إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللوحة الفنية كيف تتحول إلى عمل موسيقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللوحة الفنية كيف تتحول إلى عمل موسيقي

    كيف تتحول اللوحة الفنية إلى عمل موسيقي





    بعد نحو 130 عاما من إبداعها، ها هي رائعة سورا “الأحد ظهرا في الجفنة الكبيرة” تعود في شكل كوميديا موسيقية
    أبو بكر العيادي
    باريس – أن يحل عملاق برودواي الأميركي ستيفن سوندهايم ضيفا على مسرح شاتليه بباريس هو حدث في حدّ ذاته، ولو أنه سبق أن التقى بهواة فنه في المسرح نفسه عند عرض A little night music عام 2010 وSweeny Todd عام 2011 ، ولكن الحدث الأبرز أنه عاد هذه المرة بكوميديا موسيقية بعنوان Sunday in the Park with George استوحاها من لوحة شهيرة لرسام فرنسي أقل شهرة يدعى جورج سورا ( 1859 – 1891).
    هي لوحة ضخمة ((207.6 x 308 عنوانها ” الأحد ظهرا في الجفنة الكبيرة” جعلها سورا بيانا لحركة أطلق عليها هو وصديقه بول سينياك (1863 – 1935) اسم الانطباعية الجديدة، كانت تريد التميز عن الانطباعية بطابع علمي، لا يكون فيه إدراك الألوان الحسي مبنيا على الملاحظة والاختبار كما في تجارب مونيه أو رونوار، بل وفق منظومة يكمّل بعضها بعضا، حسبما نظّر لها ميشال أوجين شوفرول (1786 – 1889) في كتابه “قانون تباين الألوان المتزامن”، فهو يعتقد أن العين المجردة تدرك اللون بشكل أفضل إذا أضاءه لون متمّم. من هنا استخلص الانطباعيون الجدد منهجهم القائم على وضع الألوان بلمسات صغيرة منفصلة عن بعضها بعضا ومقادير متناسبة، وهو ما سمّوه بالتقسيمية divisionnisme، والتنقيطية pointillisme التي تعتمد على تشكيل المشهد عبر نقاط متعددة الألوان.
    يتجلى ذلك بوضوح في لوحته هذه، حيث تتجاور اللمسات الدقيقة مع صبغة ألوان نقية وخليط نوراني، يلوح خافتا في المقام الأول والأشجار تظلل الناس، ومتباينا بين الشمس والظل في المقام الثاني، ثم ساطعا في المقام الثالث بفعل صفاء السماء وانعكاس أشعة الشمس على الماء.
    هذه اللوحة – التي استغرق إنجازها عامين – تعطي صورة عن المجتمع الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر، حين كانت جزيرة الجفنة الكبيرة La grande Jatte، الواقعة وسط نهر السين غربي باريس، ملتقى لسكان الضواحي القريبة على اختلاف شرائحهم أيام العطل الأسبوعية.
    رجال ونساء وأطفال وعملة وبائعات هوى وعشاق مع بعض الحيوانات الأليفة أو المدجّنة ينعمون بظهيرة مشمسة، تحت الأشجار، أو على ضفاف السين أو في مراكب شراعية تمخر عبابه، فيبدو الوقت معلقا في لحظة قوامها الجمال والسكينة والهدوء.
    عند عرض لوحته عام 1886 بصالون المستقلين، كان سورا يأمل أن يثني هواة الفن ومحترفوه على جدّة ابتكاره، إلا أنهم قابلوه بالنقد اللاذع والسخرية المرة، وعدّوا عمله جامدا خاليا من نبض الحياة، وشخوصه أشبه بقطع خشبية في موكب فرعوني، فلم يقبل على شراء لوحته أحد، ولما توفي باعها أخوه الأصغر مع أعماله الأخرى بأبخس الأثمان، وظلت عملا منسيا في مخزن تابع لمجلة متخصصة في الفن التشكيلي.
    عندما اقتناها زوجان أميركيان من هواة جمع الأعمال الفنية عام 1924 بعشرين ألف دولار، لم ينتبه أحد، لا في اللوفر ولا في سواه، إلى رحيل رائعة من روائع الفن الحديث، بعد أن وهبها مالكها إلى معهد شيكاغو للفن.
    بعد نحو مئة وثلاثين عاما من إبداعها، ها هي رائعة سورا تعود هذه الأيام في شكل كوميديا موسيقية أعدّها ستيفن سوندهايم، أحد كبار الملحنين الأميركان، بالتعاون مع كاتب مسرحي يدعى جيمس لابين، تستوحي شخوصها وأحداثها من لوحة الرسام الفرنسي.
    انبهر سوندهايم باللوحة منذ أن استعمل غرترود شتاين نسخة منها ديكورا لمسرحيته الغنائية “المصوّر”، وكان ينوي الاستفادة منها للغرض نفسه، ولكنه عندما تأمل الأصل ذُهل إلى حدّ جعله يفكر في البحث عن معادل لتقنية اللوحة، حيث عددُ الألوان المستعملة ( أحد عشر لونا مع الأبيض ) يساوي عدد نوتات السلم الموسيقي، ثم اكتفى من ذلك بإيقاع يسير على وتيرة تشبه “التنقيطية”.
    بهرته أيضا قدرة سورا على بناء مسرح من الخضرة بشكل هندسي عجيب، أقام فيه شخوصه على نحو يكاد كل واحد منهم يلامس الآخر دون أن تتقاطع نظراتهم، تعبيرا عن التباين الطبقي في تلك الفترة.
    وبعد محاولات مع لابين حول كيفية استغلال اللوحة مسرحيا، سافر إلى باريس ليعاين بنفسه جزيرة الجفنة الكبيرة، وعاد ليكمل ما بدأه مع رفيقه، حيث اختارا الأشخاص البادين في المقام الأول وابتدعا حكاية يكون من أبطالها سورا وعشيقته لوت وحفيد خيالي يعرض لوحاته في متحف شيكاغو، ويجهد لإعادة الاعتبار لجده.
    يتألف العرض من عدة سَيْنات وإنشاد كورالي بديع وسينوغرافيا متطورة تتوسل بمسلاط الفيديو، وتتنقل من البعد الثاني إلى البعد الثالث بشكل يوحي بأن الشخوص يخرجون من اللوحة، وموسيقى ساحرة تمتح من عناية موريس رافيل (1875- 1937) بالتفاصيل وخفة إريك ساتي (1866 – 1925) اللذين يعترف سوندهايم بالرجوع إليهما دوما، في عرض رائع يفوق العرض المحدود الذي شهدته برودوي عام 1984، حيث تعدّ الفرقة الزائرة ستين عازفا يتسع لهم مسرح شاتليه.
يعمل...
X