إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مستقبل أزمة الحداثة modernité وmodernisme الغربية غير واضح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مستقبل أزمة الحداثة modernité وmodernisme الغربية غير واضح

    أزمة الحداثة الغربية: مستقبل غير واضح





    دالون: أزمة الغرب في ضآلة حضور قيمه التقليدية في المعيش الاجتماعي
    أبو بكر العيادي
    في حديثه عن النظام الرأسمالي، كان ماركس يعتبر الأزمات ضرورية، لا محيد عنها، لأنها في نظره تسمح بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولكن الثابت اليوم أن الأزمة التي يتخبط فيها الغرب تتواصل منذ أعوام طويلة دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل، حتى صار المتخصصون يعتبرونها سلسلة من أزمات متتالية، ويشكون في إمكانية الخروج من هذا النفق المظلم. وليس غريبا، والحال على ما هي عليه، أن ينكب المفكرون والفلاسفة على هذه المسألة يشخصونها ويحللون أبعادها، لتلمس سبل معالجتها واستشراف نهايتها.
    صدر كتاب منذ بضعة أشهر عنوانه “أزمة بلا نهاية” للفيلسوفة ميريام ريفو دالّون، الأستاذة بالمعهد التطبيقي للدراسات العليا بباريس، تتناول فيه مفهوم الأزمة، وتعيد تعريف حدودها المفهومية، وتدعو القارئ إلى النظر إليها من زوايا أخرى، كالحداثة ومفهومنا للزمن ولحركة التاريخ بوجه عام. فإذا كان التاريخ لدى الإغريق موسوما بالنزاع بين أفعال البشر والأقدار الإلهية، بين عقلانية الإنسان والتراجيدي، فإنه لدى الحداثيين نتيجة حتمية للتطور، فهو الذي يعطي التاريخ معنى، وفي رأيهم أنه في غياب إله يمنح الضمانات صار الإنسان صانع تاريخه، أي أن التطور في تصورهم أصبح طريقة للحصول دنيويا على يقين ما عادوا يجدونه في السماء. في هذا الإطار، تقول الكاتبة، ظهرت الأزمة كما نفهمها اليوم.
    وترى المؤلفة أن مبدأ الأزمة كان ولا يزال استعارة أكثر منه مفهوما، فالحديث عن الأزمة – في امتداد معناها الطبي القديم – هو حديث عن معيش ومكابدة وانطباعات ذاتية لا يمكن بحال من الأحوال تحويلها إلى مفاهيم. “منذ أربعين سنة ونحن نتحدث عن الأزمة دون أن نتفق على تعريف شامل لها، بل إننا غالبا ما نلجأ إليها لتفسير ما يحدث، حيث نقول : “الأزمة هي السبب”.
    والأزمة، التي كانت في الأصل حالة استثنائية، صارت وضعا معتادا، يكاد يصل بعضه أطراف بعض منذ أن ابتدع الغرب “مشروع الحداثة” في القرن الثامن عشر. وكان لاضمحلال المعالم التي اعتاد المجتمع أن يستدل بها إلى موروثه الثقافي والحضاري والقيمي أثر مهّد للدخول في عصر الأزمة. فالحداثة مرتبطة هيكليا بالأزمة : أزمة في المعالم التقليدية التي يستهدي بها المرء داخل مجتمعه، إذ صار يعتبر نفسه مستقلا بذاته، قادرا على الحكم بنفسه. أزمة معايير حيث لم يعد هناك أي شيء يضمن صواب خيارات الفرد بشكل نهائي. أزمة هوية حيث لا يفتأ كل فرد عن مساءلة نفسه. “فالأزمة والحداثة مرتبطتان ببعضهما البعض، بل إن الحداثة هي مفهوم أزمة”. ذلك أن الحداثة، في سعيها لاجتثاث الماضي وتقويض التقاليد، قضت على اليقين الذي كان يمهد السبيل لفهم العالم، فالإنسان الغربي اليوم يقيم في عالم غير مضمون، يشهد اندحار فكرة الأزمنة الجديدة والإيمان بالتطور وروح المغامرة.
    وبعد استعراضها مؤشرات الأزمة الحالية، التي تشكل هي أيضا صيغا جديدة لزوال اليقين، كغياب الأمن الاجتماعي، والعولمة، والمؤسسات المالية، وتطويع العمل لمقتضيات الأعراف، واستنفاد طرق العمل السياسي… تستدعي الكاتبة أعمال فلاسفة كثر، من كانْط إلى فوكو، ومن هيغل إلى هانّا أرنت، ومن بول ريكور إلى هانس بلومنبرغ وسواهم، لتؤكد على العجز المكين الذي يستشعره المواطن الغربي لدى حكوماته، وفقدان المجتمع القدرة على تحويل نفسه بنفسه عن طريق العمل السياسي، فالمجتمعات المعاصرة باتت تنظر إلى الأزمة كما تنظر إلى كارثة ليس منها مفرّ، تماما كما كان الإغريق يرون ما يحيق بهم من فواجع قدَرا محتوما وقضاء من الآلهة. هذا الكتاب محاولة جادة لاستقراء الأزمة عبر مراحل التاريخ، يبين كيف أن الإنسان تطور في علاقته بالزمن وبالتاريخ، في مقارنة تعكس أعراضا ليس أقلها الإحساس بالعجز في عالم لا تستقر ملامحه. ولكن الكاتبة لا تستسلم لسوداوية الراهن ولا لضبابية المستقبل، بل تقترح استعارة أخرى للأزمة هي “الثغرة”، وهو مصطلح سبق أن استعملته هانّا أرنت في مقدمة كتابها “أزمة الثقافة”، وتعني بها لحظة القطيعة التي يواجهها من يجد نفسه بين الماضي والحاضر، فيطالَب بتصور مستقبل غير محدد المعالم كي يبدأ شيئا جديدا، ويعيد ابتكار نفسه بنفسه.
    تقول مريام ريفو دالّون : “عوض أن نستبق الكارثة كيقين، علينا أن نواجه ما هو مشكوك في إمكانية حدوثه. نحن لا نمضي نحو الأحسن، ولكن يبقى أمامنا مجال للتحرك والعمل”. والحل في نظرها لا يشبه حل مشكلة رياضية، بل يكمن في ابتكار ممارسات سياسية مختلفة تكون مرتبطة بالقدرة على تحمل مستقبل غير واضح. إنها طريقة مغايرة للوقوف من المستقبل موقفا آخر.
    وتضرب مثلا على ذلك بثورات الربيع العربي التي تحمل في نظرها قدرا كبيرا من عدم اليقين : “هل ستفضي إلى إرساء الديمقراطية أم ستفسح المجال لقيام حكم إسلامي معتدل أو راديكالي ؟ لا أحد يستطيع أن يتكهن بذلك، ولكن لا شيء يمنعنا من اتخاذ مواقف مناهضة للدكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية القائمة. لسنا بحاجة لمعرفة الوجهة التي سيأخذها التاريخ كي نتحرك”.
    عبير
    :p
يعمل...
X