إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عزالدين شكري فشير بروايته :أسفار الفراعين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عزالدين شكري فشير بروايته :أسفار الفراعين

    أسفار الفراعين: العفن بين الفانتازيا والواقع





    فانتازيا “العفـن” تغرق بلاد الفراعين
    أحمد وائل
    كل البلاد مرايا وكل المرايا حجر فلماذا نحاول هذا السفر؟”، بهذه الكلمات لمحمود درويش يسطر عزالدين شكري فشير روايته “أسفار الفراعين”، بَادئا محاولته بقراءة مستقبل مصر بانياً تلك القراءة على خبرته كأستاذ للعلوم السياسية. ورغم أن عزالدين صدر له بعد تلك الرواية روايتان وصلتا للقائمة القصيرة للبوكر، إلا أن تجربة أسفار الفراعين تظلّ تجربة مدهشة وتستحق التأمل.
    سلاسة الوصف لشخصيات الرواية التسع الرئيسة تعلق بك رغم شعورك بـالتيه أحيانا في الانتقال بين تلك الشخصيات المتعددة وخصوصا في حديث بعضها المطول مع النفس، وتدفعك لاستكمال ذلك العمل الفانتازي وكأن عزالدين في روايته يتحدث عن مصر الحقيقية البيروقراطية وقد سكن الفساد فيها ضاربا جذوره حتى نخاع الدولة دون تسمية للعصر الذي تروى فيه الأحداث. فهو يتحدث عن حاكم الدولة بـاسم الفرعون دون تسمية. لكن لهجة الحديث ووصفه للفساد يشعرانك وكأن الرواية تصف أمرا حقيقيا يحدث اليوم معتمدة على فكرة العفن الذي ينتشر في الجو حتى أصبح سكان الوطن مُجبرين على ارتداء قناع بـصورة دائمة خارج المنازل، في خطوة تشيع البرود والحواجز بين البشر. ما يجعل تجربة عزالدين فشير في روايته مثيرة حقا، هو وصفه لدولة الفساد بشكل مستمد من الواقع. العفن الذي لم يُعرف كيف نشأ وتستر الحكومة عن حجم الكارثة رغم تداعيها أمام أنظار المواطنين. إضافة إلى تكاسل المسؤولين عن دورهم للتخلص من ذلك العفن وتجاهل حتى محاولات البعض ودراساتهم في سبيل النجاة في صورة تعكس لواقع وصلت إليه الدولة في عدم قدرتها على التخلص من مشاكلها.
    ثم وصفه للاستسلام الذي ألم بـالناس، وصمتهم رغم الظلم ورضاهم بـالواقع الذي أصابهم بـالمرض والخوف. كل ذلك يدور حول العفن، العفن الذي ربما صور في رواية فشير بصورة مبالغ فيها، إلا أنه يمكن أن يكون تشبيها حقيقيا مثلا للعديد من المشاكل والأمراض التي تستوطن مصر فعلا.
    الصورة التي رسمها فشير عن الدولة في الواقع يمكن استخدام كلماتها لوصف حال الدولة العميقة، كما يحلو للكثير من المصريين تسميتها، سواء أكان ذلك قبل الثورة أم بعدها. ناصر وهو واحد من الشخصيات الرئيسية في الرواية يتحدث عن محاولته طرح الحل على المسؤولين وصولا إلى الفرعون، عبر تصوير بالغ لذلك العفن الذي لم يستفحل في الجو بـقدر ما استفحل في النفوس وأن منابعه التي لا تجف، وهي ضاربة في أجساد المصريين جاعلة من واديهم منطقة كوارث، تبدأ من الداخل. من فساد النفوس قبل فساد الجو.
    الفساد الذي تحدث عنه فشير يصوره ليس فقط لدى هؤلاء المسؤولين الكبار بل حتى لدى صغار موظفي الدولة، سواء لدى هؤلاء الجالسين خلف مكاتبهم أو حتى هؤلاء الذين يمارسون الحراسة في مترو الأنفاق. كلمات ناصر في الرواية تصف جزءا عما نتحدث عنه، حيث يقول: “نحن يا حبيبتي جزء من العفن وقد تغلغل داخلنا نحن جميعا ملوثون حتى النخاع نتكلم تلوثا ونتنفس تلوثا ونموت من التلوث نحن ككل الآخرين فراعين”.
    الصراع الداخلي الذي رُسم للشخصيات التسع الرئيسية رسم بسلاسة لطيفة. كيف يشعر الباحث وقد ألم به التجاهل فيلجأ إلى ألعاب الفيديو. هل هو شعور الإحباط الذي ألم به يوما بعد يوم؟ أو هو محاولات البيروقراطية المتكررة لقمع أي تطور مصورة في سرد دقيق ومشوق ملم بـتفاصيل حقيقية لكنها غير شاملة؟ لا شكّ في أنّ الشخصيات التي يمكن وسمها بـالفنتازية من قَبيل “حور”، الكاتب المصري الذي بعث للحياة، وجدت إسقاطاتها في الحياة المصرية من خلال هؤلاء الباحثين عن فرصة للهروب غير الشرعي في سبيل الحياة.
    ما يعيب رواية فشير هو الشعور بـالتيه، في البداية، مع تعدد الشخصيات وتنوعها وكثرة ظروفها. إلا أن الأسلوب السهل الذي تمتع بيه فشير في سرده سرعان ما يستدرك الأمر ليكمل تلك اللوحة البديعة، حسنة الرسم، وكئيبة المنظر في تشبهها بـواقع مررنا ببعضه ونمر بـبعضه. ما يثير دهشتك ويؤكد الفكرة بـأن عز الدين شكري فشير يمتلك تلك القدرة على رسم واقع قادم، معتمدا على أدواته السردية في رؤية حاضر مصر، هو علمك بـأن تلك الرواية صورت الدولة قبل ما يقرب من اثني عشر عاما من قيام الثورة. وكأن فشير تنبأ بشكل الدولة وحالنا حال العفن في محيطنا وداخل النفوس، رغبتنا في الهروب للحياة ولجوؤنا حتى للصفقات ممثلة في بيع شبابنا في سبيل النجــاة.
    114



    inShare



يعمل...
X