إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المبدعة ( بسمة النمري ) القاصة والتشكيلية يحتفي بها (بيت تايكي) بالإردن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المبدعة ( بسمة النمري ) القاصة والتشكيلية يحتفي بها (بيت تايكي) بالإردن


    منقول - العرب اليوم -


    Basma Nimri


    بسمة النمري



    هذا وقتٌ يصلح للموت كثيرًا, هذا صباحٌ يليق بالنهاية. أترقّب القادم على الطريق, اليوم سوف يصل. أقلب فنجان القهوة الصباحي, يطلّ عليّ منه, راقدًا ينتظرني, ممدّدًا في القعر, تلطّخ جسده بقايا القهوة السوداء, رأسه مسندٌ إلى جدار الفنجان. أحدّق إلى عينيه, تهوي طمأنينةٌ ضحلةٌ في داخلي, تغوص في أعماقٍ موحلة.
    .. .. ما يزال ينتظر, لا مناص إذًا, فالموت على وصول.
    دقّاتٌ على الباب, أواربه قليلاً.
    - أتيتَ,.. وتحكم إغلاقه خلفك, تلصق ظهرك به, تجوس الغرفة بنظراتك.
    - لا أحد غيرنا,.. فتطمئن.
    تطفو على وجه الوحل فقاعاتٌ تنفجر عند السطح, تنثر قلقًا.
    .. .. الآتي قد أتى.
    بحّةٌ طارئةٌ في صوتي تقودك إلى الصندوق.
    - ليس الصندوق, بل ما بداخله.. همستُ حين ابتسمتَ ساخرًا وأنا أخرجه من مخبأه بحرصٍ, أضعه بتأنٍّ وحذرٍ أمامك. تتّسع ابتسامتك أكثر, تكاد سخريتك أن تطاله, فأقرّبه منّي, أمرّر أصابعي على جوانبه, ألامس سطوحه, أنحني فوقه, أوشوشه.
    .. .. آسفة, تنفجر ضاحكًا, تتناثر شظايا ضحكتك حول صندوقي, أصابعي تنزف, وتعتذر.
    - مجرّد صندوقٍ من الورق المقوّى, أليس واحدًا من تلك التي تباع فيها الأحذية?,.. يفحّ صوتكَ.
    - ليس الصندوق, قلت لك, بل ما بداخله, لِمَ لا تفهم?!,.. وأحتضن الصندوق. وكما دائمًا, يباغتني غدرك, تخطفه منّي, ترفعه أمام عينيك, تقرّبه من أذنيك, تهزّه وتتسمّع.
    - زجاج?!.. أخشى أن أكون قد كسرت شيئًا ممّا بداخله.
    - لا تخف, فكلّ ما بداخله قد تكسّر منذ زمن.
    وأرفع رأسي إليك, تعجّبٌ يزحف نحو تقاطيع وجهك.
    - تفهم?,.. وأنظر أبعد ممّا أمامي, أصل إلى المرآة خلفك, تعكس وجهًا آخر, وجهك الآخر.
    - من أنتَ?...
    - من أنتِ?,.. يسيل صوتك دبقًا وأنت تضع الصندوق جانبًا, عيناك صارتا كما أخاف تمامًا, يداك تمتدّ.. تطول.. تطووووول, وتطالني, تلتفّ حولي.
    .. .. تعانقني???,.. ويغيب وجهك في عنقي, والمرآة خلفك تعكس لاهثةً وجهك الآخر أمامي, يلحّ السؤال.
    - من أنتَ.. من أنتَ?...
    - كلّ تلك السنوات?!.. كلّ تلك المرّات?!...
    - من كنتَ?...
    - كنتُ أنا.. والآن أنا, تبتعد قليلاً, تحدجني فأنكمش.
    .. .. نظرتك, وأصحو.
    .. .. آه, نظرتك, وأتذكّر.
    - أنتَ, ويكتمل حضور الآتي.
    تواجهني, تحطّ يداك على كتفيّ, تغرز أصابعك فيهما, وبكلّ ثقلك, نحو الأسفل, تدفعني فأهبط, أعلّق عينيّ فوق, أرقبك, أغمضهما حين تهوي, وأناااام.
    وأصحو على وقع قدميّ, ذاتي تقترب مني.
    - كم من الوقت مضى?...
    - الوقت خدعةٌ, دعكِ منه, وتمدّ يدها إليّ بنظّارته الطبيّة منتصرةً.
    - انظري,.. تثنيها على مهلٍ, تلويها بتلذّذٍ, تقطعها بتشفٍّ سافرٍ, تكسّر زجاجها وتقدّمها إليّ.
    - هيّا انهضي, فأنهض كي أُلقم جوع صندوقي الحطام.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

    (بيت تايكي) يحتفي بالقاصة

    والتشكيلية بسمة النمري






    عمان - محمد جميل خضر-احتفالية حاشدة نظمها بيت تايكي التابع لأمانة عمان الكبرى مساء أول من أمس في مقره قريباً من دوار جبل عمان الثالث، للقاصة والتشكيلية بسمة النمري بمناسبة صدور مجموعتها القصصية «وما لا يُرى» عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كجزء ثالث وأخير من مجموعتها «سفر الرؤى».
    الاحتفالية التي تابعها جمهور غصت به غرف البيت وصالاته، مما اضطر بعضه للبقاء أمام مدخله أو بجوار باحته الصيفية، تضمنت تقديم الناقد نزيه أبو نضال مداخلة نقدية حول المجموعة وصاحبتها، وكذلك تقديم الفنان والناقد التشكيلي والروائي الزميل حسين نشوان قراءة حول حدود الرسم وحدود النحت وحدود الكتابة عند النمري، وعن تداخل كل هذا معاً في بوتقة الإبداع التي لا حدود لها. كما تضمنت الاحتفالية التي حضرها مساعد مدير المدينة للشؤون الثقافية والرياضية المهندس هيثم جوينات وأدارت فقراتها (صاحبة) بيت تايكي وعرّابة جهده اللافت القاصة بسمة النسور، مشهداً درامياً أدائياً للفنانة أسماء مصطفى من توليفها وإخراجها واختيارها الموسيقي. وفي نهاية الاحتفالية وقعت النمري على كتابها في قاعة عُرِضَ فيها إلى ذلك عدد من لوحاتها القديمة (زيتية) والجديدة (مائية).
    أبو نضال ذهب في مداخلته إلى أن كل من يقرأ قصص بسمة النمري سيجد نفسه أمام حالة إبداعية خاصة «لا تشبه غيرها، كما لا يشبهها أحد»، وبرّر رأيه أنها «صوت ذاتها لا تشرك به أحد ولا تجد في عالمها غيرها من عباد الله الفقراء والمحرومين والنساء المعذبات بمتطلبات الحياة اليومية».
    أبو نضال قال «إن قارئ قصص بسمة النمري يلحظ بسهولة أنها تكاد تخلو من البشر العاديين، وحيث الحياة تمور بمشاكل الناس، على تنوعهم وتنوعها، بل إننا لا نلتقي حتى مع أوجاع النساء اليومية تغادر بسمة كل هؤلاء وتذهب إلى المجرد حيث معاناة النفس المنزوعة من دسم الواقع نحو هموم الذات المتوحدة ومكابدات أسئلتها الوجودية، حتى كادت قصصها جميعاً تشكل شهادات حية على حالة امرأة متوحدة مرعوبة، يائسة مسكونة بالخذلان وبالرغبات، وبهواجس الموت والانتحار، ولكن دون أمل بخلاص، فيكون أن تنفث ألمها إبداعاً على هيئة قص أو شعر أو رسم أو جميعها معاً، في تجنيس فني واحد، يشكل العلامة المميزة لكتابتها سواء اتخذ شكل قصة أو قصة قصيرة جداً أو قصيدة نثر.. أو لوحة تشكيلية.. فليس ثمة سرد حكائي ولا شخصيات ولا زمن أو أمكنة، فهي لا تقص أو تكتب ولا ترسم ولكنها تتنفس».
    رغبة ملتاعة بالبوح عند بطلات قصصها، تكشفها بحسب أبو نضال، سيمياء عناوينها، وصولاً إلى نسق خاص ومغاير شكّل الإطار العام لتجربة النمري القصصية البالغة حصيلتها سبع مجموعات ما بين عامي 2002 و2010.
    النمري كما يرى أبو نضال لا تذهب إلى لغة الشعر فحسب بل تقتفي أحياناً موسيقاه وقوافيه، مستشهداً ببعض نص لها يؤكد ما ذهب إليه:
    «وها أنتَ، وها أنا،
    وها الكون كله لنا،
    يحنو على تشابك ظلالنا»،
    الرجل على تنوع حالاته، كثيف الحضور كما يرى أبو نضال، لدى بطلات قصص النمري.
    كما تحضر بكثافة كائنات أخرى تمثل حالات استبدالية للمرأة نفسها، يحضر القط والأرنب والعصفور والعنكبوت وتحضر النحلة والسمكة والفراشة والأفعى.. الخ.
    منولوج طويل من البوح والمناجاة المعذبة، هو التوصيف الذي يلخص من خلاله أبو نضال أسلوبية النمري القصصية.
    «الرسم بذريعة الهروب إلى المحبة» هو عنوان مشاركة الزميل حسين نشوان في الاحتفالية. يقول نشوان في مستهل مداخلته: تتداخل تجربة الفنانة التشكيلية، القاصة بسمة النمري بين الكتابة والفن التشكيلي والنحت، ومن المؤكد أن كل واحد من هذه الحقول يترك أثره العميق على الآخر، وينميه معرفياً، وتقنياً وأسلوبياً، ويعكس ظلاله على روح الفنانة، كما يضيف إلى التجربة القواسم المشتركة لسمة كل حقل، فهي قاصة، رسامة، ونحاته.
    نشوان يتحدث في سياق متصل عن الرغبة في الاكتشاف المعبرة عنها أعمال النمري كدافعية تحركها «متبقيات طفولة كونية بما هو صورة مجردة، واحتمالات قدرية ترسم خريطة الكائن».
    النمري تشتغل بحسب نشوان على استظهار المشاعر الجوانية للإنسان من خلال صفحة الوجه الذي يمثل عنوان الكائن، وتمثل اللوحة عندها مسباراً لقراءة التفاصيل التي تتخفى وراء جدران النفس، وكل عمل لها يبدأ من السؤال الوجودي، الذي يتجلى في اللوحة بوصفها قناعاً.
    الفنانة أسماء مصطفى ختمت فعاليات الاحتفالية بملامسة درامية أدائية، ملأت خلالها المكان بالشموع التي أوقدتها بعد أن أطفأت إنارة الكهرباء، ومتحركة بين الحضور المزدحم فيهم البيت، ووسط بعض موسيقى مسرحيتها «سليمى» من تأليف مراد دمرجيان، وبعض موسيقى مسرحية حكيم حرب «ملهاة عازف الكمان» من تأليف وليد الهشيم، اختارت مصطفى قصة «وفي اليوم السابع» آخر قصص المجموعة لتقيم حواراً إبداعياً معها:
    «في اليوم الأول: أصحو،.. لا أدري ماذا أفعل حيال ذلك، لا أشعر بالرغبة في أن أكمل، ليس لأني لا أريد، ولكني لا أستطيع»، إلى أن تصل إلى قفلة النص والمعالجة الدرامية «وفي اليوم السابع: لا أصحو،.. ليس لأني لا أريد، ولكني لا أستطيع».
يعمل...
X