"عبد الله العك"... نحات وادي اللوا



لم تساعده ظروف الحياة على البدء بالنحت بعمر مبكر، ولم تعطه الوقت حتى للتفكير بذلك الأمر مع هاجس العمل لتأمين المستلزمات الأساسية لحياة كريمة، ولكن ما إن تبلورت الفكرة في ذهنه حتى جسدها على ارض الواقع بمنحوتة بازلتية ضخمة، أدهشت جميع سكان قريته إذ كشفت ودون سابق إنذار عن موهبة خلاقة ونحات مبدع.
"عبد الله العك" من مواليد عام 1974م، يعتبر النحات الوحيد في القرى الممتدة على طول وادي اللوا في محافظة "السويداء"، موهبته فطرية لم تحتك إلا بتلك البيئة الجبلية، التي صقلتها وأكسبتها أصالتها.

مدونة وطن eSyria زارت النحات "العك" في منزله في قرية "رضيمة اللوا" التي تبعد عن مدينة "شهبا" 20 كم، وسجلت اللقاء التالي:

* بعد طفولة ملأى بالعشق لمادة الرسم وللطبيعة، تأتي مرحلة الشباب على النقيض تماماً، فما السبب في ذلك؟

** نحن نعيش في بيئة فرضت شروطها القاسية على حياتنا، ولم يترك لنا الفقر متعة الاحتفاظ بمواهبنا، لم أتابع دراستي وبدأت العمل بسن مبكرة، عملت في الأرض وسافرت قبل أن أبلغ العشرين من عمري، وكان الهاجس هو تأمين حياة كريمة، وتكوين أسرتي الصغيرة، كانت مسؤولياتي تمنعني من التفكير بنفسي وبمواهبي وطموحاتي، في الصغر كانت مادتي المفضلة في المدرسة هي الرسم، ولوحاتي الأكثر تميزاً في مدرستي، ولكن ظروف الحياة منعتني من تنمية موهبتي في الرسم.

* قرارك بالعمل بالنحت جاء مفاجئاً وبدأت بمنحوتة ضخمة، فمن أين جاءت ثقتك بنجاحك؟ من تجارب سابقة أم من دورات اتبعتها؟

** العمل بالنحت يحتاج لتفرغ وأنا كان لدي عملي الخاص، ولم أكن أملك أدوات النحت والتي كانت باهضة التكاليف، ولكن بعد استقرار وضعي المادي اقتنيت تلك الأدوات.

قراري ببدء العمل بالنحت جاء نتيجة إحساس داخلي انتابني، وأحسست بأني سأنجح بهذا العمل، علماً أني لم أتبع أي دورة تدريبية في حياتي، النحات "عبد الله العك"أحضرت كتلة بازلت ضخمة تزن قرابة 6 أطنان، وبدأت بنحت دلة قهوة، كان الحجر قاسياً وصلباً واستغرق مني العمل قرابة ستة أشهر، والحمد لله تجربتي نجحت، وسط استغراب ودهشة زوجتي وأهلي وأهالي قريتي، هم الذين لم يعتادوني نحاتاً ولم يعلموا أني مهتم بالنحت أساساً.

بعد أن نجح أول عمل زارني رئيس بلدية الأصفر وأوصاني بعمل بازلتي عبارة عن دلة قهوة وفنجانين وهما موجودان في ساحة القرية، وبعدها وأصبحت أتلقى العديد من العروض للعمل.

* كيف تختار موضوعاتك النحتية؟ وماذا عن مشاركاتك في المعارض الفنية؟

** الإحساس هو الذي يفرض نفسه على العمل، وموضوع المنحوتة وليد فكرة، في كثير من الأحيان شكل الصخرة قبل النحت، يوحي لي بالشكل الذي يجب أن تكون عليه بعد النحت، فالجسم أراه في قلب الحجر.

تلقيت العديد من العروض للعمل، منهم من ترك لي حرية اختيار الموضوع، ومنهم من كان موضوعه جاهزاً ويرغب بتنفيذه، كما شاركت بدعوة من بلدية "الصورة الصغيرة" بأضخم منحوتة بازلتية وهي موجودة في الساحة أمام المركز الثقافي في القرية، نحتُّ أحد وجوهها.

أما بالنسبة للمشاركات من أعماله النحتية سيف بازلتيفي المعارض فقد انتسبت لنقابة الفنانين في عام 2011م، ولدي ثلاثة أعمال نحتية مقتناة باتحاد الفنانين التشكيليين، وأتابع الملتقيات النحتية من خلال زياراتي لها، شاركت بمعارض في عدد من صالات المحافظة وفي معرض بيلدكس في دمشق.

زوجة الفنان "عبد الله العك" السيدة "مها قرقوط" مدرسة في قرية "الصورة الصغيرة" تحدثت بقولها: «لم ألاحظ اهتمامه بالرسم أو النحت منذ زواجنا، ربما هي ظروف الحياة تلك التي أبعدته عن موهبته، فأنا أعلم أنه يحب مادة الرسم، ولكن انشغاله في العمل وتأمين متطلبات المنزل والأطفال، منعه حتى من مزاولة الرسم، ولكنه عندما قرر العمل بالنحت كان قراره مفاجئاً لي بالدرجة الأولى، ودهشت بدقة وجمال المنحوتة بعد انتهائها، وشعرت بالندم على الوقت الذي ضاع من عمره دون أن يستثمره بالنحت، فلديه موهبة فطرية نظيفة، رغم أنه لم يخضع لأي تدريب ولم يتبع أي دورة».

الأستاذ "كنج خيو" من أهالي القرية تحدث عن الفنان "العك" بقوله: «يملك الفنان "عبد الله العك" إحساساً فنياً وذوقاً في انتقاء موضوعاته النحتية، أزوره باستمرار لأتعرف على أحدث منحوتاته، هو إلى اليوم لم يتفرغ رقعة شطرنج وهي المفضلة لدى أبنائهللنحت بشكل كلي، ورغم كل ضغوط الحياة، نجد بين الحين والآخر أعمالاً جديدة في منزله».