إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مسيرة نضال نيلسون مانديلا /سفره و اعتقاله ومحاكمته وسجنه..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسيرة نضال نيلسون مانديلا /سفره و اعتقاله ومحاكمته وسجنه..


    اومكونتو وي سيزوي والجولة الأفريقية (1961-1962)


    سافر مانديلا في البلاد متخفيا ومتنكرا كسائق، لتنظيم وهيكلة خلية جديدة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي والإعداد لإضراب «البقاء في البيت» الشامل طوال يوم 29 مايو. والمشار إليها بـ"Black Pimpernel" في الصحافة - في إشارة إلى رواية Emma Orczy عام 1905 The Scarlet Pimpernel - في حين أصدرت الشرطة مذكرة لاعتقاله [99] عقدت لقاءات سرية لمانديلا مع الصحفيين، وبعد فشل الحكومة في تفادي الإضراب، حذرهم من أن العديد من النشطاء المناهضين للفصل العنصري سيلجؤون قريبا للعنف من خلال جماعات مثل Poqo التابعة لـ PAC. [100] كان يعتقد أنه على حزب المؤتمر تشكيل جماعة مسلحة لتحكم في توجيه بعض هذا العنف، مقنعا كل من زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ألبرت وثولي - الذي كان أخلاقيا معارضا للعنف - ومجموعات من الحلفاء الناشطين لضرورته [101]

    مستوحاة من حركة 26 يوليو التي قادها فيدل كاسترو وأشعلت الثورة الكوبية، شارك مانديلا في تأسيس «اومكونتو وي سيزوي» ("رمح الأمة"، يختصر MK) مع سيسولو والشيوعي جو سلوفو في عام 1961. واصبح مانديلا رئيسا لجماعة مسلحة، وأفاده ما كتبه كل من ماو تسي تونغ وتشي غيفارا عن «حرب العصابات». رسميا، المجموعة منفصلة عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لكنها أصبحت في السنوات اللاحقة جناحه العسكري. [102] كان أغلب أعضاء MK الأوائل من الشيوعيين البيض. وبعد اختبائه في شقة الشيوعي Wolfie Kodesh في بيريا، انتقل مانديلا إلى مزرعة مملوكة لشيوعي بيليسليف في ريفونيا، وانضم إليه هناك Raymond Mhlaba، سلوفو وبيرنشتاين الذين وضعوا دستور MK [103] تعتمد هيكلية المنظمة على الخلايا، وتأيد أعمال التخريب لممارسة أقصى قدر من الضغط على الحكومة بأقل عدد من الضحايا، كقصف المنشآت العسكرية ومحطات الطاقة وخطوط النقل والهاتف، ليلا وعند غياب المدنيين. وأشار مانديلا إلى أن أطروحة التكتيكات قد تفشل، وقد يلجأ MK إلى "حرب العصابات والإرهاب". [104] بعد منح زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لوثولي جائزة نوبل للسلام، أعلنت منظمة MK عن وجودها على الملأ بـ 57 تفجيرا في «يوم دينغن» (16 ديسمبر) عام 1961، وتلتها المزيد من الهجمات في ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة. [105]

    وافق حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على إرسال مانديلا، في فبراير 1962، مندوبا إلى اجتماع «حركة الحرية الأفريقية في شرق ووسط وجنوب أفريقيا» (Pan-African Freedom Movement for East, Central and Southern Africa : PAFMECSA) في أديس أبابا، إثيوبيا. [106] بالطبع سافر متخفيا، والتقى مانديلا بالامبراطور هيلا سيلاسي الأول، وألقى كلمته بعد كلمة سيلاسي في المؤتمر. [107] بعد المؤتمر،

    جواز سفر سوداني

    حضر مانديلا للسودان للمرة الأولي -زاره 3 مرات في حياته- قادما من تنجانيقا بلا أوراق ثبوتية في مطار الخرطوم ، حيث كان يحمل وثيقة سفر مكتوب عليها "هذا نلسون مانديلا، مواطن من جنوب أفريقيا ، مسموح له بمغادرة تنجانيقا والعودة إليها." [108] [109] وقام الرئيس إبراهيم عبود بمنحه جوازا ديبلوماسيا، قبل أن ينصحه بالنضال من الداخل ، ومن ثم سافر إلى القاهرة حيث أعجب بالإصلاحات السياسية للرئيس جمال عبد الناصر، ثم ذهب إلى مدينة تونس، حيث التقى بالرئيس الحبيب بورقيبة وتسلم منه 5،000 جنيه استرليني للأسلحة. انتقل بعدها إلى المغرب ومالي وغينيا وسيراليون وليبيريا والسنغال، وتلقى أموالا من الرئيس الليبيري وليام توبمان والرئيس الغيني أحمد سيكو توري.[110] سافر بعدها إلى لندن (إنجلترا)، حيث التقى بنشطاء مناهضين للفصل العنصري، وصحفيين وسياسيين يساريين بارزين. [111] عاد إلى إثيوبيا، وبدأ دورة تدريبية لمدة ستة أشهر حول حرب العصابات، ولكنه استدعي بعد شهرين فقط إلى جنوب أفريقيا. [112]

    السجن

    الاعتقال ومحاكمة ريفونيا (1962-1964)


    اقيم هذا النصب في عام 1996 بالموقع الذي شهد القبض على مانديلا بالقرب من هويك، في كوازولو ناتال
    في 5 أغسطس 1962، اعتقلت الشرطة مانديلا مع سيسيل ويليامز بالقرب من هويك. [113] وسجن في سجن مارشال سكوار بجوهانسبرج، تم توجيه له تهم التحريض على الإضرابات العمالية ومغادرة البلاد بدون إذن. مثل مانديلا نفسه بنفسه واتخذ سلوفو كمستشار قانوني، وسعى لاستخدام المحاكمة كعرض «لنصال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الأخلاقي ضد العنصرية»، في حين تظاهر أنصاره خارج المحكمة. [114] نقل مانديلا إلى بريتوريا، حيث يمكن لويني زيارته، وفي زنزانته بدأ في دراسة بالمراسلات للتحضير لليسانس الحقوق (بكالوريوس في القانون) من جامعة لندن. [115] بدأت جلسة الاستماع في 15 أكتوبر، وقد أحدث فيها مانديلا إضرابات بسبب ارتداءه للـ «كروس التقليدي» ورفضه استدعاء أي شهود، وتحويل مرافعته إلى خطاب سياسي. اعتبرت المحكمة مانديلا مذنبا، وحكمت عليه بالسجن لخمس سنوات، وعند مغادرته لقاعة المحكمة، أنشد أنصاره أغنية «Nkosi Sikelel iAfrika». [116]

    "بطريقة لم أفهمها تماما من قبل، أدركت الدور الذي يمكن أن ألعبه في المحكمة والاحتمالات قبل أن أكون متهم. كنت رمزا للعدالة في محكمة الظالم، ممثلا للمثل العليا للحرية والعدالة والديمقراطية في المجتمع الذي تهان فيه تلك الفضائل. أدركت بعد ذلك وهناك أنه يمكنني مواصلة القتال حتى في قلعة العدو."

    — Mandela, 1994[117]
    في 11 يوليو 1963، داهمت الشرطة مزرعة يليسليف واعتقلت من وجدتهم هناك، واكتشفت أوراقا توثق أنشطة MK، والتي ذكرت بعضها مانديلا. بدأت لاحقا «محاكمة ريفونيا» في المحكمة العليا في بريتوريا في 9 أكتوبر، واتهم مانديلا ورفاقه بأربع تهم بالتخريب والتآمر للإطاحة بالحكومة باستعمال العنف. كان بيرسي يوتار هو كبير ممثلي الادعاء، والذي طالب بتوقيع عقوبة الإعدام بالمتهمين. [118] أسقط القاضي Quartus de Wet سريعا ملف الاتهامات لعدم كفاية الأدلة، لكن يوتار أعادة صياغة التهم، وقدم القضية مجددا ما بين ديسمبر وفبراير 1964، داعيا 173 شاهدا ومقدما الآلاف من الوثائق والصور إلى المحاكمة. [119]

    باستثناء جيمس كانتور الذي برئ من جميع التهم، اعترف مانديلا والمتهمون الآخرون بتهمة التخريب ولكنهم نفوا أي موافقة على اشعال حرب عصابات ضد الحكومة. واستخدموا المحاكمة لتسليط الضوء على قضيتهم السياسية، إحدى خطب مانديلا - المستوحاة من خطاب كاسترو "التاريخ سيغفر لي" - تناقلتها على نطاق واسع التقارير الصحافية على الرغم من الرقابة الرسمية. [120] جلبت المحاكمة الاهتمام الدولي، مع دعوات دولية لإطلاق سراح المتهمين صدرت من مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجلس السلم العالمي. صوتت جامعة اتحاد لندن على مانديلا رئيسا لها، ونظمت وقفات احتجاجية ليلية أمام كاتدرائية سانت بول في لندن. [121] ومع ذلك، تجاهلت حكومة جنوب أفريقيا جميع طلبات الرأفة، معتبرة بأن المتهمين هم محرضين شيوعين عنيفين. وفي 12 يونيو 1964، أعتبر القاضي دي ويت كل من مانديلا واثنين من المتهمين مذنبين في التهم الأربع، وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة بدلا من الإعدام. [122]

    جزيرة روبن (1962-1982)

    محجر الجير في جزيرة روبن
    نقل مانديلا وزملائه المتهمون من بريتوريا إلى سجن في جزيرة روبن آيلاند، حيث بقوا هناك لمدة 18 سنة.[123] معزول عن السجناء غير سياسيين في القسم B، سجن مانديلا في زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، بها حصيرة من القش للنوم عليها. [124] لم يسلم من المضايقات الجسدية واللفظية من العديد من حراس السجن البيض، وكان سجناء محاكمة ريفونيا يقضون يومهم في كسر الصخور في المحاجر، حتى نقل في يناير 1965 إلى العمل في محجر الجير. في البداية، منع على مانديلا على ارتداء النظارات، ما تسبب في أضرار دائمة في بصره بسبب الجير. [125] في الليل، كان يحضر لشهادة ليسانس الحقوق، ومنعت عنه الصحف، وكان حبس انفراديا في عدة مناسبات لحيازته قصاصات أخبار مهربة. [126] بعد تصنيفه كسجين بأدنى درجة مراقبة (الدرجة D)، سمح له بزيارة واحدة ورسالة واحدة كل ستة أشهر، في ظل رقابة صارمة على كل بريده. [127]

    شارك السجناء السياسيون في الإضرابات عن العمل وعن الطعام - والتي اعتبرها مانديلا لاحقا بغير الفعالة إلى حد كبير - لتحسين أوضاع السجون، ونظر إليها كصورة مصغرة من النضال ضد الفصل العنصري [128] انتخبوه سجناء حزب المؤتمر عضوا في "الجهاز العالي" جنبا إلى جنب مع سيسولو، غوفان مبيكي وريمون مهلابا، وشارك في مجموعة تمثل جميع السجناء السياسيين في جزيرة أولوندي، سمحت له بتوطيد صلاته مع PAC وأعضاء نادي «يو تشي تشان». [129] أنشأ "جامعة جزيرة روبن"، حيث حاضر السجناء كل حسب خبرته وتخصصه، وتناقش مع رفاقه في مواضيع مثل : الشذوذ الجنسي والسياسة، أدخلتهم في محاججة شرسة مع الماركسيين مثل مبيكي وهاري جوالا [130] رغم مسيحيته وحضوره لقداس الأحد، إلا مانديلا درس الإسلام. [131] ودرس اللغة الأفريكانية أيضا، رغبة منه في بناء احترام متبادل مع السجانين وكسبهم في صالح قضيته. [132] زار مسؤولون رسميون مانديلا، وكان أهمهم ممثلة الجناح البرلماني الليبرالي هيلين سوزمان من الحزب التقدمي، والتي دافعت عن قضية مانديلا خارج السجن. [133] وفي سبتمبر 1970 التقى النائب البريطاني دنيس هيلي من حزب العمال. [134] وزاره وزير العدل لجنوب أفريقيا جيمي كروجر في ديسمبر 1974، ولكنه لم يتوافق مع مانديلا. [135] زارته والدته في عام 1968، قبل وفاتها بفترة وجيزة، وابنه البكر ثيمبي الذي توفي في حادث سيارة في العام التالي. ومنع مانديلا من حضور جنازتهما[136] لم تكن زوجته قادرة على زيارته إلا نادرا، لتكرار سجنها بسبب نشاطها السياسي، في حين زارته بناته للمرة الأولى في ديسمبر 1975، خرجت ويني من السجن في عام 1977 ولكنها خضعت لإقامة جبرية في براندفورت،فلم تقدر على زيارته. [137]

    زنزانة مانديلا وساحة في سجن جزيرة روبين
    بداية من سنة 1967، بدأت تتحسن ظروف السجن، فأعطي السجناء السود سراويل بدلا عن تبابين، وسمح بالألعاب، وتحسنت جودة الأغذية. [138] في عام 1969، دبر بروس غوردون لخطة لفرار مانديلا، قبل أن يتم التخلي عنها نتيجة لاختراق لعميل من مكتب جنوب أفريقيا للأمن الدولة (South African Bureau of State Security - BOSS) كان يأمل في أن يطلق النار على مانديلا في حال هروبه. [139] في عام 1970، أصبح القائد Piet Badenhost الضابط الآمر. وقرر مانديلا، لما شهد زيادة في الإيذاء البدني والنفسي للسجناء، المطالبة بزيارة القضاة، ما أدى إلى نقلBadenost. [140] عوضه القائد ويلي ويليمس، وسعى هذا الأخير إلى تطوير علاقة تعاونية مع مانديلا وكان حريصا على تحسين معايير السجون. [141] بحلول عام 1975، اصبح مانديلا ضمن الفئة (A) من السجناء، [142] فسمح له بعدد أكبر من الزيارات والرسائل. وتراسل مع نشطاء مناهضين للفصل العنصري مثل مانغوسوتو بوثيليزي وديزموند توتو [143] في ذات العام، بدأ كتابة سيرته الذاتية، والتي كانت تهربه إلى لندن، من دون نشرها، واكتشفت سلطات السجن عدة صفحات، فأوقفت الامتيازات الدراسية لمانديلا لمدة أربع سنوات. [144] ما دفعه إلى تكريس وقت فراغه في زراعة الحدائق وقراءة ما يصل إليه، حتى استأنف دراسته للحقوق في عام 1980. [145]

    وبحلول أواخر ستينيات القرن الماضي، كانت شهرة مانديلا قد حجبتها شعبية ستيف بيكو وحركة الوعي السود (Black Consciousness Movement :BCM). هذه الحركة، التي كانت تنظر إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بأنه غير فعالا، دعت إلى تحرك المناضلين، ولكن في أعقاب انتفاضة سويتو عام 1976، سجن الكثير من نشطاء BCM في جزيرة روبن. [146] حاول مانديلا بناء علاقة مع هؤلاء الشبان المتطرفين، ولكنه كان منتقدا لعنصريتهم وازدرائهم للنشطاء البيض المناهضين للفصل العنصري. [147] تجدد الاهتمام الدولي في بمحنته في يوليو عام 1978 عندما احتفل بعيد ميلاده الستين. [148] وحصل على دكتوراه فخرية في ليسوتو، وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي في الهند في عام 1979 وجائزة الحرية لمدينة غلاسكو أسكتلندية في عام 1981. [149] [150] [151] في مارس 1980، رفع الصحفي Percy Qoboza شعار "الحرية لمانديلا"، ما أثار حملة دولية دفعت مجلس الأمن الدولي إلى الدعوة لإطلاق سراحه. [152] على الرغم من تزايد الضغوط الخارجية، رفضت الحكومة الرضوخ مستندة على قوة تحالفاتها الخارجية، في ظل الحرب الباردة، بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، وكانت تاتشر تنظر لمانديلا على أنه شيوعي وإرهابي وأيدت إزالة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. [153]

    سجن بولسمور (1982-1988)


    في أبريل 1982، تم نقل مانديلا إلى سجن بولسمور (Pollsmoor) في توكاي، كيب تاون مع كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كـ والتر سيسولو وأندرو ملانجني واحمد كثرادا وريمون مهلابا ؛ وأعربوا عن اعتقادهم بأن الهدف من عزلهم هو القضاء على تأثيرهم في النشطاء الأصغر سنا. [154] كانت الأوضاع في بولسمور أفضل مما كانت عليه في جزيرة روبن، إلا أن مانديلا افتقد الصداقة وأجواء الجزيرة. [155] وجود العلاقات الجيدة مع الضابط الآمر ببولسمور، العميد مونرو، سمح لمانديلا بإنشاء حديقة على السطح، [156] والقراءة بنهم والتراسل على نطاق واسع، فسمح له الآن بـ 52 رسالة في السنة. [157] تم تعيينه رئيس للجبهة الديمقراطية المتحدة متعددة الأعراق (multi-racial United Democratic Front - UDF)، والتي تأسست لمحاربة الإصلاحات التي أقدم عليها رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بوتا (P.W. Botha). وكانت حكومة بوتا من الحزب الوطني قد سمحت للمواطنين الملونين والهنود بانتخاب برلماناتهم التي سيكون لها السيطرة على التعليم والصحة والإسكان، ولكن الأفارقة السود استبعدوا من هذا النظام، فرأى فيه مانديلا وكذا جبهة UDF على أنه محاولة لتقسيم الحركة المناهضة للفصل العنصري على أسس عرقية. [158]

    تمثال لمانديلا في ساحة البرلمان (Parliament Square)، بلندن
    تصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد، وازدادت المخاوف من حرب أهلية. وتحت ضغط من اللوبي الدولي، توقفت البنوك متعددة الجنسيات عن الاستثمار في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى ركود اقتصادي. طالب العديد من البنوك وتاتشر من بوتا باطلاق سراح مانديلا - المشهور عالميا - لنزع فتيل الوضع المتفجر [159] رغم اعتباره لمانديلا بأنه ماركسي متشدد وخطر،[160] إلا أن بوتا عرض عليه في فبراير 1985 الإفراج من السجن بشرط «التخلي عن العنف كسلاح سياسي دون قيد». رفض مانديلا العرض، وأصدر بيانا عبر ابنته زندزي افتتحه بقوله "ما حرية المعروضة عليا في حين أن منظمة الشعب [ANC] لا تزال محظورة؟ فقط الأحرار يمكنهم التفاوض. سوى الرجال الأحرار. لا يمكن للسجين أن يتدخل في عقود. " [161]

    في عام 1985، خضع مانديلا لعملية جراحية على غدة البروستات متضخمة، قبل زنزانة انفرادية في الطابق الأرضي. [162] التقى بـ"سبعة أشخاص بارزين"، أفراد وفد دولي للتفاوض للوصول إلى تسوية، ولكن حكومة نظام بوتا رفضت التعاون، وفي يونيو أعلنت حالة الطوارئ ودفعت بالشرطة لفض الاضطرابات. عادت الحركة المناهضة للفصل العنصري للمقاومة والكافح، فشن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي 231 هجمة في عام 1986 و 235 هجمة في عام 1987. استعمل الجيش والفرق شبه العسكرية اليمينية لمحاربة المقاومة، ومولت الحكومة سرا حركة الزولو انكاثا القومية لمهاجمة أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لتزيد وتيرة العنف. [163] طلب مانديلا التحادث مع بوتا ولكن طلبه رفض، وبدلا من ذلك اجتمع سرا بوزير العدل Kobie Coetsee في عام 1987، تلتها 11 جلسة على مدى ثلاث سنوات. رتب Coetsee لمفاوضات بين مانديلا وفريق من أربعة رموز للحكومة ابتداءا من شهر مايو عام 1988. ووافق الفريق على إطلاق سراح السجناء السياسيين وإضفاء الشرعية على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بشرط نبذهم للعنف بشكل دائم وكسر الروابط مع الحزب الشيوعي وعدم الإصرار على حكم الأغلبية. رفض مانديلا الشروط، وأصر بأن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سينهي الكفاح المسلح عندما تخلت الحكومة العنف. [164]

    جذبت مناسبة عيد ميلاد مانديلا 70 في يوليو 1988 الاهتمام الدولي، فنظمت هيئة الإذاعة البريطانية احتفالا موسيقيا بعيد ميلاد نيلسون مانديلا الـ 70 في استاد ويمبلي بلندن. [165] وقدم عالميا كشخصية بطلة، واجه مشاكل عائلية عندما علم من قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بأن زوجته ويني تترأس عصابة إجرامية، كان "نادي مانديلا لكرة القدم" المسؤول عن تعذيب وقتل المعارضين - بما في ذلك الأطفال - في سويتو. وعلى الرغم من تشجيع البعض له بتطليقها، إلا انه قرر البقاء وفيا إلى غاية إدانتها من المحاكمة. [166]

    سجن فيكتور فيرستر ثم الإفراج (1988-1990)


    طابع تذكاري سوفياتي، عليه صورة لمانديلا 1988
    تعافى من مرض السل الذي أصيب به جراء الشروط الصحية المتدهورة لزنزانته، [167] في ديسمبر 1988، نقل مانديلا إلى سجن فيكتور فيرستر بالقرب من بارل. هناك، وجد راحة نسبية في منزل الحراس مع طباخ شخصي، واستغل الوقت للتحضير لشهادة ليسانس الحقوق. [168] سمح للكثير بزيارته، أجرى مانديلا من خلالها اتصالات سرية مع زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المنفي أوليفر تامبو. [169] في عام 1989، عانى بوتا من جلطة دماغية، فتنحى عن زعامة الحزب الوطني لصالح المحافظ ف.و. دي كليرك، واستبقى رئاسة الدولة. [170] في خطوة مفاجئة، دعا بوتا مانديلا إلى جلسة شاي في يوليو عام 1989، اعتبر مانديلا الدعوة برائعة. [171] بعد ستة أسابيع انتقلت رئاسة الدولة من بوتا إلى دي كليرك. اعتقد الرئيس الجديد بأن نظام الفصل العنصري غير قابل للاستمرار، فأطلق سراح جميع سجناء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دون قيد أو شرط باستثناء مانديلا.[172] بعد سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989، دعا دي كليرك مكتبه للاجتماع ومناقشة تقنين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وتحرير مانديلا. كان البعض معارضين بشدة لخططه، التقى دي كليرك مع مانديلا في ديسمبر لمناقشة الوضع، اللقاء اعتبره الطرفان بالودي، قبل الإفراج عن مانديلا دون قيد أو شرط وإضفاء الشرعية على كل الأحزاب السياسية المحظورة سابقا في 2 فبراير 1990. [173]

    ترك مانديلا سجن فيكتور فيرستر في 11 فبراير، وقابل الحشود التي اجتمعت والصحافة وهو ممسك بيد زوجته ويني، وقد بث الحدث على الهواء مباشرة إلى جميع أنحاء العالم [174] انتقل إلى مقر بلدية كيب تاون وسط الحشود، حيث ألقى خطابا أعلن فيه عن التزامه بالسلام والمصالحة مع الأقلية البيضاء، كما أوضح أن كان الكفاح المسلح لحزب مؤتمر الوطني الأفريقي لم ينته بعد، وأنه سيستمر «كإجراء دفاعي بحت ضد عنف نظام الفصل العنصري». واعرب عن أمله أن توافق الحكومة على المفاوضات، بحيث "لا تكون هناك أي ضرورة للكفاح المسلح"، وأصر على أن تركيزه الأساسي هو إحلال السلام لغالبية السود وإعطاؤهم الحق في التصويت في الانتخابات الوطنية والمحلية. [175] في الأيام التالية، مكث في منزل ديزموند توتو، حيث التقى مانديلا بالأصدقاء والناشطين والصحافة. وألقى خطابا على 100،000 شخص في ملعب سوكر سيتي بجوهانسبرج. [176]

    نهاية نظام الفصل العنصري

    المفاوضات المبكرة (1990-1991)



    المقر الجديد لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في شل هاوس، وسط جوهانسبرغ في عام 1991
    شرع مانديلا في جولة أفريقية، التقى خلالها مشجعين وسياسيين في زامبيا وزيمبابوي وناميبيا وليبيا والجزائر، ثم انتقل إلى السويد حيث التقى بتامبو، وفي لندن، ظهر في حفل لـ «نيلسون مانديلا : منبر دولي من أجل الحرية في جنوب أفريقيا» (بالإنجليزية: Nelson Mandela: An International Tribute for a Free South Africa) في استاد ويمبلي. [177] شجع مانديلا الدول الأجنبية على دعم فرض عقوبات ضد حكومة الفصل العنصري. في فرنسا، استقبله الرئيس فرانسوا ميتران، وفي الفاتيكان البابا يوحنا بولس الثاني، والتقى في انجلترا بمارجريت تاتشر. حظي في الولايات المتحدة، باستقبال الرئيس جورج بوش الأب وألقى خطابا في مجلسي النواب والشيوخ وزار ثماني مدن أمريكية، وكان مانديلا يتمتع شعبية خاصة بين الأميركيين من أصول أفريقية. [178] في كوبا، التقى بالرئيس فيدل كاسترو، الذي كان قدوته لفترة طويلة، وجمعت بين الاثنين صداقة. [179] في آسيا، قابل الرئيس ر. فينكاتارامان في الهند، والرئيس سوهارتو في إندونيسيا ورئيس الوزراء مهاتير محمد في ماليزيا، قبل زيارة أستراليا واليابان، والملاحظ أنه لم يقم بزيارة الاتحاد السوفياتي، الذي أيد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لفترة طويلة. [180]

    في مايو 1990، قاد مانديلا وفدا متعدد الأعراق من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في مفاوضات أولية مع وفد حكومي من 11 رجلا أفريكاني. أثار مانديلا أعجبهم عندما تحدث عن تاريخ الأفريكانية، توصلت المفاوضات إلى دقيقة “شور غروت”، التي خلالها قررت الحكومة رفع حالة الطوارئ. في أغسطس، عرض مانديلا - وهو مدرك لضرر العمل العسكري على حزب المؤتمر - وقفا لإطلاق النار. العرض جوبه بانتقادات واسعة من نشطاء MK. [181] ما دفع بمانديلا لقضاء الكثير من الوقت في محاولة لتوحيد وبناء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ولدى ظهوره في مؤتمر جوهانسبرغ في ديسمبر والذي حضره 1600 مندوبا، وجده الكثير منهم أكثر اعتدالا مما كان متوقعا. [182] في يوليو 1991، أثناء المؤتمر الوطني للحزب في ديربان، اعترف مانديلا بأخطاء الحزب وأعلن عن هدفه في بناء "فريق مهام قوي ومؤهل" لتأمين حكم الأغلبية. في المؤتمر، انتخب مانديلا رئيسا لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ليحل محل تامبو المريض، كما تم انتخاب 50 عضوا تنفيذيا من أعراق وأجناس متعددة. [183]

    صار لمانديلا مكتب في المقر الجديد لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في شل هاوس، وسط جوهانسبرغ، في الوقت الذي انتقل مع ويني إلى منزلها الواسع بسويتو. [184] توترت حياته الزوجية بشكل متزايد كلما ازداد دراية بعلاقة ويني بقضية «دالي مبوفو»، ولكنه وقف إلى جانبها طيلة فترة محاكمتها بتهم الخطف والاعتداء. حصل على تمويل للدفاع عنها من «الصندوق الدولي للدفاع والمعونة في جنوب أفريقيا» ومن الزعيم الليبي معمر القذافي. ولكنها أدينت في يونيو 1991 وحكم عليها بالسجن لمدة ست سنوات، خفضت إلى اثنتين بعد الاستئناف. في 13 أبريل 1992، أعلن مانديلا على الملأ انفصاله عن ويني، في حين اضطرها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى التنحي من التنفيذي الوطني لاختلاس أموال حزب المؤتمر، وانتقلت مانديلا إلى ضاحية جوهانسبرغ ذات الغالبية البيضاء من هوتون [185] لحقت أضرار بسمعة مانديلا بتزايد العنف بين السود، وخاصة بين حزب المؤتمر وأنصار انكاثا في كوازولو ناتال، سقط ضحيتها آلاف الموتى. التقى مانديلا بزعيم قبيلة بوتليزي، في حين منع حزب المؤتمر المزيد من المفاوضات بشأن هذه المسألة. اعترف مانديلا بوجود "قوة ثالثة" في أجهزة استخبارات الدولة تعمل على تأجيج "ذبح الشعب" وألقى باللوم صراحة على دي كليرك - الذي بدأ يفقد الثقة به بشكل متزايد - في مجزرة. Sebokeng [186] في سبتمبر 1991، تم عقد مؤتمر للسلام الوطني في جوهانسبرج وقع خلاله كا من مانديلا وبوثيليزي ودي كليرك على اتفاق سلام، ورغم ذلك استمر العنف. [187]

    محادثات كوديسا (1991-1992)

    بدأت مباحثات كوديسا أو «اتفاقية إرساء الديمقراطية في جنوب أفريقيا (The Convention for a Democratic South Africa : CODESA)» في ديسمبر 1991 بمركز جوهانسبرغ التجارة العالمية، وحضره 228 مندوبا من 19 حزبا سياسيا. وترأس سيريل رامافوزا وفد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وبقي مانديلا شخصية رئيسية، وبعد أن استخدم دي كليرك كلمته الختامية لإدانة العنف من جانب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، جاء دور مانديلا في الكلمة ليندد بدي كليرك كـ"رئيس لنظام الأقلية التي فقدت مصداقيتها وشرعيتها". هيمن الحزب الوطني وحزب المؤتمر الوطني على المفاوضات التي حققت بعض التقدم. [188] CODESA 2 عقدت الجولة الثانية من المفاوضات في مايو 1992، وفيها أصر دي كليرك على أن مرحلة ما بعد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يجب أن تستخدم نظاما اتحاديا برئاسة دورية لضمان حماية الأقليات العرقية؛ اعترض مانديلا على هذا الأمر، مطالبا بنظام موحد حكم فيه للأغلبية [189] في أعقاب مذبحة بوباتونج التي ذهب ضحيتها نشطاء من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على يد نشطاء انكاثا بمساعدة الحكومة، دعا مانديلا لإيقاف المفاوضات، قبل حضور اجتماع لمنظمة الوحدة الأفريقية في السنغال، وطلب فيه بعقد دورة استثنائية لمجلس الأمن للأمم المتحدة، واقترح نشر قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في جنوب أفريقيا لمنع "إرهاب الدولة". رد الأمم المتحدة جاء في وقت لاحق بإرسال المبعوث الخاص سايروس فانس إلى جنوب أفريقيا للمساعدة في المفاوضات. [190] بدعوة لعمل محلي، نظم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أكبر إضراب في تاريخ جنوب أفريقيا في أغسطس، في حين سار الأنصار في بريتوريا. [191]

    في أعقاب مذبحة بيشو، التي قتل فيها 28 من أنصار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وجندي واحد رميا بالرصاص بيد قوات الدفاع سيسكي أثناء مسيرة احتجاجية، تحقق مانديلا من أن العمل الجماعي يؤدي إلى مزيد من العنف، فاستأنف المفاوضات في سبتمبر. جاءت الموافقة بشرط أن يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وحظر أسلحة الزولو التقليدية وتسييج مساكن الزولو. كان الغرض من الطلبين الأخيرين منع المزيد من هجمات انكاثا، وتحت ضغوط متزايدة، وافق دي كليرك على مضض. تم الاتفاق خلال المفاوضات على إجراء انتخابات عامة متعددة الأعراق، نتج عنها حكومة ائتلافية لمدة خمس سنوات وجمعية دستورية، واستمر نفوذ حزب الوطني. قبل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أيضا بالحفاظ على وظائف موظفي الخدمة المدنية البيض، جلبت مثل هذه التنازلات انتقادات داخلية شرسة [192] اتفق الثنائي على دستور انتقالي وضمان الفصل بين السلطات وإنشاء محكمة دستورية، بما في ذلك مشروع قانون للحقوق على طراز الولايات المتحدة، وأيضا تقسيم البلاد إلى تسع محافظات. كما تنازل كل من دي كليرك عن رغبته في الفيدرالية ومانديلا عن حكومة واحدة. [193]

    واجهت العملية الديمقراطية تهديدا من مجموعة الجنوب أفريقيين المعنين (Concerned South Africans Group : COSAG)، وهو تحالف من أحزاب أفريكانية يمينية متطرفة وجماعات عرقية انفصالية سوداء مثل انكاثا. وفي يونيو 1993، تهجمت مجموعة تفوق العرق الأبيض الأفريكانية (white supremacist Afrikaner Weerstandsbeweging : AWB) على حظيرة مركز كمبتون للتجارة العالمية . [194] وفي أعقاب مقتل زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي كريس هاني، نشر مانديلا خطابا للتهدئة من الأعمال الانتقامية بعد ظهوره في جنازة جماعية في سويتو لتامبو الذي مات من سكتة دماغية. [195] في يوليو 1993، زار كلا من مانديلا ودي كليرك الولايات المتحدة، والتقى كل منهما الرئيس بيل كلينتون على حدا واستلما «ميدالية الحرية». [196] وبعد فترة قصيرة، تلقيا معا جائزة نوبل للسلام في النرويج. [197] متأثرا برأي الزعيم الشاب لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي تابو إيمبيكي،بدأ مانديلا اجتماعا مع رجال أعمال كبار، وقلل من دعمه للتأميم، خوفا من أن ينفر الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه البلاد. لقي مانديلا انتقادات من أعضاء اشتراكيين في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وشجعه أعضاء الحزب الشيوعي الصيني والفيتنامي على تبني المشاريع الخاصة في المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير عام 1992 بسويسرا. [198] ظهر أيضا مانديلا بمظهر المدرس يقرأ احد خطب مالكوم إكس في المشهد الأخير من فيلم مالكولم اكس عام 1992. [199]
يعمل...
X