إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإيطالي غوتو دي بوندوني (1267 – 1337) الشهير بـ غوتو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإيطالي غوتو دي بوندوني (1267 – 1337) الشهير بـ غوتو

    غوتو” ملهم عصر النهضة




    ينزع غوتو إلى تصوير الوجوه والأشكال البسيطة الضخمة التي تشبع الخيال اللمسي و يلجأ فيها إلى أبسط الألوان والظلال
    أبو بكر العيادي
    باريس- بعض الآثار الفنية قد تبدو اليوم بسيطة أو غامضة أو ساذجة، ولكنها شكلت إبان ظهورها نقطة تحول عميق في مسيرة الفن. كذا أعمال الإيطالي غوتو دي بوندوني (1267 – 1337) الشهير بـ”غوتو” التي أحدثت ثورة في فن التصوير لم يسبق لها مثيل منذ العصر القديم، ليس في الأسلوب فحسب، وإنما أيضا في النظرة الجديدة إلى العالم الحسي الذي يروم الفنان إمساكه في تنوعه وواقعيته ثلاثية الأبعاد. أثنى عليه معاصروه من دانتي ودافينشي إلى بتراركا وبوكاتشو، وجنح مايكل أنجلو إلى تقليده، وكانت أعماله منطلقا لتجديد الفن الأوروبي، وعاملا فاعلا في بزوغ عصر النهضة في مطلع القرن الموالي.
    هو رسّام ونحّات ومهندس معماري من فلورنسا، من أشهر أعلام ما عُرف بـ”التريتشنتو” الذي مهّد في أواخر القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر لعصر النهضة، إلى جانب دوتشو دي بوننسينيا (1255 – 1319) في سيينّا. كان غوتو – خلافا لدوتشو الداعي إلى المزاوجة بين الفن الإغريقي القديم والفن المعاصر – يسعى إلى القطع مع التراث اليوناني والبيزنطي واعتماد البعد الثالث في مقاربة الواقع وعناصره، وبذلك كان أول فنان ساهم بفكره ونظرته الجديدة إلى العالم في نشأة الأنَسية، تلك الحركة التي تضع الإنسان في مركز الكون وتجعله سيّد مصيره. بعد فلورنسا التي شهدت انطلاقته وذيوع صيته، تنقل غوتو في مدن كثيرة مثل أسيزي وريميني وبادوفا وروما وميلانو ، وكان لرحلاته تلك صدى واسع في شبه الجزيرة الإيطالية ثم في أوروبا، فقد طبقت شهرته الآفاق وصارت أعماله مطلوبة في الكنائس وقصور الملوك والأمراء مما اضطره إلى الاستعانة بمساعدين منذ عام 1929 ساهموا بدورهم في خلق بؤر فنية مستقلة، كما هو الشأن في نابولي أو ريميني.
    من خلال ثلاثين عملا فنيا من لوحات ورسوم وزخارف ومنحوتات خصص لها متحف اللوفر إحدى قاعاته في معرض يتواصل حتى منتصف شهر يوليو القادم، يسعى المنظمون إلى إبراز مبتكرات غوتو وتتبع الشبكات التي ساهمت في رواجها في عصره، والوقوف على نظام مرسمه أو مراسمه وتصنيفية اللوحات المرسومة، والتعرف على الدور الذي ميز مسيرة غوتو، وتفسير إشعاع فنه الذي نوّه به أدباء عصره وفنانوه.
    فهذا بوكاتشو في إحدى قصص “ديكاميرون” يقول: “لغوتو عبقرية فذة، حتى أن الطبيعة لم تخلق شيئا تحت التقلبات السماوية الخالدة لم يستطع نقله بقلم اللوحة أو الفرشاة أو الريشة”. وهذا دانتي يورد ذكره في أحد أناشيد “المطهر”، أما الرسام شِنّينو شِنّيني (1370 – 1440) فقال عنه إنه “غيّر فن الرسم من يوناني إلى لاتيني”.
    فيما اعتبره جورجو فازاري (1511- 1574) أعظم رسام ونحّات ومهندس على الإطلاق، فهو الذي منح إيطاليا، بعد الحقبة البيزنطية، فنا قوميا.
    وهو الذي غير نظرة الناس إلى الفن، وكان قبل ذلك محسوبا على الأعمال اليدوية.
    في سلسلة أسيزي ( من 1296 إلى 1298)، وفي الأقل لوحات الفريسك التي لا يُشكّ في نسبتها لغوتو – مثل “موت الفارس شيلانو”، و”حلم البريء 3″ – تبرز لمسة التجديد واضحة جلية، فعلاوة عن الأسلوب المتميز، تعكس الوجوه سمة تعبيرية تنأى بنا عن الصور البيزنطية الجامدة التي كانت سائدة في ذلك الوقت. فالديكور مع غوتو صار يشمل البعد المنظوري، والفضاء يتم وفق رؤية مخصوصة، والشخوص ما عادوا جامدين، ذلك أن غوتو عُني بالأبعاد والظلال والأضواء مثلما عُني بتعابير الوجه والحركات وسائر التفاصيل. فالنظرات تتقاطع، وتركز على شيء أو شخص ما، وترسم خطوطا لبناء المشهد. الأشياء أيضا، حتى البسيط منها، صار لها أهمية، وهو ما مثل ثورة تصويرية فعلية، جاءت على غير مثال.
    أما أعماله الأخرى التي جعلت الملوك والأمراء يتدافعون على استقدامه، فأبرزها مجموعة الفريسك التي أنجزها في كنيسة “أرينا” ببادوفا (من 1303 إلى 1305)، حيث رسم صحبة رفاقه مشاهد من حياة المسيح والبتول، عدّها المؤرخون من مفاخر الفن المسيحي. وما كاد يعود إلى فلورنسا حتى تهاطلت عليه الطلبات من كنائس عديدة، نخص بالذكر منها كنيسة سانتا كروتشي بفلورنسا حيث أنجز مجموعة جداريات سان فرنشيسكو، وكنيسة بيروتزي حيث صوّر مشاهد من حياة سان جان باتيست، وكنيسة سان بيترو بروما، وكذلك من الملوك مثل روبير دانجو في نابولي، حيث أثثت أعماله رواقا كاملا عرف برواق البشر. ولم يمهله الموت لتلبية دعوة البابا بندكتوس الثاني عشر إلى أفينيون بفرنسا، وهو ما كان سيحقق له انتشارا أوسع في أوروبا كلها. وظل أعواما وحيد عصره، لا يضاهيه أحد. حتى رفاقه الذين كان يمدهم بالخطط والأفكار والرسوم، لم يبلغوا مقامه.
    ثم تغير بعده كل شي، وبسط فنانو النهضة سلطانهم، ولكن أعلامها ظلوا يدينون له بفضل التجديد، ويقرون بروعة أعماله ذات الجمالية الفريدة. وقد عبّر بروست عن ارتجاف قلبه أمام لوحات غوتو في بادوفا من أثر: “غموض أخّاذ وجمال خاص لهذا الفن”.
يعمل...
X