Announcement

Collapse
No announcement yet.

أنطون تشيكوف ( 1860 – 1904) ومكانة في الآداب الروسية والعالمية

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أنطون تشيكوف ( 1860 – 1904) ومكانة في الآداب الروسية والعالمية

    تشيكوف الكاشف عن أدواء المجتمع الروسي بعين عالم الحشرات


    مسرح — 25 April 2013

    أنطون تشيكوف خرج بالمسرح الروسي من الرتابة إلى الفعل الجريء والمضمون الهادف
    أبو بكر العيادي
    يحتل أنطون تشيكوف ( 1860 – 1904) مكانة بارزة في الآداب الروسية والعالمية، فهو في أدب القصة رائد مؤسس، إلى جانب الفرنسي غي دو موباسان والأميركي إدغر ألان بو، تأثرت به أجيال كثيرة من كتاب القصة في العالم، وهو في المسرح مجدّد أحدث ثورة هادئة في الكتابة الدرامية بتخلّيه عن التقنيات الكلاسيكية وإيثاره تقديم صور حية عن المجتمع الروسي في عصره، وما زالت مسرحياته تعرض بانتظام في مسارح الدنيا وتلقى النجاح والإقبال. كذا «النورس» و»العم فانيا» و»بستان الكرز» و»الأخوات الثلاث» التي تعرض الآن في «الكوميديا الفرنسية» بباريس.
    وكان تشيكوف في أوج عطائه وقمة مجده حينما ألف هذه المسرحية عام 1990 بطلب من نميروفيتش دانتشنكو وقسطنطين ستانيسلافسكي لتدشين مسرح موسكو للفن الذي أنشآه، ولكن النقاد الذين أثنوا على أعماله السابقة اختلفوا في تقويم هذا العمل، فمنهم من عاب عليها عدمَ احتفائها ببطل، وخلوَّها من الأحداث، إلا ما ندر، واستغناءَها عن العقدة والتصعيد الدرامي. ومنهم من تحمس لها ورأى فيها براعة في تصوير المعيش اليومي لشريحة من المجتمع الروسي، وجرأة في طرح بعض القضايا النسوية في عصر لا تزال فيه حرية المرأة موضع جدل، ولا يزال عملها -خارج البيت – يدرج باحتشام. فبين أحاديث عبثية وجدل فلسفي عميق، بين زيجات مجهضة وعلاقات غرامية خائبة، يعالج تشيكوف ثيمات الزمن الذي يمضي ويدمر في انسياقه الرهيب الأحلام والآمال وأهمية العمل والاستقلالية والملل عند غياب أسباب النجاح والعلاقات العاطفية.
    الشخصيات المحورية في هذه المسرحية – كما يدل عليها عنوانها – ثلاث نساء شابات، قدمن إلى مدينة صغيرة في عمق أحد الأرياف الروسية صحبة أخيهنّ أندري الذي سيتزوج فتاة من صغار البورجوازية، ووالدهن الضابط بروزُروف الذي التحق بثكنة بالجوار. وبعد وفاة الأب، لم يعد يشغل أولئك الأخوات سوى حلم واحد هو العودة إلى موسكو، التي ترمز لفردوس مفقود قضين فيه طفولتهن، ومشروع مستقبلي لبلد يقف على حدّ فاصل بين القدامة والحداثة. وفيما هن يخوّضن في الحلول من كل جانب، لاح لهن نور انفراج يبدد رتابة الأيام الكئيبة بوفود جنود شبان بدؤوا يترددون على بيتهن، فإذا ماشا – التي تزوجت في ريعان الشباب رجلا ثقيل الدم – تقع في هوى عسكري برتبة مقدّم، وإذا إيرينا تُخطب لضابط آخر برتبة ملازم أول، فيما أختهما أولغا تضج بأحلام وردية مستجدة لا تعرف لها مستقرّا. ولكن سرعان ما تعود الحياة إلى سالف رتابتها برحيل الفرق العسكرية، ومقتل الخطيب الشاب إثر مبارزة، وترتد الأخوات الثلاث إلى وحدتهن الكئيبة وتتراكم الخيبات عليهن جميعا.
    «الأخوات الثلاث»: مسرحية مؤلمة عن حياة لم تكتمل معانيها بنظرة حديثة لدراما تشيكوف
    دراما في أربعة فصول تخالف البنية الكلاسيكية المعهودة، من حيث اهتمامها بمصائر شخصيات بسيطة تتابع في استسلام تفتّت أحلامها، وسبرها حياة تمضي على هامش التاريخ والحداثة، ورسمها – في نوع من النقد الجارح والسخرية المرة – صورة شبيبة لا أفق لها ولا مطمح، كأنها ثابتة جامدة، كثكالى في مأتم جنازي، في تلميح إلى مجتمع يقف على حافة قدر لا يأتي، واعٍ في الآن نفسه بنهايته المحتومة.
    وقائع أربع سنوات من حياة فئة ضعيفة خارج العمران، في مرحلة تشهد تحوّل بلد وتعطل أنفس تتجاذبها التقاليد المترهلة وطوباويات التاريخ، استطاع تشيكوف أن يلتقطها بعين عالم الحشرات، وما ذلك بغريب على «أول من أمسك الوجودية في وحدتها وعزلتها، واهتم بالحياة أكثر من اهتمامه بطبائع الأفراد « على حدّ عبارة جيمس جويس الذي يكنّ لتشيكوف تقديرا يفوق ما يكنّه لتولستوي ودستويفسكي وتورغنييف وسائر الكتاب الروس.
    المسرحية أخرجها الفرنسي ألان فرانسون على نحو يخالف ما قام به منذ بضعة أشهر في مسرح بوبيني شمالي باريس المخرج الروسي ليف دودين، أكبر رجل مسرح في روسيا بعد رحيل بيوتر فومينكو الصيفَ الماضي. فإذا كان دودين قد نزّل الأحداث في عصرنا الحاضر، مع الحفاظ على التقليد الدارج في المسرح السيكولوجي الروسي، واستعان بسينوغرافيا بارعة تقدم الشخصيات عبر نوافذ تتخلل واجهة تمثل البيت، وتتحرك باتجاه الجمهور أو تتنقل أفقيا يمنة ويسرة، فإن فرانسون اختار العودة إلى الجذور، واستفاد من مقاربة ستانيسلافسكي في المعالجة الركحية، كما فعل من قبل عندما أخرج «بستان الكرز» عام 2009، مستخدما ديكور نهاية القرن التاسع عشر، والنبرة الواقعية لتلك الفترة، مستعيدا ما حرص تشيكوف على إبرازه من تأرجح في الخطاب بين الجوهري الضروري والتافه الذي لا معنى له لإضفاء مسحة واقعية ساحرة تتجلى في سائر أدبه المسرحي، الذي لا ينأى كثيرا عن أدبه النثري المتميز.
Working...
X