إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتوره ( شادن اليافي ) عازفة البيانو السورية - المعهد العالي للموسيقى بتدهور مستمر - إدريس مراد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتوره ( شادن اليافي ) عازفة البيانو السورية - المعهد العالي للموسيقى بتدهور مستمر - إدريس مراد

    عازفة البيانوشــادن الـيـافـي
    المعهد العالي للموسيقى عندنا في تدهور مستمر
    علاقتها بآلة البيانو كعلاقة الأم بطفلها، حيث نذرت نفسها لهذه الآلة ودرستها منذ الصغر، وأكملت هذه الدراسة المعمّقة في الولايات المتحدة حتى نالت الدكتوراه في الموسيقى، تقول دائماً (مكاني هو وراء البيانو).. تمتلك مستوى عالياً من التكنيك والتقنية، تعزف بإحساس شاعري راقٍ.. تجذب المتلقي ليعلو بسلالم المقطوعة الموسيقية إلى فضاءات من الفرح والسعادة، إنها الدكتورة الموسيقية شادن اليافي التي التقتها "جهينة" وناقشت معها العديد من القضايا والأسئلة من خلال الحوار التالي:

    جهينة - إدريس مراد:


    في الفترة الأخيرة هناك من وضع آلة البيانو لتلعب دور الآلات الشرقية في الموشحات والقدود وإلى ما هنالك، هل يمكن أن يلعب البيانو في هذه الحالة دور العود مثلاً؟.
    لست من المشجعين لهذه المحاولات، وهذا أسلوب في التأليف يدعى المزج أو fusion وأنا أفضّل أن أسمّيه confusion (ارتباك) لأنني أشعر أمامه بالحيرة والارتباك، بدأ هذا الأسلوب بدمج نوعين أو أكثر من الأنماط الموسيقية، ثم امتدّ للمزج بين الآلات في مختلف أنواعها، إنه بالنسبة لي يشبه تناول الكباب مع المثلجات في آن معاً. أنا أحب الأصالة في الفن، الموسيقى العربية لها قواعدها وآلاتها وهناك من يمضون عمرهم في تعلّمها وعزفها، كذلك الموسيقى الكلاسيكية العالمية. التخصّص يتطلّب الكثير من الدراسة والوقت والجهد، أما المزج فيحتاج إلى مخيّلة واسعة ووقت فراغ وجمهور ساذج. هناك عدد هائل من القطع الخالدة التي كتبها عمالقة موسيقى البيانو والتي تعزف في جميع أنحاء العالم ونحن بحاجة لإظهارها لا إلى سماع تجارب من الضوضاء الصوتية المزعجة التي ستأفل بسرعة ما إن تنتهي "موضتها". وهناك أيضاً زخم في الموسيقى العربية التقليدية الأصيلة التي لا تحتاج أن تلبس ثوباً لا يلائمها لتسويقها سلعةً حديثةً تحت اسم "العالمية أو التطوير".
    لماذا تقتصر حفلاتك على دار الأسد للثقافة والفنون فقط؟.
    السبب الرئيسي هو أن آلات البيانو في الدار هي من أفضل الآلات في العالم، ويعود الفضل في ذلك إلى نائب رئيس الجمهورية الدكتورة الفاضلة نجاح العطار التي حرصت على جلب هذه الآلات العظيمة إلى دار الأسد، أما الآلات الأخرى في المراكز الثقافية والمسارح الأخرى فتعاني من الإهمال الشديد وسوء المعاملة الذي يتسبّب في تنكسها. وهنا أدعو وزارة الثقافة للاهتمام بهذه الآلات التي كلفت الملايين والتي تعاني من نقص الاهتمام وتذوي تحت الغبار. لقد كانت لي تجارب خارج الدار، إذ عزفت في حمص وفي اللاذقية. أنا جاهزة للعزف في أي مكان ولكن بشروط معقولة وآلات بيانو مدوّزنة.
    ما رأيك بالذين يمثلون الموسيقى السورية بحفلات خارج سورية ولماذا لا تمثلين أنت موسيقانا؟.
    أعتقد أن سؤالك يجب توجيهه إلى القائمين على الثقافة في سورية.. بشكل عام معظم الذين يمثلون الموسيقى خارج سورية يطلب إليهم عزف الموسيقى الشرقية أو موسيقى لمؤلفين سوريين مهما كان مستوى هذه المؤلفات. أنا تخصّصت في الموسيقى الكلاسيكية العالمية وأقول عالمية لأنها الموسيقى التي تعزف في جميع أنحاء العالم وليست حكراً على بيئة معينة أو ثقافة واحدة، فهي تعزف في اليابان، الصين، روسيا، أوروبا، تركيا، أمريكا الشمالية والجنوبية. رغم أن كل هذه البلاد لها موسيقاها التقليدية الغنيّة، إلا أنها تهتم اهتماماً مماثلاً بالموسيقى العالمية. لا يمكنني عزف أي عمل لست مقتنعة به لمجرد أن مؤلفه سوري!.
    تجذبك حالة التصوف وأنت تعزفين الموسيقى الكلاسيكية، هل التصوف موجود عند الغرب أيضاً أم هو حكر علينا نحن الشرقيين؟.
    أهتم كثيراً بالفلسفة الصوفية الإسلامية التي تخطّت حدود الشرق وأصبحت فلسفة عالمية. أشعار جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي تُرجمت إلى العديد من اللغات، والشيرازي تحديداً ألهم الشاعر الألماني غوته أشعاراً عديدة، لحنها فيما بعد موسيقيون كبار أمثال شوبرت وبرامز بشكل أغنيات. أنا أجد أن هناك تشابهاً كبيراً بين التجربة الصوفية والتجربة الفنية، إذ تتطلّب التجربة الصوفية مكابدة ومعاناة، فهي أول الأمر إعداد النفس للزهد والانصراف عن مباهج الحياة العادية للتعرض لنفحات سماوية تأتي دون موعد كما في الحديث الشريف: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها" والطريق طويلة ومزينة بالأحوال والمقامات. وكذلك التجربة الفنية فيها مشقة تلقي الإلهام والتفاني في العمل، للوصول إلى الكمال ودون انتظار للنجاح الأكيد. إن التأمل الجمالي عند الفنان يبعث فيه نفس الخشوع الذي يشعر به المتصوف، والفنان مثل المتصوف يعشق الجمال ويؤمن بملكات في الروح خارج نطاق العالم الحسيّ والعالم العقلي مثل الوحي والإلهام. في التصوف تستعمل كلمة "سماع" للدلالة على الخبرة الجمالية الموسيقية، وهي لا تتضمن معنى الاستماع إلى الموسيقى وحسب، وإنما تشير إلى العالم الواسع من التأملات الجمالية والتبحرات والوجد. دوّن الكثير من الصوفيين مشاعرهم وانفعالاتهم وتأملاتهم عند سماعهم الموسيقى، ووصفوا الصور التي حملتها إليهم وذلك في نصوص عديدة منها: كتاب "كشف المحجوب" للهجويري وأشعار جلال الدين الرومي، ومن أجمل ما كتب عن الموسيقى والسماع هو في كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" ويقول فيه "من لا يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج".. ويتكلم كيف أن الغناء يسكت الطفل عن بكائه في مهده بل يذهب أبعد من ذلك للكتابة عن تأثير الموسيقى في الحيوان، وكيف أن حداء الجمال يؤثر في مشية الجمل، فلا يشعر بوطأة حمولته ولا طول المسافات التي يقطعها في البوادي. وبالنسبة للغزالي من لا يتأثر بالموسيقى يزيد في غلظ الطبع على جميع البهائم. جلال الدين الرومي أيضاً كتب أشعاراً رائعة عن السماع وأهمية الموسيقى وكان يشعر مثل كثير من الصوفيين بأن الموسيقى هي وسيلة من الوسائل المتعددة لمعرفة الخالق ولاسترقاق النظر إلى الجنة، فهو يقول: "ثمة طرق كثيرة توصل إلى الله، أما أنا فقد اخترت طريق الموسيقى".
    العديد من عازفي البيانو عندنا جربوا التأليف الموسيقي، منهم من أصاب ومنهم العكس، ألا تفكرين في التأليف وأنت الجذر في هذا المنحى؟.
    لا أفكر أبداً في التأليف. التأليف موهبة خاصة تظهر غالباً عند الأطفال في سن معينة عندما يبدؤون باختراع النغمات والألحان. من هؤلاء الأطفال من يتاح له مواصلة دراسة الموسيقى والتأليف ومنهم من تأفل موهبته بسبب الأجواء المدرسية أو الاجتماعية أو النفسية. التأليف في الموسيقى يحتاج أيضاً بالإضافة إلى ظهور الموهبة مبكراً إلى الدراسة العميقة الطويلة. هناك مؤلفون في سورية لا يعرفون أبسط قواعد الهارموني وهذا أمر يثير الدهشة، هل يمكن أن يصبح المرء كاتباً إن كان لا يعرف قواعد اللغة العربية أبداً؟ المشكلة في موضوع التأليف تحديداً هو ازدياد عدد المؤلفين بأعداد كبيرة، حتى أنه يصعب على المؤلفين الحقيقيين الظهور ضمن حشد غفير من المؤلفين الدجالين!.
    ستيفن جي غولد العالم الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفارد سأل في أحد كتبه أين هم اليوم المؤلفون الموسيقيون أمثال موتزارت وبتهوفن، وخلص إلى أن التطور في الموسيقى (كما في الحياة) يسير إلى تنوع أكبر وامتياز أقل.. أنا أحب أن أمضي كل وقتي في عزف المؤلفات الخالدة العالمية للموسيقيين الكبار. العزف الجيد يتطلّب الكثير من ساعات التدريب، والأداء هو عملية تعاون بين المؤلف والعازف لإخراج العمل إلى النور. وأجد أن العزف المتقن عملية إبداعية شائقة تضاهي التأليف.
    أعرف أنك لا تحبذين الحديث عن أحد ولكن يهمنا أن نعرف رأيك بالموسيقى السورية بعد عشرين عاماً من تأسيس المعهد العالي وإلى أين تتجه؟.
    نعم أنا لا أحب الحديث عن وضع المعهد لأنني لا أستطيع أن أكون إيجابية. المعهد في تدهور مستمر، المناهج عشوائية ومنخفضة السوية. الطاقم التدريسي ضعيف السوية، أما الخبراء الروس فبعد بقائهم في مناصبهم أكثر من عشرين سنة تناسوا عملهم وواجباتهم وأصبحوا يعيشون في إجازة طويلة مدفوعة الأجر! عندما كنت في المعهد العربي كان الخبراء الروس يأتون وفق عقود لمدة ثلاث سنوات فقط ويشعرون أن من واجبهم العمل الجديّ للارتقاء بمستوى الموسيقى في سورية، كنت محظوظة إذ درست عند خيرة الخبراء. أما اليوم فلا يوجد من يقوّم هؤلاء الخبراء ويشرف على إنتاجهم العلمي والعملي وهذا أمر مؤسف ومحزن. الأمر كله يتعلق بوزارة الثقافة التي لا تنظر إلى الموسيقى بصفتها علماً أكاديمياً جديراً بمناهج علمية أكاديمية جديّة، بل بوصفها فقط موضوعاً عملياً يتناول العزف والغناء، كذلك يتم تهميش الموسيقيين الأكاديميين الحاصلين على الشهادات العليا في الموسيقى والاعتماد على العلاقات الشخصية والأهواء الخاصة بالتعيينات والاستشارات. هناك من يستخف بدراسة المواد النظرية لكن في الموسيقى المعرفة النظرية تسير إلى جانب المعرفة العملية وتعادلها في الأهمية. ضعف المناهج النظرية يحوّل المعهد العالي إلى مدرسة عزف، والعزف دون فكر أمر فارغ لا شأن له. كل المشاكل سببها عدم النظر إلى الموسيقى بجديّة. نحن نتأخر كثيراً ليس فقط بالمقارنة مع أوروبا وأمريكا بل بالمقارنة مع العالم العربي ودول أمريكا اللاتينية والصين.
    أخيراً.. ما هي مشاريعك القادمة؟.
    أعمل على ترجمة رسالتي في الدكتوراه إلى العربية، كما أنني أعمل في لجنة تابعة لوزارة التعليم العالي هدفها صياغة المعايير الوطنية لاختصاص الموسيقى في الجامعات والمعاهد السورية. وأحضّر لحفلات بيانو في الموسم القادم في دار الأوبرا وحفلات في أمريكا خلال شهر آذار الحالي.
يعمل...
X