إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يدين ألبير كامو عنف الثورات التي تفضي إلى أنظمة استبدادية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يدين ألبير كامو عنف الثورات التي تفضي إلى أنظمة استبدادية

    ألبير كامو يدين عنف الثورات التي تفضي إلى أنظمة استبدادية





    كامو: كل ثوراتي أضيئت بالنور وكانت دائما من دون غش
    حسّونة المصباحي
    على مدى فصول عام 2013، تنتظم في فرنسا تظاهرات وندوات فكريّة وأدبيّة آحتفاء بمرور 100 عام على رحيل الكاتب والفيلسوف الكبير ألبير كامو. كما يقوم مخرجون مسرحيّون مرموقون بإخراج جديد لأشهر مسرحيّاته، ويعرض فيلم مستوحى من روايته “الرجل الأوّل” التي صدرت عقب وفاته بـ 34 عاما، وفيها يروي جوانب من سيرته الذّاتية بضمير الغائب.
    كان ألبير كامو قد توفي في حادث سيّارة له ملامح فلسفته العبثيّة في الرّابع من يناير 1960 وهو في طريقه إلى باريس بصحبة ناشره غاستون غاليمار. وكان آنذاك في السّابعة والأربعين من عمره. ورغم نيله لجائزة نوبل للآداب عام 1957، فإنّه كان عرضة لانقادات شديدة وتهجّمات عنيفة من قبل العديد من المثقفين والمفكرين بسبب موقفه من حرب الجزائر، وإدانته للعنف من الجانبين، من جانب الجيش الفرنسي، ومن جانب جبهة التحرير الجزائريّة.
    أدب يدين الثورات الضعيفة
    وكان جان بول سارتر، خصمه اللّدود، قد هاجمه بحدّة متّهما إيّاه بـ”القصور الفلسفي بعد أن أصدر كتابه “الرّجل المتمرّد” عام 1952. وعندما علم بفوزه بجائزة نوبل ،علّق مغتاضا وساخرا: “لا بدّ أنه سرقها”. وثمّة مثقّفون فرنسيّون كبار آخرون اعتبروا كامو “كاتبا وفيلسوفا من الدّرجة الثّانية”. مع ذلك ظلّ حيّا في الذّاكرة وفي القلوب في مختلف أنحاء العالم. وماتزال رواياته مثل “الغريب” و”الطّاعون”، و”السّقطة”، تباع بملايين النسخ. ويقبل كبار المخرجون على تقديم مسرحياته التي عالج فيها قضايا فلسفيّة وميتافزيقيّة. وكانت نصوصه التي تدين العنف الثّوريّ، والثّورات الضعيفة التي تفضي إلى أنظمة استبداديّة جديدة توزّع سرّا في عواصم وجامعات بلدان أوروبا الشرقيّة خلال الحقبة الشيوعيّة. وعن ذلك كتب جان دانييل الذي عاشره لفترة مديدة: “لماذا كان المثقّفون في كلّ من بولونيا، وما كان يسمّى بتشيكوسلوفاكيا ورومانيا والاتحاد السّوفياتي يفضّلون كامو على تعاليم رايمون آرون المناهضة للماركسيّة؟ والجواب هو أن كامو كان قد عرف البؤس، وناصر حركة المقاومة ضدّ النّازيّة، وكتب عن العنف وعن الشرّ. ثمّ أن مثقفي البلدان الشرقيّة كانوا متمرّدين، وكانوا يخشون الثورة ويخافونها، في حين كان تقديس الثورة والتاريخ في قلب مشاغل وهموم كامو الفكريّة والفلسفيّة».
    إنّ هذا الرّجل-أعني كامو -الذي كان يفكر مثل مونتاني ويكتب مثل باسكال ويعيش شكوك العصر الحديث، يقدّم لنا احتمال تمرّد مقبول ومعقول. ويعتقد المفكّر دافيد شارمان أن ألبير كامو هو النّموذج الحقيقيّ للفيلسوف الذي يدعو إلى الحوار بين الثقافات، وإلى الدفاع عن حقوق الإنسان.
    كامو وسيرة الرجل الأول
    ويرى الفرنسيّ ميشال أونفراي أنه -أي كامو- يقدّم لنا الدّليل القاطع، ونحن نخرج من عصر الإيديولوجيّات، أنه على حقّ. ويضيف أونفراي قائلا: “لقد انتقد كامو وبحدّة الرأسماليّة، وانعدام الإنسانيّة في سياسات اليمين كما في سياسات اليسار، وقال لنا بأن العدالة من دون حرية تقود إلى الديكتاتوريّة، وأن الحرية من دون عدالة تؤدّي إلى قانون الغاب”. وعندما قضى في حادث السيّارة العبثيّ، كان ألبير كامو يحمل معه مخطوط روايته “الرّجل الأوّل” التي نجد فيها ملامح من سيرته الذّاتيّة.
    ونحن نعلم أنه ولد في السّابع من نوفمبر-تشرين الثاني 1913 في قرية على الحدود الفاصلة بين تونس والجزائر. وكانت والدته من أصول أسبانيّة، وكانت شبه بكماء وأمّيّة. لذلك سوف يهديها روايته “الرّجل الأوّل” على النّحو التّالي: “إليك أنت التي لن تستطيعين أبدا قراءة هذا الكتاب”. وأمّا والده لوسيان كامو فقد قتل منذ بداية للحرب الكونيّة الأولى.
    وفي الفصل الأوّل من الرواية المذكورة، يتحدّث ألبير كامو عن قدوم والده إلى الجزائر، وسفره إلى تلك القرية النّائية التي ستشهد مولده. وبدقّة يصف كامو رحلة والده المضنية في عربة قديمة مصحوبا بزوجته الحامل، وبعربيّ استقبله في مدينه عنّابة. وعند الوصول إلى القرية تحسّ زوجته بأوجاع الحمل، فينصرف هو بحثا عن طبيب. ويختم كامو الفصل الأوّل بهذه الفقرة البديعة: “في ساعة متأخّرة من الليل، مرتديا سرْوالا طويلا، وثوبا مسرّدا، وممدّدا على حشيّة بالقرب من زوجته، كان “كورمير” (الاسم الذي اختاره كامو لوالده) ينظر إلى لهب النّار وهو يرقص على السّقف. كانت الغرفة قد رتّبت تقريبا، ومن الناحية الأخرى لزوجته، كان المولود الجديد يستريح من دون ضجيج في السّلّة المخصّصة للثّياب.
    كانت زوجته نائمة هي أيضا، ووجهها باتّجاهه، وفمها مفتوح، كان المطر قد توقّف. حدث ذلك ظهيرة يوم ربيعيّ كانت فيه الشمس باهتة الضّوء. من نافذة القطار، كان الرجل ينظر إلى القرى البشعة وإلى الحقول التي كانت تتابع أمام عينيه.
    حال وصوله إلى”سان- بريك”، يترك الرجل حقيبته في الفندق، ثمّ يمضي إلى المقبرة. وهناك يعلم أنّ والده “كورميري” قتل في معركة “لامارن” يوم الحادي عشر من أكتوبر- تشرين الأول 1914. وهنا يكتب كامو قائلا: “منذ سنوات، ومنذ أن آستقرّ به المقام في فرنسا، ووالدته التي ظلّت تقيم في الجزائر، تطلب منه ما كانت تطلبه منه منذ أمد بعيد: أن يزور قبر والده الذي لم تزره أبدا، وهو يعتقد أن الزيارة لا معنى لها بالنسبة إليه لأنه لم يعرف أبدا والده، ويجهل تماما كيف كان خاله، ثمّ إنه يمقت الطقوس.
    والآن لم تعد السنوات تنتظم بحسب التّرتيب الزّمني، وإنّما هي تنفجر متحوّلة إلى دوّامات. وها أن الرجل ينظر إلى المقبرة التي امتلأت بجثث جنود قتلوا وهو في ريعان الشّباب، هم الذين كانوا آباء لأبناء أصبحوا في سنّ الكهولة، وبدأ الشّيب يغزو رؤوسهم. وهنا يكتب كامو قائلا: “هو لم يعد الآن غير ذلك القلب المتوجّس، الشّره للحياة، والمتمرّد على النظام القاتل للعالم، القلب الذي رافقه على مدى أربعين عاما، والذي لا يزال يضرب دائما بنفس القوّة ضدّ الجدار الذي يفصله عن سرّ كلّ حياة».
    وفي روايته “الرجل الأول”، يتحدّث كامو عن طفولته المعذّبة في الجزائر، وعن الألعاب التي كان يمارسها مع أطفال الحيّ، وعن جدّته القاسية، التي كانت تضربه، وتعنّفه عندما يأتي بأفعال لا تكون على علم ومعرفة بها. وعندما كان يتردّد على المعهد الثانوي بـ”باب الواد ” في الجزائر العاصمة، عشق ألبير كامو البحر، وعنه سيكتب في ما بعد نصوصا رائعة نشرت ضمن كتابه “أعراس″.
    وعندما أدرك سنّ المراهقة ،أخذ يتردّد على مكتبة خاله العامرة بكتب ثمينة. وسوف يكتب في ما بعد: “كلّ ثوراتي أضيئت بالنّور وكانت دائما تقريبا، وهذا ما أستطيع قوله من دون غشّ، من أجل الخير للجميع، ومن أجل أن تسمو حياة كل النّاس وسط النّور. وليس من المؤكّد أن يكون قلبي مهيّئا لمثل هذا النّوع من الحبّ، غير أن الظّروف ساعدتني. ولكي أصلح لا مبلاة طبيعيّة، وضعت في منتصف المسافة بين البؤس والشّمس. إنّ الفقر لا يمنع من الاعتقاد بأن كلّ شيء على ما يرام تحت الشمس وفي التّاريخ، فقد علّمتني الشمس أن التّاريخ ليس كلّ شيء نعم لتغيير الحياة، لكن لا لتغيير العالم الذي جعلت منه آلهتي”.





    inShare



يعمل...
X