إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ينجز الأديب إسماعيل مروة روايته الجديدة صليب الطين - سامر إسماعيل ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ينجز الأديب إسماعيل مروة روايته الجديدة صليب الطين - سامر إسماعيل ..

    الموت شخصية جماعية برواية "صليب الطين" لاسماعيل مروة


    دمشق-سانا

    ينجز الأديب إسماعيل مروة روايته الجديدة صليب الطين محيلاً السرد السوري إلى بنى متشابكة تنهل مادتها من معين الحدث الدائر على مساحة البلاد منذ قرابة الثلاثة أعوام حيث يتلو علينا صاحب "وقواقع عشر" على مستويات عدة من القص حكاية شخصيته الصحفي سامي الذي يقع في حب امرأتين لكل واحدة منهما وجهة نظر سياسية مختلفة عن الأخرى فبعد قصة حب تعيشها الشخصيات الثلاث في ظل الأزمة يكتشف القارئ عمارة روائية مغايرة تتصاعد على متنها الأحداث بتواتر درامي لافت فبين حب يعلنه الكاتب ويعيشه للأرض التي جبلت دمه بحبها وحب يجعله في حاجة دائمة للكتابة تنتهي قصة سامي بموته مع صديق عمره خالد بعد تعرض سيارته لتفجير إرهابي ليلة رأس السنة.

    يعول الأديب مروة على تسجيل وثيقة سردية عن الأزمة في سورية مقارباً عبر نصه الصادر حديثاً عن دار التكوين بدمشق مستويات شعرية تعلنها الشخصية المحورية في هذا العمل الروائي إذ تقول "تحول إلى طفل مغارة يلوب بحثاً عن أمه.. تكونين الأم.. تكونين العذراء.. تكونين مريمتي.. ثوبكِ الأبيض لا دنس فيه.. أنتِ عذراء الدهور وقداسة الزمن الآتي.. لا تتحدثي بشيء فأنتِ الكلام.. لا تبوحي أنتِ الروح" إذ يبني الكاتب تناصاً مستمراً على امتداد صفحات الرواية بين النثري والشعري مضيفاً أبعاداً أخرى لقراءة النص وفهمه لتكون المرأة تارةً في لبوس الأرض وتكون الأرض معراجاً ومطهراً للروح.

    ونجح صاحب مدينة النوافذ المعشقة في إبرام تورية أدبية لافتة في اندماج شخصية الراوي في النص مع مونولوج الشخصية الرئيسية مشتقاً تصاريف مختلفة ومآلات متعددة لشخوصه الروائية منافحاً مرةً عنها وموقعاً بها أحياناً أخرى في مآزقها الوجودية والحياتية الصغيرة فالحب الذي تتوازعه امرأتان يصبح محركاً ضرورياً للتنويع على مزاج الروي وتكثيفه بعيداً عن التفاصح على المتلقي بل بالتركيز على العالم الداخلي للشخصية حين تشتد نوازعها إلى التحرر من كل ما يثنيها على الحياة فالموت شخصية جماعية في هذه الرواية يكاد القارئ يتلمس أنفاسها خطواتها المتتابعة في الشوارع والوجوه وأماكن الوظيفة.

    كما يبرم الكاتب عقداً فنياً مع أدب المثنى الشهير في النصوص العربية الكلاسيكية متناولاً إياه عبر قصة حب لامرأتين من مشارب اجتماعية مختلفة مسجلاً تواترهما في بنية السرد بروائية هادئة رغم ضجيجها الداخلي ونزوعها نحو تطيرها وتشاؤمها المعلن لكن صاحب "تداعيات في مقهى الشرق" يجعل من هذا التطير تفاؤلاً لإرادة الحياة حين لا مكان إلا للعملاء السريين ولعيون تراقب المصير المنتظر وحين يدرك سامي بطل الرواية أنه مدان مسبقاً حتى تثبت براءته بموته فالكاتب يعرض لموقف المثقف الملتبس وانجراره القسري للاصطفاف والتحزب رغم أنه في النص متفلت من أي انتماء غير انتماء الأرض إلا أن التصنيف يدفعه في النهاية إلى مواجهة مأساوية.

    لهذا لا يجد مروة مانعاً من التعويض عن هذا اللبس الإجباري في تشخيص الهوية وتوزيع شهادات الوطنية على الناس ولاسيما في أوساط المثقفين غير اللجوء إلى الشعر مستبدلاً الحوار بمناجاة تظهر وتغيب بين سطور الرواية فيقول "أنا الذبيح وأنت الفداء.. لنبيذك المشتهى أمنح ما تبقى وما تبقى قليل.. من همس مشاعرك.. من عذوبة لفظك.. أجعل ساعاتي عمراً.. أصنع فلك نوح لأنجو بكِ" حيث يبدو هذا الإصرار لدى الروائي على تمرير إشارات خاطفة تتداعى عندها الشخصيات لتستكين في نهاية المطاف لجرحها الجماعي وخوفها الأصلي من الغيب والألم والمجهول.

    ويؤكد صاحب جمر أشعل الرماد على حفيف مستمر لصوته الخاص في صياغة الذروات الدرامية داخل الشخصية لا خارجها فالحدث محسوم مسبقاً والنهايات تبدو متوقعة لكن غير المحسوم وغير المتوقع هو تمرد الشخصية على كاتبها خروجها المفاجئء والصادم من بين يديه نحو مواجهات نفسية صادمة لم يرد منها الكاتب أن تكون خارج النص بل في صميمه ومن أصل تركيبته اللغوية والأدبية لذلك كان هاجس الموت متعدياً لهواجس الحياة للظفر بها والانتصار لها مهما كانت الضرائب باهظة ومميتة فهي رغبة للتوحد بجسد الأرض أنى كانت خيارات القتل الجماعي مسلطة على رقاب الشخصية.

    من هنا ينشئ مروة تميمته الروائية الخاصة ماضياً بقارئه إلى نهاية تراجيدية عالية في استقرائها للكارثة الجماعية وصولاً إلى مشهد موت بطل الرواية الصحفي سامي وصديقه خالد صاحب دار النشر بعبوة ناسفة تم زرعها في سيارته حيث تندمج أشلاء الشخصيتين وهي في طريقها إلى كل من مقبرتي جبلة وباب الصغير بدمشق فالدم السوري هو الجسد السوري الواحد الذي يأبى حتى عند موته هذا إلا أن يتعانق ويندفن موحداً في أرضه دون النظر إلى أي اعتبار إلا اعتبار الأرض التي أنبتت إنسانها وفطرته على عشقها والتمسك بكل مكوناتها الاجتماعية.

    هكذا ينقلنا صاحب "نهر الوجع" إلى نهاية مفاجئة وصادمة متيحاً للمتلقي تأمل شجاعة الموت حباً لا من منظور رومانسي بل بالتأكيد على عمق الروابط التي تجمع كل السوريين من كل بقاع الأرض التي عاشوا عليها سوية منذ آلاف السنين فقهروا على ثراها كل طغاة الأرض وغزاتها فالشخصي يصبح في "صليب الطين" موضوعياً بالضرورة والحب الذي يعيشه بطل الرواية هو حب يريد الجمع لا نشر بذور الاختلاف والفرقة لنكون أمام مادة أدبية لافتة تتقدم كوثيقة عن زمن رائع مضى وزمن مرير أتى وسيمضي.. يقول مروة الذي أفاد في نصه من حياته الشخصية كونه الصحفي والأديب السوري المعروف بغزارة إنتاجه الأدبي والصحفي ومساهماته النقدية.. "أريد للأحلام أن تبقى أحلاماً.. حين تتحقق الأحلام تفسد.. يضيع بريقها.. أريدها عصية على التحقق.. أريد مزيداً من الزمن لأعدو خلفها.. أيها الحلم المحال ابق في حدود المحال المحال".

    يذكر أن الأديب إسماعيل مروة من مواليد معربا 1963 يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق وماجستيرا في علوم اللغة العربية من الجامعة اللبنانية 1994 ودكتوراه في الأدب من جامعة ميلوف الحكومية من كازخستان 2010 وهو رئيس القسم الثقافي في جريدة الوطن السورية لديه عشرات الدراسات النقدية والأدبية إضافةً لإنتاجاته في القصة والشعر والرواية أبرزها ... الأرض والإنسان 1989.. الأكفان تعلن انقلابها 1994.. توقيعات على مقام شامي2000.. أدونيس إبداع وحرية ووطن2011.

    سامر إسماعيل
يعمل...
X