Announcement

Collapse
No announcement yet.

النحات سفيلِن بيتروف… مطوِّع البرونز والرخام والحجر

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • النحات سفيلِن بيتروف… مطوِّع البرونز والرخام والحجر




    منحوتات بيتروف المجردة من الوجوه هي الأكثر مجازية من شقيقاتها الحقيقيات
    عدنان حسين أحمد
    لندن- يُعدّ سفيلن بيتروف واحداً من أبرز النحّاتين البلغاريين المعاصرين لما يمتلكه من موهبة فطرية كبيرة صقلها بالمران والتجربة والتثقيف الذاتي والأكاديمي على حدٍ سواء. لا بد من الإشارة إلى أن بيتروف كان مولعاً بالرسم منذ طفولته، و قد وصل هذا الولع إلى حدّ الشغف في شبابه، الأمر الذي دفعه إلى دراسة الفن التشكيلي والتخصص في النحت، والانقطاع إليه كلياً خصوصاً وأنه كان يبدي نفوراً من الرياضيات وبقية المواد العلمية أثناء دراسته.
    كان بيتروف موقناً منذ تفتّح موهبته بأن “الفن لا يمكن تعلّمه من الكتب المدرسية أو العامة لأنه يعتقد بأن الفن موهبة فطرية تولد مع الإنسان، بل أنه يسمّيها في بعض الأحيان هِبة من الله (سبحانه وتعالى) وأن التمرين والاستغراق في العمل الفني هو الذي يجعل من الفنان مكتملاً” ولكن السؤال الذي ينبري أمامنا هو: هل هناك فنان مكتمل حقا؟ دعنا نترك الإجابة للقارئ الحصيف الذي يعرف جيداً أن الكمال مسألة عصيّة على التحقيق، ولكننا نتشوّف إلى إليه ونستمتع في الرحلة المضنية المؤدية إليه في أقل تقدير.
    لا شك في أن موضوعات بيتروف متنوعة وكثيرة فمنها ما هو محلي، ومنها ما هو عالمي أو إنساني استقاه من رحلاته ومشاهداته الكثيرة، لكنه ما إن انتقل إلى أبو ظبي عام 1995 حتى بدأت الموضوعات والفيغرات الإماراتية تتسلل إلى أعماله النحتية، بل وأخذت تهيمن عليها في السنوات العشر الأخيرة لتكشف عن حُبه للموضوعات الإماراتية جملة وتفصيلا.
    ولعل معرضه الأخير الذي نظّمته هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في المسرح الوطني في 23 / 4 / 2013 والذي ضمّ “48″ عملاً نحتياً متنوعاً نفّذها من مواد مختلفة تجمع بين البرونز والرخام والجزَع (العقيق اليماني) متعدد الألوان، والحجر، والجص، والصلصال، والخشب، والتيراكوتا (الطين النضّيح) وما إلى ذلك.
    وتعزيزاً لما ذهبنا إليه فإن الموروث الإماراتي هو الذي يتسيّد على تفاصيل هذا المعرض اللافت للانتباه بدءاً من الشخصية الإماراتية بزيّها التقليدي المتعارف عليه، مروراً بالصقور الأصيلة، وانتهاء بالجمل الذي يُكنى بسفينة الصحراء أو بـ “الطيّارة” كما أسماها بيتروف نقلاً عن توصيف الإماراتيين أنفسهم لهذا الكائن الذي يتحمل الجوع والعطش ويقطع مسافات طويلة تتجاوز حدود التوقع البشري.
    حظي الصقر باهتمام كبير من لدن بيتروف، فتارة يركِّز على عينيه و أخرى على منقاره و ثالثة على مخالبه ورابعة على جناحيه القويين.
    أما الجمل فقد أخذ صيغة “البورتريه” حيناً في لقطة مقرّبة لتفاصيل الوجه، و لقطة بعيدة حيناً آخر كي يُظهر تكوينه الغريب بعض الشيء على العين الأوروبية التي لم تتمعن طويلاً بهذا الحيوان اللصيق بالصحراء وظروفها القاسية التي منحته لقب (السفينة) دون غيره من الكائنات الأخرى التي تعيش بين منعرجاتها الرملية المثيرة للتأمل. إن الصقر والجمل والصحراء هي التي تقودنا إلى البيئة الإماراتية تحديداً، وعلاقة الإنسان الإماراتي في البيئة الصحراوية التي روّض الإماراتي جزءاً منها، بل قفز ببعض مدنها إلى مصاف المدن الكوزموبوليتانية المتطورة التي تثير الدهشة والإعجاب.
    لا تقتصر موضوعات المعرض على الموروث الإماراتي فحسب، فلقد أراد بيتروف أن يصطحبنا إلى الحضارة الفرعونية متيحاً لنا الفرصة لأن نستمتع ببعض الوجوده المصرية القديمة في مقاربة جميلة مع إلهات الحُسن الثلاث لأنطونيا كانوفا اللواتي يمثلن الجمال والسحر والبهجة، والحق يقال إن آلهات بيتروف يقفن في موازاة كانوفا من حيث الفتنة و الغواية الكامنة في الجمال الأنثوي الأخاذ الذي يبعث في النفس بهجة غامضة لا سبيل إلى تأويلها بغير الدهشة والانبهار.
    كثيرة هي ثيمات هذا المعرض، لكن أبرزها هي البورتريهات البشرية والحيوانية، المجتزأة والكاملة، المقرّبة إلى حدّ “الكلوز آب”، والبعيدة التي تمنح الناظر مساحة مشهدية واسعة تنفتح على الأفق المديد.
    ثمة أعمال تخرج عن إطارها الواقعي لتنتقل إلى الجانب التعبيري أو المجازي كما في لوحة “حلم” أو “السجّادة الحمراء” أو “في البدء” التي يصل بها إلى حدّ التجريد، وربما تكون المنحوتات المجرّدة من الوجوه هي الأكثر مجازية من شقيقاتها الحقيقيات اللواتي يمتلكن أجسادا كاملة غير منقوصة.
    إن ما يلفت الانتباه في هذا المعرض هو قدرة الفنان بيتروف في تطويع هذه المواد البرونزية والرخامية والحجرية وتحويلها إلى أشكال فنية ناعمة جذابة إلى الدرجة التي تحفِّز المتلقي على لمس هذه الأعمال الفنية الصقيلة التي تتجاور فيها النعومة و الخشونة في آنٍ معاً مذكِّرة إيانا بأن أزاميله وأظافره ومطارقه وبقية أدوات الحفر والكشط والتلميع لا تفعل فعلها إلاّ حينما تكون بأيدٍ ماهرة تحرّكها المخيّلة المبدعة التي تقدّم غالباً المدهش والمثير من الأعمال الفنية الخلاقة التي لا تغادر ذاكرة المتلقي بسهولة مهما تقادمت الأعوام.
Working...
X