إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لن نقول وداعاً.. للعملاق : وديع الصافي ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لن نقول وداعاً.. للعملاق : وديع الصافي ..


    وديع الصافي .. لن نقول وداعاً..
    في ضيعتنا الصغيرة، البعيدة اليوم، حيث كانت العتمة تغلف العالم بالأسرار، هناك حيث لم تكن التكنولوجيا قد اغتالت خيالاتنا وجمال أرواحنا، كان لدى زوج عمتي، الذي يشبه الفنان الكبير وديع الصافي، راديو صغير، كان يسميه الجهاز"التحفة"، وكانت لنا مع هذا الجهاز حكايات لاتنتهي.
    لطالما عشق زوج عمتي وديع الصافي، وكان غالباً ما ينطّ عن متّكئه الملكي في زاوية البيت العربي القديم، الذي حضن أجمل ذكرياتنا، صارخاً فينا نحن الأطفال المشاغبين أن نسكت حين كان يسمع صوت الفنان الراحل الكبير وديع الصافي قادماً على موجات جهازه الحبيب، وكان يرفع صوت الراديو ويبدأ بالغناء معه وكأن أحداً أداره كجهازه، وكنّا نجهل نحن في ذلك الزمن كيف يمكن للأصوات الانتقال عبر جهاز صغير لانعرف عنه إلا أنه كنز زوج عمتي، وماكان لنا حينها إلا أن نتحول إلى تماثيل خرساء، ليس خوفاً منه بل بسبب ما كان يفعله به ذلك الصوت، وكأنه دخل في حالة تشبه السكر والهذيان.
    كان يجب أن نكره اسم وديع الصافي بسبب اضطرارنا للتوقف عن اللعب الذي كان وظيفتنا الطبيعية وفرح حياتنا، لكن مزاج زوج عمتي آنذاك وغناءه مع الصوت الجبلي الرائع كان يسري فينا كمفعول السحر، فنصمت وننصت رافعين سحائب خيالنا من بيدر اللعب إلى سماء صوت الراحل الكبير.
    كان من الصعب علينا الفكاك من حالة التماثيل التي تمثلناها، حتى بعد نهاية الأغنية، فكانت العودة من ذلك الفضاء الساحر تتوجب الهبوط التدريجي، فتبقى عيوننا الذاهلة معلقة على وجه زوج عمتي وقد ملأته العبرات والفرح في آن معاً.. ربما لم نكن نفهم مالذي يعنيه اسم وديع الصافي لزوج عمتي، ولا تلك الحالة التي كانت تجعله يحلّق بين السماء والأرض ساحباً معه أرواحنا، لكننا كنا نطرب لتلك "الأوووف" الطويلة والقوية والساحرة، تطوف جبال ضيعتنا وتهزها، وتهز أعماقنا برعدة مهيبة.. وعندما كنا نعود إلى وظيفتنا الطبيعية (اللعب) كنا نذهب إلى حافة الوادي ونصرخ "أوف.. أوف"، حتى تفرغ أعماقنا، علّها تأتي الريح تحمل صدانا إلى أمداء أخرى.
    لم يكن الزمن أحد مفردات حياتنا، لكن الأيام كانت تجري بنا على حدود الغيم.. كبرنا، ولم تكبر قلوبنا، كما قلب الراحل الكبير، وصار وديع الصافي جزءاً من تركيبتنا البرية، جزءاً من لون عيوننا التي كانت مشغولة بالتقاط صور لذلك العالم المكنوز بالحب.
    هناك من يعتقد أن الأصوات لا تتبدد، وأنها تتجمع في مكان ما حول الكون، ذلك يجعلني أتخيل وأتمنى أن تصل "أوفنا" إليه إلى حيث تهيم روحه الآن في رحلة البحث الجديدة- القديمة عن الحب والخير.
    وديع الصافي الفنان الكبير، والأب الحنون، وصديق الطفولة: لا يمكن أن أقول لك وداعاً؛ فالصوت الذي يختزن الحب والقوة والجمال لا يمكن أن يتبدد في العدم..
    البعث ميديا - البعث
    عبير
    :p
يعمل...
X