إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يدهم الموت ( عبد الستار ناصر )الروائي العراقي في المغترب الكندي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يدهم الموت ( عبد الستار ناصر )الروائي العراقي في المغترب الكندي

    أدباء عرب وعراقيون يفتحون لـ"العالم الجديد" صفحات ذكرياتهم مع القاص والروائي الراحل
    الموت يدهم عبد الستار ناصر في المغترب الكندي.. والوصية: ادفنوني حيث أموت!

    عبد الستار ناصر (تصوير علي عبد الأمير عجام)
    بغداد - صفاء خلف


    "قرر أخيرا أن يدخل إحدى رواياته، ويبقى هناك تماما غير عابئ بالزمن"، بهذه الكلمات تبرق الروائية الفلسطينية إيناس عبد الله، من رام الله إلى بغداد، بتعليق على نبأ رحيل القاص والروائي الكبير عبد الستار ناصر في كندا البعيدة، ذلك المكان البارد القصي في النصف المجهول من كرة المصائر المتقاطعة، حيث مات ناصر الذي زاحم ميتاته السابقة، وتخاصم مع الموت طويلا، حتى رضي به أنيسا في غربة الثلج عن عمر ناهز 66 عاما.
    سيوارى جسده التراب بعد غد الثلاثاء، في مدينته الأخيرة التي احتوته مع زوجته الروائية هدية حسين، فيما سيضع الأصدقاء "فوق الجسد البارد"، زهورا وذكريات.
    وكان الطبيب المقرب من العائلة مؤيد العلي، قد أكد وفاة ناصر في إحدى المشافي الكندية، صباح أمس السبت.
    ناصر ولد في بغداد العام 1947، بمحلة "الطاطران" العالم السري الذي علمه اللعب، ومن ثم الاكتشاف والكتابة، وقاده الى غربته، فموته، حيث كتب مسترجعا شريط الحياة الطويلة في روايته التي أسماها بـ"الطاطران": "صوت أجش يصرخ في رأسي. يكفي أيها الأبله، يكفي هذا الندم السخيف، جئت من بغداد من زقاق لا يعرفه أحد، وأنت لا تملك أي شيء، وها أنت فعلت الكثير، أكثر مما تظن."
    ويعد ناصر من أبرز كتاب الحقبة الستينية العراقية، أصدر نحو50 مؤلفا في القصة القصيرة والرواية والنقد، وكان إصداره الأول "لا تسرق الورد رجاءً"، فيما كانت أبرز أعماله الأخرى "الحب رمياً بالرصاص"، "نساء من مطر"، "أوراق امرأة عاشقة"، "أوراق رجل عاشق"، "أوراق رجل مات حيا"، "بقية ليل"، "الهجرة نحو الأمس"، "سوق الوراقين"، "مقهى الشاهبندر"، "أبو الريش"، "الشماعية"، "حياتي في قصصي"، "سوق السراي".
    وغادر ناصر العراق العام 1999، متجها إلى العاصمة الأردنية عمّان، وفي العام 2009 تعرض إلى جلطة دماغية ، شخصها الأطباء حينها على أنها "قاتلة"، لكنه تعافى منها، ليستقر بعدها مع زوجته في كندا.
    ونعى أمس، اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ونقابة الفانين العراقيين في بيانين مقتضبين عبد الستار ناصر، فيما لم تصدر الحكومة العراقية حتى كتابة التقرير، أي بيان ممثلة بوزارة ثقافتها، بينما كشف الشاعر هادي ياسين صديق الراحل، والمقيم في كندا، أن دعوات نقل جثمان الراحل من أجل دفنه في العراق تقاطرت عليه وعلى العائلة.
    وكتب ياسين على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "السفير العراقي في كندا اتصل بزوجة الفقيد معزيا، وبحث معها إمكانية نقل جثمان ناصر ليدفن في العراق".
    وبين أن "ناصر سيدفن (بعد غد) الثلاثاء، في مدينة "هاملتون" الكندية، احتراما لوصية الراحل في أن يدفن في الأرض التي يموت فيها، كما كان يردد (أريد أن اُدفن في المدينة التي أموت على أرضها(".
    واستذكر عدد من الأدباء العراقيين ناصر بوفاته، وقال الروائي العراقي سلام إبراهيم في حديث لـ"العالم الجديد"، إن "ناصر كان حرا لم يتأدلج مع حزب ما في بيئة العراق الثقافية الحزبية المقيتة، وواصل مسيرته بحذر، في ظروف احتدام الوضع، وكتب قصصا عن الحرب ممجدا قيم القتل، لكنه الكاتب العراقي الوحيد، - وهذا يحسب له - باعتذاره من الشعب العراقي في مقالة نشرها عما كتبه من نصوص، قال إنها كانت بدافع مصلحي ومادي، وأدان نفسه وتطهر".
    وشدد على أن "(ناصر) بعكس الكثير من الكتاب الذين لبسوا لبوس اليسار والطائفة الآن، ولم يعتذروا ساخرين من أنفسهم والشعب العراقي، فتحية له لجرأته في القول عن الحياة، وعن العراق، وعن الأخلاق وعن نفسه، سوف لن ينساه العدو والصديق، فصلاة لروحه".
    وعن معرفته بـ"ناصر"، بيّن إبراهيم أنه "لم تسمح لي الظروف ومسار حياتي اللقاء المباشر مع القاص عبد الستار ناصر الذي خسره الوسط العراقي الثقافي والإبداعي بمعانقة أبديته اليوم (أمس السبت)، لكني ارتبطت به باكرا إبداعيا، بمتابعة نتاجه الذي صار كثيفا أوائل سبعينيات القرن الماضي، وكان وقتها صغير السن قياسا بما يكتبه".
    ولفت "كنت أحلم بالكتابة وقتها، ووجدت بنصوصه الأولى شجاعة في مواجهة الذات، وطرح نصوص تتناول الشذوذ الجنسي في البيئة العراقية، وبطرح مغاير لما طرحه التكرلي وقتها في مجموعته اليتيمة - الوجه الآخر – وقت ظهور عبد الستار ناصر الذي لم يكن قد أصدر رواياته بعد".
    وتابع بالقول "كنت مهموما بنفس الثيمة السائدة في البيئة العراقية، والتي لم يتناولها النص العراقي بعد إلا خطفا بخجل، وهذه الجرأة لفتت نظري فقد كان يكتب دون تورية ويقول حقيقة التفاصيل بعري الذي سرعان ما أوقعه في تجربة غيرت مسار حياته".
    وروى أن "الراحل كان قد نشر قصة - سيدنا الخليفة - في – مجلة الموقف الأدبي السورية - في العام 1972، إذا لم تخني الذاكرة، انتقد فيها إجراءات محافظ بغداد حينها خير الله طلفاح، الذي جعل شرطة آدابه يصبغون سيقان الفتيات اللواتي يرتدين الـ(ميني جوب)، ويقصون كل من أطال شعره في الشوارع، وغاب في أقبيتهم، وأنا أدرك أي ذلة واجهها وأي سحق فقد سبق لي الحلول في تلك الأماكن المخيفة".
    "ما عندك كتاب لعبد الستار ناصر"، جملة تكررت كثيرا على الروائي ضياء الخالدي حين كان بائع كتب ببغداد، إذ يروي لـ"العالم الجديد" أمس، أن "هذه الجملة كثيرا ما تكررت باستمرار أيام بيعي الكتب في بسطة على أرصفة باب المعظم في تسعينيات القرن الماضي (أيام الحصار الاقتصادي)، وهذا نادرا ما يحدث مع أديب عراقي، لو استثنينا فرمان، والتكرلي، والربيعي، والركابي عبد الخالق، الذين كانت تباع أعمالهم بسرعة".
    ويفسر الخالدي الإقبال على مؤلفات ناصر، بأن "القارئ المحلي، وليس كتب النقد، من عرّفني بناصر، لهذا كتبتُ اسمه في مدونتي على أمل البحث عن أعماله في شارع المتنبي، ولم يكن هاجسي الأول طمعاً بمبيعات وافرة، بل اكتشافاً لقاص ربما يمد تجربتي السردية الغضة، بما أريد".
    ويلفت إلى أن "نصوصه الأولى مصادفة جليلة في اكتشاف تجربة ناصر منذ بدايتها، "الرغبة في وقت متأخر" الصادرة في العام 1968، و"فوق الجسد البارد" في العام 1969، وغيرها، لكنني لم أجد مجموعته القصصية المهمة "موجز حياة شريف نادر" الصادرة في دمشق، إلا بعد سنوات، طبعا، لكن لا ننسى قصته "سيدنا الخليفة" التي سُجن بسببها".
    ويرى صاحب رواية "القتلة"، أن "عبد الستار ناصر، يملك أسلوباً ساحراً في سحب القارئ إلى الحكاية، وهنا أدركت أولى الدروس السردية، التي علينا أن نجيدها، إذا أردنا الوصول إلى منطقة التأثير الحقيقي، القرّاء، وليس كتب النقد التي تحط من قيمة عبد الستار ناصر، خاصة في أعماله المبكرة، وترفع من شأن آخرين، لا يعرفهم باعة الكتب، ولا القرّاء المحليين"، مضيفا أن "هذه حالة صحية قلما نجدها مع كتابنا المحليين".
    "مفجعٌ هو موت عبد الستار"، هكذا تعلق الروائية الفلسطينية إيناس عبد الله، وتنوه في حديث لها مع "العالم الجديد"، بالقول إن "ناصر قرر أخيرا أن يدخل إحدى رواياته ويبقى هناك تماما غير عابئ بالزمن! لا أحب كتابات الرثاء، لكنني لا أملك إلا أن ألوح لهذا الرجل الطيب"، مستذكرة جملة أثيرة لناصر من مجموعته القصصية "كائنات البيت"، "لو عرف كل منا ما يفكر به الآخر، لانقرضنا جميعا!"، ترى فيها جملة مهولة وعميقة.
    وتستدرك عبد الله "كنت قد التقيت به مرة واحدة في دار فضاءات للنشر في الأردن، وأهداني المجموعة بتواضع جم، قلما نجد هالته الرصينة وانسيابه الإنساني الجميل بيننا اليوم، إنسان يحمل تحت جلده أمه كاملة بعذاباتها وآمالها، وأوطانها المدماة منذ أزل وعهود، فقلت في نفسي هذا الرجل شرب من ذات ينبوع جبرا ومنيف (...)، والذي قد يعثر عليه المرء مرة واحدة في حياته أو قد لا يجده أبدا".
    الذكرى العالقة في رأس إيناس، جعلتها تكتشف كاتبا أحالها الى الدهشة، وتقص أن "(ناصر) نبهني إلى كتابه القادم (حينها) ثلاثية الهجرة إلى الأمس"، معربة عن اعتقادها "لم أندهش قدر تلك الدهشة التي أحالتني فورا إلى قراءة تلك الثلاثية دفعة واحدة، لأكتشف كم هي سخيفة المشاكل التي قابلتها، أمام هول ما رأى هو، وما جعلنا نراه عبر عينه الثالثة الهائلة".
    وتشدد على أن "عبد الستار ناصر من أولئك الكتاب الذين يحددون تهمة الوجود دون محاكمة، ربما يتركون ذلك للقارئ، أو للعدالة الكونية لا أعرف، إنه يشبه فتى الكشافة الذكي الذي يصنع من تيهه في الغابة رحلة سخية ومغامرة شيقة، لا نقو سوى على اللحاق به بحماس".
    وتجد في كتاباته "روح الفكاهة الرائعة التي تخفي وراءها سخرية الحزانى المُرة، قصص الحب التي نتجول خلالها في المدن والأزقة والشوارع الخلفية للعاطفة، وهناك الأصدقاء الموتى الذين يبدون أكثر حياة وبهاء وسعادة في المخيلة، رغم موتهم التراجيدي كقتلى ملاحم يونانية!".
    وتخلص إلى أن "رواياته وقصصه، تختزل العالم إلى مجرد مساحة لعب آمنة ولو تحت عين القناص!".
    فيما يقول الشاعر والناقد قيس المولى، في شهادة كتبها لـ"العالم الجديد" أمس، عن "الأمير الفاتن" كما يسميه، أن "عبد الستار ناصر أنجز للثقافة العربية ما كانت تراه هذه الثقافة من الضرورات الحتمية كي تبلغ مدارها العالمي، وقدم لذاته إصراره على أن يكتب ما يراه نوعا من الكتابة الصالحة الأمينة، فأبتعد عن المجاملات وأرخ التاريخ المكاني الذي عاشه".
    ويستذكر المولى أن "أول مرة رأيت بها عبد الستار ناصر كانت في العام 1981 عند ذهابي لمجلة الطليعة الأدبية، كان طويل القامة جميلا أنيقا حالما، سلمته نصا لمجلة الطليعة الأدبية، وهو في الرواق، ابتسم لي وحياني (كل الهلا بشعراء المستقبل)".
    ويضيف إن "ناصر سلم النص الشعري بعد أن تفحصه، الى القاص خضير عبد الأمير، فبدأت بمتابعة هذا المخلوق وما يكتب، وما يقول وزاد تعلقي الغيبي به، وكنت كلما أراه في الإتحاد العام لأدباء العراق، أراه صامتا ساكنا، لا يسعفني ذلك الصمت والسكون من الاقتراب منه".
    ويتابع بالقول "في مرة ثانية، كنت بزيارة إلى صحيفة القادسية لتسليم نص شعري للقسم الثقافي، وفي رواق الجريدة رأيته بطوله الفارع يقرأ لنفسه شعراً وبصوت عال، سلمت عليه ورد بإيماءة مستمرا بقراءة الشعر، فيما دخلت إلى غرفته المشتركة لأجلس عند مكتبه، منتظرا قراءة نصه، ولما مضى وقت حسبته طويلا وهممت بمغادرة الجريدة، رآني، وعاد بي إلى المكتب، يسألني عن الشعر وأسأله عن القصة، ومنها بدأت بالتعرف عليه".
    ويختم المولى بأن "عبد الستار ناصر لم يمت، لأن حلمه سيتجول في أحلام القصاصين والرواة، وسيستحضرونه في كل شهاداتهم، استحضار الرمز والمؤونة والمعين الودود في طريق الأدب الطويل".
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
يعمل...
X