إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنان فيصل لعيبي : الانتماء إلى العراق - تحاوره: دلال جويد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان فيصل لعيبي : الانتماء إلى العراق - تحاوره: دلال جويد

    فيصل لعيبي: الانتماء إلى العراق انتماء فرد لعائلة من النبلاء الحقيقيين





    لندن ـ دلال جويد
    بين بساتين البصرة وشطها ونخيلها عاش الفنان فيصل لعيبي طفولة هانئة ملأت روحه بالألوان والإشراق الذي بقي ملازما أعماله الفنية بما فيها ما يناقش اكثر القضايا قسوة وحزنا، إذ أننا نرى ألما مضيئا يرفض الواقع ويتمرد على ظلمته، وفي مسيرة لعيبي الكثير ما يمكن الحديث عنه، ففي لقاء مطول مع (الصباح) ناقش الفنان بعض معارضه وثيمات لوحاته التي تركت اثرا جماليا كبيرا في نفوس المتلقين، وعبرت عن مواقف انسانية تتعالى على الشخصي، لكنها ترتبط بالوطن ارتباطا لا لبس فيه.

    في بداية اللقاء تحدث لعيبي عن بداياته الفنية، خاصة في معرض النساء والشاعر الذي جاء مغايرا لما هو سائد في ذلك الوقت فقال : "معرض (النساء والشاعر)، هو بداية محاولاتي في التجريب على البيئة والموضوع والأسلوب المحلي. وهو كذلك نتيجة لتجربة عاطفية، فقد سحرتني وقتها منمنة هندية غاية في الجمال، شاهدتها في كتاب عن الفن الشرقي والإسلامي بالذات. وتعود هذه المنمنة الى دولة المنغول الإسلامية في الهند، بعدها تعرفت على الفنان الفارسي الكبير بهزاد، الذي بهرني في إسلوبه ورقته وجمال تكويناته وألوانه الشرقية الساحرة، ما زاد في تعلقي بالأساليب الشرقية في الرسم. لكن أفكار مدرسة بغداد هي من قادتني حقاً الى هذه المغامرة، وبالمناسبة ، فالمعرض، هو اول معرض وربما آخر معرض للّوحات فنية عن نساء عاريات تماماً، في تاريخ الرسم العراقي المعاصر. لقد حاولت أن أستفيد من التوليف الفني في النحت الآشوري والسومري كذلك. وهي أيضاً محاولة ربما تعد وقتها جديدة في ربط الشعر والرسم في مشهدية متداخلة.

    الحداثة والتجريد

    * ينزع كثير من الفنانين في أعمالهم إلى الحداثة والتجريد، وهناك من كرس فكرة ما بعد الحداثة التي تنافس التصوير الفوتوغرافي في الدقة، بينما اخترت نمطا مختلفا لأعمالك الفنية.. كيف يمكن أن تصف هذا الاسلوب؟

    ــ القضية ببساطة، تعتمد على مانتعلمه ونهضمه ونعده مقياساً للعمل الفني، النابع من الهم الحقيقي للفنان. ولكن هناك فترات في مناطق مختلفة من العالم ، يهيمن فيها طراز معين أو أسلوب محدد، ويصبح هو الفن الشائع حينها. ويكتسب هذا الأسلوب او ذاك شرعيته من جملة عوامل مختلفة وربما متناقضة، لكنها تتجمع في لحظة ما وفي مكان ما، لتشكل بمجموعها السبب الرئيس لظهور مثل هذا الأسلوب او ذاك. وستبقى الأساليب بنت زمانها ومكانها الأصلي، وعند انتقالها الى أماكن أخرى ومن دون تغيير أو تحوير لها يتناسب مع المكان الجديد وظروفه الخاصة والمختلفة، ستصبح العملية مجرد استنساخ للتجربة تلك وليس اقتباسا وتأثرا او استفادة منها، ولكي نفهم ما يجري، فإن مفاهيم ما بعد الحداثة قد انتقدت هذه التبعية وعمليات النسخ التي فرضت على فناني العالم غير الاوروبي وعدته نوعاً من السيطرة الثقافية على الآخر بالقوة، لأن الحداثة الأوروبية تتمركز في مفهوم الهيمنة على الآخرين، وهو مفهوم استعلائي بغيض ولا يتناسب مع تطلعات الثقافات الأخرى للتعبير عن نفسها والنمو والتطور المستقل مع عدم نكران التلاقح والتبادل المعرفي والفني بين الشعوب والتجارب .
    التجريد حركة لم تعد تعني أحدا، وما نراه اليوم، هو تكرار لماسبق. والحداثة برمتها وبكل أساليبها المختلفة والمتنوعة قد أصبحت من عاديات القرن العشرين ، بينما نحن نعيش القرن الواحد والعشرين، الذي يعتمد مفهوم ما بعد الحداثة ويتصف به عموماً.
    ما بعد الحداثة

    * كيف يمكن أن تنظر إلى اسلوب ما بعد الحداثة؟ وهل بقيت سطوة الاساليب الغربية موجودة؟

    ــ القضية تبدأ من وصول الفن الغربي الى طريق مسدود عند نهايات القرن التاسع عشر، وقد عانى الكثير من المبدعين من هذه الاشكالية، وكانت أعمال الفرنسي بول كوكان التي استلهمها من أساليب رسامي جزيرة تاهيتي المحلييّن والهولندي فان خوخ الذي تأثر بالفن الياباني، وكوستاف كلِمنت وتلميذه المبدع إيجون شيليه النمساويّين، محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكان كوستاف كلِمنت قد ذهب حتى الى الفن الآشوري والأشكال الزخرفية فيه لتزيين بعض أعماله، لكن القفزة الكبرى كانت عند بابلو بيكاسو، الذي أدرك ما قام به الفنان الفرنسي بول كوكان في تخليه عن تقاليد الفن الغربي، وكذلك ما قام به الفنان الهولندي فان خوخ ، وقد كانت أعمال بيكاسو الأولى تكاد تكون تكراراً لأعمال فان خوخ وكوكان، ولكن بمجرد رؤيته للأقنعة الأفريقية وتعرفه عليها، حتى قام بالنقلة المهمة في لوحته الشهيرة (آنسات أفينيون - 1907 ) ، التي اكدت مفاهيم ما بعد الحداثة في التشكيل الغربي، التي رأت في ثقافات الشعوب الأخرى ما يعزز وجهة نظرها، الداعية الى الاحتفاء بنتاجات البشرية وعدها بمستوى واحد من القيمة والتأثير، لأنها نفت عن التقاليد الغربية تلك السرمديّة والقدسيّة، وأثبتت ان فنون العالم غير الاوروبي جديرة بالنظر والتعلم منها .

    وقد غيرت هذه النقلة وجهة النظر السائدة عن الفن الغربي تماما، وقدمت نماذج مختلفة ومتناقضة عن مفاهيم الجمال الغربية، وطريقة التعبيرعنها.

    فتعززت هذه النقلة من خلال أعمال بيكاسو براك وخوان كريه وغيرهم بطريقة الرسم التكعيبي، التي واجهتها حركة التجريد بعد سنوات التي قادها الفنانان الروسيان، فاسيلي كاندينسكي وكازيميرماليفتش، اللّذان قدما وجهة نظر أخرى في هذا المجال – مجال انقاذ الفن الغربي من أزمته المميتة - حيث تخلّيا عن الموضوع والفكرة الأدبية او الحكاية، التي كانت ترافق أعمال الفنانين منذ بدء ظهورالفنون البصرية ودورها في حياة البشر.

    وهنا نلاحظ اشتراك أكثر من فنان وبلد في المساهمة في حل هذه المعضلة، حيث لم تعد باريس او مدريد او موسكو وحدها في هذا المجال، وصار الهم مشتركا .

    لقد كانت مقولة الفنان الفرنسي أندريه دوران ، في : "ان اللوحة قبل كل شيء هي ألوان وخطوط" . قد تحققت في أعمال ماليفتش وكاندينيسكي. لكن كاندينيسكي ومن سار على طريقته، وكانت الحركة التكعيبية في تناولها لمواد مختلفة ليست لها علاقة بالألوان الزيتية والفرشاة بشكل خاص، حيث استخدم بيكاسو مواد من قارعة الطريق مثل بقايا النفايات من ورق الحيطان والخشب وقصاصات من الصحف والأقمشة، مشكلاً بها لوحاته الأثيرة، قد حررت الفنان من الكثير من القيود التي تتطلبها مهنة الرسم كحرفة متوارثة .

    ولم يكتف الفنانون الأوربيون مع بداية العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، في رفضهم تقاليد الفن الغربي في القرن التاسع بهذا القدر من التمرد، فقد اطلق الفنان الفرنسي – الأميركي مارسيل دو شامب على الفن التشكيلي الغربي برمته رصاصة الرحمة ، والغى ما يسمى باللون واللوحة والكانفس اوالفرشاة،عندما عرض لهم مبولته الشهيرة، وأسماها (النافورة ) العام 1917، أي بعد عشر سنوات من عمل بيكاسو المزلزل ( آنسات أفنينون ) وهي مبولة من المبولات العادية في المقاهي الخاصة بالرجال.فأصبحت هذه النافورة اول عمل في تاريخ الفن المفاهيمي( conceptual art ) الذي ظهر بعد ذلك بعدة عقود، وكانت البداية الحقيقية لاستخدام المواد الجاهزة والمصنعة لأمور أخرى كمواضيع فنية بحتة ، وهذا ما اطلق عليه بالـ ((readymade .
    من هنا نجد أن الفن الغربي يمور بحركات التجريب للوصول الى مستقر له، ويعد القرن العشرين من أكثر القرون فوضويةً فيما يتعلق بتعدد الحركات الفنية وتناقضاتها الغريبة، ومعظمنا يعرف ما حدث مع جماعة الـ (proletculture) بعد ثورة أكتوبر العام 1917 في روسيا القيصرية، ودعوتهم الى تحطيم التراث القديم ، وكيف وقف ضدهم قائد الثورة فلاديمير إليتش لينين، مسفهاً أفكارهم، التي تريد حرق التراث الفني الثري لروسيا وبكل تنوعاته ورميه في البحر. فالفن والإبداع عموماً، في حاجة الى الخبرة المتراكمة من المعرفة البشرية في مجال الإبداع والى تاريخ وماض يستند اليه من أجل النمو والتطور، وليس كما أرادت الحركات العدمية في الثقافة التي شهدتها اوروبا خلال القرن العشرين.

    واليوم هناك عودة لتقاليد الفن السابقة مع أخذ العصر الحالي ومتطلباته في نظر الاعتبار طبعاً .أما التجريد الأميركي الذي تعمد على يد الفنان الأميركي جاكسون بولوك، الذي كان يعد - أي التجريد - احد أسلحة الحرب الباردة على جبهة الثقافة في الصراع الدائر آنذاك بين السوفيات والكتلة الشرقية من جهة وبين أوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى ، فقد انهى دوره فنانو البوب آرت ومن جاء بعدهم ولم تنفع معه صوفيات مارك روثكو.

    ولا أشكال فرانك ستيلا المجردة او أعمال ريتشارد لونك ولا إيف كلَين وغيرهم. ولم اتطرق هنا الى الإسباني انطونيو تابييز اوالإيطالي لويجي فونتانا والفرنسييَن جيورج ماثيو ونيكولا دي ستايل والهولندي موندريان والنمساوي فازاريللي او البريطاني أنطوني كارو، ولا أعمالهم، التي تختلف في توجهاتها العامة عن بعضها. وقد رأينا كيف يختلط عندنا في الكتابات التي نقرأها مفهوم التجريد ( The Abstract) مع ( The Unformal and Non Figurative ) .

    الفن الأوربي اليوم تهيمن علية مسحة التشخيص بكل أنواعها، ويحاول الكثير من فناني أوروبا اليوم مسايرة حركة الواقع، وهناك نسبة عالية من الذين يعتمدون على الفوتوغراف في نتاجاتهم الفنية، ناهيكِ عن حركات فن الفيديو وفن الأرض وفن الجسد وفن العروض وغيرها.

    ولم يشهد الفن التشخيصي في أي فترة تاريخية إضمحلالاً او غياباً تاماً عن مسرح الحياة التشكيلية في بقاع العالم قاطبة، بما فيها اوربا والولايات المتحدة. لكن الفن حالياً قد خضع بالكامل لنشاطات بورصة الفن واصبح الفنان تحت رحمة تجّار الفن وجامعي الأعمال الفنية واصحاب المزادات الشهيرة، لم يعد العمل الفني خاضعاً لرغبة فردية تضغط على الفنان ليحولها الى عمل إبداعي، بل أصبح الفنان هنا خاضعاً لمتطلبات السوق الفنية، ما عدا بعض الإستثناءات النادرة لحسن الحظ .
    الفنان الشرقي

    * كيف تنظر إلى الفنان الشرقي الذي يقلد التجارب الفنية الغربية؟

    ــ أن من يعتقد انه في إنتاجه المساير لما يجري في الغرب من تجارب فنية، سوف يتحول الى فنان معاصر او حديث كما يتمنى، فهو واهم ولن يكون في أحسن أحواله أكثر من ناسخ لتجارب الغير وفاقدا للخصوصية، التي يجب ان تتوفر في كل عمل فني مميز وأصيل، وهو يذكرني بمطربي السينما المصرية الذين يحاولون ان يظهروا انفسهم من وراء آلة البيانو كنظرائهم من فناني السينما الغربية ،مع ان بعضهم لا يعرف حتى العزف عليها، او اولئك الذين يظهرون في الفلم نفسه مرة بطاقية الرأس الفلاحية مع الجلباب الريفي، ومرة ببدلة حفلات الرقص الغربي مع ربطة العنق التي تشبه الفراشة . بصريح العبارة إن ما نراه اليوم من تتبع لما يجري في الغرب من صراعات، يعكس عقدة النقص التي يعاني منها غالبية الفنانين في العالم اللاغربي ، وهي حالة من حالات الشيزوفرينيا الثقافية السائدة عندنا ، إن صح القول..
    بصمة الفنان

    *هل توافق فكرة بصمة الفنان في اعماله أو وحدة الاسلوب؟ ألا تجد أنها قد تعني أن الفنان يكرر نفسه عبر لوحات متعددة وقد لا يأتي بجديد؟

    ــ قد يكون هذا صحيحاً لو كان الأمر مختلفا مع بقية الفنانين، لأن تاريخ الفن قد اعطانا نماذج من هذا الذي قد نسميه تكراراً مع أنه ليس بتكرار على الإطلاق، فهناك فنانون ظلوا يمارسون أسلوب واحد طوال حياتهم، لكننا لا نشعر بالملل او التكرار في ما قدموه لنا من روائع، قد تقصدين في سؤالك شيئا آخر، لكني اعتقد حتى لو نسخ الفنان لوحة من لوحاته السابقة فمجرد تغيير جزء بسيط منها، مثل حركة الأصابع في احدى شخصيات اللوحة، سنجد فيها ما هو مختلف ومن ثم سيكون تأويلها مختلفاً حتماً ، وهذا ما نراه في الموسيقى والشعر والمسرح والسينما، عندما يعاد إنتاج هذا العمل او ذاك مع بعض التغييرات الطفيفة .
    قد يهيمن أسلوب أو شكل ما على أعمال هذا الفنان او ذاك وكما ذكرت في بداية الحوار، قد نجد حركة فنية سائدة وتمثل عصرها ، مثل ما مثلت الرومانتيكية الثورة الفرنسية على سبيل المثال، لكننا مع تشابه طريقة التأليف والعزف لدى بيتهوفن ، نجد ان كل عمل من اعماله قائم بحد ذاته، رغم ميسم العاطفة الجياشة والعنيفة الغالب على أعماله كلها، وهو ما نراه أيضاً في أعمال الفنان الفرنسي الرومانتيكي الشهير يوجين دولاكروا.
    نحن بصراحة ومرة اخرى نتتبع حتى في عمليات النقد خطى الآخرين، ولا نفكر في اتخاذ خطوات مختلفة في تفسير الأعمال الفنية. وربما بدل بعض الفنانين من اساليبهم اكثر من مرة، لكننا قد ندركها مع اختلافها عن بعضها، في انها تعود الى فنان واحد، وهذا ما لاحظناه عند بيكاسو بالذات ، لأن روحية الفنان ظاهرة على تلك الأساليب .
    «الجنازة»

    * لوحتك "الجنازة" تكاد تكون نبوءة للمشهد العراقي اللاحق.. هل مثلت استشرافا لواقع العراق؟ كيف كانت ولادة فكرة اللوحة وتنفيذها؟

    ــ نفذت هذه اللوحة العام 1978، وهي بقياس ( 70سم × 450 سم ) بمادة الألوان الزيتية وبسبب ضيق المكان الذي أعيش فيه في باريس، فقد قسمتها على شكل خمس لوحات منفصلة وكل لوحة بحجم ( 70سم× 90 سم )وهي تشير الى تشييع شهداء الوطن، وربما كل شهيد وطني دافع عن قيمه ومبادئه امام السلطات المستبدة في كل عصر ومكان. لا أدري قد يفسرها البعض هكذا.حاولت كذلك الاستفادة من المشهد البانورامي الذي كان الفن السومري قد اكده في العديد من القطع التي عثرنا عليها وبالذات ما يتركه الختم الاسطواني على الطين خلال تدحرجه عليه،أي الاستمرارية والتكرار معاً. وقد مثلت الوجه السومري كذلك في رسمي للشخوص، واللوحة تحتوي على 72 شخصا برؤوسهم الحليقة مع مجموعة النساء اللواتي يندبن الشهداء، كما يحدث عندنا تماما في أي مأتم. لم افكر عندما رسمتها في أهميتها ولا بما تحمله للمشاهد، لكني كنت موجوعاً بفقدان مجموعة من أطيب الناس، الذين تم إعدامهم في ذلك العام من قبل النظام الدكتاتوري الجاثم على صدور أبناء الشعب. اللوحة محاولة للتضامن مع هذه الفجيعة عن طريق الرسم. هل وُفِقْتُ ام لا ؟ هذا متروك للنقد الفني والنقاد.

    «بائعة الباقلاء»

    * انجزت هذا العام لوحة "بائعة الباقلاء" وهي لوحة مبهرة تماما.. بعد سنوات من الغربة تبدو تفاصيل اللوحة طازجة جدا على الرغم من أن مشهد "بائعة الباقلاء" يكاد يكون مختفيا الآن من الحياة العراقية، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

    ــ العكس هو الصحيح عزيزتي ، صحيح أصبح العراقي يستخدم الحاسوب، لكن المجتمع العراقي قد عاد الى ما قبل العصر الصناعي. أي زمن القرية التي تستخدم قيم الريف والبداوة، وإلا كيف تفسرين هذا التراجع المريع في الحياة المدنية والحضرية عندنا؟ ثم ان اللوحة تمثل تحية للمرأة العاملة والكادحة بالذات، هي ليست لوحة فولوكلورية، إنما لوحة تمجد الأرملة التي تعيل أبناءها، وفي العراق اليوم اكثر من ثلاثة ملايين أرملة. وهي تعكس مستوى حال المرأة عندنا، كما انك تستطيعين بملاحظتك لتفاصيل اللوحة، ان تكتشفي مأساتنا نحن الذين نعيش على بحيرة من الذهب الأسود، عندما تدققين في الأسطوانة المعدنية التي وِضَعَت تحتها قنينة الغاز، حيث تبرز الحروف الثلاثة لشركة النفط البريطانية ((BPC ولك أيضاً ان تتصوري ما شاء لك من التصور أو التداعيات التي تذكرك بواحدة من أمثالها، كيف سترجع الى بيتها، هل حققت ما يكفي من نقود للعيش الكريم، ما ذا عن مستقبل أبنائها أو مستقبلها كفتاة جميلة وما هي مخاطر عملها هذا عليها؟. انا هنا لا اتكلم عن حكاية وهمية، ولكن عن واقع صلد، قد يعترض من يرى ان هذا ليس من وظائف الفن، وهذا حقه في ما يعتقد، لكني لا أزال أرى في الفن مارآه فنان الكهوف الأول عندما فكر بالخروج الى الصيد. لم تتغير الوظيفة إلا قليلاً وبقيت الفنون هي الهادية الحقيقية للنفس البشرية والمُنَظِمَة المُثلى للروح الإنسانية بمختلف نوازعها وإنحداراتها، المعبرة عن مأساة عالمنا بكل تفاصيلها.

    عراقيو الاغتراب

    * لديك باع طويل في الصحافة ومشاريع مميزة تركت أثرا في المشهد العراقي وعراقيي الاغتراب، كيف تقيم تلك التجربة وما هو سبب توقفها؟

    ـ السبب الرئيس هو المال، كما هو السبب الآن في انتشار هذا الكم الهائل من الصحف التي بالكاد أن ترى ما يميزها عن بعضها البعض. وكذلك الحال بالنسبة للفضائيات التي تفتقت تحت أقدامنا كما الفطر البري. المال عصب مهم . ونحن ونفتخر من فقراء هذا الشعب ، لانملك ما يسد الرمق احياناً , لكننا آثرنا أن نغلق صحيفتنا : (المجرشة) على ان نرتهنها لمن يدفع. لقد لعبت دورها بكل جرأة ومسؤولية وفضحت وعرّت الصفقات وعرابيها منذ البداية، وكان قادة اليوم الذين يقودون العملية السياسية ، دون استثناء ، ينتظرون المجرشة وما فيها من نقد وهل تطرقت لواحد منهم أو كشفت عن لعبة جديدة من ألعابه المتنوعة.
    واليوم حين انظر الى الوراء قليلاً واظن ان الكثير من كتابها متفقون معي، فسوف نشعر بالسعادة لأننا كنا قد شخصنا فئران الموانئ منذ تلك الفترة العصيبة، التي كان شعبنا ولا يزال يعاني منها ومن مافيا السياسة والسرقة والتزوير وتدنيس الدين وتقديس الجريمة.

    تحقيق الطموح

    * هل حقق فيصل لعيبي ما طمح اليه في عالم الفن؟

    ــ أعتقد اني مرتاح الضمير من هذه الناحية، ولكن لاتزال هناك من الأفكار والمشاريع ما لم تتحقق بعد . وقد تستغربين لو قلت لكِ اني اليوم أحاول أن أنفذ ما كنت أفكر به قبل سنين. لأن الظروف التي مررت بها لم تسمح لي بالتنفيذ الفوري لما ينتابني من تصورات او أفكار. أما ما افكر به اليوم فقد يأتي دوره بعد سنين ، لو طال بي العمر.

    * هل تبدو العودة الى العراق على مرمى النظر أم أن الامر مستبعد ولماذا؟

    ــ متى غادرت العراق حتى أعود إليه ؟ إنه في داخلي، هنا في الجهة اليسرى من صدري، اما الحضور المكاني، فالامر مرهون بالظروف التي تساعد على تنفيذ هذه الفكرة، لم يغب العراق عن ناظري ولا عن خاطري، والدليل هذه الأعمال التي لايوجد فيها عمل واحد بعيد عن الهم العراقي. هل تتذكرين العمل الملحمي للسياب : (غريب على الخليج) ومقطعه المدوي " عراق ، ليس سوى عراق" انا هكذا، هل هذا نوع من الوطنية المتعصبة ؟ ليكن، فالانتماء إلى العراق يشبه في بعض جوانبه، انتماء فرد لعائلة من النبلاء الحقيقيين.
يعمل...
X