إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

موسم في الكونغو مسرحية لتكريم مناضل أسطوري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موسم في الكونغو مسرحية لتكريم مناضل أسطوري

    مسرحية «موسم في الكونغو» لتكريم مناضل أسطوري



    مشهد من مسرحية «موسم في الكونغو»
    أبو بكر العيادي
    اقترن اسم إيميه سيزير (1913 – 2008) بالزنوجة التي أطلقها أيام دراسته بالسربون رفقة زميله ليوبولد سيدار سنغور، وبنضاله في صفوف جبهة التحرير الجزائرية وحركات التحرر بأفريقيا، مثلما اقترن بديوانه «دفتر عودة إلى مسقط الرأس»، الذي يفخر فيه بجذوره الأفريقية، وبأشعار تصور نهاية عالم كولونيالي متغطرس، وتبشر بعالم جديد تنعم فيه الشعوب بالحرية، فيما بقيت أعماله المسرحية دون ذلك شهرة. والحال أنه، وإن كان أعد نصا مقتبسا من «عاصفة» شكسبير، فقد ألف ثلاث مسرحيات هي «وَالكلاب ساكتة» و»مأساة الملك كريستوف» و»موسم في الكونغو» التي تعرض الآن بفيلّوربان إحدى ضواحي مدينة ليون الفرنسية، قبل أن تنقل إلى مدينة صو جنوبي باريس.
    باريس – على طريقة بريخت في سرد الوقائع التاريخية الكبرى، تروي المسرحيةُ الأشهُرَ الأخيرةَ من حياة الزعيم باتريس لومومبا (1925 – 1961) الذي اغتالته يد الغدر، لإزاحته من المشهد السياسي إمعانا في تكريس سيطرة الغرب على مقدرات الشعوب. وقد كتبها سيزير عام 1966، بعد بضع سنين من الأحداث التي هزت كونغو ليوبولدفيل، وامتدت إلى إقليم كاطنغا الذي أعلن انفصاله.
    تنطلق المسرحية بداية من العام 1958، وهي مرحلة شهدت تصاعد النضال ضد الاستعمار البلجيكي آل في النهاية إلى الاستقلال.
    ولكن ما كاد الشعب الكونغولي ينهض لإدارة شؤون بلاده حتى طفت الخلافات على السطح، من أجل اقتسام السلطة، وإذا بالمستعمر، الذي كان يفترض أنه رحل عن البلاد بغير رجعة، يغذي الفتنة ويوعز لبعض الأطراف مثل كازافوبو وموسى تشومبي بالانفصال، للاستئثار بأكثر الأقاليم ثروة معدنية، حفاظا على مصالحه الاقتصادية.
    ولم يكن لومومبا راضيا عما يحاك ضد بلاده، لذلك أدان تلك الممارسات حال تعيينه وزيرا أولَ، ولكن سرعان ما تمّ إبعاده، ولم يكن قد أتم ثلاثة أشهر في الحكم، ثم إيقافه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، قبل أن يعدم رميا بالرصاص.
    ومن ثَمّ فإن الصراعات السياسية الحامية والنضال من أجل الاستقلال ثم صعود نجم لومامبا تحتل موقع الصدارة من مسرحية تصور بطلا وقته محسوب، وطريقه محفوفة بالمخاطر، ومصيره موت عنيف يفاجئه في مقتبل العمر (35 عاما) ليخلق منه أسطورة سياسية ومسرحية ورمزا للنضال ضد الاستعمار وحلفائه في الخارج والداخل.
    انطلاقا من أحداث تاريخية معلومة قل أن تتغير في النص، يُجلي سيزير الواقع ليبين الكاريزما التي كان لومومبا يتحلى بها وقدرته على إقناع الجماهير بفضل رؤيته النافذة وحماسه الفياض وتعلقه بمصير وطنه، ويبين في الآن ذاته كيف كان رمزا لقارة بأكملها نهضت لطرد الاستعمار، واستعادة حقها في الحرية والكرامة.
    دون أن يقع في فخ «البطل الإيجابي» للواقعية الاشتراكية، الذي لم يسلم منه المسرح الأفريقي فجرَ الاستقلال في ستينات القرن الماضي وما تلاها.
    بل قدّمه في صورة تراجيدية حديثة أقرب إلى برومثيوس، سارق النار، أو المسيح وهو يرزح في آلامه دون أن يتخلى عن رسالته، في سعي لوحدة تؤلف بين أفريقيا ولومومبا، مثلما ألفت المسيحية بين الرب والإنسان، فكان زمن المسرحية وحيزها أشبه بفضاء نبوة احتل فيها الشاعر رسالة تلك النبوة وذاكرتها، ذلك أن لومومبا – مثل سيزير – كان شاعرا متمردا على السائد، يتوق إلى صيغ من الفن – والسياسة – جديدة.
    بطل شكسبيري وحوله لفيف من أشخاص حقيقيين مثل داغ هامرشولد، الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة، وموبوتو الذي نصّبه الغرب رئيسا لما صار يعرف بدولة زايير خدمة لمصالحه، وسفيرة الغربيّ الأعظم، كناية عن ممثلة الولايات المتحدة، التي كان لاستخباراتها المركزية دور في تصفية لومومبا، في عمل ضخم ضم سبعة وثلاثين فنانا ما بين ممثلين وراقصين ومطربين من جنسيات مختلفة (كنغوليين وبوركينيين وأنتيليين إلى جانب نفر من الجالية الأفريقية المقيمة في ليون وما جاورها وفي بلجيكا) فضلا عن فرقة موسيقية، والقارين في الفرقة الوطنية الشعبية، وهي من أفضل الفرق في فرنسا، وقد دأبت على «جعل الفن النخبوي في متناول الجميع».
    وبرغم أهمية هذه المسرحية في مسيرة سيزير الإبداعية، وفي تاريخ النضال الأفريقي، فإنها لم تقدم للمسرح إلا في القليل النادر، فقد أخرجها عام 1989 التركي محمد أولوسوي، وأخرجها هذه المرة الفرنسي كريستيان سكاريتي، الفائز بموليير الإخراج عام 2009، بعد أن أعاد صياغة النص بالتعاون مع دانيال ماكسيمان لخلق عمل مسرحي يمتح من التراجيديا الإغريقية والشكسبيرية ويستأنس بأسلوب بول كلوديل (1868 – 1955)، دون أن يفقده سماته.
    والنتيجة عرس أفريقي متألق تآلف فيه المسرح بالرقص والغناء والأنفاس الشعرية الحارة التي تسم كتابات إيميه سيزير، دون أن يفقد النص توتره الدرامي، الذي مثل نقطة الارتكاز .
يعمل...
X