إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رفيقة البحوري الباحثة والجامعية تحاورها : هيام الفرشيشي..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رفيقة البحوري الباحثة والجامعية تحاورها : هيام الفرشيشي..

    حوار مع الباحثة والجامعية

    رفيقة البحوري

    هيام الفرشيشي






    حاورتها: هيام الفرشيشي

    رفيقة البحوري هي باحثة وأستاذة جامعية، حصلت الإجازة في 1973 من كلية الاداب 9 افريل، وعلى شهادة الكفاءة بالبحث العلمي في 1982، وعلى التبريز في اللغة والآداب العربية في 1989 . اشتغلت منذ تخرجها استاذة تعليم ثانوي، وبين 1990 و2011 أصبحت أستاذة في التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ثم بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة. وإلى جانب اهتمامها بالتدريس تميزت الاستاذة رفيقة البحوري بأنشطة اجتماعية متعددة. فهي ناشطة في الاتحاد العام التونسي للشغل منذ السبعينات. وهي كاتبة عامة للنقابة الاساسية بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة وعضو بمنظمة العفو الدولية مجموعة سوسة.
    الى جانب بحوثها الأدبية والفكرية المتعددة، صدر لها:
    " الأدب الروائي عند غسان كنفاني " ،دار التقدم، 1982
    "المرأة و لعبة الحرف في شعر نزار قباني"،دار محمد على الحامي للنشر،2001
    وتستعد رفيقة البحوري حاليا لإصدار مجموعتها الشعرية " أشواق البرعم الخصيب"، كما تستعد لنشر كتاب يعنى بالحكايات الشعبية المستقاة من التراث الشفوي..حول اهتماماتها الادبية وحول رؤيتها لصورة المرأة كان لنا معها هذا الحوار:
    هل يكشف الفن أم يحجب، وهل يبرر الغموض في العمل الفني حجب الحقائق والقضايا الاجتماعية؟
    الفن هو لعبة الخفاء والتجلّي. لا شكّ أنّ منطلق الفن هو الواقع في بعده الفردي والعام، ولكنه يكون مكيّفا برؤية خاصة ومصاغا بلغة خاصة. لا يمكن للفن أن ينقل الواقع كما هو أو ينسخه. لا بد من إحساس خاص بالواقع وتعبير مبتكر عنه. إنّ المعادلة بين التعبير عن التجربة الفردية وعن القضايا الإنسانية العامة أمر صعب. والتوفيق بينهما هو معيار الفن الخالد. فلئن كان قتل المبدع لذاتيّته يحوّله إلى بوق دعاية، فإن انحباسه في عالمه الخاص دون أن يمدّ جذورا إلى العالم الخارجي هو ضربة قاسمة للإبداع، لأنه يقضي على عملية التواصل مع الجمهور.
    إنّ الأديب، وهو هنا لا يختلف عن أيّ فنّان، دوما في علاقة بالآخر. لأن دور الفنّ عموما هو أن ينتج الصور والتمثّلات وأن يخلق المعنى. وهذا الدور يساعد الإنسان على التمكّن من واقعه والسيطرة عليه (بالمسائلة أو الرفض أو القبول) والأدب الذي لا يقوم بهذه الوساطة بين الواقع وتمثلّه وتفكيره يفقد وظيفته الأولى.
    باسم الحداثة دافع العديد من المبدعين والشعراء الكبار في العالم العربي مثل أدونيس وأنسي الحاج.... عن ظاهرة الغموض. وأعتقد أنهم أضرّوا بالأدب العربي أيّما ضرر إذ حرموا الجمهور الواسع من مصدر معرفة وفهم إيجابي للواقع. إن ظاهرة الغموض في الأدب العربي من أسباب الخراب الفكري والثقافي الذي نعيشه الآن. أنتج دعاة الحداثة أدبا لا يسمح بالتفاعل وبالنقاش والمجادلة، وإنما يقبل كأشكال جاهزة قد تثير الإعجاب، وتستهلك في لحظتها ثم تنسى، أو يتحمّله المتلقي بكثير من التواضع والسلبية والصمت. أنا مع الابتكار في الصياغة والبحث عن الأشكال الجديدة، ولكن بشرط أن تحافظ تلك الأشكال على قابليّة التّلقي، ولا تتحوّل إلى طلاسم تنفّر القرّاء من الأدب بل من الفكر عموما.
    * هل هناك أدب محافظ متستر وما هي حدود الحرية في العمل الأدبي؟ هل هي مقيدة أم مطلقة؟
    - لا يمكن للمحافظ أن يكون مبدعا بالمعنى الصحيح للكلمتين كما لا يمكن للأضداد أن تلتقي. الحريّة في الإبداع لا حدود لها إلا إرادة المبدع. هذا ما يجب أن يكون في مجتمع حيّ. والمجتمعات المتطوّرة عبر التاريخ وفي كل الحضارات احترمت مبدعيها حتى وإن خرقوا نواميسها وعاداتها. لقد حافظت دائما على حيّز لقبول جنون المبدع، لأن المبدع في تعبيره الحرّ يفتح مسالك جديدة في الحياة هي أكثر عمقا وألصق بالتجربة الإنسانية، وعموما يقبلها المجتمع بعد رفض، وكثيرا ما يكون ذلك بعد وفاة المبدع.
    * من إصداراتك النقدية كتاب عني بتجربة نزار القباني واعتنيت خاصة بصورة المرأة في أشعاره، هل هي الصورة المنشودة إليك كامرأة وباحثة ومبدعة؟
    - ركّزت في دراستي لشعر نزار قباني على صورة المرأة لأنها كانت محلّ جدل. كثيرون هم الذين رفضوا شعره بسبب اهتمامه بالمرأة. هنالك من رفضوا شعره لأنهم يعتبرون أنّ الحديث عن المرأة خروج عن الأدب بل هو عيب وحرام. وأخطر من هؤلاء المدافعون عن صورة نمطية للمرأة العربية المعاصرة. حرية المرأة عندهم لا تتجاوز الحياة العامة، فللمرأة أن تتعلم أن تعمل أن تتنقل، أما أن تتمتع بحرية فردية، كأن تتفسح أو تحب وتعبّر عن حبها أو تتمرد فهذا عين الميوعة والانحلال. ولقد وجدت أن نزار قباني أعطى قيمة لمشاكل المرأة الخصوصية ولمشاعرها. وأعطاها الكلمة لتعبّر عن نفسها. رفض نزار قباني استعباد المرأة في كل أشكاله فالحرية عنده لا تتجزأ. واعتبر أن لا سعادة للرجل مع امرأة مستعبدة، فقاوم عقليّة الرجل الشرقي.
    المرأة في شعر نزار قباني، خاصة في شعر السبعينات حيث نضجت تجربته، هي سيّدة نفسها، سيّدة جسمها، وهي تعرف ما تريد وتعبّر عمّا تريد، وهذا ما أقلق المحافظين والمحافظين الجدد.
    * الى جانب دراستك لتجربة نزار القباني الشعرية اعتنيت برمز من رموز الادب المقاوم؟ ما هي خصائص الادب المقاوم فنيا؟ وهل الأدب المقاوم هو ادب انساني وان كان ادب قضية؟
    - كنت ومازلت معجبة بالأدب المقاوم، لأن فيه نبلا، وتساميا عن الذات الفردية للتفاعل مع التجربة الجماعية. وفيه تكون علاقة الكاتب بمجتمعه علاقة عضوية. أعتبر أن هذا الأدب من أصعب الأنماط، لأن الكاتب يكون مهدّدا بالذوبان في القضية لاعتباره أنها هي الأصل وأنه في خدمتها. في هذه الحال كثيرا ما يفقد إبداعه الخصوصيات الذاتية المطلوبة في الأدب، ويخرج من دور الإبداع إلى دور التسجيل.
    وفي الأدب العربي كما في الأدب العالمي هنالك أدباء ملتزمون حلّقوا بعيدا، وليس أدل على ذلك من بابلو نيرودا الذي فاز بجائزة نوبل. ونذكر كذلك محمود درويش الذي سيطر على الساحة الأدبية في العالم العربي بلا منازع. لم يسمح الموت لغسان كنفاني ان يبلغ منزلة تقاربهما، ذلك أنه استشهد في السادس والثلاثين من عمره، كما أن التزاماته السياسية لم تسمح له بالتفرغ للأدب، ومع ذلك فإن ما تركه من كتابات يثبت أنّه وفّق في أن يدافع عن قضيّته دون أن يسقط في المباشراتيّة أو يتحول إلى داعيّة سياسي. كتب غسان كنفاني عن فلسطين فحوّل معاناة الفلسطينيين إلى قضايا إنسانية: تطرق إلى قضية العلاقات الأسريّة وقيمة الالتزام الفردي بالقضايا المصيرية في "عائد إلى حيفا"،وإلى قضية الغربة والاستغلال في "رجال في الشمس"، وقضية صراع الإنسان مع الزمن في "ما تبقى لكم"...وعموما لم تكبّل القضية الفلسطينية غسان كنفاني بل كانت مجالا وظّفه لطرح قضايا إنسانية. كذلك كانت حافزا للتجريب في الشكل الفنيّ فكلّ رواية من رواياته هي مجال للابتكار الفني بحيث لا تتشابه الروايات، ولا تتكرر أساليب الكتابة، لهذا تميّز فأفاد القضية الفلسطينية، وعرّف بها، دون أن يخرج عن دائرة الإبداع.
    * تعتكفين حاليا على جمع خرافات وأساطير شعبية مستقاة من الذاكرة الشعبية،هل يوجه هذا العمل للعامة أم لصنف معين من القراء، وهل هناك نية لقراءة هذه القصص نقديا ؟
    - بدأ شغفي بالحكايات الشعبية والخرافات منذ الطفولة. كان جدّي محدّثا بارعا وحكاّء موهوبا، وكنت مستمعته الوفيّة. يشبه الاستماع إلى جدي وهو يحكي الطقس الديني. كنت أجثو حذوه، وهو يجلس بوقار، يجذب نفسا من نارجيلته ثم يسترسل في الكلام، وكنت ألتقط الكلمات من شفتيه بخشوع الراهب وإيمانه.
    في سن الكهولة رأيت الاهتمام البالغ بالحكايات الشعبية في الثقافة الغربية. دفعني ذلك إلى أن أدرس هذا النوع من الأدب، واكتشفت قيمته في تأصيل الهويّة، وكذلك في التربية النفسية والتربية عموما.إضافة إلى إمكانية أن يستفيد أي إنسان كبيرا أو صغيرا من هذا الأدب. هالني الإهمال الذي يقابل به أغلب الناس في بلادنا هذه الوسيلة التربوية البالغة الفائدة والمتاحة. ولاحظت أن أغلب الشباب والأقل شبابا لا يعرفون الحكايات التي أعرفها فعقدت العزم على كتابتها. جمعت الآن مجموعة لا بأس بها، أراها صالحة بصفة مباشرة للأطفال، ولكن لا غنى للكبار عنها لأنها جزء من تراثهم، وهى مرتبطة بوجدانهم ومخيالهم الجمعي.
    والمجموعة جاهزة تنتظر النشر. قسّمتها إلى أربعة أجزاء. الجزء الأول للأم والطفل، وهو مخصّص للطفولة الأولى: من الولادة حتى الأربع سنوات، وفيه بعض من أغاني المهد. والجزء الثاني موجه إلى الأطفال فيما بين الرابعة والثامنة. والثالث لمن هم بين الثامنة والثانية عشرة. أما الجزء الأخير ففيه الحكايات الشعبية والخرافات الصالحة لمختلف الأعمار.
    وطبعا أنوي، بعد إصدار الحكايات، مراجعة البحث الذي أعددته عن هذا الفن وإصداره كدراسة تبرز قيمة الأدب الشعبي الشفوي باعتباره أحد فنون الأدب وليس أقلّها شأنا.
    * تكتبين شعرا ونصوصا ادبية دون ان تجمعيها في كتاب؟ هل لديك نية لجمعها؟ ام انك باحثة في المشهد ومبدعة في الظل؟
    - فعلا كما جاء في السؤال أكتب الشعر ولكني أبقيته في الظل. لا ادري لماذا ظللت حتى سنوات قريبة أخفي شعري حتى عن أقرب الناس إلي. ربما لأني كنت دائما أكتب في لحظات التوتّر وبفعل إحساسات خاصة، ولم أكن أتصور أن تلك الأحاسيس تعني غيري. لعلها التربية التي تتلقاها المرأة والتي تعوّدها على عدم إبراز عالمها الخاص؟ إضافة إلى ذلك كنت أدرّس شعراء كبارا.وكان شعرهم يبهرني، وأشعر أن ما أكتبه لا يساوى شيئا أمام ما يكتبون. ولكن الآن أشعر أن الثورة حرّرتني وقد رأيت أن الآلام التي عانيتها هي آلام شعبي والإحباط الذي عبّرت عنه هو شعور مشترك لدى أغلب التونسيين. شعرت أن احتراقي كان وقودا للثورة. لذلك أنتظر الآن صدور مجموعتي الشعرية: "أشواق البرعم الخصيب".
    * رفيقة البحوري الباحثة الادبية والناشطة الحقوقية والسياسية، كيف ترين صورة المراة التونسية؟ وكيف ترين حضورها في المشهد الثقافي؟
    - أراها تسير بخطى ثابتة وسط الأشواك. أقول هذا كرؤيا، وإن كنت في الواقع لا أحب الحديث عن المرأة التونسية بل عن النساء التونسيات. لا يمكن أن نختزل نساء تونس في نموذج واحد. إذا نظرنا في المجتمع التونسي نجد : النساء المغلوبات على أمرهن واللاتي لا حول لهن أمام الفقر والجهل وقهر العقلية الذكوريّة ، هؤلاء النساء، وللأسف هن الأكثر عددا، يناضلن بكل شراسة من اجل حياة كريمة ولكنهن في الغالب ليس لهن وعي بحقوقهن . ونجد النساء اللاتي استطعن ان يتجاوزن هذه العراقيل اليومية، وهن منقسمات إلى فئة راضية بواقعها تتقمص الدور الذي خطه لها المجتمع الذكوري. تقبل دونيّتها، وإن واجهتها فبالحيلة والاقتناص. مثل هؤلاء النساء موجودات بكثرة في الساحة الثقافية والسياسية وهن نقمة على جنسهن. يتحوّلن إلي خادمات أو جاريات للرجال، يبالغن في استغلال الصورة التي كرسها المجتمع للمراة والقائمة على الطاعة والإغراء، وذلك من أجل الحصول على اعتراف بوجودهن. طبعا إلى جانب هؤلاء نجد حرائر تونس وهن مفخرتها، لأن مثل هذه الفئة نادرة في البلدان النامية. وهي فئة نشطة وفاعلة . هي واعية بحقوقها ومستميتة في الدفاع عنها، وعليها المعوّل في تطوير واقع النساء عموما في تونس. رأينا هؤلاء النساء أيام الثورة وبعدها في كل المناسبات يسرن بثبات رغم حركات الارتداد. لذلك يمكن أن أقول إن المرأة التونسية تشق طريق اللاعودة في تحقيق حرّيتها وكرامتها.
    وبالنسبة للثقافة نلاحظ أن عدد المبدعات في تزايد، كما أن قيمة إبداعهن تتطور باستمرار، خاصة في مدى تعبيرهن بصدق عن تجاربهن ورؤاهن. صار عندنا أسماء معروفة ومحترمة.
    * ما الذي تستهجنه رفيقة البحوري في الساحة الثقافية التونسية؟
    - أكثر شيء أستهجنه هو الكسل. ويبدو لي أنه البؤرة التي تنداح منها كل البلايا. لو نذكر كم كان يخصص نجيب محفوظ أو نزار قباني او محمود درويش من الوقت للمطالعة فقط وللتفاعل الإيجابي مع التجارب العالمية لفهمنا لماذا لم يبق لهم وقت للتّماحك ولماذا كان لهم مثل ذلك الإبداع. الفكر كالشرر لا يقدح إلا باحتكاك بالصوان الجيد.


    عبير
    :p
يعمل...
X