إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بكتاب أحمد المديني تحولات النوع في الرواية العربية .. مقاربات التاريخ واسئلة الحداثة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بكتاب أحمد المديني تحولات النوع في الرواية العربية .. مقاربات التاريخ واسئلة الحداثة

    تحولات النوع في الرواية العربية .. مقاربات التاريخ واسئلة الحداثة

    ما يسعى اليه كتاب أحمد المديني ينطلق من منظور نقدي منهجي يقوم على ابراز الجانب الوظيفي لوعي النظرية والمنهج.
    ميدل ايست أونلاين
    بقلم: علي حسن الفواز
    هاجس التجديد
    يظل سؤال النقد ازاء فاعلية التجديد في الرواية العربية سؤالا اشكاليا مفتوحا، لانه يمثل الحافز على قراءة ما تحمله هذه الفعالية من مفارقات، فضلا عن ما تعكسه من اجراءات تتقصى المتغير النوعي في الرواية، والمتغير الاسلوبي، والباعث على كشف البئيرات التي يعيش تفاعلاتها الروائي العربي.
    انشغالات الرواية العربية بهاجس التجديد، يعني انشغالاتها بكل الفعاليات التي اقرنت بالمتغير، وبالتقانات، وبالأنساق المفاهيمية التي ما عادت خاضعة للقراءة النمطية، اذ هي تمثل، وتعبر عن عناوين تلامس كل فضاءات الفعالية الروائية العربية، والتي باتت اليوم اكثر اثارة واكثر سعة، واكثر تماهيا مع كل المتغيرات التي ترتبط بزوايا النظر الجديدة التي انخرط فيها الروائي، والتي أصبحت منطلقة للتعاطي مع مقاربات واشتغالات اكثر تنوعا، وحتى اكثر اغترابا، اذ يمثل هذا السؤال باعثا على الانكشاف الحداثي، وعلى استقراء الحمولات المفهومية للحداثة، مثلما يمثل وظيفة متعالية لمقاربة التحولات السردية في الرواية العربية تظل رهينة بمعطيات ماتثيره من اسئلة، وما تقترحه من قراءات جديدة، فالسؤال الروائي ليس سؤالا غامرا او شائها، انه سؤال في التاريخ، وفي السرد، وفي الوظيفة، والقراءة الروائية تعني في هذا السياق انها الاقرب لان تكون مغامرة، او محاولة في اقتراح مقاربة النص الروائي بوصفه وثيقة مجاورة للتاريخ، او بوصفه معالجة سردية لهذا التاريخ، او لنص الوثيقة او للواقعة.
    في كتاب "تحوّلات النوع في الرواية العربية بين مغرب ومشرق" الصادر عن (منتدى المعارف) 2013 يسعى الناقد والباحث أحمد المديني الى استقراء محمول هذه التحولات من منطلق ما تثيره من اسئلة، وما تستدعيه من افكار ومواقف ومقاربات، اذ يقترح الباحث عددا من القراءات العميقة التي تناقش التحولات الفنية في الرواية العربية الحديثة، مثلما تناقش علائق هذه التحولات بالزمن السياسي والاجتماعي ومتغيراتهما، والكشف عن العديد من التمظهرات التي وضعت الرواية ازاء مجموعة من الاشكالات المفهومية، بدءا من اشكالات الهوية السردية والتاريخية، وانتهاء بخصوصية المخيال السردي بوصفه تقنية في الكتابة، او حشدا من الرؤى التي تلامس الانساق المضمرة في التاريخ وفي النصوص، اذ أعطت هذه الاشتغالات عمقا وظائفيا للرواية العربية وسماتها في التجديد، اذ تجلت فيها الكثير التغايرات الاسلوبية والتقانية، مثلما تمثلت فيها مجموعة من تبديات الانشغال والتآويل والتركيب، والنزوع الى الاستعانة بفعالية القراءة المجاورة بوصفها اشتغالا ثقافيا، وكشفا لفائض للمعنى كما يسميه بول ريكور، او بوصفه نزوعا لتمثل اشتغالات الفينومنولوجي الذي يستعيد العالم بوصفه ظواهر يستحضرها الوعي.
    في هذا الكتاب ينطلق الباحث من قراءة المستوى النظري لمفهوم التحول في الرواية العربية، ومن خلال مقاربة كورنولوجية – افتراضية - لتجارب كتابة الروائية العربية الرائدة بدءا من رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، اذ يؤكد فيها الكاتب بانها الرواية المؤسسة والرائدة فنيا وتاريخيا، فضلا عن ما يكشفه من تأثر هذه الرواية ذاتها بالعديد من التجارب الثقافية والبيئية التي انعكست على اشتغالات السرد الروائي، والتي اقترحت لها نوعا من الوظيفة الاجرائية الداعمة، تلك التي يمكن ان تشفّ من خلالها معرفة السمات الفنية على مستوى المبنى والمتن السرديين، وفي تمثلهما في سياق ما تقترحه ظواهر التجديد والتحول، فضلا عن ما يتمظهر فيها من مقاربات للافكار السياسية والايديولوجية والاجتماعية، اذ تجسد هذه المعطيات معرفة سياقية لطبائع التوصيف، ومعرفة نصية لما يتعالق فيها من تغايرات، وتحولات، قد تكون تعبيرا عن معرفة بعض خفايا المسكوت عنه في المتن الثيمي الموضوعاتي، وما يمكن ان يجسده المبنى الفني والنظري للكتابة الروائية والذي اقترن بمفهوم التحول، والتغاير، والتعالق مع سلسلة من المؤثرات والازاحات، تلك التي كشف حتما عن المعطى العميق القائم على اساس التأثر بالعديد من المناهج الحديثة والنظريات الاسلوبية والفلسفية، والتي عمدت على استشراف مقدمات لتأصيل الاشتغال النقدي المعاصر، وتقعيد القواعد والمقاربات النقدية للتحولات الحادثة في الرواية الجديدة.
    محاور الكتاب حاولت ربط إلاشكاليّات الفنية والمنهجية للتحول في الكتابة الروائية بمعطيات ما افرزته الظروف والمتغيرات السياسية والاجتماعية في هذا البلد او ذاك، فضلا عن التعرّف مع طبيعة المتغيرات التي مسّت ظواهر الحريات الثقافية وحريات التعبير والحراك المدني، وحيوية النشاطات الثقافية، فضلا عن الحرية الخاصة بالصناعة الثقافية وعمليات توريد الكتاب وتسويقه وطبيعة الرقيب الثقافي والفكري، والذي كان يمثل عقبة كأداء امام تنظيم مفعول التحول في السياق الثقافي بوصفه تحولا فلسفيا ومفاهيميا، مثلما هو تحول في المعطيات الثقافية، وعبر تلمسها للاسئلة الاشكالية التي تعنى بالمناهج والنظريات الثقافية، ومدى قبولها، وطبيعة درسها وتسويقها والنظر اليها بوصفها وظائف اجرائية فاعلة، والتعرّف على مدى قدرتها في تأهيل الوعي القرائي للتعاطي اشكالات الكتابة الروائية، في سياق تغايراتها الاسلوبية، وفي سياق تعاطيها مع قواعد منهجية صارمة، او مع فضاءات ثقافية رمزية خاضعة للكثير من رقابة السياسي او الديني والسلطوي، ومتماهية مع تلمساتها في مقاربة تابوات الجنس والسياسة والدين.
    • الرواية والسيرة.. الرواية والواقع..
    علاقة الرواية بالسيرة، واحدة من اكثر تمظهرات التحول الوظائفي في المشغل الروائي، مثلما هي تعبير عن تجديد اليات المنظور الفني في البنية التجديدية للرواية الحديثة، اذ بدت رواية (السيرذاتية) وكأنها محاولة لسرد استيهامات الحكاية القديمة، والتخلص من هيمنة الراوي الغائب، والراوي العليم، فضلا عن سعي هذه الوظائفية لخلق نوع من المزاوجة المتالية في مقاربة ثنائيات ما يحمله التاريخ، وما يتخيله السرد، اذ ان هذه الثنائية تمثل تنشيطا للفعل الروائي، ودافعا لاعادة إنتاج مفهوم اكثر حيوية للتخيل السردي من منطلق مقاربته لحمولات التاريخي والسيري والوثائقي. هذا المعطى انعكس على بنيات التجديد في الكتابة الروائية، تلك التي تستدعي اشتغالات جديدة، مثلما تستدعي ايضا نوعا من المغايرة التوصيفية والفنية، على المستوى الوظائفي للزمن والمكان والشخصية، وعلى مستوى طبيعة الروي والميتاروي، اذ اسهمت هذه المستويات التجديدية في وضع الرواية امام منظورات جديدة، واستخدامات جديدة لمفاهيم التبئير، وللتعدد في زاويا النظر وفي بناءات النص/ السيناريو، والنص المشهدي، والنص المنبثق من عين الكاميرا، فضلا عن التداخل السردي الذي بات اكثر تمثلا لما تستدعي معالجته السردية مقاربة مع الوثيقة والسيناريو والشعر والتاريخ وغيرها من البنيات المجاورة، والتي صنعت ما يمكن تسميته بـ "صدمة الكتابة الروائية".
    لقد وضع الباحث علاقة الرواية بالسيرة على شكل سؤال، لكن هذا السؤال غفل عن تلمس طبيعة المتغيرات الداخلية في المشهد السيوسياسي العربي، لاسيما في معاينة الصراعات الداخلية والحروب وظهور انظمة الاستبداد، وصعود الافكار الاصولية والجهادية، اذ وضعت هذه التمظهرات كتابة الرواية امام ازمة مفتوحة في النظر الى هوية الانسان العربي في التاريخ وفي الوثيقة او النص والمقدس او في الواقع، وفي تعاطيه مع قيم ومفاهيم مثل الحرية والديمقراطية والجنس والمنفى والسجن ولقهر الاجتماعي وحتى التكفير والتهميش والعزل، فالتبدلات التي عاشها الانسان العربي خلال العقود الاخيرة، وطبيعة الصراعات الطاردة والشكوكية، جعلت التاريخ مأزقا او فخا، وربما دفعت بالانسان الى محاولة جريئة ومغامرة لتدوين سرود تاريخه وسيرته وسرائره وفواجعه الداخلية، لكي يتخلص من من رقابة المقدس والسلطة والايديولوجيا والمهيمنات الاجتماعية.
    هذا الدافع تحول الى صدمة تدوينية، اعادت الروائي الى استكناه محمولات الانساق المضمرة للحكايات والسير والمغازي والفلوكلور، اذ يمكن استقراء ما فيها من دلالات رمزية، ومن رؤى مفارقة، والتي يجتهد البعض في ايجاد مقاربات خلافية تلامس بعض ازمات الانسان المعاصر، ازمة العنف والاضطهاد والغلو والحرب والهزائم القومية وجدل الواقع، والتي تحولت الى ازمة مصائر وازمة وجود.
    كما ان نزوع الروائي للتخلص من صدمات التاريخ والواقع دفع به الى ما يشبه (الهروب الانزياحي) باتجاه تقانات جديدة، تلك التي جعلته يدخل في خانة التجريب ومقاربة بعض اشتغالات الواقعية السحرية وبعض تقانات الرواية الجديدة التي جاءت بها كتابات روب غرييه وجماعة الرواية الجديدة، والتي جعلته اكثر اغترابا عن التاريخ والنمطية والواقعية، واكثر قربا من إرهاصات وعيه الشقي في الهروب بواسطة السرد السحري من الضغط والاكراه، والباس النص الروائي نوعا من الاتوبوغرافية التي تدوّن السيرة الذاتية في تعالقاتها مع التاريخ والوثيقة والواقع.
    أقسام الكتاب حاولت مقاربة اشكالات الكتابة ومنطلقتها، فهي تطرح الكثير من المسائل التي تتعلق بالمقايسة والمقارنة المفهومية بين الجديد والقديم، اذ تكشف هذه المقايسة عن انساق مضمرة تحيل الى ما يشبه الاستعانة بوظائفية النقد الثقافي الذي يضع الكتابة الروائية بوصفها انساقا، وبوصفها مجاورات، وكذلك بوصفها منطلقا لرؤية الوجود بعيون اكثر اتساعا، والذي يخضع النص الروائي للمعالجة الثقافية، بوصفه مادة قرائية، ومادة نصية للكشف في ضوء تعالقاتها، وبما يمكن اخضاعها للقراءة المنهجية مهما كانت، ولاسيما المناهج الاسلوبية، والسياقية التي تتعامل مع التحولات التاريخية للكتابة الروائية، وليس المناهج النصوصية التي تعنى بالبنيات الداخلية التي تكشف عنها الاشتغالات السردية البنائية والنسقية للرواية.
    وفي القسم الثاني، يسعى الباحث لتلمس ما يتعلق بالبنى الهيكلية للعمل الروائي، من حيث التعرّف على نسيجها الحكائي، وعلى تلازم وحداتها السردية على مستوى تعالق الزمن السردي بالزمن التاريخي، وعبر قصديتها في تصنيع المكان السردي بوصفه مكانا رمزيا تحتشد فيه شفرات الواقع والتاريخ وأنسنة المعنى، فضلا عن تخليق الشخصيات السردية في سياق علائقها الرمزية، او في ضوء كينونتها التعبيرية عن معطى محمولاتها الصراعية والوجودية في الواقع، والتي تقترح دلالاتها التوليدية للقارىء الباحث عن استكناهات وجوده في النص الروائي.
    القسم الثالث من الكتاب اكثر استغراقا في الجانب الفني والذي يعمل على تلمّس طبيعة الاعمال الروائية التي اختارها، والتي حاول ان يستقرأ من خلالها التوظيفات الحكائية والتاريخية والفلولكلوية، والتي تقدّم عالما مسكونا بالصراعات والدلالات، اذ هي تسعيد عالما او وجودا وتحتفي بهما من خلال معالجة البنيات الفنية، والاشتغالات السيميائية التي تسعى الى الكشف عن أنساق مضمرة او المسكوت عنه في التاريخ او الوثيقة.
    ان ما يسعى اليه كتاب المديني ينطلق من منظور نقدي منهجي يقوم على ابراز الجانب الوظيفي لوعي النظرية والمنهج، وعلى مقاربة الرواية بوصفها جنسا ثقافيا، باتجاه ان تكون فعالية القراءة مناظرة منهجية ايضا، لكنها تقوم على سلسلة من الاستراتيجيات التي تتيح للباحث ان يعطي للتجريب عمقا تأسيسيا، وتجاوزا يتناسب وطبيعة التحولات الحادثة التي كثيرا ما تقترن بمؤثرات خارجية بعضها ما يتعالق مع الايديولوجي، وبعضه ما يتعالق بالوثائقي الذي كثيرا ما يتحول الى مهيمنات تضغط باتجاه تغيير زاوية النظر للنص الروائي ولعوالمه التي كثيرا ما تتحول الى مولدات تنعكس على شكل الكتابة وعلى مجرى تحولاتها الفنية.
يعمل...
X