إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حماد الحسن‏ ..قبلةُ أُمّي أَخْرَجَتْني من بئرِ الظُّلماتِ، دَمْعُها السّاخنُ يسيلُ على وجْهيَ.. - جدارية الموْت-3 -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حماد الحسن‏ ..قبلةُ أُمّي أَخْرَجَتْني من بئرِ الظُّلماتِ، دَمْعُها السّاخنُ يسيلُ على وجْهيَ.. - جدارية الموْت-3 -


    حماد الحسن


    - جدارية الموْت-3 -

    قبلةُ أُمّي أَخْرَجَتْني من بئرِ الظُّلماتِ، دَمْعُها السّاخنُ يسيلُ على وجْهيَ، وزنيَ ثقيلٌ جِداً، الأَصْواتُ حَوْلي لا أَشْعرُ أَنَّها إِنسانيةٌ، صراخٌ جارحٌ مَيّزْتهُ فجْاَةً، انّها ابْنتي الوسْطى، تساءلتُ في سرّي عن سببِ صُراخِها البَهيميِّ، كِدْتُ أَسْأَلَها عنِ السّببِ لولا أَنّي أَدْرَكتُ عَجْزِيَ عنِ النّطقِ والحَرَكةِِ، قليلاً قليلاً اكْتَشفتُ مكانَ وجودي، أَنا مقيدٌ بأَرْبطةٍ شديدةُ الإِحْكامِ، وممددٌ في سريري، غرْفَتي مُزْدَحمةٌ بالنّساءِ النّادباتِ، أُمّي أَصابَها الإغماءُ على صدْري، ياه كمْ أَشْتاقُ لحضنكِ أُمّي، أَحَدَهُمْ رَفَعَها عنّي وصاح :
    _....ابْتعدوا أَرْجوكمْ دعوها تتنفس لا هواءَ في الغرفةِ...
    تَماوَجتْ ظِلالٌ هلاميّةٌ في الفراغِ المحيطِ بي ، صمْتٌ لذيذٌ سقطَ على جَسَدي، تمكّنتُ من سَماعِ ابنتي الكبْرى تبكي وتنوحُ :

    _ يابابا يابابا...
    أَناملُ دافئةٌ تَمْسحُ جبهتي وتتلمّسُ شفتيّ، أَعْرفُ هذهِ الأَناملَ، واللهِ أَعْرفها، تهمسُ الأنْثى :
    _حبيبي.... ياروحي ... غادرْتني باكراً.... قتلوني بأَحْقادهمْ...
    كِدْتُ اُمازِحها :
    _زوجتي العزيزة لا تخافي لنْ أُغادركِ...
    لكنّها فجْأَةً بَدَأتْ تعْوِلُ وتصرخُ حتّى سلبتْني الدّهشةُ حَنْجَرَتي، ارْتَفعَ مؤشّرُ الضّجيجِ في رأسي، لغطٌ وهمْهاتٌ وعويلٌ يشْبهُ عِواء الثّعالبِ أَولَ الليلِ، لكنّني وسْطَ هذا الواقعِ الزئْبَقي الرجْراجِ تَصِلُني بَقايا أَنّةٌ مكتومةٌ، رغمَ خفوتِها تتَّسِعُ حتى باتتْ عالمي كلَّهُ، أَنينٌ يتَفَرّدُ بالمشْهَدِ وَحْدهُ ويَحْجِبُ كلّ ماحولي ، كأَنّ غرفتي بِئرُ الأنّات المكبوتة، أَضْحى جَسدي بِلا وَزْنٍ ورُحْتُ أَعومُ في الهواءِ فوقَ رؤوسِ النّادِباتِ أبْحثُ عنْها، يَتراءى لي عِطْرُها يتّخذُ شكلَ أُنثى هناكَ عندَ بابِ الغرفةِ، وتستيقظُ فجْأَةً في جسدي آلامُ الرّصاصةِ الّتي اخْتَرَقَتْني هذا الصّباح، آلامٌ لا تطاقُ بِدونِ البُكاءْ، ينزفُ جرحي مُجدّداً فَتلْحظُ النِّسْوةُ دمي يَنْبثقُ فوقَ الضّماد ، فينفجرُ بركانُ نواحٍ يَطْغى على المشهد، ويَسْقطُ جسدي من جديدٍ ويعودُ بارداً وفولاذياً، عشراتُ الأناملِ تتلمسُّني، وتمسحُ جبهتي، أَصابعُ رطَّبها التَّوْقُ، أَصابعُ متردّدةٌ باردةٌ، أَصابعُ متوجّسةٌ، أَصابعُ مشوبةٌ بشبهةِ الإتهام ، دوَّمَ الأَنينُ بلونٍ مخمليٍ، أَتملَّصُ من اللمسِ الذي يشوشُ المشْهدَ، أُحاولُ الارتفاعَ من جديدٍ، أَبْحثُ عنها سيدةُ الصّمتِ عندَ بابِ الغرفةِ، حتّى موتي لم يقتلْ في أَعماقي متعةُ البحثِ عن أُنثى صمتها أَشدُّ بلاغةً من الشعرِ، وغيابها أَكْثرُ خصوبةً من الحضور، قالتْ لي ذاتَ صباح :
    _ أَنا مثلكَ امرأةٌ على بوّابة الغيابْ...
يعمل...
X