إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإبداع الفني - في ألفة الفنون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإبداع الفني - في ألفة الفنون

    في ألفة الفنون





    لوحة “البرابرة” لماكس أرنست (1937) تحيل إلى إحدى الحكايات الشعبية
    أبو بكر العيادي
    تبدو الفنون – حسب تصنيفها المعروف – معزولة بعضها عن بعض، وفي الأقل متجاورة، يوحّدها عنوان عامّ هو الإبداع الفني، ولكنها في الواقع متمازجة، يفتح بعضها على بعض، وينهل بعضها من بعض، ففي الشعر صور وألوان، وفي المسرح رقص وغناء، وفي التصوير قصص وملاحم، وفي الموسيقى فن تجريدي قريب من الشعر كما يقول هيغل، أما السينما فقد حوتها جميعا، وكذا فن الرواية.
    منذ فجر القرن التاسع عشر، كان دمج الفنون بعضها في بعض مطمح الشعراء والفلاسفة والرسامين، وإذا كان كارل شليغل (1772 – 1829) يعتبر الموسيقى أقدر على توحيد الفنون بوصفها أنطق بلغة الوجدان وأسلك السبل للوصول إلى حقيقة العالم، فإن الثورة الفنية التي عبرت ذلك القرن فتحت الباب أمام انصهار الفنون، حيث امتزجت الموسيقى بالفن التشكيلي، كما هو الشأن في الكوميديا الموسيقية “ظهيرة الأحد في الحديقة العامة صحبة جاك” التي استوحاها ستيفن سوندهايم من لوحة الرسام أوجين سورا “ظهيرة الأحد في الجفنة الكبرى”، والتحم المسرح بالرقص والغناء في أعمال لا تحصى عددا، ومهدت لظهور فن روائي يأخذ من سائر الفنون بطرف ليصهرها في بوتقة واحدة.


    بل إن الرواية نفسها قد تعالج علاقتها بالموسيقى كما فعل ميلان كونديرا في روايته “الخلود”، أو تتخذ بعضَ اللوحات الفنية لغزا تحوم حوله الأحداث مثلما فعل دان براون مع “الجوكوندا” و”إنسان فيتروفيوس″ في روايته الشهيرة “شيفرة دافنشي”، أو تأخذ من المسرح تصعيده الدرامي وتراجيدية أبطاله، كما في بعض روايات سارماغو، وتستعير من السينما تقنياتها كالسيناريو والاسترجاع والاستباق وزاوية النظر، ومن التصوير الشمسي دقة الوصف وحركة العدسة في التصغير والتكبير والتقريب والإبعاد، وهو ما تحفل به سائر الأعمال المعاصرة في الشرق والغرب، بل إنها عادة ما تتجاوز ضروب الفن، فتقتحم العلوم بأنواعها، صحيحة وإنسانية وسيكولوجية، وتزاحم علماء الأنتروبولوجيا والمؤرخين في الرصد والتوثيق.
    ومن بين التجارب المميزة التي ظهرت مطلع القرن الماضي ما قام به الرسام الألماني ماكس أرنست (1891 – 1976)، فقد أعد – انطلاقا من منقوشات شعبية ومجلدات للعلوم الطبيعية وكتالوجات سلع من القرن التاسع عشر تولى قصها وتجميعها وتلوينها – روايات كولاّج بديعة، أضفى عليها من فنه ما يوهم بأن المادة المعتمدة كلها من ابتكاره. فقد كان كل كولاج متشابكا مع الذي يليه على نحو يخلق كائنات عجيبة تتحرك في ديكور فاتن وعوالم تتحدى الخيال.
    وأشهر تلك الروايات “المرأة مئة رأس″ التي صدرت بباريس عام 1929 بتقديم رائد السريالية أندريه بروتون. (وهو عنوان فيه لعب على لفظتي centأي مائة و sans أي دون، وقد يفهم منه سامعه معنى آخر أي المرأة بلا رأس).
    وقريب منا كتاب صدر في باريس هذه الأيام عنوانه “فيلاّ موريسكية” وهو رواية مصوّرة (وليست شريطا مصورا) عن حياة الكاتب الإنكليزي سومرست موم (1874 – 1965 ) للفرنسيين جان كلود فلوك وفرنسوا ريفيار، رواية متعددة الأصوات تجمع بين سرد متنام ورسوم تكمل الأحداث. وكتاب آخر بعنوان “خلبٌ عامّ” فازت عنه مؤلفته إمانويل بيرير بجائزة مديسيس لهذا العام، وهو مصنف بديع يجمع بين مختلف أشكال الخطاب الحديثة، يتنقل قارئه من فصل إلى فصل كما يتنقل على الشبكة، حيث تتجاور الرسائل الإلكترونية والرسائل الهاتفية القصيرة والحكايات والتحاليل وأغاني الراب والعامية، وتختلط الشخصيات الحقيقية كنيتشه وتولستوي وليفي ستراوس ولوي دي فونيس وجيمس براون بشخصيات روائية وتلفزية معروفة لدى الفرنسيين كالكوميسار مولان والمفتش ميغريه، وشخصيات مبتكرة أو نكرات لا تحفل بهم غير الجرائد عند اقتراف جنحة أو جناية. وهو شكل جديد تقترح من خلاله الكاتبة “تصويرا بالإشعاع السيني للوعي الأوربي في مطلع الألفية الثالثة”، كما قالت.
    وفي ذلك دليل على أن الرواية لا تستقطب الفنون الأخرى فحسب، بل تستقطب كل أشكال التعبير السائدة، بلا استثناء.
يعمل...
X