إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خالد الهبر(نمشي ونكفّي الطريق) بقلم: مالك ونوس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خالد الهبر(نمشي ونكفّي الطريق) بقلم: مالك ونوس



    الحالمون بالزمن الجميل يرددون مع خالد الهبر

    (نمشي ونكفّي الطريق)

    الحالمون بالزمن الجميل يرددون
    عندما سئل الفنان اللبناني خالد الهبر عن سبب اختياره قصيدة (مديح الظل العالي) للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش للتلحين أجاب: (إن محمود درويش كالمتنفَّس بالنسبة إلي في أجواء النقيض لما يجري. تصور أنك تمر بجوار مكب نفايات، فما الذي تفكر به وقتئذ؟ من المؤكد أنك تفكر بالورود وروائحها كي تنعشك). كان ذلك في العام 1987، وقد تذكرت هذا الجواب وأنا أصعد إلى الحافلة التي أقلتني إلى دمشق لحضور الاحتفال الذي سيحييه، إضافة إلى الفنان اللبناني خالد الهبر الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في صالة الجلاء بالمزة في الرابع من هذا الشهر، فأدركت حينئذ ما الذي يدفعني لتجشم عناء السفر للوصول إلى هناك.

    كان ذلك يجول بالخاطر بينما الحافلة تقطع مسافة الـ 300 كم التي تفصلني عن مكان اللقاء مع الفن الحقيقي. وحين تصل إلى المكان تجد أن الكثيرين قد سبقوك للحصول على تلك اللحظات التي تحاكي الوجدان وترسخ ما تفكر به دائماً بأن الفن الجميل يبقى ويستمر رغم مرور الزمن ورغم تجاهل، إن لم يكن محاربة، أصحاب الفن الرخيص والتجاري للفن الراقي. ومن لوحات السيارات المركونة قرب تلك الصالة تعرف أن الوفود قد جاءت من كل بقعة من سورية لتتوحد في ظل الموسيقا والكلمة الجميلة في هذه المناسبة التي أراد الشيوعيون في سورية ولبنان (أصحاب الدعوة للاحتفال) أن تتكرس في الذكرى الـ 85 لتأسيس حزبيهما.

    أطل الفنان خالد الهبر بعد الكلمات الاحتفالية. وبعد الفقرة الأولى للهبر كان اللقاء مع الشاعر أحمد فؤاد نجم رفيق درب الفنان الراحل الشيخ إمام، فألهب الصالة بقصائده التي تعكس بعفويتها وجزالتها آلام جميع الفقراء والمساكين وآمالهم، وهي للمفارقة ما زالت تعبر عن اللحظة التي نعيشها رغم مرور عشرات السنين على كتابتها.

    تسللت أغاني خالد الهبر إلى ذائقة الشعب السوري خلال الحرب الأهلية اللبنانية، عبر الإذاعات اللبنانية التي كانت تلتقط في بعض المناطق السورية، وخاصة (إذاعة صوت الشعب اللبنانية) التي إضافة إلى أغانيه التي كانت تبث عبر أثيرها اشترك مع الفنان زياد الرحباني في إعداد وتقديم برنامج موسيقي بعنوان (مَنُّو إلا موسيقا) في الإذاعة ذاتها. وكان هذا البرنامج يهدف إلى التعريف بالموسيقا العالمية، والمساعدة في التمييز بين الغث والثمين في ما يتلقاه المستمع أينما ولّى أذنه.

    بدأ الفنان خالد الهبر بصياغة مشروعه الموسيقي منذ بداية السبعينيات، فأصدر أول أعماله. أما التميز فقد بدا واضحاً في عمله الثاني شريط (صبحي الجيز) الذي أتت أغانيه من إيمان عميق حتى حدود المثالية بمفهوم الثورة وقيمها وبالحلم الذي تحمله داخلها. وعندما جاءت الحرب الأهلية اللبنانية أواسط السبعينيات برزت أغاني خالد الهبر وزملائه الفنانين اللبنانيين، أمثال مرسيل خليفة وزياد الرحباني وأحمد قعبور ومخول قاصوف وسامي حواط وغيرهم، الذين قدموا ما أطلق عليه تسمية الأغنية السياسية (أو الملتزمة)، هذه الأغنية التي تمجد الحياة في زحمة المذابح والفظائع والحرب اليومية. وكانت أغانيهم في الوقت عينه تشد من همم المقاومين في محاولة لتوجيه بوصلة وبندقية من ضل إلى العدو الحقيقي، الكيان الصهيوني.

    في الفن تكون درجة الإبداع أو فاعليته بقدر تجذره بالنسبة إلى السلوكيات الفنية الممارسة أو تلك الخفية، غير المقصودة من جهة، والوظيفة التي يمارسها هذا الفن ودوره في مجتمع ما من جهة أخرى. يأتي هنا دور السلوكيات الجمالية التي يزخر بها هذا الفن عاملاً إضافياً في تكريس الإبداع المبتغى. من هنا نستطيع أن نلحظ درجة الإبداع في أعمال الفنان خالد الهبر. فقد قال مرة عن مضامين أغانيه وتنوع المناخات فيها أن بعضها ناتج عن: (إحباط أصاب المجتمع، كما أن الانتصار يصيب الأغنية عندي عندما يصاب المجتمع بهذا الانتصار. فإحساسي بانتمائي إلى أغنية يتوقف على انعكاس العلاقة بين الإنسان والسياسة ومعاصرة إيقاعات تواترات الضغوط الحياتية وشعوري كمتكلم عن هؤلاء الناس، وبقدر معرفتي بإحساسهم وإدراك هذا الإحساس في هذه الأغنية تكون الأغنية عندها مقبولة وقابلة للحياة). لذلك نجد المجازر الإسرائيلية في كفركلا وكفرشوبا حاضرة في أغانيه، وهو ما أخذه عليه البعض واتهمه بالمباشرة. أما هو فيقول: إن خروج أغنية من هذا الواقع المدرك لإحساس الناس يجعل هذه الأغاني قادرة على الاستمرار. ولذلك نجده وقد استحضر بعض هذه الأغاني مثل (أرنون) التي تتكلم عن تحرير هذه البلدة اللبنانية سنة 1999 بقبضات مجموعة من الشبان المتحمسين الذين أجبروا، بأجسادهم العارية، الجيش الإسرائيلي على الفرار منها.

    من وحي المناسبة قدم الهبر أغنية (السنديانة الحمرا) التي استعار تسميتها من عنوان كتاب (جذور السنديانة الحمراء) للكاتب والمفكر اللبناني محمد دكروب الذي بلغ الثمانين مؤخراً. وكانت المناسبة أن يكرّم في هذا اللقاء، وهو الذي يؤرخ في كتابه المذكور لـ (حكاية) نشوء الحزب الشيوعي في سورية ولبنان سنة 1924.

    المطَّلع على أعمال خالد الهبر يلاحظ أن أغاني الحفل لم تقدم حسب سياقها التاريخي، وهي نقطة تسجل لصالح هذه الأغاني، إذ إن ذلك يثبت راهنيتها وقدرتها على الاستمرار رغم مرور الزمن وتغير ظروف انطلاقتها. فقد استهل البرنامج بأغنية (على جناح البيارق) التي صدرت في أواخر الثمانينيات، ثم يعود إلى حادثة أرنون عام 1999، ليقفز بعدها إلى اجتياح غزة مطلع هذا العام عبر أغنية (نحن في غزة بخير طمئنونا عنكم)، حين كانت النيران الإسرائيلية تحرق أطفال غزة وحجارتها. ويعود ليؤكد أننا (لن نركع للقوة والفانتوم للمدفع) في أغنية (فلتسمع كل الدنيا). ثم يأخذنا بعد ذلك إلى تنويعات بين الحب في الأغنية الرقيقة (رنا وردة حمرا) وبين الخفيف الذي يعبر عن الحالة اللبنانية المستعصية كأغنية (لو عملوني رئيس الجمهورية)، والطريف كأغنية (شارع الحمرا) غير المخصص للفقراء، و(بشارة) العاشق (المنتوف) الذي يعيش حالة وَلَهٍ بفتاة غنية لا تعيره أية التفاتة. و (غنية عاطفية) التي عجز صاحبها عن كتابتها لأنه غير قادر على التفكير سوى بالكيفية التي سيغير بها حياته وظروف بلده. وكان اللافت هو أغنية (عائد إلى حيفا) التي يستعير الهبر عنوانها من رواية بالاسم نفسه للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني. إلا أن العائد هذه المرة هو ذلك الفلسطيني الذي يتمنى لو عاد إلى حيفا أو ما بعد بعد حيفا، ولو على متن صاروخ أطلقه حزب الله خلال حرب تموز سنة 2006 أو سيطلقه لاحقاً.

    لقاء الفنان خالد الهبر مع الجمهور السوري هو الثالث خلال مسيرته الفنية الطويلة، والثاني لهذا العام. فقد أحيا في تشرين الأول الماضي أمسية على مسرح دار التربية بحلب. أما تفاعل الجمهور السوري مع هذه الأغاني فقد كان لافتاً، وخاصة فئة الشباب الذي كان حضوره طاغياً في وقت يحلو لأصحاب الفكر الرأسمالي أن يدَّعوا، رغم بداية انهيار نموذجهم، أن الفكر الاشتراكي لم يعد قادراً على اجتذاب فئات الشباب، فتأتي هذه المناسبة لتقوض ذلك الادعاء، لأن الحالمين بالزمن الجميل سيستمرون بالترديد مع خالد الهبر (نمشي ونكفي الطريق).

    مالك ونوس



يعمل...
X