالة المعلّم الأردنيتين، ونقل عن التركية عدداً من الأعمال القصصية، ولم يقم بإصدار تلك الأعمال في مجموعات قصصية ولم تصدرها أيّ جهة من بعده.
    من مراجع ترجمته:
    1. دراسة قدّمت إلى ملتقى القصة الذي أقامته وزارة الثقافة ونشرت في ملفّ خاص بعنوان (ملتقى القصّة القصيرة)، للدكتور سليمان الأزرعي.
    2. صورة عن مجلّة (صوت الجيل) التي كانت تصدر عن مدرسة إربد الثانويّة (العدد 4) عام 1952.
    النافذة الخضراء
    منذ سنين خلت كنا نسكن في حي البحصة قبل الحريق الذي نشب وأتى على القسم الأكبر من دوره، وكان هناك مقام لولي كريم يدعى "الشيخ زورق" وكان أهل الحي يتناقلون عنه الأخبار محاطة بهالة من المبالغة عن كرامات هذا الولي الذي اشتهر بقبوله للنذور التي تقدّم إليه من أجل قضاء حاجات الناس الذين يلجأون إليه فيستجيب دعاءهم حتى ولو كانت الحاجة من نوع الزواج، والطلاق، والمحبة، والنجاح، والامتحان، والتعيين في وظائف الحكومة، والترفيع في الدرجة، والربح في التجارة·.. إلخ.
    وكانت النذور تقدّم سلعاً فضية، وذهبيّة، وشموعاً، وأعلاماً، وأقمشة مختلفة، وكانت تلقى جميعها من نافدة خضراء إلى غرفة المقام، وكان يتقبّل النذور مهما كان نوعها على أن تكون متناسبة في الثمن مع صعوبة تنفيذ الطلب الذي يتقدّم به طالب الحاجة.
    وكان مفتاح باب الغرفة أمانة لدى شيخ الطريقة الذي يؤمّ هذا المقام ليلة الجمعة مع عدد محدود من مريديه، فيقيمون حلقة ذكر يستعملون فيها الصنجات النحاسيّة والدفّ والطبل إلى منتصف الليل.
    كان الحريق ناشباً منذ نصف ساعة وكان الريح شرقيّاً ليعصف بشدّة ويحمل معه شظايا الخشب الملتهبة يتطاير منها الشرر، ويقذفها فوق أسطح البيوت الخشبيّة فتلتهب وينتقل الحريق إلى الأمكنة المجاورة، وكانت فرقة الإطفائيّة تبذل غاية جهدها لتوجيه خراطيم المياه إلى الأمكنة المتلهبة وتهدم بفؤوسها ومجارفها الأبنية المجاورة لمنع سريان الحريق ووقوفه عند حدهّ. وكان الشرطة يحاصرون المكان خوفاً من تسرّب الغوغاء والعاطلين ونهبهم للأمتعة التي يخلّصونها من داخل البيوت، ولكن كانت هناك عقيدة سائدة بين السكّان وهي أن الحريق متى وصل إلى قرب المقام فسوف يقف من نفسه ولا يمكنه أن يجتاز هذا الحد ويغضب الشيخ في مرقده.
    وكان إبراهيمات الحشّاش معروفاً بين أقرانه بقوّة العضل، وسرعة الخاطر، لا تفوته فرصة نهب أو سلب.
    تقدّم إبراهيمات من بين الصفوف المزدحمة بالقرب من مكان الحريق وتفحّص الوضع بنظره الثاقب، وكان في عقيدته أنّ معنى الحريق مرادف لمعنى السلب والنهب والربح... لكن الشرطة.. هؤلاء الشرطة كانوا محاصرين أمكنة الحريق ولم يتركوا منفذاً لمتسلّل... هزّ رأسه قائلاً: "الله يلعنه من حريق لا فائدة منه.!"
    كان الأهلون مجتمعين أمام باب غرفة المقام، وسمع إبراهيمات أحدهم يقول:
    - متى وصل الحريق إلى هذا المكان فسوف يخمد من نفسه.
    تقدم إبراهيمات إلى النافذة المدهونة بالدهان الأخضر، ونظر إلى الغرفة المضاءة بنور خافت من سراج الزيت المعلّق في السقف، كان عند رأس المقام شمعدانان كبيران من النحاس المطلي بالفضة، وبجانب المقام سجادة عجمية، وعلى الجدران صنجتان من النحاس الأصفر معلّقتان مع الطبل والدفّ عدا المصاحف الممدّدة على جانبها فوق (الرحالي) وفي الصدر لوحة من الأطلس في إطار كتب عليها "يا قاضي الحاجات".
    نظر إبراهيمات إلى هذه الأشياء بعين الخبير بأثمان السلع من المنهوبات التي تباع لبعض الدكاكين، وأخذ يحسب في نفسه بسرعة البرق:
    "الشمعدانان بعشرة دنانير.. والسجّادة بعشرين ديناراً.. والصنجتان بدينارين والكتب لابّد وأنّها مخطوطة، لنقل بعشرة دنانير.. إذن صار المجموع اثنين وأربعين ديناراً على وجه التقريب.."
    تحسّس الباب المدهون بالأخضر بكتفه، ثم نظر إلى القفل وابتدأ يستند بكتفيه على الباب ويضغط عليه بكل عزمه، كان الناس مشغولين بالحريق، وكان إبراهيمات قويّاً، وكلما ضغط على الباب تخلخل. وأخيراً انخلع وانفتح. وكان أوّل عمل له عندما دخل الغرفة أنْ نفخ على السراج فأطفأه. ولكنّ هذه الأشياء التي سيأخذها مع أنّها ذات قيمة إلا أنّها ليست خفيفة الحمل؛ لأنّ القاعدة في مثل هذه الظروف أن يحمل الإنسان ما كان غالي الثمن خفيف الوزن. ابتدأ يرسم بفكره خطّة للعمل. ولكنّه لم ينتظر نهاية الخطّة؛ لضيق الوقت، فكانت يداه منطلقتين بالعمل بينما كان فكره مشغولاً بالخطّة.
    أخرج الشمع من الشمعدانين، ورماهما على الأرض، وجمع المصاحف، ونشل الصنجتين من مكانهما بكل خفّة، ووضعهما في الزنار الكبير الذي خلعه من نطاقه، وفرشه على الأرض ولم ينس الإطار فأضافه فوق الصفقة، ولفّ الجميع بالزنار وربطه، ثم وقف قليلاً وحكّ أنفه، وأخذ يلم ّالسجّادة عن الأرض بخفّة ورشاقة، وفرشها فوق المقام واتكأ على الصندوق الذي يتكون منه المقام، وفكّر قليلاً.. إن العمامة كانت من الأشياء التي لا يجوز تركها؛ لأنّها مقصّبة بأسلاك من الفضّة.. وبينما كان يفكّر انزلق الصندوق من مكانه فوقف شعر رأسه من الخوف، فاستجمع نفسه ليعرف جليَّ الأمر.
    أيمكن أن يكون الولي قد وثب من مكانه ؟ وقف ثمّ نظر وابتسم وقال: "إذاً الصندوق غير مثبت في مكانه" فرفع الصندوق ونظر تحته، فوجده خالياً.
    وكان الصندوق مصنوعاً من الخشب الرقيق الخفيف، ومستوراً بقماش من الجوخ الأخضر.
    الآن تمّت خطّة الخروج التي رسمها في فكره، احتضن الصرة المحتوية على الكتب والشمعدانين والصنجتين والإطار، ودخل تحت الصندوق ثم رفعه فوق رأسه وتقدّم بخطوات وئيدة نحو الباب، وأخرج يده من تحت الصندوق وفتحه، وكان في الجهة اليمنى من الشارع كلّ الخطر، أما الجهة اليسرى فكانت فيها البيوت المتهدّمة والأماكن الخربة وهي تؤدّي إلى زقاق الصخرة المتّصلة بالبساتين، ولكنّ الناس كانوا مجتمعين هناك. لم يفكّر إبراهيمات كثيراً وهو تحت الصندوق، فخرج إلى الشارع وهو في هذه الحالة والصندوق يتخبّط على الجانبين، فأخذت الناس الدهشة والحيرة من هذا المنظر، وصاروا يبتعدون عن طريق هذا الولي الذي خرج من مكانه غاضباً. ووقفت خراطيم الماء عن العمل، ووقعت المجارف والفؤوس من أيدي رجال الإطفائيّة من شدّة الخوف.
    كان الصندوق يتّجه نحو الحريق، والأهلون يفسحون الطريق له ويرتجفون من الخوف.. ومرّ الصندوق من بين الجميع بهيبة ووقار، وهو يتمايل ذات اليمين وذات اليسار وغاب في الظلام.
    ووقف الحريق فعلاً قبل وصوله إلى غرفة المقام، ولم يلحق الضرر بالدور الملاصقة له.
    أمّا الغرفة التي لم تحترق، والتي بقيت بلا ولي، فقد احتفظت بمكانتها بين أهالي الحي ولا يزال شيخ الطريقة والعدد المحدود من مريديه يقيمون حلقة الذكر كلّ ليلة جمعة. ومع أنّ الأهلين يؤكّدون بأنّ الوليّ- قدّس الله سرّه- ذهب ليلة الحريق إلى جهة الشمال ولم يرجع، إلاّ أنّهم لا يزالون- جرياً على العادة التي كانت متّبعة- يقدّمون النذور من النافذة الخضراء...
يعمل...
X