إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحث ( خليل حسين السواحري ) أديب وقاص أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحث ( خليل حسين السواحري ) أديب وقاص أردني

    خليل السواحري


    ولد خليل حسين السواحري في القدس في الرابع عشرين تشرين الثاني من عام 1940، درس المراحل التعليمية الثلاثة الأولى، الأبتدائية والإعدادية والثانوية في مسقط رأس القدس، تابع السواحري تعليمه العالي وحصل على الدرجة الجامعية الأولى من جامعة دمشق والثانية من الجامعة اليسوعية في بيروت.

    عمل مدرساً في مدارس وزارة التربية والتعليم مدة اثنتي عشر عاماً (1960-1972)، غير أنه ترك التدريس واتجه للصحافة الأدبية والتحرير إذ عمل في صحيفة الدستور كاتباً ومحرراً مدة خمسة عشر عاماً (1970-1985)، وخلال هذه الغزة عمل في مجال الدراسات والاعلام في وزارة شؤون الأرض المحتلة، وقد انتهى به المقام إلى عالم النشر، فأسس دار الكرمل للنشر والتوزيع، إذ يديرها بنفسه منذ عام 1985 وحتى الآن، وبالإضافة إلى ذلك تعمل السواحري منذ عام 1995 مستشاراً في وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية، وهو عضو ناشط في العديد من الروابط والهيئات الثقافية في الداخل والخارج.
    حصل السواحري على العديد من الجوائز المحلية والعربية عن أعماله القصصية والدرامية، وهذه الجوائز هي: جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للقصة القصيرة الفلسطينية لعام 1977، جائزة رابطة الكتاب الأردنيين للقصة القصيرة القصيرة للعام نفسه، جائزة الإيراني للقصة القصيرة عام 1986، الجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة الرابع للإذاعة والتلفزيون 1988.
    شارك في عضوية العديد من الهيئات والروابط الثقافية الأودنية والعربية، ومن هذه الهيئات والروابط:
    • رابطة الكتاب الأردنيين.
    • الأتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
    • الجمعية الفلسطينية الأردنية.
    • الأتحاد العام للكتاب الفلسطينيين.
    • رابطة الأدب الإسلامي/ فرع الأردن.

    كتب السواحري القصة القصيرة وله خمس مجموعات قصصية، كما كتب المقالة السياسية، والصحفية، وتنشر عدداً من الدراسات المتنوعة والنصوص الأدبية، وتنشر كثيراً من نتاجاته في الصحف والدوريات المحلية والعربية وأعاد تجميع بعضها فيما بعد في مجموعات حظيت أعماله بأهتمام واسع من لدن الباحثين والنقاد، لا سيما أعماله الإبداعية، إذ نافت الدراسات التي تناولت أعماله على خمس عشرة دراسة نشر بعضها في المجلات الأردنية العربية وبعضها الآخر من خلال دراسات تناولت الأدب الأردني عموماً والقصصي على درجة التحديد، كما تُرجمت بعض أعماله الإبداعية إلى اللغتين الإنجليزي والتشيكية.
    شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية في الأردن وخارجه، وتنوعت نشاطاته في مختلف ميادين المعرفة، وكان متسطلُ كبيراً لأنها موجة لدعم القضية الفلسطينية ورفع لواثها وتجذير طابعها المقاوم.

    مؤلفاته:
    • القصص:

    1. ثلاثة أصوات: مجموعة قصصية مشتركة مع فخري قعوار وبدر عبد احق، عمان 1972.
    2. مقهى الباشورة: من منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1975، (طبعت هذه المجموعة أربع طبقات).
    3. زائر المساء: من منشورات دار الكرمل/ عمان، 1985.
    4. تحولات سلمان التايه ومكابداته: مجموعة قصصية طبعت بدعم من وزارة الثقافية الأردنية، عمان، 1996.
    5. مطر آخر الليل: من منشورات دار الكرمل، عمان، 2002.

    • الدراسات:

    1. زمن الأحتلال: دراسات نقدية، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1979.
    2. مختارات من الشعر الفلسطيني في الأرض المحتلة: دراسة نقدية، من منشورات دائرة الإعلام والثقافة، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1982.
    3. حرب الثمانين يوماً في الشطر الأسرائيلي: دراسة نقدية، من منشورات دار الكرمل، عمان، 1985.
    4. الفلسطينيون: التهجير القسري والرعاية الاجتماعية، دار الكرمل، عمان، 1986.

    الساحة
    خليل السواحري·
    لا أحد يعرف كيف تجمعنا في هذه الساحة، هي ليست معسكر اعتقال كما أنها ليست مكان إقامة طبيعي، الناس فيها يبدون متشابهين يتكلمون اللغة نفسها رغم اختلاف لهجاتهم، فهم حتماً لا ينتمون إلى مدينة واحدة أو عشيرة واحدة أو حتى قطر واحد، عائلات كاملة لا حصر لها، جيران وأصدقاء وزوار ومغتربون كلهم يحاولون الخروج من هنا، يتدافعون باتجاه الأسوار، وكأنهم يستجيبون لقوة طاردة غير منظورة، كل شيء كان يبدو غريباً ومستهجناً، لم يكن ثمة متسع من الوقت لكي يدير أحد حواراً مع أحد، حتى الآباء والأمهات كانوا يزجرون أطفالهم بصمت، يرفعون سباباتهم أمام شفاههم طالبين منهم السكوت والكف عن التدافع.
    قلت لجاري الذي يتكوم مع أسرته إلى جانبي:
    -كيف وصلت إلى هذا المكان؟
    قال لي:
    -لماذا لا تسأل نفسك عن هذا؟ لو كان والدي على قيد الحياة لما وجدت لديه جواباً عن هذا السؤال!
    ثم غادرني إلى ناحية أخرى من الساحة، كنا نرتعد خوفاً، فهناك إحساس غريب يجتاحنا بأن خطراً ما يتهددنا، الأطفال وحدهم يضجون بالصراخ في رغبة محمومة لتمزيق هذا الصمت الثقيل!
    ساحة شاسعة لا أفق لها، من الجانب الغربي يتناهى إلينا هدير البحر وصوت ارتطام أمواجه بهذه الجدران التي تغلق علينا كل منافذ الأفق. أصوات أخرى كانت تختلط بالهدير تشبه أصوات حمحمة الخيول وصليل السيوف، تشوبها صيحات رجال يتواثبون أو يطارد بعضهم بعضاً، أما الجانب الشرقي فكان يغرق في صمت عميق كصمت القبور.
    لم يكن ثمة طعام ولا شراب، وكأن الزاد لم يعد ضرورياً لكل هذه الأفواه المحتشدة، ومع ذلك فإن أحداً لا يشكو الجوع أو العطش، حتى الأطفال كانوا مستسلمين للذهول أو للصراخ لعلهم يظفرون بالخروج من هذا المكان.
    كان الليل يختلط بالنهار، لا أحد يدري متى ينتهي الليل أو متى يبدأ النهار، والحقيقة أن نهارنا في هذا المكان لم يكن يختلف عن ليلنا، المصلون وحدهم كانوا يميزون الأوقات، ولا يعبأون كثيراً فيما لو اختلط زمن المغرب بزمن العشاء أو زمن الظهر بزمن العصر، حتى القبلة كانوا يصطلحون على اتجاهها على اعتبار أن الأساس هو النية كما يقولون.
    قالت زوجتي وكان الأطفال يتدافعون من حولنا: كيف يمكن لنا الخروج من هذا السجن؟
    قلت لها: إنه ليس سجناً. فنحن لسنا وحدنا كما تلاحظين. وما يحدث لنا يحدث لهؤلاء الناس جميعاً. ونحن لسنا أفضل منهم.
    قالت زوجتي: دعنا نحاول. دعنا نفتش في هذه الأسوار عن باب ما، عن نافذة أو دهليز نهرب منه إلى ملكوت الله.
    في هذه اللحظة ازداد اللغط وسرت في الجموع موجة من الأضطراب والتدافع. سيل عارم من البشر يندفع كله باتجاه الأسوار بعيداً عن بوابات السجن التي انفتحت كأبواب جهنم.
    في البداية لم أتمكن من رؤية شيء. فالغبار الذي أثاره الهاربون والفوضى والصراخ المرعوب لم تترك مجالاً لرؤية شيء باستثناء الأبواب التي انشقت عن كل هذه الفوضى المرعبة.
    وحين انتهى التدافع كانت جثث الأطفال تملأ الساحة. أطفال داستهم الأقدام ولم يتمكن أهلوهم من تخليصهم. كانوا يفرون مثلما تفر قطعان الجواميس البرية حين تطاردها الأسود.
    وانقشع الغبار عن أبواب عديدة لم نكن نراها. من أين جاءت هذه الأبواب؟ من فتحها؟ ولماذا لم نهتد إليها ونحن نبحث عن طريق للفرار؟
    في هذه الأبواب وحولها كان رجال مقنعون قبيحو المنظر كالشياطين. يقفون وقد أشرعوا سيوفهم. كان بعضهم يشهر قضباناً من الحديد. خناجر وسواطير وكل أدوات القتل الأبيض. وخطر لي: كيف يمكن للسلاح القاتل أن يكون أبيض؟
    لم نكن نرى أية تفاصيل لهؤلاء المقنعين. التفاصيل الوحيدة التي اتضحت لنا هي أنهم يتهياون للدخول في معركة. ومن الواضح أن معركتهم ستكون معنا. مع الجموع التي لم تجد لها ملجأ سوى هذه الجدران الصلدة التي تجعل من ذبحهم حقيقة مؤكدة. هي ليست معركة على أية حال. فلن يقاتل أحد أحداً. إلا على طريقة الكف الذي يلاطم المخرز. أو العنق الذي يصافح السيف. كانت المسافة بيننا وبينهم تضيق. هم يزحفون إلينا ثابتي الخطى. يلوحون بسيوفهم وسواطيرهم. ونحن نرتجف رعباً. البعض منا لم يعد يقوى على الوقوف. بعض النساء أُغمى عليهن. صمت مرعب لا يقطعه سوى وقع خطوات المقنعين. وولولات خافتة تنطلق على وهن من الصفوف الخلفية التي تحاول أن تندس في الجدران بأجسادها الكليلة الواهنة.
    لم أحاول معرفة عددهم. ولم أكن أملك القدرة ولا الغربة في ذلك. وماذا يفيد معرفة عددهم. هل يمكن لأحد الوقوف أمامهم أو التصدي لهم إلا كما يتصدى الخروف لسكينة الجزار؟! لك أكن في الصف الأمامي. كنت أندس بين الأجساد المرتجفة في الصف الثاني. أولئك الذين وقفوا أو بركوا في الصف الأول المواجه للمقنعين لم يكونوا أبطالاً ولا هم اختاروا هذا المكان. حظهم العاثر جعلهم يواجهون المقنعين دون أن يجدوا مهرباً. فالأجساد كانت متراصة بطريقة لا تسمح حتى للهواة باختراقها.
    كنا نراقب تقدمهم نحونا بعيون خاشعة وأفواه جافة وفرائض مرتعدة. وحين تقع عيوننا على سيوفهم أو سواطيرهم نشيح عنها بنظراتنا. ننكس رؤوسنا إلى الأرض كي لا نرى الموت، عمليات الذبح كانت تتم عبر التاريخ بعد ربط الأعين. أو جعل المذبوح يستدير إلى الجهة الأخرى كي لا يرى الساطور وهو يجز رقبته. الآن فقط أدركت مدى رحمة الجزار حين لا يجعل الذبيحة ترى الساطور الذي يمزق رقبتها. حتى الخراف يحاول الجزارون تجنيبها رؤية السكين وهي تجز أوداج من يسبقها في الذبح. كانوا يحرصون على أن لا ترى بعضها وهي تذبح. كي لا تفسد لحومها بدم الرعب الذي يسري فيها حين ترى ذبح غيرها!
    أما هؤلاء المقنعون فلم يرحموا أحداً. لم يهتموا لعيوننا الجاحظة التي تكاد أن تغادر محاجرها رعباً. أشار المقنع إلى الرجل الذي يقف أمامي مباشرة أن يتقدم. مجرد إشارة بالسيف أن تعال. استلق على ظرك بصمت. وأشرع رقبتك للسيف أو للساطور، تقدم الذي أمامي خطوة أو خطوتين ثم أنهار على جانبه الأيمن. ولكن المقنع دفعه بالسيف لعله ينقلب على ظهره، كان الرجل قد انهار تماماً وفقد حتى القدرة على الاستلقاء فانقض عليه المقنع. داس بقدمه على مؤخرة رأسه ودفع بالسيف عميقاً في منحره فشخب الدم. وكان الدم يشخب من عشرات الرقاب التي كانت تخز في الوقت نفسه، وهاج المقنعون، علا صراخهم ولم يعودوا يجدون متسعاً من الوقت لإصدار الأوامر لنا بالاستلقاء على الظهر أو الجنب، كنا ننبطح دون أوامر وكانت السيوف والسواطير تمعن في حز الرقاب.
    حين أصبحت في مواجهة المقنع حاولت أن أحدق في ملامحه. كانت رأسه كرة سوداء فيها ثقبان، تطل منهما عينان تبرقان بوحشية، لم أر مثلهما في حياتي ولا في مماتي، انبطحت أمامه بشجاعة، وملامح سعادة غامضة تجتاح كياني. ربما لأنني سأذبح قبل زوجتي وأطفالي، فذلك يريحني من رؤيتهم يذبحون أمامي، كنت أتساءل لماذا نستسلم للبح بمثل هذه السهولة؟ ولماذا لم يخطر ببال أحدنا ذات يوم أن يتسلح بسيف أو ساطور أو ماسورة حديد يهش بها عن نفسه؟ هل كان ذبحنا بين هذه الجدران حتمياً وبهذه الطريقة؟ وحين انفصل رأسي قريباً من جسدي ظلت عيناي تحدقان في أطفالي وهم يستلقون للذبح!


يعمل...
X