إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المتألق فارس الخوري -الولادة والدراسة والإقامة بدمشق وزواجه وبداية العمل السياسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المتألق فارس الخوري -الولادة والدراسة والإقامة بدمشق وزواجه وبداية العمل السياسي

    فارس الخوري





    .

    مقدمة


    واحد من أشهر رجالات سورية أدى دوراً متميزاً في استقلالها وجلاء الجيوش الأجنبية عنها وانتخابها في عضوية مجلس الأمن، وترؤسه لمجلس الأمن مرتين، تاركاً بصمة لا تمحى في تاريخها.
    إنه شيخ السياسة العربية كما أسموه في مجلس الأمن، وعلمٌ من أعلام الأمة العربية ورائد من رواد قوميتها.
    اشتهر كمحام وحقوقي وكان أحد مؤسسي معهد الحقوق في دمشق ثمَّ استاذاً في المعهد المذكور ثم أول نقيب للمحامين في دمشق، وبعدها عضواً في لجنة الحقوق الدولية التابعة للأمم المتحدة وعلماً من أعلام القانون وهو لم يحصل على إجازة في الحقوق في حياته.
    وهو كما عرف عن نفسه بخطه: فارس بن يعقوب بن جبور بن يعقوب بن إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن الخوري جرجس أبو رزق.
    ويتابع: «وقد أخبرني جدي جبور أن الخوري جرجس نزل الكفير مع أخيه عبد الله أبو رزق وهما من سكان قرية عين حلّيا من أعمال الزبداني، وقد خربت قريتهما بسبب فتنة قامت بين أهلها منذ نحو 300 سنة أي حوالي عام 1600م»، فرحلا عنها إلى قرية الكفير من وادي التيم على بعد عشرة كيلو مترات شمالي حاصبيا السورية آنئذ، ورحل معهما جماعة من أهل تلك القرية إلى الكفير.

    الولادة والنشأة


    ولد فارس الخوري في قرية الكفير التابعة لولاية سورية في العهد العثماني، وهي اليوم تابعة لقضاء حاصبيا في لبنان، ومن المتوقع أن ولادته كانت في الثلث الثالث من تشرين الثاني عام 1877 أو قبله بعامين على أكثر تقدير كما يقول.

    إخوة فارس الخوري


    والده يعقوب بن جبور الخوري مسيحي، وكان نجاراً وله بعض الأملاك الزراعية في قريتة، وعنه قال فارس في مذكراته: «أما والدي فقد ولد حوالي سنة 1845 وكان قوي البنية مفتول العضل، معتدل القامة، ذا عقل راجح وتهذيب جمّ، لا همَّ له إلا العمل وتربية أولاده.
    وقد توفى سنة 1894 في 8 تشرين الثاني تاركاً ثمانية أولاد، خمسة ذكور وثلاث إناث أصغرهم أخي فائز الذي كان في الثانية من عمره (ولد في 10 حزيران سنة 1893). (الأولاد الثمانية هم بالتسلسل: روجينا، فارس، أيوب، داوود، سعيدة، رشيدة، خليل، فائز).
    وقد تزوج والدي نحو سنة 1870 بالسيدة حمدة بنت بطرس عقيل الفاخوري الذي قتل في فتنة الدروز سنة 1860».
    وكان الفارس مولعاً بأمه فهي التي لعبت الدور الأساسي في حياته، وقد كان يذكرها على الدوام بقوله: «حمدة عظيمة. حمدة هي اللي علمتني»، فقد اهتمت كل الاهتمام من أجل ابنها البكر وتخطت كل المصاعب من أجل تعليمه، فكان لها الدور الأبرز في تعليمه وتربيته.
    وعن وفاتها يقول في مذكراته: «عاشت بعد والدي إحدى عشرة سنة فماتت عندي في دمشق في 6 آذار سنة 1906 وبنيت لها ضريحاً في تربة البروتستانت بالشام وقد صلى عليها القس ماكفارلاند وأبّنها أنيس سلوم الخطيب الشهير، ومشى في جنّازها أكابر دمشق».

    دراسته


    بدأ فارس دراسة الابتدائية في مدرسة لقرية الكفير كان المرسَلون الأمريكيون قد أسسوها، ثم انتقل إلى المدرسة الأمريكية بصيدا في الحادية عشر من عمره تقريباً، وأقام في هذه المدرسة ثلاث سنوات، كان خلالها مثالاً للاجتهاد والسلوك الحسن ولم ينازعه على الأولية أحد من زملائه.
    برز فارس الخوري بين أقرانه كافة، متفوقاً عليهم جميعاً، ومما قاله عنه أحد زملائه: «كان علماً بين الرفاق، أصغرهم سناً وأصفاهم ذهناً، وأجملهم نفساً، وأرهفهم حساً، وأعلاهم كعباً، وأطولهم باعاً، وأثبتهم وداً، وأوفاهم وعداً».
    وكان أستاذه في الحساب الدكتور نجيب الصليبي، الذي اشتهر بمقدرته في الرياضيات، وكان حريصاً أن يُعجِزَ تلميذه فارساً في مسائل الحساب، فلم يجد إلى ذلك سبيلاً. فكان يأتيه كل يوم بمسائل ومعضلات من الكتب الإنكليزية، فيأتيه فارس بحلِّها، وظل دماغ فارس في الرياضيات يعمل كالآلة الحاسبة طوال حياته.
    لم يكن إعجاب أستاذ الرياضيات بأكثر من إعجاب أستاذ اللغة العربية سعد المعوشي، وخاصة أن فارس حفظ ألفية ابن مالك لابن عقيل، وأرجوزة نار القرى للشيخ ناصيف اليازجي وغيرها.
    تابع بعد ذلك دراسته في الجامعة الأمريكية، المسماة بـ«الكلِّية الإنجيلية السورية» وقتذاك، حاصلاً منها بتفوق على شهادة بكالوريوس في العلوم «القسم الاستعدادي» (الجدير بالذكر أن هذه الشهادة كانت شهادة ثقافة عامة ليس فيها اختصاص في أحد فروع العلوم والآداب).
    درَّس بعد تخرجه سنتين اللغة العربية والرياضيات في الجامعة الأمريكية، ثم أُرسل إلى مجدل شمس معلماً في مدرستها الابتدائية عام 1892، وفي عام 1893-1894 جاءوا به لمدرسة صيدا ليعلم المرسلين الجدد اللغة العربية. وأعيد في عام 1894 إلى المدرسة في بيروت، لكن الحاجة ألجأته لترك التحصيل العلمي، فشغل وظيفة معلم في مدرسة معلقة زحلة الابتدائية. عاد في عام 1896-1897 إلى الجامعة وأكمل دراسته ونال درجة البكالوريوس في الاقتصاد وصار أستاذاً في الجامعة الأمريكية.
    في كتابه «هؤلاء خدموا الشرق» ص95 يقول الدكتور جبرائيل جبور: «وهكذا فقد استطاع فارس أن يكمل دروس الكلية بسنتين بدل أربع وهو أمر لا أعرف أحداً من طلبة الكلية استطاع أن يقوم بمثله».
    ثم استقال من الجامعة، وذهب إلى مصر استجابة لدعوة المرحوم الدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة «المقتطف» ليتخذه مساعداً له في تحرير المقتطف براتب 15 جنيهاً في الشهر.

    في مدرسة صيدا عام 1888


    إقامته في دمشق


    جاء دمشق في تموز عام 1899 لتصفية قضية حكومية كانت لأهله في حاصبيا، وشاءت الظروف أن يُمنَع من السفر منها بسبب انتشار الطاعون في مصر فأقيمت الحواجز ولم يتمكن من السفر.
    دُعِيَ من قبل البطريرك الأرثوذكسي ملاتيوس دوماني للعمل في إدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق «الآسية» والتدريس فيها في عام 1899. وإلى جانب ذلك، كان يعطي دروساً في «مكتب عنبر» والذي كان يدعى أيام العثمانيين مكتب إعدادية ملكية».
    ثم قُبِل بأن يعمل في القنصلية البريطانية في العام 1902، إلى جانب التدريس واستمر في عمله في القنصلية حتى إعلان الدستور في الدولة العثمانية عام 1908؛ وقد مكَّنه ذلك من الحصول على نوع من الحماية من الاستبداد العثماني، ومن خدمة كثير من الوطنيين، وفي جملتهم الشيخ عبد الحميد الزهراوي الذي كانت السلطةُ العثمانية على وشك طرحه في البوسفور تخلصاً منه، وذلك قبل إعلان الدستور.
    انفك في عام 1904 عن التدريس، واحترف عملاً آخر في وكالة شركة غريشام لضمانة الحياة فكانت إيراداته تتزايد من هذه العمولة، وتحسنت أحواله المادية بحيث استطاع أن يعيش برفاهية ويكمل إنفاقه على إخوته في المدارس وينشئ منهم رجالاً صالحين، فأخوه خليل أحرز شهادة البكالوريوس في الجامعة الأميركية، كما أنجز أخوه داوود الإعدادي بدمشق ودخل المعهد الطبي ثم ترك وسافر إلى البرازيل، أما فائز فقد أنجز إعدادي دمشق وأقام وقتاً قصيراً في الجامعة الأميركية ثم أرسله فارس إلى الآستانة لمعهد الحقوق، وتعلمت أختاه سعيدة ورشيدة في مدارس الأميركان في صيدا ودمشق حيث أحرزتا درجة حسنة، بينما بقى أخوه أيوب وأخته روجينا في البيت في الكفير، أما روجينا فهي البكر وكانت قد تزوجت في الكفير بالسيد بطرس أبو جمرة أما أيوب ويأتي بعد فارس فقد عاش حياته في الكفير وتوفي فيها.
    وبعد إعلان الدستور عزم على العمل في المحاماة مع المحامي أمين زيدان وبسياسة البلاد مع جمعية الاتحاد والترقي.
    إلى جانب كل هذه الأعمال كان لا يكف عن المطالعة والكتابة والتحصيل، ودرس في تلك الفترة بنفسه اللغة الفرنسية والحقوق ثم التركية والألمانية، وكتب قصائد عديدة.

    زواجه وبداية العمل السياسي


    تزوج في 22 آب من عام 1909 من الآنسة أسماء جبرائيل عيد من أهالي عكا، وهي ابنة ليا زيدان أخت المحامي أمين زيدان، وكانت قد جاءت من بلدها عكا لتزور خالها زيارة قصيرة، وشاء لقاؤها مع فارس أن تدوم زيارتها أكثر من نصف قرن، وتوفيت في دمشق عام 1969 أي بعد فارس بسبع سنوات.
    وأسماء هي التي أنجبت لفارس ابنه الوحيد سهيل.

    فارس الخوري بين زوجته أسماء وابنه الوحيد سهيل


    وفيها يقول في إحدى قصائده:
    للهِ دَرُّكِ مَا أحلى مزاياكِ..|..وَمَا أعَزَّكِ في قَلبي وَ«أسماكِ»
    كَريمة الأصلِ والأعرَاقُ مُترَعةُ..|..بِالنُبلِ.. حَيَّا الذي بالفضلِ رَباكِ
    انتخب عام 1910 عضواً في بلدية دمشق وقام مع العضوية بالوكالة عن البلدية في المحاكم. واشتغل بالمحاماة فكانت وارداته من هذه الحرفة الحرة جزيلة جداً، وفي ذلك الزمان كان قد اشتهر كمحام قدير كما اشتهر من قبل كشاعر كبير وكانوا يلقبونه بشاعر الشام.
    وتقدم عام 1914 للانتخاب إلى النيابة عن دمشق في «مجلس المبعوثانِ» فنجح بأكثرية عظيمة وكان عدد النواب من هذا اللواء خمسة وهو يتألف من أقضية دمشق ووادي العجم والقنيطرة وحاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك ودوما والقلمون.
    دافع خلال وجوده في البرلمان العثماني عن حقوق العرب وعن سلامة القوانين وصحة الاشتراع وكانت اقتراحاته لتعديل المشاريع تنجح في غالب الأحيان وقلما تخلو منها جلسة من جلسات المجلس.
    دخل فارس الخوري السياسة من أوسع أبوابها، ومهدت له شخصيته الجذابة، وثقافته الواسعة المتنوعة، وحرصه على تراث الأمة وثقافتها وتاريخها وفخره برجالات العرب. وقد استهل حياته السياسية بمجلس المبعوثان في الأستانة، والذي سعى من خلال عضويته إضافة لعلاقاته الواسعة في اسطنبول، وبحصوله على توصيات شفهية من بعض أقطاب الدولة العثمانية، للتدخل لدى جمال باشا لصالح الوطنيين العرب، – ومنهم مَن كانوا يحاكَمون في عاليه، – فقابله من أجل ذلك في ربيع العام 1916.
    ولكنه اعتُقِلَ بعد أسابيع قليلة، وقدِّم للمحاكمة بتهمة التآمر على أمن الدولة؛ وكانت النتيجة أنه كاد أن يلتحق بِمَن أُعدِمَ منهم في السادس من أيار من ذلك العام.
    كانت الحبائل التي نصبها له الشيخُ أسعد الشقيري، مفتي الجيش الرابع ومرافق جمال باشا، السبب المباشر لغضب الأخير عليه. فقد كان الشيخ في زيارته السابقة لاسطنبول يتردد على مجلس المبعوثان ويحضر جلساته؛ وقد سمع مناقشاتِ فارس ولاحظ حضوراً ناجحاً وقويّاً له هناك، فلم يَرُقْ له ذلك، وأخذ يحرِّض عليه النوابَ العرب، غير أن أحدًا لم يصغِ إليه. هذا ما أسرَّ به لفارس زميلُه في المجلس، نائب القدس، راغب النشاشيبي.
    بالعودة إلى أوراق «فارس الخوري»: التي حققتها حفيدته الكاتبة كوليت خوري، نكتشف هول المحنة التي كابدها، أثناء اعتقاله والتحقيق معه في سجنه في خان الباشا بدمشق في عهد جمال باشا، مع عدد كبير من أهم رجالات سورية آنذاك، وفيما عرف بالقافلة الثالثة من المعتقلين، بعد القافلتين الأولى والثانية التي أعدم جمال باشا معظم رجالاتها عام 1916 بعد محاكمات صورية في ديوان الحرب.
    بعد ملابسات كثيرة وتغير المناخ السياسي وضغوط مورست على جمال باشا، بُرئ فارس الخوري، من التهم الموجهة إليه، ونجا من حبل المشنقة بأعجوبة، وغادر بعدها إلى اسطنبول بسبب أمره جمال باشا بخروجه من منطقة الجيش الرابع، ليعود منها في 24 أيلول 1918 ويشارك في 30 منه، بعد خروج الأتراك، مع شكري الأيوبي والأمير سعيد الجزائري وعدد من الشخصيات الوطنية، في رفع العلم العربي على دار الحكومة في دمشق.
    لقد تضافرت عوامل عدة لإنقاذ فارس من حبل المشنقة، منها تهديد فيصل الأول لجمال باشا في شأنه وفي شأن الموقوفين العرب – وكانت قد بدأت الثورة العربية الكبرى، ووقع عددٌ من الضباط الأتراك أسرى في قبضتها. ومن عوامل إنقاذه أيضًا براعته في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، حتى إنه اتُّهِمَ بتنويم الشهود مغناطيسيًّا!
يعمل...
X