إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث عدنان على خالد (1934-1985) قاص وأديب أردني من الرعيل الأول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحث عدنان على خالد (1934-1985) قاص وأديب أردني من الرعيل الأول

    عدنان على خالد (1934-1985)
    ولد عدنان علي خالد في بلدة يازور في يافا سنة 1934، ونزح منها مع أهله إلى مدينة الزرقاء سنة 1948. كان صاحب صالون حلاقة في مدينة الزرقاء، وقد اتّخذه بعض الأدباء والكتّاب مجلساً للأدب والفكر.
    كتب عدنان علي القصّة القصيرة، والرواية، وله دراسات في النقد الأدبي، ونشر العديد من قصصه ومقالاته في الصحف، والمجلاّت، وفاز في مجال القصة القصيرة بجائزة مجلّة الطليعة الأدبية العراقية التي رأس تحريرها خضر عبد الأمير. توفي في الزرقاء سنة 1985.
    مؤلفاته
    القصة:
    مختارات في القصّة القصيرة، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1975.
    الذاكرة والزمن، المطبعة الأردنية، عمّان، 1976.
    ألوان من القّصة الأردنية، دائرة الثقافة والفنون، عمّان، 1978.
    مختارات القصّة القصيرة، رابطة الكتّاب الأردنيّين، عمّان، 1980.
    هالات الحبّ الأزرق، رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1981.
    مختارات القصّة القصيرة في الأردن، رابطة الكتاب الأردنيين، عمّان، 1982.
    القصّة القصيرة في الأردن 1982، دار البيرق، عمّان، 1983.
    المخطوطات:
    الفجوات - مجموعة قصصيّة.
    طائر في الغياب - مجموعة قصصيّة.
    الذاكرة والزمن
    كان أبي يصرّ على وجود الأشباح كقوّة خارقة للطبيعة- لا ترى بالعين المجرّدة.. ولا تظهر بوضوح- إلا على وجوه أناس معيّنين. علّمني منذ أن كنت طفلاً صغيراً أن أحاذر السير في بعض الأماكن المتطرّفة من المدينة- ففعلت. فوجئت أن زملائي في المدرسة يعلمون الكثير عن هذه الأمور.. يحاذرون السير في أماكن كثيرة مماثلة، حذّرهم أولياؤهم من السير فيها. علّموهم أن الأشباح ظاهرة صحيحة مئة بالمائة.. غرسوا في عقولهم حكايات تتعلق بالغيلان والمردة وظلّت هذه الظاهرة تنتشي في أسرتنا الصغيرة- وبين سكان بلدتنا حتى أيّامنا هذه- أبت الأسرة أن تقاومها بغير التعاويذ.. أو اللجوء لأهل الله من المتخصّصين في أمور (الكشف عن البواطن والسرائر) فكتبت لي أمي في هذا النهار حجاباً.. وطلبت مني أن أعلّقه في رقبتي.. حتى أطرد الأشباح من حولي. (هذا النهار- نهار حاسم في حياتي- يحدّد مستقبلي) اقترب أبي منّي وقرأ في أذني بضع كلمات.. ثم دعا لي وانصرف.. فانطلقت في سبيلي من فوري. ألج في هذا النهار عالم التحدّي- كان ذكائي متوسطاً- لكن لدي القدرة على التركيز. تحسّست الحجاب المثلّث الشكل فاطمأنّ قلبي.. وأخذت طريقي إلى مركز انطلاقي.. بدا الشارع المؤدّي إلى المركز كأنّه حُفر أثناء الليل.. بات غير صالح لسير السيّارات عليه. ولما ضربت حسابي- وجدت أن هناك تأخيراً قد يصل إلى الربع ساعة لو سرت على قدمي. وذلك خلال الشارع المحفور، الذي يؤدي إلى المركز.. لذا فقد قرّرت أن أعدل في خطتي بأن أتجه إلى الشارع الموازي للشارع المحفور.. فلربما كان صالحاً. نفذت خطّتي في الحال، سرت إلى الجنوب قليلاً وانعطفت إلى الشارع المتجه شرقاً. طالعتني لافتة مميزة معروفة، انتصبت على حاملة في منتصف الشارع (الطريق تحت التصليح). لم يكن ثمة حياة في شريان الشارع.. بدا مقفراً، اقشعرّ جسدي. كالأشباح انتصبت الأشجار على جانبي الطريق. ظهر البؤس على وجوه المارّة وهم يتعثّرون في سيرهم. راح العمال يشقّون الأسفلت.. حتى ثلاثمئة ياردة في الاتجاه الشرقي. خيّم على عقلي ظلّ من الوهن الحقيقي. كنت قد أمضيت الساعات الثلاثين الماضية دون أن يغمض لي جفن. قرأت من الصفحات الاستعراضية أكثر مما يحتمله عقل إنسان. جزئيات صغيرة·. إسهاب لا ضرورة له.. حشو مكثّف.. قضايا معقّدة لم أكن لأجد متعة في مطالعتها إطلاقاً.. صار علي الآن أن أتخذ قراراً جديداً وحاسماً. الوقت يمضي بسرعة. عدت من حيث أتيت. الشارع الأول أقرب إلى المركز فيما لو قرّرت أن أقطعه سيراً على قدمي.. بسرعة فكّرت في حلٍّ أنسب. بقي الشارع المحاذي للشارع الأوسط من جهة الشمال. اتخذت طريقي نحوه بسرعة. قاطعاً عدة عمارات سكنية- هدأت حركة ساكنيها.. جلستْ قطّة وراحت تموء على حافة سور قديم متآكل.. تمطّت، ثم هزّت ذيلها متكاسلة.. شعرتُ بالامتعاض. كثير من الألم تسرّب إلى نفسي. كان أبي يتطيّر من رؤية القطط وهي تتمطّى على الأسوار القديمة. حاولت التركيز في الأمور التي التهمتها على مدى ثلاثين ساعة متواصلة. بدت المضامين ترف في رأسي كالفراشات الملّونة. تطير وتحطّ.. وتنساب حتى تتلاشى. أقطع ما تبقّى من مسافة بالية بغيضة. عدت لمراجعة بعض النصوص في ذاكرتي.. كانت تتجزّأ.. أو تثبت بصعوبة بالغة. أعرف أننّي حيال أمر شديد المراس.. يتطلّب تركيزاً حاداً. لابد من استحضار العقل بصورته الخارقة للعمل. كان الشارع يلتف حول نفسه في شكل دائري. لعلّي نسيت أن هذا الشارع لا يفضي إلى المركز!!. كيف ضاع مني مثل هذا الأمر الحيوي؟ ضربت جبهتي بشدة، واستدرت بطفولية ساخرة إلى الشارع الأوسط.. ذلك هو الحلّ الوحيد الممكن. (قد تكون الأسئلة صعبة أو مبهمة. جهود الساعات العصيبة لن تذهب هباء)..
    أحسست بالقرف يتسرّب إلى نفسي. لم أتناول إفطاري كما يجب. كانت القطة لا تزال واقفة على سور البيت القديم. نظرت نحوي ثم أشاحت برأسها لا مبالية. تجاهلتها وتابعت سيري.. ولكن لا أدري لماذا ترسخت صورتها في ذهني.. حتى أحسستها تطغى على جميع الصفحات التي التهمتها بالأمس. درت حول الشارع حتى انتهيت إلى الرصيف المقابل.. الآن يمكنني أن أنطلق بسرعة نحو المركز.. بأقصى ما لدي من سرعة. حمّى آنية أشعر بها تفاجئني.. لمست جبهتي.. كانت تلتهب بالحمّى. تناولت قرصاً من الأسبرين من أول حانوت قابلني.. كان الشارع يتمطّى ويتثاءب أمامي. ولا أدري لماذا عاودتني صورة القطة من جديد. كان شيء في آخر الشارع يفتح فاه .. يحاول أن يلتهمني.. يتسرّب إلى ذهني شيء من القنوط. أقف حائراً قليلاً.. أنظر في ساعتي. (سيطردونني إذا ما تأخّرت عن الموعد المحدّد.. ورّبما أعدت الكرّة مرّة أخرى في العام القادم). لا أدري ما الذي أودّ اكتشافه في نفسي وأعجز.. أحاول الوصول إليه دون جدوى. كان الشارع لا يزال يمغط نفسه كحبل من المطّاط- حتى خشيت أن ينقطع فجأة فأهوي.. دوار ينتابني فأعرّج على حانوت قريب.. أشرب كأساً من المرطّبات.. أحاول أن أرطّب جبهتي بقليل من الماء البارد.. عبثاً تضيع جهودي في السيطرة على أعصابي.. أتخيّل كلّ الأشياء عقارب، ساعات تتلّوى حول عنقي- وأنَّ الوقت ينفذ إلى أحشائي.. أتلوّى من الألم.. ألف متر في دقائق- ألف ميل لا أدري. أجهد نفسي.. أحمل أشيائي.. وأجري أجري.. كانت رجلاي تعدوان كرجلي جواد سباق مدّرب. يجهدني الإحساس بمسؤولّيتي، فأقطع الشارع المطّاط بما يشبه السحر.
    دقيقة بالكثير ويغلق باب المركز.. قالها البوّاب وأخذ يستعدّ لإغلاق الباب.. مسحت عرقي.. وتوقّفت قليلاً ريثما أستردُّ أنفاسي المتقطّعة. لم يكن هناك وقت للشرح. كان سيضيع عام آخر دون جدوى.. لا أدري في تلك الساعة كيف كانت تسير أموري؟ كانت القطّة تبتسم في مخيّلتي- وهي تهزّ ذيلها وتموء. حاولت أن أستحضر عقلي.. جلست على مقعدي مترنّحاً.. أمسكت بأوراقي. كانت دهشتي شديدة حين وجدت أنّ الأسئلة أمامي تكاد تكون مسجّلة بحذافيرها على شريط ذاكرتي.. غير أنّني- ولسبب لا أدريه- أحسست بأنّني أفقد أثر الأشياء بسرعة مذهلة لا تصدّق.



يعمل...
X